الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ سُبْحانَهُ بِما فُعِلَ بِالقُرى الظّالِمَةِ، وحَذَّرَ كُلَّ مَن فَعَلَ أفْعالَهم بِسَطَواتِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وأمَرَ بِاتِّباعِ أمْرِهِ والإعْراضِ عَنِ اخْتِلافِهِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ وأرادَهُ، عَطَفَ عَلى قَوْلِهِ: ﴿نَقُصُّهُ عَلَيْكَ﴾ [هود: ١٠٠] قَوْلَهُ: ﴿وكُلا نَقُصُّ﴾ أيْ: ونَقُصُّ ﴿عَلَيْكَ﴾ كُلَّ نَبَأٍ؛ أيْ: خَبَرٍ عَظِيمٍ جِدًّا ﴿مِن أنْباءِ الرُّسُلِ﴾ مَعَ أُمَمِهِمْ: صالِحِيهِمْ وفاسِدِيهِمْ، فَعَمَّ تَفْخِيمًا لِلْأمْرِ، ولَمّا كانَ الَّذِي جَرَّ هَذِهِ \ القِصَصَ ما مَضى مِن قَوْلِهِ: ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إلَيْكَ وضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ [هود: ١٢] - الآيَةَ. وكانَ ساكِنُ الصَّدْرِ القَلْبَ، وهو الفُؤادُ الَّذِي بِهِ قِوامُ الإنْسانِ بَلِ الحَيَوانِ، وهو أحَرُّ ما فِيهِ، ولِذا عَبَّرَ عَنْهُ بِما اشْتُقَّ مِنَ الفَأْدِ وهو (p-٤٠٤)الحَرْقُ، وكانَ مِن لازِمِ الحَرارَةِ الِاضْطِرابُ والتَّقَلُّبُ الَّذِي اشْتُقَّ مِنهُ القَلْبُ فَيَضِيقُ بِهِ الصَّدْرُ، أبْدَلَ مِن ”كُلًّا“ قَوْلُهُ: ﴿ما نُثَبِّتُ﴾ أيْ: تَثْبِيتًا عَظِيمًا ﴿بِهِ فُؤادَكَ﴾ أيْ: فَيَسْكُنُ في مَوْضِعِهِ ويَطْمَئِنَّ أوْ يَزْدادَ يَقِينُهُ فَلا يَضِيقُ الصَّدْرُ مِن قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود: ١٢] ونَحْوِهِ، وبِهَذا تَبَيَّنَ أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ العامِّ خاصٌّ لِحُصُولِهِ المَقْصُودَ لَهُ، وهو التَّسْلِيَةُ نَظَرًا إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ [هود: ١٢] لِأنَّ المُشارَكَةَ في الأُمُورِ الصَّعْبَةِ تُهَوِّنُ عَلى الإنْسانِ ما يَلْقى مِنَ الأذى، والإعْلامَ بِعُقُوباتِ المُكَذِّبِينَ فِيها تَأْنِيسٌ لِلْمَكْرُوبِ؛ والتَّثْبِيتُ: تَمْكِينُ إقامَةِ الشَّيْءِ؛ والفُؤادُ: العُضْوُ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يَحْمى بِالغَضَبِ الحالِّ فِيهِ، مِنَ المُفْتَأدِ وهو المُسْتَوِي. ولَمّا بَيَّنَ أنَّ كُلَّ ما قُصَّ عَلَيْهِ مِن أخْبارِهِمْ يَسْتَلْزِمُ هَذا المَقْصُودَ، بَيَّنَ أنَّهُ لَيْسَ كَما يُعَلَّلُ بِهِ غالِبًا مِنَ الأخْبارِ الفارِغَةِ والأحادِيثِ المُزَخْرَفَةِ الباطِلَةِ ولا مِمّا يَنْقُلُهُ المُؤَرِّخُونَ مَشُوبًا بِالتَّحْرِيفِ فَقالَ: ﴿وجاءَكَ في هَذِهِ﴾ أيِ الأخْبارِ ﴿الحَقُّ﴾ أيِ الكامِلُ في الثَّباتِ الَّذِي لا مِرْيَةَ فِيهِ، وفائِدَةُ الظَّرْفِ التَّأْكِيدُ لِعِظَمِ المَقْصُودِ مِن آيَةِ: ﴿فَلَعَلَّكَ﴾ [هود: ١٢] وصُعُوبَتِهِ. ولَمّا كانَ الحَقُّ حَقًّا بِالنِّسْبَةِ إلى كُلِّ أحَدٍ عَرَّفَهُ ونَكَّرَ ما هو خاصٌّ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ فَقالَ: ﴿ومَوْعِظَةٌ﴾ أيْ: مُرَقِّقٍ لِلْقُلُوبِ ﴿وذِكْرى﴾ أيْ: تَذْكِيرٌ عَظِيمٌ جِدًّا ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أيِ الرّاسِخِينَ في الإيمانِ، وقَدْ (p-٤٠٥)تَضَمَّنَتِ الآيَةُ الِاعْتِبارَ مِن قَصَصِ الرُّسُلِ بِما فِيها مِن حُسْنِ صَبْرِهِمْ عَلى أُمَمِهِمْ واجْتِهادِهِمْ عَلى دُعائِهِمْ إلى عِبادَةِ اللَّهِ بِالحَقِّ وتَذْكِيرِ الخَيْرِ والشَّرِّ وما يَدْعُو إلَيْهِ كُلٌّ مِنهُما مِن عاقِبَةِ النَّفْعِ والضُّرِّ لِلثَّباتِ عَلى ذَلِكَ جَمِيعِهِ اقْتِداءً بِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب