الباحث القرآني
(p-٢٤٥)ولَمّا اسْتَثْنى سُبْحانَهُ مِنَ الجارِينَ مَعَ الطَّبْعِ الطّائِشِينَ في الهَوى مَن تَحَلّى بِرَزانَةِ الصَّبْرِ النّاشِئِ عَنْ وقارِ العِلْمِ المُثْمِرِ لِصالِحِ العَمَلِ، وكانَ ﷺ رَأْسَ الصّابِرِينَ، وكانَ ما مَضى مِن أقْوالِهِمْ وأفْعالِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: ﴿ما يَحْبِسُهُ﴾ [هود: ٨] وتَثَنِّيهِمْ صُدُورَهم أسْبابًا لِضِيقِ صَدْرِهِ ﷺ، فَرُبَّما كانَتْ مَظِنَّةً لِرَجائِهِمْ تَرْكَهُ ﷺ بَعْضَ ما يُوحى إلَيْهِ مِن عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وتَضْلِيلِ آبائِهِمْ وتَسْفِيهِ أحْلامِهِمْ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ طَمَعًا في إقْبالِهِمْ أوْ خَوْفًا مِن إدْبارِهِمْ فَإنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: ما نَراهُ يَذْكُرُ مَن خالَفَ دِينَهُ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى بِمِثْلِ الَّذِي يَذْكُرُنا بِهِ مِنَ الشَّرِّ، قالَ تَعالى مُسَبَّبًا عَنْ ذَلِكَ ناهِيًا في صِيغَةِ الخَبَرِ: ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ﴾ أيْ: إشْفاقًا أوْ طَمَعًا ﴿بَعْضَ ما﴾ ولَمّا كانَ المُوحى قَدْ صارَ مَعْلُومًا لَهم وإنْ نازَعُوا فِيهِ بَنى لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُ: ﴿يُوحى إلَيْكَ﴾ كالإنْذارِ وتَسْفِيهِ أحْلامِ آبائِهِمْ ﴿وضائِقٌ بِهِ﴾ أيْ: بِذَلِكَ البَعْضِ ﴿صَدْرُكَ﴾ مَخافَةَ رَدِّهِمْ لَهُ إذا بَلَّغْتَهُ لَهُمْ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ﴾ أيْ: مَخافَةَ أوْ لِأجْلِ أنْ ﴿يَقُولُوا﴾ تَعَنُّتًا ومُغالَبَةً؛ إذْ لَوْ كانُوا مُسْتَرْشِدِينَ لَكَفَتْهم آيَةٌ واحِدَةٌ ﴿لَوْلا﴾ أيْ: هَلّا ولِمَ لا ﴿أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ﴾ يَسْتَغْنِي بِهِ ويَتَفَرَّغُ لِما يُرِيدُ، [وبَنَوْهُ لِلْمَفْعُولِ لِأنَّ المَقْصُودَ مُطْلَقُ حُصُولِهِ]، وكانُوا يَتَهاوَنُونَ بِالقُرْآنِ لِعِلْمِهِمْ أنَّهُ الآيَةُ العُظْمى فَكانُوا لا يَعُدُّونَهُ آيَةً عِنادًا ومُكابَرَةً ﴿أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ أيْ: لِيُؤَيِّدَ كَلامَهُ ولِيَشْهَدَ لَهُ، فَكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَضِيقُ صَدْرُهُ بِمِثْلِ أقْوالِهِمْ هَذِهِ ويَثْقُلُ عَلَيْهِ أنْ يُلْقِيَ إلَيْهِمْ ما لا يَقْبَلُونَهُ ويَضْحَكُونَ (p-٢٤٦)مِنهُ فَحَرَّكَهُ اللَّهُ بِهَذا لِأداءِ الرِّسالَةِ كائِنًا فِيها ما كانَ، فَكانَ المَعْنى: فَإذا تَقَرَّرَ أنَّ الإنْسانَ مَطْبُوعٌ عَلى نَحْوِ هَذا مِنَ التَّقَلُّباتِ، فَلا تَكُنْ مَوْضِعَ رَجائِهِمْ في أنْ تَكُونَ تارِكًا ما يَغِيظُهم مِمّا نَأْمُرُكَ بِهِ، [بَلْ كُنْ] مِنَ الصّابِرِينَ؛ قالَ أهْلُ السِّيَرِ: فَلَمّا بادى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَوْمَهُ بِالإسْلامِ وصَدَعَ بِهِ كَما أمَرَهُ اللَّهُ لَمْ يَبْعُدْ [مِنهُ] قَوْمُهُ ولَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ حَتّى ذَكَرَ آلِهَتَهم وعابَها، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ أعْظَمُوهُ وناكَرُوهُ وأجْمَعُوا خِلافَهُ إلّا مَن عَصَمَهُ اللَّهُ؛ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما «أنَّ المُشْرِكِينَ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: ائْتِنا بِكِتابٍ لَيْسَ فِيهِ سَبُّ آلِهَتِنا».
ولَمّا أفْهَمَ هَذا السِّياقُ الإنْكارَ لِما يَفْتُرُ عَنِ الإنْذارِ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ [لَهُ]: هَذا الرَّجاءُ المَرْجُوُّ مُنْكَرٌ، والمَقْصُودُ الأعْظَمُ مِنَ الرِّسالَةِ النِّذارَةُ لِأنَّها هي الشّاقَّةُ عَلى النُّفُوسِ، وأمّا البِشارَةُ فَكُلُّ مَن قامَ يَقْدِرُ عَلى إبْلاغِها فَلِذا قالَ: ﴿إنَّما أنْتَ نَذِيرٌ﴾ فَبَلِّغْهم ما أُرْسِلْتَ بِهِ فَيَقُولُونَ لَكَ ما يُقَدِّرُهُ اللَّهُ لَهم فَلا يَهُمَّنَّكَ [فَلَيْسَ عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ] وما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ تَتَوَصَّلُ إلى رَدِّهِمْ إلى الطّاعَةِ بِالقَهْرِ والغَلَبَةِ بَلِ الوَكِيلُ اللَّهُ الفاعِلُ لِما يَشاءُ ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ.
ولَمّا كانَ \ السِّياقُ لِإحاطَتِهِ سُبْحانَهُ، قَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ مِنهم ومِن غَيْرِهِمْ ومِن قَبُولِهِمْ ورَدِّهِمْ ومِن حِفْظِكَ مِنهم ومِن غَيْرِهِ ﴿وكِيلٌ﴾ [فَهُوَ يُدَبِّرُ الأُمُورَ عَلى ما يَعْلَمُهُ مِنَ الحِكَمِ، فَإنْ شاءَ جاءَ (p-٢٤٧)بِما سَألُوا وإنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ولا اعْتِراضَ عَلَيْهِ] فَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ في كُلِّ أمْرٍ وإنْ صَعُبَ، ولَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلى النِّذارَةِ لِأنَّ المَقامَ يَقْتَضِيها مِن أجْلِ أنَّهم أهْلٌ لَها وأنَّها هي الَّتِي يَطْعَمُونَ في تَرْكِها بِإطْماعِهِمْ في المُؤالَفَةِ بِالإعْراضِ عَمّا يُوجِبُ المُخالَفَةَ؛ والصَّدْرُ: مَسْكَنُ القَلْبِ، يُشَبَّهُ بِهِ رَئِيسُ القَوْمِ والعالِي المَجْلِسِ لِشَرَفِ مَنزِلَتِهِ عَلى غَيْرِهِ مِنَ النّاسِ؛ والكَنْزُ: المَدْفُونُ، وقَدْ صارَ في الدِّينِ صِفَةَ ذَمٍّ لِكُلِّ مالٍ لَمْ يُخْرَجْ مِنهُ الواجِبُ مِنَ الزَّكاةِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا، [والآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: نَفى أوَّلًا قُدْرَتَهُ ﷺ عَلى الإتْيانِ بِما سَألُوا دَلِيلًا عَلى قُدْرَةِ مُرْسِلِهِ عَلى ذَلِكَ وغَيْرِهِ ثانِيًا. وأثْبَتَ الوِكالَةَ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى نَفْيِها أوَّلًا].
{"ayah":"فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَضَاۤىِٕقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن یَقُولُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَاۤءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَاۤ أَنتَ نَذِیرࣱۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ وَكِیلٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق