الباحث القرآني

ولَمّا كانَ العِلْمُ حاصِلًا بِما سَبَقَ مِنَ الحُكْمِ مِن أنَّ الآدَمِيَّ مَحَلُّ العَجْزِ والتَّقْصِيرِ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِأعْلى مُكَفِّرٍ لِما يُوجِبُهُ العَجْزُ ويَقْضِي بِهِ الفُتُورُ والوَهْنُ مِنَ الصَّغائِرِ وأعَمِّهِ وأجْلَبِهِ لِلِاسْتِقامَةِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّها بَعْدَ الإيمانِ أفْضَلُ العِباداتِ، فَقالَ تَعالى: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ﴾ (p-٣٩٥)أيِ اعْمَلْها عَلى اسْتِواءٍ ﴿طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ بِالصُّبْحِ والعَصْرِ كَما كانَ مَفْرُوضًا بِمَكَّةَ في أوَّلِ الأمْرِ قَبْلَ الإسْراءِ، ويُمْكِنُ أنْ يُرادَ مَعَ ذَلِكَ الظُّهْرُ لِأنَّها مِنَ الطَّرَفِ الثّانِي ﴿وزُلَفًا﴾ أيْ: طَوائِفَ ودَرَجاتٍ وأوْقاتٍ، جَمْعُ زُلْفَةٍ ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ التَّهَجُّدَ، فَقَدْ كانَ مَفْرُوضًا في أوَّلِ الإسْلامِ، ويُمْكِنُ أنْ يُرادَ المَغْرِبُ والعِشاءُ مَعَ الوَتْرِ أوِ التَّهَجُّدِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الحَسَناتِ﴾ أيِ الطّاعاتِ كُلَّها الصَّلاةَ وغَيْرَها المَبْنِيَّةَ عَلى أساسِ الإيمانِ ﴿يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ﴾ أيِ الصَّغائِرَ، وأمّا الكَبائِرُ [الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْها بِالفَواحِشِ ونَحْوِهِ] فَقَدْ تَقَدَّمَ في قِصَّةِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ﴾ [هود: ٩٠] أنَّهُ لا يُكَفِّرُها إلّا التَّوْبَةُ لِما فِيها مِنَ الإشْعارِ بِالتَّهاوُنِ بِالدِّينِ، واجْتِنابُها لا يُكَفِّرُ إلّا إذا كانَ عَنْ نِيَّةٍ صالِحَةٍ كَما أفْهَمُهُ صِيغَةُ الِافْتِعالِ مِن قَوْلِهِ: ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا﴾ [النساء: ٣١] رَوى البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أنَّ رَجُلًا أصابَ مِنَ امْرَأةٍ قُبْلَةً، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ - الآيَةَ. قالَ الرَّجُلُ: ألِي هَذِهِ؟ قالَ: لِمَن عَمِلَ بِها مِن أُمَّتِي». وهَذا الحَدِيثُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ مِن هَذِهِ السُّورَةِ المَكِّيَّةِ المَدَنِيَّةِ. ولَمّا تَمَّ هَذا عَلى هَذا الوَجْهِ الأعْلى والتَّرْتِيبِ الأوْلى، قالَ تَعالى (p-٣٩٦)مادِحًا لَهُ لِيُعْرَفَ مِقْدارُهُ فَيُلْزَمَ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرُ العالِي الرُّتْبَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ والتَّسْلِيَةِ وتَعْلِيمِ الدّاءِ والدَّواءِ لِلْخَلاصِ مِنَ الشَّقاءِ ﴿ذِكْرى﴾ أيْ: ذِكْرٌ عَظِيمٌ ﴿لِلذّاكِرِينَ﴾ أيْ: لِمَن فِيهِ أهْلِيَّةُ الذِّكْرِ والِانْتِباهِ بِهِ بِحُضُورِ القَلْبِ وصَفاءِ الفِكْرِ ونُفُوذِ الفَهْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب