الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ إعْراضَهم عَنِ الإتْباعِ مَعَ ما أتى بِهِ مِنَ المُعْجِزاتِ وأُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الكِتابِ، سَلّاهُ بِأخِيهِ عَلَيْهِما السَّلامُ لِأنَّ الحالَ إذا عَمَّ خَفَّ، وابْتَدَأ ذِكْرَهُ بِحَرْفِ التَّوَقُّعِ بِما دَعا إلى تَوَقُّعِهِ مِن قُرْبِ ذِكْرِهِ مَعَ فِرْعَوْنَ مَعَ ذِكْرِ كِتابِهِ أوَّلَ السُّورَةِ فَقالَ تَعالى: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا﴾ [أيْ] بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿مُوسى الكِتابَ﴾ أيِ التَّوْراةَ الجامِعَةَ لِلْخَيْرِ. ولَمّا كانَ الضّارُّ والمُسَلِّي نَفْسَ الِاخْتِلافِ، بَنى لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُ: ﴿فاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ فَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ وكَفَرَ بِهِ آخَرُونَ مَعَ أنَّهُ إمامٌ ورَحْمَةٌ (p-٣٨٨)وكَتَبَ سُبْحانَهُ لَهُ فِيهِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وكانَ مُعْجِبًا لِأهْلِ ذَلِكَ الزَّمانِ [كَما اخْتُلِفَ في كِتابِكَ مَعَ إعْجابِهِ لِأهْلِ هَذا الزَّمانِ] وبَيانِهِ لِلْهُدى أتَمَّ بَيانٍ، إشارَةً إلى أنَّ الخَلْقَ مَهْما جاءَهم عَنِ اللَّهِ، وهو لا يَكُونُ إلّا مَصْحُوبًا بِالأدِلَّةِ القاطِعَةِ نَأوْا عَنْهُ واخْتَلَفُوا فِيهِ، ومَهْما تَلَقَّفُوهُ عَنْ آبائِهِمْ تَلَقَّوْهُ بِالقَبُولِ وناضَلُوا عَنْهُ وسَمَحُوا فِيهِ بِالمُهَجِ وإنْ كانَ مُنابِذًا لِلْعُقُولِ، فَكانَ قَوْمُ مُوسى بِاخْتِلافِهِمْ في الكِتابِ كُلَّ قَلِيلٍ يَأْبى فَرِيقٌ مِنهم بَعْضَ أحْكامِهِ ويُرِيدُونَ نَقْضَ إبْرامِهِ كَما سَلَفَ بَيانُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ نَصِّ التَّوْراةِ وسِفْرِ يُوشَعَ إلى أنْ آلَ أمْرُهُمُ الآنَ إلى أنْ صارُوا ثَلاثَ فِرَقٍ: رَبّانِيِّينَ، وقَرابِينَ، وسامِرَةً؛ يُضَلِّلُ بَعْضُهم بَعْضًا، ومَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُعاجِلْهم بِالأخْذِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلى ذَلِكَ كَما فُعِلَ بِمَن قُصَّ أمْرُهُ مِنَ الأُمَمِ لِما سَبَقَ مِن حُكْمِهِ بِتَأْخِيرِهِمْ إلى الأجَلِ المَعْدُودِ، وفَصَلَ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ قِصَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ مَعَ ما دَعا إلى تَقْدِيمِ ما تَقَدَّمَ مِنَ الآياتِ أوْقَعَ في التَّسْلِيَةِ وأبْلَغَ في التَّعْزِيَةِ والتَّأْسِيَةِ كَما هو شَأْنُ \ كُلِّ ما أُلْقِيَ إلى المُحْتاجِ شَيْئًا فَشَيْئًا ﴿ولَوْلا كَلِمَةٌ﴾ أيْ: عَظِيمَةٌ لا يُمْكِنُ تَغْيِيرُها لِأنَّها مِن كَلامِ المَلِكِ الأعْظَمِ ﴿سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ﴾ [أيْ] المُحْسِنِ إلَيْكَ وإلَيْهِمْ بِإرْسالِكَ رَحْمَةً لِلْعالِمِينَ ﴿لَقُضِيَ﴾ أيْ: لَوَقَعَ القَضاءُ ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أيْ: بَيْنَ مَنِ اخْتَلَفَ في (p-٣٨٩)كِتابِ مُوسى عاجِلًا، ولَكِنْ سَبَقَتِ الكَلِمَةُ أنَّ القَضاءَ الكامِلَ إنَّما يَكُونُ يَوْمَ القِيامَةِ كَما قالَ في سُورَةِ يُونُسَ ﴿فَما اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ العِلْمُ﴾ [يونس: ٩٣] - الآيَةَ. ولَمّا كانَ الِاخْتِلافُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الكُفْرِ بَيَّنَ أنَّهُ بِهِ، فَقالَ مُؤَكِّدًا لِأنَّ كُلَّ طائِفَةٍ مِنَ اليَهُودِ تُنْكِرُ شَكَّها فِيهِ وفِعْلُها فِعْلُ الشّاكِّ: ﴿وإنَّهم لَفي شَكٍّ﴾ أيْ: عَظِيمٍ مُحِيطٍ بِهِمْ ﴿مِنهُ﴾ أيْ: مِنَ القَضاءِ أوِ الكِتابِ ﴿مُرِيبٍ﴾ أيْ: مُوقِعٍ في الرَّيْبِ والتُّهْمَةِ والِاضْطِرابِ مَعَ ما رَأوْا مِنَ الآياتِ الَّتِي مِنها سَماعُ كَلامِ اللَّهِ ورُؤْيَةُ ما كانَ يَتَجَلّى في جَبَلِ الطُّورِ مِنَ الجَلالِ ويَتَبَدّى لَهم في قُبَّةِ الزَّمانِ مِن خارِقِ الأحْوالِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب