الباحث القرآني

ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: يا لَيْتَ شِعْرِي ماذا يَكُونُ حالُ النّاسِ إذا أتى ذَلِكَ الأجَلُ وفِيها الجَبابِرَةُ والرُّؤَساءُ وذَوُو العَظَمَةِ والكُبَراءُ! أُجِيبَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَأْتِ﴾ أيْ: ذَلِكَ الأجَلُ لا يَقْدِرُونَ عَلى الِامْتِناعِ بَلْ ولا عَلى مُطْلَقِ الكَلامِ، وحَذَفَ ابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ الياءَ اجْتِزاءً عَنْها بِالكَسْرَةِ كَما هو فاشٍ في لُغَةِ هُذَيْلٍ، وكانَ ذَلِكَ إشارَةً إلى أنَّ شِدَّةَ هَوْلِهِ تَمْنَعُ أهْلَ المَوْقِفِ الكَلامَ أصْلًا في مِقْدارِ ثُلُثَيْهِ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهم في الكَلامِ في الثُّلْثِ الآخَرِ بِدَلالَةِ المَحْذُوفِ وقَرِينَةِ الِاسْتِثْناءِ، فَإنَّ العادَةَ أنْ يَكُونَ المُسْتَثْنى أقَلَّ مِنَ المُسْتَثْنى مِنهُ ﴿لا تَكَلَّمُ﴾ ولَوْ أقَلَّ كَلامٍ بِدَلالَةِ حَذْفِ التّاءِ ﴿نَفْسٌ﴾ مِن جَمِيعِ الخَلْقِ في ذَلِكَ اليَوْمِ (p-٣٨١)الَّذِي هو يَوْمُ الآخِرَةِ، وهو ظَرْفُ هَذا الأجَلِ وهو يَوْمٌ طَوِيلٌ جِدًّا ذُو ألْوانٍ وفُنُونٍ وأهْوالٍ وشُؤُونٍ، تارَةً يُؤْذَنُ فِيهِ في الكَلامِ، وتارَةً يَكُونُ عَلى الأفْواهِ الخِتامُ، وتارَةً يُسْكِتُهُمُ الخَوْفُ والحَسْرَةُ والآلامُ، وتارَةً يُنْطِقُهُمُ الجِدالُ والخِصامُ ﴿إلا بِإذْنِهِ﴾ أيْ: بِإذْنِ رَبِّكَ المُكَرَّرِ ذِكْرُهُ في هَذِهِ الآياتِ إشارَةً إلى حُسْنِ التَّرْبِيَةِ وإحْكامِ التَّدْبِيرِ. ولَمّا عُلِمَ مِن هَذا أنَّهُ يَوْمُ عَظَمَةٍ وقَهْرٍ، سُبِّبَ عَنْ تِلْكَ العَظَمَةِ تَقْسِيمُ الحاضِرِينَ فَقالَ: ﴿فَمِنهُمْ﴾ أيِ الخَلائِقِ الحاضِرِينَ لِأمْرِهِ ﴿شَقِيٌّ﴾ ثَبَتَتْ لَهُ الشَّقاوَةُ فَيُسِّرَ في الدُّنْيا لِأعْمالِها ﴿وسَعِيدٌ﴾ ثَبَتَتْ لَهُ السَّعادَةُ فَمَشى عَلى مِنوالِها؛ والتَّأْخِيرُ: الإذْهابُ عَنْ جِهَةِ الشَّيْءِ بِالإبْعادِ مِنهُ، وضِدُّهُ التَّقْدِيمُ؛ والأجَلُ: الوَقْتُ المَضْرُوبُ لِوُقُوعِ أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ؛ واللّامُ تَدُلُّ عَلى العِلَّةِ والغَرَضِ والحِكْمَةِ بِخِلافِ ”إلى“؛ والشَّقاءُ: قُوَّةُ أسْبابِ البَلاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب