الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِمّا جَرَّ هَذِهِ القِصَصَ وهَذِهِ المَواعِظَ تَكْذِيبُهم لِما يُوعَدُونَ (p-٣٧٥)مِنَ العَذابِ النّاشِئِ عَنْ إنْكارِ البَعْثِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَئِنْ قُلْتَ إنَّكم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ المَوْتِ﴾ [هود: ٧] - الآياتِ. أشارَ تَعالى إلى تَحَقُّقِ أمْرِ الآخِرَةِ وأنَّهُ مِمّا يَنْبَغِي الِاهْتِمامُ بِهِ رَدًّا لِلْمَقْطَعِ عَلى المَطْلَعِ، وإعْلامًا بِأنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما تَحَقَّقَ إيقاعُهُ مِن عَذابِ هَذِهِ الأُمَمِ في القُدْرَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ مُؤَكَّدًا لِأجْلِ جُحُودِهِمْ أنْ يَكُونَ في شَيْءٍ مِمّا مَضى دَلالَةٌ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيِ النَّبَأِ العَظِيمِ والقَصَصِ والوَعْظِ بِما يُذْكَرُ ﴿لآيَةً﴾ أيْ: لَعَلامَةً عَظِيمَةً ودَلالَةً بَتَّةً. ولَمّا كانَ وُجُودُ الشَّيْءِ عَدَمًا بِالنِّسْبَةِ إلى ما لا نَفْعَ لَهُ بِهِ، قالَ: ﴿لِمَن خافَ عَذابَ﴾ يَوْمِ الحَياةِ ﴿الآخِرَةِ﴾ لِأنَّهُ نَفْعٌ خاصٌّ بِهِ، وإنَّما كانَ آيَةً لَهُ لِأنَّهُ إذا نَظَرَ إلى إهْلاكِهِ لِلظّالِمِينَ إهْلاكًا عامًّا بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ وإنْجائِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، عَلِمَ أنَّهُ قادِرٌ عَلى ما يُرِيدُ، وأنَّهُ لا بُدَّ أنْ يُجازِيَ كُلًّا بِما فَعَلَ، فَإذا رَأى أنَّ ظُلْمَهُ كَثِيرِينَ يَمُوتُونَ بِغَيْرِ انْتِقامٍ عَلِمَ أنَّهُ لا بُدَّ مِن يَوْمٍ يُجازِيهِمْ فِيهِ، وهو اليَوْمُ الَّذِي أخْبَرَتْ بِهِ عَنْهُ رُسُلُهُ، وزادَ في الإشارَةِ إلى تَهْوِيلِهِ بِإعادَةِ اسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ اليَوْمُ العَظِيمُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ عَذابُ الآخِرَةِ ﴿يَوْمٌ﴾ وأشارَ - إلى يُسْرِ البَعْثِ وسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ وأنَّهُ [أمْرٌ ثابِتٌ] لا بُدَّ مِنهُ - بِاسْمِ المَفْعُولِ مِن قَوْلِهِ: ﴿مَجْمُوعٌ لَهُ﴾ أيْ: لِإظْهارِ العَدْلِ فِيهِ (p-٣٧٦)والفَضْلِ ﴿النّاسُ﴾ أيْ: كُلُّ مَن فِيهِ أهْلِيَّةُ التَّحَرُّكِ والِاضْطِرابِ، وما ثَمَّ يَوْمٌ غَيْرُهُ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أصْلًا. ولَمّا لَمْ يَسْبِقُهُ يَوْمٌ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمِيعُ الخَلْقِ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ والمَلائِكَةِ وجَمِيعُ الحَيَواناتِ أحْياءً، وكانَ ذَلِكَ مُسَوِّغًا لِأنْ تُعَدَّ شَهادَةُ غَيْرِهِ عَدَمًا فَقالَ تَعالى: ﴿وذَلِكَ﴾ أيِ اليَوْمُ العَظِيمُ ﴿يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ أيْ: هو نَفْسُهُ لَهم ولِغَيْرِهِمْ مِن جَمِيعِ الخَلْقِ، فَيَكُونُ تَنْوِينُهُ لِلتَّعْظِيمِ بِدَلالَةِ المَقامِ، أوْ يَكُونُ المَعْنى أنَّهُ أهْلٌ لِأنْ يُشْهَدَ، وتَتَوَفَّرَ الدَّواعِي عَلى حُضُورِهِ لِما فِيهِ مِن عَجائِبِ الأُمُورِ والأهْوالِ العِظامِ والمَواقِفِ الصَّعْبَةِ، فَلا يَكُونُ ثَمَّ شُغْلٌ إلّا نَظَرُ ما فِيهِ والإحاطَةُ بِحَوادِثِهِ خَوْفَ التَّلافِ ورَجاءَ الخَلاصِ؛ والآيَةُ: العَلامَةُ العَظِيمَةُ لِما فِيها مِنَ البَيانِ عَنِ الأمْرِ الكَبِيرِ؛ والخَوْفُ: انْزِعاجُ النَّفْسِ بِتَوَقُّعِ الشَّرِّ، وضِدُّهُ الأمْنُ وهو سُكُونُ النَّفْسِ بِتَوَقُّعِ الخَيْرِ؛ والعَذابُ: اسْتِمْرارُ الألَمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب