الباحث القرآني

ولَمّا كانَ فِيما تَقَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ القِصَصِ أشَدُّ تَهْدِيدٍ وأعْظَمُ وعِيدٍ لِمَن لَهُ تَبْصِرَةٌ، صَرَّحَ لِغَلِيظِي الأكْبادِ بِأنَّ المُوجِبَ لِلْإيقاعِ بِهِمْ إنَّما هو الظُّلْمُ، فَقالَ تَعالى عاطِفًا عَلى نَحْوِ أنْ يُقالَ: فَعَلْنا بِهِمْ وأنْبَأْناكَ بِهِ: ﴿وما ظَلَمْناهُمْ﴾ في شَيْءٍ مِنهُ ﴿ولَكِنْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ واعْتَمَدُوا عَلى أنْدادِهِمْ مُعْرِضِينَ عَنْ جَنابِنا آمَنِينَ مِن عَذابِنا فَأخَذْناهم ﴿فَما﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنِ اعْتِمادِهِمْ عَلى غَيْرِنا أنَّهُ ما ﴿أغْنَتْ عَنْهُمْ﴾ أيْ: بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ﴿آلِهَتُهُمُ الَّتِي﴾ وصَوَّرَ حالَهُمُ الماضِيَةَ فَقالَ: ﴿يَدْعُونَ﴾ أيْ: دَعَوْها واسْتَمَرُّوا عَلى دُعائِهِمْ لَها إلى حِينِ الأخْذِ، [وبَيَّنَ خِسَّةَ رُتْبَتِها فَقالَ]: ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ (p-٣٧٣)صِفاتِ الكَمالِ؛ وذَكَرَ مَفْعُولَ ”أغْنَتْ“ مُعَرَّقًا في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿مِن شَيْءٍ﴾ أيْ: وإنْ قَلَّ ﴿لَمّا جاءَ أمْرُ﴾ أيْ: عَذابُ ﴿رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْكَ بِتَأْخِيرِ العَذابِ المُسْتَأْصِلِ عَنْ أُمَّتِكَ وجَعَلَكَ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ ﴿وما زادُوهُمْ﴾ في أحْوالِهِمُ الَّتِي كانَتْ لَهم قَبْلَ عِبادَتِهِمْ إيّاها ﴿غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ أيْ: إهْلاكٍ وتَخْسِيرٍ، فَإنَّهم كانُوا في عِدادِ مَن يُرْجى فَلاحُهُ، فَلَمّا تَوَرَّطُوا في عِبادَتِها ونَشِبُوا في غَوايَتِها وبَعُدُوا عَنِ الِاسْتِقامَةِ بِضَلالَتِها خَسِرُوا أنْفُسَهُمُ الَّتِي هي رَأْسُ المالِ فَكَيْفَ لَهم بَعْدَ ذَلِكَ بِالأرْباحِ؛ والقَصُّ: إتْباعُ الأثَرِ، فَهو هُنا الإخْبارُ بِالأُمُورِ الَّتِي يَتْلُو بَعْضُها بَعْضًا؛ والدُّعاءُ: طَلَبُ الطّالِبِ الفِعْلَ مِن غَيْرِهِ، ونِداءُ الشَّيْءِ [بِاسْمِهِ] بِحَرْفِ النِّداءِ، وكِلا الأمْرَيْنِ مُرادانِ؛ و﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ مِن مَنزِلَةٍ أدْنى مِن مَنزِلَةِ عِبادَةِ اللَّهِ لِأنَّهُ مِنَ الأدْوَنِ، وهو الأقْرَبُ إلى جِهَةِ السُّفْلِ؛ والتَّبُّ: الهَلَكُ والخُسْرُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب