الباحث القرآني

﴿إنَّ الإنْسانَ﴾ أيْ هَذا النَّوْعَ الَّذِي هو أشْرَفُ الأنْواعِ لِكَوْنِهِ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ كَما أنَّ العَصْرَ خُلاصَةُ الزَّمانِ، والعَصْرُ يَكُونُ لِاسْتِخْراجِ خُلاصاتِ الأشْياءِ ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ أيْ نَقْصٍ بِحَسَبَ مَساعِيهِمْ في أهْوائِهِمْ وصَرْفِ أعْصارِهِمْ في أغْراضِهِمْ لِما لَهم بِالطَّبْعِ مِنَ المَيْلِ إلى الحاضِرِ والإعْراضِ عَنِ الغائِبِ والِاغْتِرارِ بِالفانِي أعَمَّ مِن أنْ يَكُونَ الخُسْرُ قَلِيلًا أوْ جَلِيلًا بِحَسَبَ تُنَوِّعُ النّاسِ إلى أكْياسٍ وأرْجاسٍ، فَمَن كانَ كافِرًا كانَ في كُفْران،ٍ ومَن كانَ مُؤْمِنًا عاصِيًا كانَ في خُسْرانٍ إنْ كانَ بِالغًا في المَعْصِيَةِ وإلّا كانَ في مُطْلَقِ الخُسْرِ، وهو مَدْلُولُ المَصْدَرِ المُجَرَّدِ، وفي هَذا إشارَةٌ إلى العِلْمِ بِالِاحْتِياجِ إلى إرْسالِ الرُّسُلِ لِبَيانِ المُرْضِي [لِلَّهِ] مِنَ الِاعْتِقاداتِ والعِباداتِ والعاداتِ إيمانًا وإسْلامًا وإدامَةً لِذَلِكَ لِيَكُونَ فاعِلُهُ مِن قَبْضَةِ اليَمِينِ وتارِكُهُ مِن أصْحابِ الشِّمالِ. وقالَ الأُسْتاذُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا قالَ تَعالى: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ [التكاثر: ١] وتَضَمَّنَ ذَلِكَ الإشارَةُ إلى قُصُورِ نَظَرِ الإنْسانِ وحَصْرِ إدْراكِهِ في العاجِلِ دُونَ الآجِلِ الَّذِي فِيهِ فَوْزُهُ وفَلاحُهُ، وذَلِكَ لِبُعْدِهِ عَنِ العِلْمِ بِمُوجِبِ الطَّبْعِ ﴿إنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ [الأحزاب: ٧٢] أخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الإنْسانِ بِما (p-٢٣٨)هُوَ إنْسانٌ فَقالَ ﴿والعَصْرِ﴾ [العصر: ١] ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ﴾ فالقُصُورُ شَأْنُهُ، والظُّلْمُ طَبْعُهُ، والجَهْلُ جِبِلَّتُهُ، فَيَحِقُّ أنْ يُلْهِيَهُ التَّكاثُرُ، ولا يُدْخِلُ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَ الإيمانِ ﴿إلا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [العصر: ٣] إلى آخِرِها، فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: ٣٧] انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب