الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الِاشْتِغالُ بِالتَّكاثُرِ في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى السَّفَهِ لِأنَّ مِنَ المَعْلُومِ قَطْعًا أنَّ هَذا الكَوْنَ عَلى هَذا النِّظامِ لا يَكُونُ إلّا بِصانِعٍ حَكِيمٍ، وكانَ العُقَلاءُ المُنْتَفِعُونَ بِالكَوْنِ في غايَةِ التَّظالُمِ، وكانَ الحَكِيمُ لا يَرْضى أصْلًا أنْ يَكُونَ عَبِيدُهُ يَظْلِمُ بَعْضُهم بَعْضًا ثُمَّ لا يُحْكِمُ بَيْنَهم ولا يَنْظِرُ في مَصالِحِهِمْ عُلِمَ قَطْعًا أنَّهُ يَبْعَثُهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهم لِأنَّهُ كَما قَدَرَ عَلى إبْدائِهِمْ يَقْدِرُ عَلى إعادَتِهِمْ، وقَدْ وعَدَ بِذَلِكَ وأرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ وأنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، فَثَبَتَ ذَلِكَ ثُبُوتًا لا مِرْيَةَ فِيهِ ولا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وكانَ الحالُ مُقْتَضِيًا لِأنْ يَرْدَعُ غايَةَ الرَّدْعِ مَن أعْرَضَ عَمّا يَعْنِيهِ وأقْبَلَ عَلى ما لا يَعْنِيهِ، فَقالَ سُبْحانَهُ مُعَبِّرًا بِأُمِّ الرَّوادِعِ، وجامِعَةِ الزَّواجِرِ والصَّوادِعِ: ﴿كَلا﴾ أيِ ارْتَدِعُوا أتَمَّ رَدْعٍ وانْزَجِرُوا أعْظَمَ زَجْرٍ عَنِ الِاشْتِغالِ بِما لا يُجْدِي، فَإنَّهُ لَيْسَ الأمْرُ كَما تَظُنُّونَ مِن أنَّ الفَخْرَ في المُكاثَرَةِ بِالأعْراضِ الدُّنْيَوِيَّةِ ولَمْ تُخْلِقُوا لِذَلِكَ، إنَّما خُلِقْتُمْ لِأمْرٍ عَظِيمٍ، فَهو الَّذِي يُهِمُّكم [فاشْتَغَلْتُمْ عَنْهُ بِما لا يُهِمُّكم -] فَكُنْتُمْ لاهِينَ كَمَن كانَ يَكْفِيهِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ فاشْتَغَلَ بِتَحْصِيلٍ أكْثَرَ، وكَذا مَن تَرَكَ المُهِمَّ مِنَ التَّفْسِيرِ واشْتَغَلَ بِالأقْوالِ الشّاذَّةِ أوْ تَرَكَ المُهِمَّ مِنَ الفِقْهِ واشْتَغَلَ بِنَوادِرِ الفُرُوعِ وعِلَلِ النَّحْوِ وغَيْرِها وتَرَكَ (p-٢٢٩)ما هو أهَمُّ مِنهُ مِمّا لا عَيْشَ لَهُ إلّا بِهِ. ولَمّا كانَ الرَّدْعُ لا يَكُونُ إلّا عَنْ ضارٍّ يَجُرُّ وبالًا وحَسْرَةً، دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ اسْتِئْنافًا: ﴿سَوْفَ﴾ أيْ بَعْدَ مُهْلَةٍ طَوِيلَةٍ يَتَذَكَّرُ فِيها مَن تَذَكَّرَ ﴿تَعْلَمُونَ﴾ أيْ يَتَجَدَّدُ لَكُمُ العِلْمُ بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ بِما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الخَطَإ عِنْدَ مُعايَنَةِ ما يَكْشِفُهُ المَوْتُ ويَجُرُّ حُزْنَهُ الفَوْتُ مِن عاقِبَةِ ذَلِكَ ووَبالِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب