الباحث القرآني

ولَمّا كانُوا يُنْكِرُونَ البَعْثَ، ويَعْتَقِدُونَ [دَوامَ -] الإقامَةَ في القُبُورِ، عَبَّرَ بِالزِّيارَةِ إشارَةً إلى أنَّ البَعْثَ لا بُدَّ مِنهُ ولا مِرْيَةَ فِيهِ، وأنَّ اللُّبْثَ في البَرْزَخِ وإنْ طالَ فَإنَّما هو كَلُبْثِ الزّائِرِ عِنْدَ مُزَوِّرِهِ في جَنْبِ الإقامَةِ بَعْدَ البَعْثِ في دارِ النَّعِيمِ أوْ غارِ الجَحِيمِ، وأنَّ الإقامَةَ [فِيهِ] مَحْبُوبَةٌ لِلْعِلْمِ بِما بَعْدَهُ مِنَ الأهْوالِ والشَّدائِدِ والأوْجالِ، فَقالَ: ﴿حَتّى﴾ أيِ اسْتَمَرَّتْ مُباهاتُكم ومُفاخَرَتُكم إلى أنْ ﴿زُرْتُمُ المَقابِرَ﴾ أيْ بِالمَوْتِ والدَّفْنِ، فَكُنْتُمْ فِيها عُرْضَةً لِلْبَعْثِ لا تَتَمَكَّنُونَ مِن عَمَلِ ما يُنْجِيكم لِأنَّ دارَ العَمَلِ فاتَتْ كَما أنَّ الزّائِرَ لَيْسَ بِصَدَدِ العِلْمِ عِنْدَ المَزُورِ، لا يَمْكُثُونَ بِها إلّا رَيْثَما يَتَكَمَّلُ المَجْمُوعُونَ بِالمَوْتِ كَما أنَّ الزّائِرَ مُعَرَّضٌ لِلرُّجُوعِ (p-٢٢٧)إلى دارِهِ وحَلِّ قَرارِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكم وازِعٌ عَنِ الإقْبالِ عَلى الدُّنْيا إلّا المَوْتُ لَكانَ كافِيًا فَكَيْفَ والأمْرُ أعْظَمُ مِن ذَلِكَ؟ فَإنَّ المَوْتَ مُقَدِّمَةٌ مِن مُقَدِّماتِ العَرْضِ، قالَ أبُو حَيّانَ: سَمِعَ بَعْضُ الأعْرابِ الآيَةَ فَقالَ: بَعْثُ القَوْمِ لِلْقِيامَةِ ورَبِّ الكَعْبَةِ، فَإنَّ الزّائِرَ مُنْصَرِفٌ لا مُقِيمٌ، ورَوى ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ أنَّهُ قَرَأها ثُمَّ قالَ: ما [أرى] المَقابِرَ إلّا زِيارَةً، ولا بُدَّ لِمَن زارَ أنْ يَرْجِعَ إلى بَيْتِهِ، إمّا إلى الجَنَّةِ أوْ إلى النّارِ. وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ القارِعَةِ وعَظِيمُ أهْوالِها، أعْقَبَ بِذِكْرِ ما شَغَلَ وصَدَّ عَنِ الِاسْتِعْدادِ لَها وألْهى عَنْ ذِكْرِها، وهو التَّكاثُرُ بِالعَدَدِ والقَراباتِ والأهْلِينَ فَقالَ: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ [التكاثر: ١] وهو في مَعْرِضِ التَّهْدِيدِ والتَّقْرِيعِ وقَدْ أعْقَبَ بِما يَعْضُدُ ذَلِكَ وهو قَوْلُهُ ﴿كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [التكاثر: ٣] ﴿ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [التكاثر: ٤] ثُمَّ قالَ: ﴿كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ﴾ [التكاثر: ٥] وحَذْفُ جَوابِ ”لَوْ“ والتَّقْدِيرُ: لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ لِما شَغَلَكُمُ التَّكاثُرُ، قالَ ﷺ: «لَوْ تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» الحَدِيثُ، وقَوْلُهُ تَعالى ”لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ“ جَوابُ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ أيْ واللَّهِ لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ، وتَأكَّدَ بِها التَّهْدِيدُ وكَذا ما بَعْدُ (p-٢٢٨)إلى آخِرِ السُّورَةِ - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب