الباحث القرآني

ولَمّا أقْسَمَ بِالخَيْلِ الَّتِي هي أشْرَفُ الحَيَوانِ كَما أنَّ الإنْسانَ المُقْسَمَ لِأجْلِهِ أشْرَفُ ما اتَّصَفَ مِنهُ بِالبَيانِ، وتَجْرِي بِهِ أفْكارُهُ كَخَيْلِ الرِّهانِ، وتَقْدَحُ المَعانِي تارَةً مُقْتَرِنَةً بِأشْرَفِ اللَّمَعانِ، وأُخْرى بِأخَسِّ ما يَقَعُ بِهِ الِاقْتِرانُ، مِنَ الزُّورِ والبُهْتانِ، والإلْحادِ والطُّغْيانِ، وتَغَيَّرَ مِنهُ ثَواقِبُ الأذْهانِ، تارَةً عَلى شُبَهِ الخُصُومِ بِالبُرْهانِ، وأُخْرى بِما يُغَيِّرُ بِهِ مِنَ الشُّبَهِ المُلْتَبِسَةِ في وُجُوهِ المَعانِي الحِسانِ، ويَنْثُرُ تارَةً المَعانِي الصَّحِيحَةَ عَلى أهْلِ الطُّغْيانِ، (p-٢١٤)مِن ذَوِي البِدَعِ والكُفْرانِ، وأُخْرى الفاسِدَةُ عَلى حِزْبِ المَلِكِ الدَّيّانِ، وتَتَوَسَّطُ تارَةً جَمْعَ أُولِي الطُّغْيانِ، وأُخْرى جَمْعُ أُولِي الإيمانِ، وكانَتِ الإغارَةُ في الغالِبِ لِأجْلِ قَهْرِ المُغارِ عَلَيْهِمْ عَلى أمْوالِهِمْ عُدْوانًا إنْ كانَ ذَلِكَ في غَيْرِ الجِهادِ، وإنْ كانَتْ في الجِهادِ فَقَلَّ مَن يُخْلِصُ في ذَلِكَ الحالِ، فَيَكُونُ عَمَلُهُ لَيْسَ إلّا لِلَّهِ كَما أشارَ إلَيْهِ الحَدِيثُ القُدْسِيُّ: «إنَّ عَبْدِي كُلُّ عَبْدِي لَلَّذِي يَذْكُرُنِي عِنْدَ لِقاءِ قَرْنِهِ» قالَ مُجِيبًا لِلْقَسَمِ بِذِكْرِ المُقْسَمِ عَلَيْهِ حاكِمًا عَلى النَّوْعِ بِاعْتِبارِ عَدِّ المُخْلِصِ لِقِلَّتِهِ عَدَمًا، مُؤَكِّدًا لِما لَهم مِن تَكْذِيبِ ذَلِكَ فَإنَّ كُلَّ أحَدٍ يَتَبَرَّأُ مِن مِثْلِ هَذا الحالِ: ﴿إنَّ الإنْسانَ﴾ أيْ هَذا النَّوْعُ بِما لَهُ مِنَ الأُنْسِ بِنَفْسِهِ والنِّسْيانِ لِما يَنْفَعُهُ ﴿لِرَبِّهِ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْهِ بِإبْداعِهِ ثُمَّ إبْقائِهِ وتَدْبِيرِهِ وتَرْبِيَتِهِ ﴿لَكَنُودٌ﴾ أيْ كُفُورٌ نَكَدٌ لِسُوءِ المُعامَلَةِ حَيْثُ يُقَدِّمُ بِما أحْسَنَ بِهِ اللَّهُ إلَيْهِ مِنَ الصّافِناتِ الجِيادِ وبِما آتاهُ مِن قُوَّةِ الجِنانِ والأرْكانِ عَلى ما نَهاهُ عَنْهُ، ومَصْدَرُهُ الكَنُودُ بِالضَّمِّ وهو كُفْرانُ النِّعْمَةِ، فالمُرادُ هُنا - بِالتَّعْبِيرِ [عَنْهُ] بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الَّتِي هي لِلْمُبالَغَةِ - مَن يَزْدَرِي القَلِيلَ ولا يَشْكُرُ الكَثِيرَ، ويَنْسى كَثِيرَ النِّعْمَةِ بِقَلِيلِ المِحْنَةِ، ويَلُومُ رَبَّهُ في أيْسَرِ نِقْمَةٍ، وقالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ: هو مَن أنْسَتْهُ (p-٢١٥)الخَصْلَةُ الواحِدَةُ مِنَ الإساءَةِ الخِصالِ الكَثِيرَةِ مِنَ الإحْسانِ، والشَّكُورُ ضِدُّهُ. وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أقْسَمَ سُبْحانَهُ عَلى [حالِ] الإنْسانِ بِما هو فَقالَ: ”إنَّ الإنْسانَ لِرَبِّهِ لِكَنُودٌ“ أيْ لَكَفُورٌ، يَبْخَلُ بِما لَدَيْهِ مِنَ المالِ كَأنَّهُ لا يُجازى ولا يُحاسَبُ عَلى قَلِيلِ ذَلِكَ وكَثِيرِهِ مِن أيْنَ اكْتَسَبَهُ وفِيما أنْفَقَهُ، وكَأنَّهُ ما سَمِعَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] ﴿ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨] ﴿وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ﴾ [العاديات: ٨] أيِ المالِ ﴿لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: ٨] لَبَخِيلٌ، ﴿وإنَّهُ عَلى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ [العاديات: ٧] فَإنَّ اللَّهَ عَلى ذَلِكَ لِمُطَّلِعٌ فَلا نَظَرَ في أمْرِهِ وعاقِبَةِ مَآلِهِ ﴿إذا بُعْثِرَ ما في القُبُورِ﴾ [العاديات: ٩] ﴿وحُصِّلَ ما في الصُّدُورِ﴾ [العاديات: ١٠] أيْ مَيَّزَ ما فِيها مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ لِيَقَعَ الجَزاءُ عَلَيْهِ ﴿إنَّ رَبَّهم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ﴾ [العاديات: ١١] لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أمْرِهِمْ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] ﴿ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨] - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب