الباحث القرآني

ولَمّا كانَ ما مَضى رُبَّما أوْجَبَ اعْتِقادَ أنَّ إيمانَ مِثْلِ أُولَئِكَ مُحالٌ جاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ في مَقامِ الِاحْتِراسِ مِنهُ مَعَ البَيانِ لِأنَّ حِرْصَ الرَّسُولِ ﷺ عَلى إيمانِهِمْ لا يَنْفَعُ ومُبالَغَتَهُ في إزالَةِ الشُّبَهاتِ وتَقْرِيرِ الدَّلائِلِ لا تُفِيدُ إلّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى لِتَوْفِيقِهِمْ وهِدايَتِهِمْ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ وحْدَهُ كافِيًا لَآمَنُوا بِهَذِهِ السُّورَةِ؛ فَإنَّها أزالَتْ شُبُهاتِهِمْ وبَيَّنَتْ ضَلالاتِهِمْ وحَقَّقَتْ بِقِصَّتَيْ نُوحٍ ومُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ ضَعْفَهم ووَهْنَ مُدافِعاتِهِمْ فَقالَ تَعالى: ﴿ولَوْ شاءَ﴾ أيْ: إيمانَ النّاسِ ﴿رَبُّكَ﴾ أيِ المُحْسِنُ إلَيْكَ بِإقْبالِ مَن أقْبَلَ لِعِلْمِهِ الخَيْرَ فِيهِ وإدْبارِ مَن أدْبَرَ لِعَدَمِ قابِلِيَّتِهِ لِلْخَيْرِ ﴿لآمَنَ مَن في الأرْضِ﴾ مِنَ الكُفّارِ. ولَمّا كانَ هَذا ظاهِرًا في الكُلِّ، صَرَّحَ بِهِ مُؤَكَّدًا لِأنَّ المَقامَ يَقْتَضِيهِ فَقالَ: (p-٢١٠)﴿كُلُّهم جَمِيعًا﴾ أيْ: مُجْتَمِعِينَ في آنٍ واحِدٍ لا يَخْتَلِفُونَ في شَيْءٍ مِنهُ، ولَكِنْ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ وأنْتَ لِحِرْصِكَ عَلى امْتِثالِ أوامِرِي ووَصِيَّتِي لَكَ بِاللُّطْفِ بِخَلْقِي المُوافِقِ لِما جَبَلْتُكَ عَلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ تُرِيدُ ذَلِكَ ﴿أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ﴾ أيِ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ إيمانَهم [مَعَ ما طَبَعَهم عَلَيْهِ مِنَ الِاضْطِرابِ] ﴿حَتّى يَكُونُوا﴾ أيْ: كَوْنًا جِبِلِّيًّا ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: راسِخِينَ في الإيمانِ، وإيلاءُ الِاسْتِفْهامِ الِاسْمَ مُقَدَّمًا عَلى الفِعْلِ لِلْإعْلامِ بِأنَّ الفِعْلَ - وهو هُنا الإكْراهُ - مُمْكِنٌ مِن غَيْرِ ذَلِكَ الِاسْمِ وهو هُنا اللَّهُ وحْدَهُ [القادِرُ عَلى تَحْوِيلِ الطِّباعِ] فَإنَّ قُدْرَتَهُ قاهِرَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ ومَشِيئَتَهُ نافِذَةٌ في كُلِّ شَيْءٍ مَعَ الدَّلالَةِ عَلى أنَّ وُقُوعَ خِلافِ المَشِيئَةِ مُسْتَحِيلٌ لا يُمْكِنُ لِغَيْرِهِ تَعالى بِإكْراهٍ ولا غَيْرِهِ، والمَشِيئَةُ مَعْنًى يَكُونُ بِهِ الفِعْلُ مُرادًا أخَذْتَ مِنَ الشَّيْءِ، والمُرادُ بِالآيَةِ تَخْفِيفُ ما يَلْحَقُ النَّبِيَّ ﷺ مِنَ التَّحَسُّرِ لِلْحِرْصِ عَلى إيمانِهِمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب