الباحث القرآني

(p-٢٠٨)ولَمّا كانَ هَذا مَوْضِعَ أنْ يُقالَ: إنَّما تُطْلَبُ الآياتُ لِما يُرْجى مِن تَسَبُّبِ الإيمانِ عَنْها، تَسَبَّبَ عَنْهُ أنْ يُجابَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَوْلا﴾ أيْ: فَهَلّا ﴿كانَتْ قَرْيَةٌ﴾ أيْ: واحِدَةٌ مِن قُرى الأُمَمِ الماضِيَةِ الَّتِي أهْلَكْناها ﴿آمَنَتْ﴾ أيْ: آمَنَ قَوْمُها عِنْدَ إتْيانِ الآياتِ أوْ عِنْدَ رُؤْيَةِ أسْبابِ العَذابِ ﴿فَنَفَعَها﴾ [أيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ إيمانِها ذَلِكَ أنَّهُ نَفَعَها -] \ ﴿إيمانُها﴾ ولَمّا كانَ المَعْنى ”لَوْلا“ النَّفْيَ، كانَ التَّقْدِيرُ: لَكِنْ لَمْ تُؤْمِن قَرْيَةٌ مِنهم إلّا عِنْدَ صَدْمِ العَذابِ كَما فَعَلَ فِرْعَوْنُ، لَوْ آمَنَ عِنْدَ رُؤْيَةِ البَحْرِ عَلى حالِ الفَلْقِ أوْ عِنْدَ تَوَسُّطِهِ وقَبْلَ انْسِيابِهِ عَلَيْهِ قَبْلُ، ولَكِنَّهُ ما آمَنَ إلّا بَعْدَ انْهِمارِهِ ومَسِّهِ. وذَلِكَ حِينَ لا يَنْفَعُ لِفَواتِ شَرْطِهِ مِنَ الإيمانِ بِالغَيْبِ ﴿إلا قَوْمَ يُونُسَ﴾ فَإنَّهم آمَنُوا عِنْدَ المَخايِلِ وقْتَ بَقاءِ التَّكْلِيفِ فَنَفَعَهم ذَلِكَ فَإنَّهم ﴿لَمّا آمَنُوا﴾ ودَلَّ عَلى أنَّهُ قَدْ كانَ أظَلَّهم بِقَوْلِهِ: ﴿كَشَفْنا﴾ أيْ: بِعَظَمَتِنا ﴿عَنْهُمْ﴾ أيْ: حِينَ إيمانِهِمْ، رُوِيَ أنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهم وبَيْنَ العَذابِ إلّا قَدْرُ مِيلٍ ﴿عَذابَ الخِزْيِ﴾ أيِ الَّذِي كانَ يُوجِبُ لَهم لَوْ بَرَكَ عَلَيْهِمْ هَوانَ الدّارَيْنِ ﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ أيْ: فَلَمْ يَأْخُذْهم وقْتَ رُؤْيَتِهِمْ لَهُ ﴿ومَتَّعْناهُمْ﴾ [أيْ] تَمْتِيعًا عَظِيمًا ﴿إلى حِينٍ﴾ وهو انْقِضاءُ آجالِهِمْ مُفَرَّقَةً كُلُّ واحِدٍ مِنهم في وقْتِهِ المَضْرُوبِ لَهُ، وما ذَكَرْتُهُ في مَعْنى الآيَةِ نَقَلَهُ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ البَسْتِيُّ في تَفْسِيرِهِ المُسْنَدِ عَنِ ابْنِ أبِي عُمَرَ قالَ: قالَ سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ: (p-٢٠٩)﴿فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ﴾ قالَ: فَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ، وهَذا تَفْسِيرُ مَعْنى الكَلامِ، وأمّا ”لَوْلا“ فَهو بِمَعْنى هَلّا، وهي عَلى وُجُوهِ تَحْضِيضٍ وتَأْنِيثٍ، أيْ تَوْبِيخٍ، وهي [هُنا] لِلتَّوْبِيخِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً بِمَعْنى ”لَوْلا“، ويَلْزَمُ كُلًّا مِنَ المَعْنَيَيْنِ النَّفْيُ؛ والنَّفْعُ: إيجابُ اللَّذَّةِ بِفِعْلِها أوْ ما يُؤَدِّي إلَيْها كالدَّواءِ الكَرِيهِ المُؤَدِّي إلى اللَّذَّةِ؛ والخِزْيُ هو أنْ يُفْضَحَ صاحِبُهُ، وهو وضْعٌ مِنَ القَدْرِ لِلَغَمِّ الَّذِي يَلْحَقُ بِهِ، وأصْلُهُ التَّعَبُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب