الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ خَوْفَهم وعُذْرَهُمْ، أتْبَعَهُ ما يُوجِبُ طُمَأْنِينَتَهُمْ، وهو التَّوَكُّلُ عَلى اللَّهِ الَّذِي مَن راقَبَهُ تَلاشى عِنْدَهُ كُلُّ عَظِيمٍ، فَقالَ: ﴿وقالَ مُوسى﴾ أيْ: لِمَن آمَنَ بِهِ مُوَطِّنًا لَهم عَلى أنَّ الجَنَّةَ لا تُنالُ إلّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ ”يُبْتَلى (p-١٧٧)النّاسُ عَلى قَدْرِ إيمانِهِمْ“ ﴿يا قَوْمِ﴾ فاسْتَعْطَفَهم بِالتَّذْكِيرِ بِالقُرْبِ وهَزَّهم إلى المَعالِي بِهِ فِيهِمْ مِنَ القُوَّةِ ثُمَّ هَيَّجَهم وألْهَبَهم عَلى الثَّباتِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ أيْ: كَوْنًا هو في ثَباتِهِ كالخُلُقِ الَّذِي لا يَزُولُ ﴿آمَنتُمْ بِاللَّهِ﴾ وثَبَّتَهم بِذِكْرِ الِاسْمِ الأعْظَمِ وما دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفاتِ، وأجابَ الشَّرْطَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَعَلَيْهِ﴾ أيْ: وحْدَهُ لِما عَلِمْتُمْ مِن عَظَمَتِهِ الَّتِي لا يُدايِنُها شَيْءٌ سِواهُ ﴿تَوَكَّلُوا﴾ ولْيَظْهَرْ عَلَيْكم أثَرُ التَّوَكُّلِ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ والثَّباتِ والسَّكِينَةِ ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ أيْ: كَوْنًا ثابِتًا ﴿مُسْلِمِينَ﴾ جامِعِينَ إلى تَصْدِيقِ القَلْبِ إذْعانَ الجَوارِحِ؛ وجَوابُ هَذا الشَّرْطِ ما دَلَّ عَلَيْهِ الماضِي مِن قَوْلِهِ: ﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا﴾ ﴿فَقالُوا﴾ أيْ: عَلى الفَوْرِ كَما يَقْتَضِيهِ الفاءُ ﴿عَلى اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها وحْدَهُ ﴿تَوَكَّلْنا﴾ أيْ: فَوَّضْنا أُمُورَنا كُلَّها إلَيْهِ ﴿رَبَّنا﴾ أيْ: أيُّها المُوجِدُ لَنا المُحْسِنُ إلَيْنا ﴿لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً﴾ أيْ: مَوْضِعَ مُخالَطَةٍ بِما يَمِيلُ ويُحِيلُ ﴿لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ أيْ: لا تُصِبْنا أنْتَ بِما يَظُنُّونَ بِهِ تَهاوُنَكَ بِنا فَيَزْدادُوا نُفْرَةً عَنْ دِينِكَ لِظَنِّهِمْ أنّا عَلى الباطِلِ ولا تُسَلِّطْهِمْ عَلَيْنا مِمّا يَفْتِنُنا عَنْ دِينِنا فَيَظُنُّوا أنَّهم عَلى الحَقِّ ﴿ونَجِّنا بِرَحْمَتِكَ﴾ أيْ: إكْرامِكَ لَنا ﴿مِنَ القَوْمِ﴾ أيِ الأقْوِياءِ ﴿الكافِرِينَ﴾ أيِ العَرِيقِينَ في تَغْطِيَةِ الأدِلَّةِ، وفي دُعائِهِمْ هَذا إشارَةٌ [إلى أنَّ] أمْرَ الدِّينِ أهَمُّ مِن أمْرِ النَّفْسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب