الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فامْتَثَلُوا أمْرَهُ وجَمَعُوهُمْ، دَلَّ عَلى قُرْبِ اجْتِماعِهِمْ بِالفاءِ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ﴾ أيْ: كُلُّ مَن في أرْضِ مِصْرَ مِنهم ﴿قالَ لَهم مُوسى﴾ مُزِيلًا لِهَذا الإيهامِ ﴿ألْقُوا﴾ جَمِيعَ ﴿ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ أيْ: راسِخُونَ في صَنْعَةِ إلْقائِهِ، إشارَةً إلى أنَّ ما جاؤُوا بِهِ لَيْسَ أهْلًا لِأنَّ يُلْقى إلَيْهِ بالٌ ﴿فَلَمّا ألْقَوْا﴾ أيْ: وقَعَ مِنهُمُ الإلْقاءُ بِحِبالِهِمْ وعِصِيِّهِمْ [عَلى إثْرِ مَقالاتِهِ] وخَيَّلُوا بِسِحْرِهِمْ لِعُيُونِ النّاسِ ما زَلْزَلَ عُقُولَهُمْ﴿قالَ مُوسى﴾ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ ﴿ما جِئْتُمْ بِهِ﴾ ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ ما اسْتَفْهَمَ عَنْهُ جَهْلًا بَلِ احْتِقارًا وإنْكارًا، وزادَ في بَيانِ كُلٍّ مِنَ الأمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿السِّحْرُ﴾ لِأنَّهُ اسْتِفْهامٌ أيْضًا سَواءٌ قُطِعَتِ الهَمْزَةُ ومُدَّتْ كَما في قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو وأبِي جَعْفَرٍ أوْ جُعِلَتْ هَمْزَةَ وصْلٍ كَما في قِراءَةِ الباقِينَ، فَإنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهامِ مُقَدَّرَةٌ، والتَّعْرِيفُ إمّا لِلْعَهْدِ وإمّا لِلْحَقِيقَةِ وهو أقْرَبُ، ويَجُوزُ في قِراءَةِ الجَماعَةِ أنْ يَكُونَ خَبَرًا لِما يُقْصَدُ بِهِ الحَصْرُ، أيْ هو السِّحْرُ لا ما نَسَبْتُمُوهُ إلَيَّ؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بَيانَ ما حَقَّرَهُ بِهِ فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ إحاطَةُ العِلْمِ والقُدْرَةِ ﴿سَيُبْطِلُهُ﴾ أيْ: عَنْ قَرِيبٍ بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِما بَيَّنَ (p-١٧٥)أنَّهُ فَسادٌ فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿لا يُصْلِحُ﴾ أيْ: في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ أيِ العَرِيقِينَ في الفَسادِ؛ بِأنْ لا يَنْفَعَ بِعَمَلِهِمْ ولا يُدِيمَهُ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بَيانَ إصْلاحِهِ عَمَلَ المُصْلِحِينَ فَقالَ: ﴿ويُحِقُّ﴾ أيْ: يُثْبِتُ إثْباتًا عَظِيمًا ﴿اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الأعْظَمُ ﴿الحَقَّ﴾ أيِ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ الثَّباتُ صِفَةً لازِمَةً؛ ولَمّا كانَ في مَقامِ تَحْقِيرِهِمْ دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِتَكْرِيرِ الِاسْمِ الجامِعِ الأعْظَمِ. وأشارَ إلى ما لَهُ مِنَ الصِّفاتِ العُلى بِقَوْلِهِ: ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ أيِ الأزَلِيَّةِ الَّتِي لَها ثَباتُ الأعْظَمِ، وزادَ في العَظَمَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ أيِ العَرِيقُونَ في قَطْعِ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ، فَكانَ كَما قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: بَطَلَ سِحْرُهُمْ، واضْمَحَلَّ مَكْرُهُمْ، وحَقَّ الحَقُّ - كَما بَيَّنَ في سُورَةِ الأعْرافِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب