الباحث القرآني

ثُمَّ أثْبَتَ سُبْحانَهُ اخْتِصاصَهُ بِشَيْءٍ جامِعٍ لِلْعِلْمِ والقُدْرَةِ تَأْكِيدًا لِاخْتِصاصِهِ بِالعِزَّةِ وتَفَرُّدِهِ بِالوَحْدانِيَّةِ، وأنَّ مَن أشْرَكَ بِهِ خارِصٌ لا عِلْمَ لَهُ بِوَجْهٍ لِكَثْرَةِ الدَّلائِلِ عَلى وحْدانِيَّتِهِ ووُضُوحِها فَقالَ: ﴿هُوَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ أيْ: بِسَبَبِ دَوَرانِ الأفْلاكِ الَّذِي أتْقَنَهُ ﴿لَكُمُ﴾ أيْ: نِعْمَةً مِنهُ ﴿اللَّيْلَ﴾ أيْ: مُظْلِمًا ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ راحَةً لَكم ودَلالَةً عَلى قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ عَلى الإيجادِ والإعْدامِ وأُنْسًا لِلْمُحِبِّينَ لِرَبِّهِمْ ﴿والنَّهارَ﴾ وأعارَ السَّبَبَ وصْفَ المُسَبَّبَ فَقالَ: ﴿مُبْصِرًا﴾ أيْ: لِتَنْتَشِرُوا فِيهِ، حَذَفَ وصْفَ اللَّيْلِ وذُكِرَتْ عِلَّتُهُ عَكْسَ ما فَعَلَ بِالنَّهارِ لِيَدُلَّ ما ثَبَتَ عَلى ما حُذِفَ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ. ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآياتُ مِنَ الظُّهُورِ بِحَيْثُ لا يُحْتاجُ إلى أكْثَرَ مِن سَماعِها، قالَ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرِ العَظِيمِ ﴿لآياتٍ لِقَوْمٍ﴾ أيْ: لَهم قُوَّةُ المُحاوَلَةِ عَلى ما يُرِيدُونَهُ ﴿يَسْمَعُونَ﴾ أيْ: لَهم سَمْعٌ صَحِيحٌ، وفي ذَلِكَ أدِلَّةٌ واضِحاتٌ عَلى أنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالعِزَّةِ فَلا شَرِيكَ لَهُ، لِأنَّ الشَّرِيكَ لا بُدَّ وأنْ يُقاسِمَ شَرِيكَهُ شَيْئًا مِنَ الأفْعالِ أوِ الأحْوالِ أوِ المِلْكِ، وأمّا عِنْدَ انْتِفاءِ جَمِيعِ ذَلِكَ فانْتِفاءِ الشَّرِكَةِ أوْضَحُ مِن أنْ يُحْتاجَ فِيهِ إلى دَلِيلٍ، ويَجُوزَ أنْ يَكُونَ المَعْنى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُبْصِرُونَ إبْصارَ اعْتِبارٍ (p-١٥٩)ويَسْمَعُونَ سَماعَ تَأمُّلٍ وادِّكارٍ، ولَكِنَّهُ حَذَفَ ”يُبْصِرُونَ“ لِدَلالَةِ ﴿مُبْصِرًا﴾ عَلَيْهِ، ويَزِيدُ ذَلِكَ [وُضُوحًا و] حُسْنًا كَوْنُ السِّياقِ لِنَفْيِ الشُّرَكاءِ، فَهو إشارَةٌ إلى أنَّها لا تَسْمَعُ ولا تُبْصِرُ أصْلًا فَكَيْفَ بِالِاعْتِبارِ والِافْتِكارِ؟ فالَّذِينَ عَبَدُوهم أكْمَلُ حالًا مِنهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب