الباحث القرآني

ولَمّا كانَ السَّبَبُ الحامِلُ لِمُلُوكِ الدُّنْيا عَلى الكَذِبِ والجَوْرِ والظُّلْمِ العَجْزَ أوْ طَلَبَ التَّزَيُّدِ في المُلْكِ، أشارَ إلى تَنَزُّهِهِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُؤَكَّدًا سَوْقًا لَهم مَساقَ المُنْكِرِ لِأنَّ فِعْلَهم في عِبادَةِ الأصْنامِ فِعْلُ مَن يُنْكِرُ مَضْمُونَ الكَلامِ: ﴿ألا إنَّ لِلَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ وحْدَهُ ﴿ما في السَّماواتِ﴾ بَدَأ بِها لِعُلُوِّها مَعْنًى وحِسًّا وعَظْمَتُها؛ ولَمّا كانَ المَقامُ لِلْغِنى عَنِ الظُّلْمِ لَمْ يُحْوِجِ الحالُ إلى تَأْكِيدٍ بِإعادَةِ النّافِي فَقالَ: ﴿والأرْضِ﴾ أيْ: مِن جَوْهَرٍ وعَرَضٍ صامِتٍ وناطِقٍ، فَلا شَيْءَ خارِجٌ عَنْ مُلْكٍ يُحْوِجُهُ إلى ظُلْمٍ أوْ إخْلافِ وعْدٍ لِحِيازَتِهِ، والحاصِلُ أنَّهُ لا يَظْلِمُ إلّا ناقِصُ المُلْكِ وأمّا مِن لَهُ المُلْكُ كُلُّهُ فَهو الحَكَمُ العَدْلُ؛ لِأنَّ جَمِيعَ الأشْياءِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَلى حَدٍّ سَواءٍ، ولا يُخْلِفُ الوَعْدَ إلّا ناقِصُ القُدْرَةِ وأمّا مَن لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ولا يَخْرُجُ عَنْ قَبْضَتِهِ شَيْءٌ فَهو المُحِقُّ في الوَعْدِ العَدْلُ في الحُكْمِ، وفي الآيَةِ زِيادَةُ تَحْسِيرٍ وتَنْدِيمٍ لِلنَّفْسِ الظّالِمَةِ حَيْثُ أُخْبِرَتْ بِأنَّ ما تَوَدُّ أنْ تَفْتَدِيَ بِهِ لَيْسَ لَها مِنهُ شَيْءٌ ولا تَقْدِرُ عَلى التَّوَصُّلِ إلَيْهِ، ولَوْ قَدَرَتْ ما قُبِلَ (p-١٤٢)مِنها، وإنَّما هو لِمَن رَضِيَ مِنها بِالقَلِيلِ مِنهُ فَضْلًا مِنهُ عَلَيْها عَلى ما أُمِرَ بِهِ عَلى لِسانِ رُسُلِهِ، وعَلى هَذا فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: لَوْ أنَّ لَها ذَلِكَ لافْتَدَتْ بِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ لَها بَلْ لِلَّهِ؛ فَلَمّا ثَبَتَ بِذَلِكَ حُكْمُهُ بِالعَدْلِ وتَنَزُّهُهُ عَنْ إخْلافِ الوَعْدِ صَرَّحَ بِمَضْمُونِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا لِإنْكارِهِمْ: ﴿ألا إنَّ وعْدَ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿حَقٌّ﴾ لِأنَّهُ تامُّ القُدْرَةِ والغِنى، فَلا حامِلَ [لَهُ] عَلى الإخْلافِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهُمْ﴾ أيِ الَّذِينَ تَدْعُوهم وهم يَدَّعُونَ دِقَّةَ الأفْهامِ وسِعَةَ العُقُولِ ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: لا عِلْمَ لَهم فَهم لا يَتَدَبَّرُونَ ما نَصَبْنا مِنَ الأدِلَّةِ فَلا يَنْقادُونَ لِما أمَرْنا بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ فَهم باقُونَ عَلى الجَهْلِ مَعْدُودُونَ مَعَ البَهائِمِ؛ و”ألا“ مُرَكَّبَةٌ مِن هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ و”لا“ وكانَتْ تَقْرِيرًا وتَذْكِيرًا فَصارَتْ تَنْبِيهًا، وكُسِرَتْ ”إنَّ“ بَعْدَها لِأنَّها اسْتِئْنافِيَّةٌ يُنَبَّهُ بِها عَلى مَعْنًى يُبْتَدَأُ بِهِ ولِذا يَقَعُ بَعْدَها الأمْرُ والدُّعاءُ بِخِلافِ ”لَوْ“ و”إلّا“ لِلِاسْتِقْبالِ فَلَمْ يَجُزْ بَعْدَها إلّا كَسْرُ ”إنَّ“ و”أما“ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنى ”حَقًّا“ في قَوْلِهِمْ: أما إنَّهُ مُنْطَلِقٌ، وهي لِلْحالِ فَجازَ في ”إنَّ“ بَعْدَها الوَجْهانِ - ذَكَرَهُ الرُّمّانِيُّ؛ والسَّماواتُ طَبَقاتٌ مَرْفُوعَةٌ أوَّلُها سَقْفٌ مُزَيَّنٌ بِالكَواكِبِ. وهي مِن سَما بِمَعْنى عَلا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب