الباحث القرآني
فَلَمّا تَقَرَّرَ أنَّهُ هو الَّذِي بَدَأ الخَلْقَ، تَقَرَّرَ بِذَلِكَ أنَّهُ قادِرٌ عَلى إعادَتِهِ فَقالَ: ﴿إلَيْهِ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾ أيْ رُجُوعُكم ومَوْضِعُ رُجُوعِكم ووَقْتُهُ] حالَ كَوْنِكم ﴿جَمِيعًا﴾ لا يَتَخَلَّفُ مِنكم أحَدٌ، تَقَدَّمَ وعْدُهُ لَكم بِذَلِكَ ﴿وعْدَ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿حَقًّا﴾ (p-٧٢)فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِعِبادَتِهِ لِوَحْدانِيَّتِهِ، فَيَحْيَوْنَ بَعْدَ المَوْتِ ويُحْشَرُونَ إلى مَوْضِعِ جَزاءِ اللَّهِ تَعالى لَهم زَمانَهُ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ، ويَرْفَعُ ما كانَ لَهم مِنَ المُكْنَةِ في الدُّنْيا، فَعُلِمَ قَطْعًا أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الرَّسُولِ، فاسْتَعِدُّوا لِلِقاءِ هَذا المَلِكِ الأعْظَمِ بِكُلِّ ما أمَرَكم بِهِ الرَّسُولُ ﷺ؛ ثُمَّ أوْضَحَ التَّنْبِيهَ عَلى قُدْرَتِهِ مُضَمِّنًا لَهُ بَيانَ حِكْمَتِهِ فَقالَ مُعَلِّلًا لِوُجُوبِ المَرْجِعِ إلَيْهِ مُؤَكِّدًا عَدًّا لَهم في عِدادِ المُنْكِرِ لِلِابْتِداءِ لِأجْلِ إنْكارِهِمْ ما يَلْزَمُ عَنْهُ مِن تَمامِ القُدْرَةِ عَلى البَعْثِ وغَيْرِهِ: ﴿إنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ﴾ أيْ يُنْشِئُهُ النَّشْأةَ الأُولى، لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ مُتَجَدِّدَةَ التَّعَلُّقِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ لِيُقِيمَ العَدْلَ في خَلْقِهِ بِأنْ يُنْجِزَ لِمَن عَبْدَهَ وعْدَهُ بِأنْ يُعِزَّهُ ويُذِلَّ عَدُوَّهُ وذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لِيَجْزِيَ﴾
ولَمّا كانَ في سِياقِ البَعْثِ قَدَّمَ أهْلَ الجَزاءِ وبَدَأ بِأشْرافِهِمْ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أوْجَدُوا هَذا الوَصْفَ الَّذِي هو الأساسُ المُتْقَنُ لِكُلِّ عَمَلٍ صالِحٍ ﴿وعَمِلُوا﴾ أيْ وصَدَقُوا إيمانَهم بِأنْ عَمِلُوا ﴿الصّالِحاتِ﴾ جَزاءً كائِنًا ﴿بِالقِسْطِ﴾ [واقْتَصَرَ عَلى العَدْلِ دُونَ الفَضْلِ لِيُفْهَمَ أنَّ تَرْكَ الحَشْوِ مُخِلٌّ بِالعَمَلِ الَّذِي هو مَحَطُّ الحِكْمَةِ الَّتِي هي أعْظَمُ مَصالِحِ السُّورَةِ]، والجَزاءُ: الإعْطاءُ بِالعَمَلِ ما يَقْتَضِيهِ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، فَلَوْ كانَ الإعْطاءُ ابْتِداءً لَمْ يَكُنْ جَزاءً، ولَوْ كانَ (p-٧٣)ما لا يَقْتَضِيهِ العَمَلُ لَمْ يَكُنْ جَزاءً مُطْلَقًا. والقِسْطُ: العَدْلُ.
﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: أوْجَدُوا هَذا الوَصْفَ ﴿لَهُمْ﴾ أيْ في الجَزاءِ عَلى جِهَةِ الِاسْتِحْقاقِ ﴿شَرابٌ مِن حَمِيمٍ﴾ أيْ مُسَخَّنٌ بِالنّارِ أشَدَّ الإسْخانِ ﴿وعَذابٌ ألِيمٌ﴾ أيْ بالِغُ الإيلامِ ﴿بِما كانُوا﴾ أيْ جِبِلَّةً وطَبْعًا ﴿يَكْفُرُونَ﴾ فَإنَّ عَذابَهم مِن أعْظَمِ نَعِيمِ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عادَوْهم فِيهِ سُبْحانَهُ ﴿فاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٣٤] ﴿عَلى الأرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين: ٣٥] ﴿هَلْ ثُوِّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: ٣٦] وكَأنَّهُ قالَ: ﴿يَبْدَأُ﴾ مُضارِعًا لا كَما قالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩] حِكايَةً لِلْحالِ وتَصْوِيرًا لَها تَنْبِيهًا عَلى تَأمُّلِ ما يَتَجَدَّدُ إنْشاؤُهُ لِيَكُونَ أدْعى لَهم إلى تَصَوُّرِ القُدْرَةِ عَلى الإعادَةِ؛ قالَ الرُّمّانِيُّ: وقَدْ تَضَمَّنَتِ الآيَةُ البَيانَ عَمّا يُوجِبُهُ التَّمْكِينُ \ في الدُّنْيا مِن تَجْدِيدِ النَّشْأةِ لِلْجَزاءِ؛ لِأنَّهُ لا بُدَّ - مَعَ التَّمْكِينِ مِنَ الحَسَنِ والقَبِيحِ - مِن تَرْغِيبٍ وتَرْهِيبٍ لا يُؤْمَنُ مَعَهُ العَذابُ عَلى الخُلُودِ لِيَخْرُجَ المُكَلَّفُ بِالزَّجْرِ عَنِ القَبِيحِ عَنْ حالِ الإباحَةِ لَهُ يَرْفَعُ التَّبِعَةَ عَلَيْهِ - انْتَهى.
فَقَدْ لاحَ بِما ذُكِرَ ما تَعَيَّنَ في أثْناءِ السُّورَةِ بِتَكْرِيرِهِ لِتَوْضِيحِهِ وتَقْرِيرِهِ - أنَّ مَقْصُودَها وصْفُ الكِتابِ بِما يَدُلُّ قَطْعًا عَلى أنَّهُ مِن عِنْدِهِ سُبْحانَهُ وبِإذْنِهِ، لِأنَّهُ لا غائِبَ عَنْ عِلْمِهِ ولا مُدانِيَ لِقُدْرَتِهِ ولا مُجْتَرِئَ عَلى عَظَمَتِهِ، وأنَّهُ تامُّ القُدْرَةِ مُتَفَرِّدٌ بِالخَلْقِ والأمْرِ فَهو قادِرٌ عَلى الإعادَةِ كَما قَدَرَ عَلى الِابْتِداءِ، (p-٧٤)وأنَّ المُرادَ بِالكِتابِ البِشارَةُ والنِّذارَةُ لِلْفَوْزِ عِنْدَ البَعْثِ والنَّجاةِ مِن غَوائِلِ يَوْمِ الحَشْرِ مَعَ أنَّهُ سُبْحانَهُ نافِذُ القَضاءِ، فَلا تُغْنِي الآياتُ والدَّلالاتُ البَيِّناتُ عَمَّنْ حُكِمَ بِشَقاوَتِهِ وقُضِيَ بِغَوايَتِهِ، وأنَّ ذَلِكَ مِن حِكْمَتِهِ وعَدْلِهِ فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ لِأمْرِهِ وقَطْعُ الهِمَمِ عَنْ سِواهُ.
{"ayah":"إِلَیۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥ لِیَجۡزِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَهُمۡ شَرَابࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ وَعَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











