الباحث القرآني
ولَمّا قَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلَهُمْ: ﴿لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ [يونس: ٢٠] وأتى فِيها رَدًّا عَلَيْهِمْ ووَعْظًا لَهم مِنَ الآياتِ البالِغَةِ في الحِكْمَةِ جِدًّا يَتَجاوَزُ قُوى البَشَرِ ويَضْمَحِلُّ دُونَهُ مِنَ الخَلْقِ القُدَرُ، وكانَ آخِرُ ذَلِكَ التَّنْبِيهَ عَلى أنَّ شُرَكاءَهم لا يَهْتَدُونَ إلّا إنْ هُداهُمُ الهادِي فَضْلًا عَنْ أنْ يُهْدَوْا، وإقامَةُ الدَّلِيلِ عَلى أنَّ مَذاهِبَهم لَيْسَتْ مُسْتَنِدَةً إلى عِلْمٍ بَلْ هي تابِعَةٌ لِلْهَوى، أتْبَعَ ذَلِكَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا في أمْرِ القُرْآنِ مِن أنَّهُ لا يَصِحُّ \ أصْلًا أنْ يُؤْتى بِهِ مِن دُونِ أمْرِهِ سُبْحانَهُ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ مُفْتَرى، لِأنَّهُ (p-١٢٠)مِن وادِي ما خُتِمَ بِهِ هَذِهِ الآياتِ مِنَ اتِّباعِهِمْ لِلظُّنُونِ لِأنَّهُ لا سَنَدَ لَهم في ذَلِكَ بَلْ ولا شُبْهَةَ أصْلًا، وإنَّما هو مُجَرَّدُ هَوًى بَلْ وأكْثَرُهم عالِمٌ بِالحَقِّ في أمْرِهِ، فَنَفى ذَلِكَ بِما يُزِيحُ الظُّنُونَ ويَدْمَغُ الخُصُومَ ولا يَدَعُ شُبْهَةً لِمَفْتُونٍ، وأثْبَتَ أنَّهُ هو [الآيَةُ الكُبْرى] والحَقِيقُ بِالِاتِّباعِ لِأنَّهُ هُدًى، فَقالَ تَعالى: ﴿وما كانَ﴾ عاطِفًا لَهُ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ما يَكُونُ لِي أنْ أُبَدِّلَهُ﴾ [يونس: ١٥] إلى آخِرِهِ، فَهو حِينَئِذٍ مَقُولُ القَوْلِ، أيْ: قُلْ لَهم ذاكَ الكَلامَ وقُلْ لَهم ”ما كانَ“ أيْ: قَطُّ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وعَيَّنَهُ تَعْيِينًا لا يُمْكِنُ مَعَهُ لَبْسٌ، فَقالَ: ﴿هَذا القُرْآنُ﴾ أيِ الجامِعُ لِكُلِّ خَيْرٍ مَعَ التَّأْدِيَةِ بِأسالِيبِ الحِكْمَةِ المُعْجِزَةِ لِجَمِيعِ الخَلْقِ ﴿أنْ يُفْتَرى﴾ [أيْ] أنْ يَقَعَ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ [تَعَمُّدُ نِسْبَتِهِ كَذِبًا إلى اللَّهِ] مِن أحَدٍ مِنَ الخَلْقِ كائِنًا مَن كانَ؛ وعُرِفَ بِتَضاؤُلِ رُتْبَتِهِمْ دُونَ شامِخِ رُتْبَتِهِ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي تَقَرَّرَ أنَّهُ يُدَبِّرُ الأمْرَ كُلَّهُ، فَما مِن شَفِيعٍ إلّا مِن بَعْدِ إذْنِهِ وما يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فَسُبْحانَ المُتَفَضِّلِ عَلى عِبادِهِ بِإيضاحِ الحُجَجِ وإزالَةِ الشُّكُوكِ والدُّعاءِ إلى سَبِيلِ الرَّشادِ مَعَ غِناهُ عَنْهم وقُدْرَتِهِ عَلَيْهِمْ؛ والِافْتِراءُ: الإخْبارُ عَلى القَطْعِ بِالكَذِبِ، لِأنَّهُ مِن فَرْيِ الأدِيمِ؛ وهو قَطْعُهُ بَعْدَ تَفْزِيرِهِ.
ولَمّا كانَ إتْيانُ الأُمِّيِّ - الَّذِي لَمْ يُجالِسْ عالِمًا - بِالأخْبارِ والقِصَصِ الماضِيَةِ عَلى التَّحْرِيرِ دَلِيلًا قَطْعًا عَلى صِدْقِ الآتِي في ادِّعائِهِ أنَّهُ لا مُعَلِّمَ (p-١٢١)لَهُ إلّا اللَّهُ، عَبَّرَ بِأداةِ العِنادِ فَقالَ: ﴿ولَكِنْ﴾ أيْ: كانَ كَوْنًا لا يَجُوزُ غَيْرُهُ ﴿تَصْدِيقَ الَّذِي﴾ أيْ: تَقَدَّمَ ﴿بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أيْ: قَبْلَهُ مِنَ الكُتُبِ، والدَّلِيلُ عَلى تَصادُقِهِ شاهِدُ الوُجُودِ مَعَ أنَّ القَوْمَ كانُوا في غايَةِ العَداوَةِ لَهُ ﷺ وكانَ أهْلُ الكِتابَيْنِ عِنْدَهم في جَزِيرَةِ العَرَبِ عَلى غايَةِ القُرْبِ مِنهم مَعَ أنَّهم كانُوا يَتَّجِرُونَ إلى بِلادِ الشّامِ [وهُمْ] مُتَمَكِّنُونَ مِنَ السُّؤالِ عَنْ كُلِّ ما يَأْتِي بِهِ، فَلَوْ وجَدُوا مَغْمَزًا ما لَقَدَحُوا بِهِ، فَدَلَّ عَدَمُ قَدْحِهِمْ عَلى التَّصادُقِ قَطْعًا.
ولَمّا كانَ ذَلِكَ سُلْطانًا قاهِرًا عَلى صِدْقِهِ ﷺ، زادَهُ ظُهُورًا بِما اشْتَمَلَ الكِتابُ الآتِي بِهِ عَلَيْهِ مِنَ التَّفْصِيلِ الَّذِي هو نِهايَةُ العِلْمِ فَقالَ: ﴿وتَفْصِيلَ الكِتابِ﴾ أيِ الجامِعِ المَجْمُوعُ فِيهِ الحِكَمُ والأحْكامُ وجَوامِعُ الكَلامِ مِن جَمِيعِ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ في بَيانِ مُجْمَلاتِها وإيضاحِ مُشْكِلاتِها، فَهو ناظِرٌ إلى قَوْلِهِ: ﴿أفَمَن يَهْدِي إلى الحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥] الآيَةَ. فَهو بُرْهانٌ عَلى أنَّهُ هو الهادِي وحْدَهُ، فَهو الحَقِيقُ بِالِاتِّباعِ والتَّفْصِيلِ بِتَبْيِينِ الفَصْلِ بَيْنَ المَعانِي المُلْتَبِسَةِ حَتّى تَظْهَرَ كُلُّ مَعْنًى عَلى حَقِّهِ، ونَظِيرُهُ التَّقْسِيمُ، ونَقْضِيهُ التَّخْلِيطُ والتَّلْبِيسُ، وبَيانُ تَفْصِيلِهِ أنَّهُ أتى مِنَ العُلُومِ العِلْمِيَّةِ الِاعْتِقادِيَّةِ مِن مَعْرِفَةِ الذّاتِ والصِّفاتِ بِأقْسامِها، والعَمَلِيَّةِ التَّكْلِيفِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالظّاهِرِ وهي عِلْمُ الفِقْهِ وعِلْمُ الباطِنِ ورِياضَةُ النُّفُوسِ بِما لا مَزِيدَ عَلَيْهِ ولا يُدانِيهِ فِيهِ كِتابٌ، وعِلْمُ الأخْلاقِ كَثِيرٌ في القُرْآنِ مِثْلَ (p-١٢٢)﴿خُذِ العَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] - الآيَةَ.
﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ﴾ [النحل: ٩٠] - الآيَةَ وأمْثالَهُما.
ولَمّا كانَ - مَعَ الشَّهادَةِ بِالصِّدْقِ بِتَصْدِيقِ ما ثَبَتَ حَقِيقَةً - مُعْجِزًا بِالجَمْعِ والتَّفْصِيلِ لِجَمِيعِ العُلُومِ [الشَّرِيفَةِ]: عَقْلِيِّها ونَقْلِيِّها إعْجازًا لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ، ثَبَتَ أنَّهُ مُناقِضٌ لِلِافْتِراءِ حالَ كَوْنِهِ ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ وأنَّهُ ﴿مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ أيْ: مُوجِدِهِمْ ومُدَبِّرِ أمْرِهِمْ والمُحْسِنِ إلَيْهِمْ لِأنَّهُ - مَعَ الجَمْعِ لِجَمِيعِ ذَلِكَ - لا اخْتِلافَ فِيهِ بِوَجْهٍ، وذَلِكَ خارِجٌ عَنْ طَوْقِ البَشَرِ.
{"ayah":"وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن یُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصۡدِیقَ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَتَفۡصِیلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











