الباحث القرآني

ولَمّا قَرَّرَ سُبْحانَهُ هَذِهِ الآياتِ الَّتِي حَذَّرَ فِيها مِن أنْواعِ الآفاتِ، بَيَّنَ أنَّ الدّارَ الَّتِي [رَضُوا بِها واطْمَأنُّوا إلَيْها دارُ المَصائِبِ ومَعْدِنُ الهَلَكاتِ والمَعاطِبِ وأنَّها ظِلٌّ زائِلٌ تَحْذِيرًا مِنها وتَنْفِيرًا عَنْها، بَيَّنَ تَعالى أنَّ الدّارَ الَّتِي] دَعا إلَيْها سالِمَةٌ مِن كُلِّ نَصَبٍ وهَمٍّ ووَصَبٍ، ثابِتَةٌ بِلا زَوالٍ، فَقالَ تَعالى عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ [يونس: ٣] تَرْغِيبًا في الآخِرَةِ وحَثًّا عَلَيْها: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الجَلالُ والإكْرامُ ﴿يَدْعُو﴾ أيْ: يُعَلِّقُ دُعاءَهُ عَلى سَبِيلِ التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ بِالمَدْعُوِّينَ ﴿إلى دارِ السَّلامِ﴾ عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ سُبْحانَهُ أضافَها إلى اسْمِهِ تَعْظِيمًا لَها وتَرْغِيبًا فِيها، يَعْنِي بِأنَّها لا عَطَبَ فِيها أصْلًا، والسَّلامَةُ فِيها دائِمَةٌ، (p-١٠٤)والسَّلامُ فِيها فاشٍ مِن بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ ومِنَ المَلائِكَةِ وغَيْرِهِمْ؛ والدُّعاءُ: طَلَبُ الفِعْلِ بِما يَقَعُ لِأجْلِهِ، والدَّواعِي إلى الفِعْلِ خِلافُ الصَّوارِفِ عَنْهُ. ولَمّا أعْلَمَ - بِالدَّعْوَةِ بِالهِدايَةِ بِالبَيانِ وأفْهَمَ خَتْمُ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ويَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ أيْ: بِما يَخْلُقُ في قَلْبِهِ مِنَ الهِدايَةِ ﴿إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أنَّ مِنَ النّاسِ مَن يَهْدِيهِ ومِنهم مَن يُضِلُّهُ. وأنَّ الكُلَّ فاعِلُونَ لِما يَشاءُ - كانَ مَوْضِعُ أنْ يُقالَ: هَلْ هم واحِدٌ في جَزائِهِ كَما هم واحِدٌ في الِانْقِيادِ لِمُرادِهِ؟ فَقِيلَ: لا، بَلْ هم فَرِيقانِ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا﴾ أيِ الأعْمالَ في الدُّنْيا مِنهم وهم مَن هَداهُ ﴿الحُسْنى﴾ أيِ الخَصْلَةُ الَّتِي هي في غايَةِ الحُسْنِ مِنَ الجَزاءِ ﴿وزِيادَةٌ﴾ [أيْ عَظِيمَةٌ] مِن فَضْلِ اللَّهِ فالنّاسُ: مُرِيدٌ خَرَجَتْ هِدايَتُهُ مِنَ الجِهادِ ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا﴾ [العنكبوت: ٦٩] ومُرادٌ خَرَجَتْ هِدايَتُهُ مِنَ المَشِيئَةِ، فالدَّعْوَةُ إلى الجَنَّةِ بِالبَيانِ عامَّةً، والهِدايَةُ إلى الصِّراطِ خاصَّةً لِأنَّها الطَّرِيقُ إلى المُنْعِمِ. ولَمّا كانَ النَّعِيمُ لا يَتِمُّ إلّا بِالدَّوامِ بِالأمْنِ مِنَ المَضارِّ قالَ: ﴿ولا يَرْهَقُ﴾ أيْ: يَغْشى ويَلْحَقُ ﴿وُجُوهَهم قَتَرٌ﴾ أيْ: غَبَرَةٌ كَغَبْرَةِ المَوْتِ وكَرْبِهِ، وهو تَغَيُّرٌ في الوَجْهِ مَعَهُ سَوادٌ وعُبُوسَةٌ تَرْكَبُهُما غَلَبَةٌ ﴿ولا ذِلَّةٌ﴾ أيْ: كَآبَةٌ وكُسُوفٌ يَظْهَرُ مِنهُ الِانْكِسارُ والهَوانُ. ولَمّا كانَ هَذا واضِحًا في أنَّهم أهْلُ السَّعادَةِ، وصَلَ بِهِ قَوْلَهُ: (p-١٠٥)﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ العالُو الرُّتْبَةِ ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ﴾ ولَمّا كانَتِ الصُّحْبَةُ جَدِيرَةً بِالمُلازَمَةِ، صَرَّحَ بِها في قَوْلِهِ: ﴿هُمْ﴾ أيْ: لا غَيْرُهم ﴿فِيها﴾ أيْ: خاصَّةً ﴿خالِدُونَ﴾ أيْ: مُقِيمُونَ لا يَبْرَحُونَ، لِأنَّهم لا يُرِيدُونَ ذَلِكَ لِطِيبِها ولا يُرادُ بِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب