الباحث القرآني

(p-١٠٠)ولَمّا أعْلَمَ سُبْحانَهُ أنَّهُمُ أكَّدُوا هَذا الوَعْدَ هَذا التَّأْكِيدَ، أتْبَعَهُ بَيانَ أنَّهم أسْرَعُوا في نَقْضِهِ غايَةَ الإسْراعِ فَقالَ: ﴿فَلَمّا أنْجاهُمْ﴾ ولَمّا أبانَتِ الفاءُ عَنِ الإسْراعِ في النَّقْضِ، أكَّدَ مُناجاتِهِمْ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إذا هم يَبْغُونَ﴾ أيْ: يَتَجاوَزُونَ الحُدُودَ ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ: جِنْسِها ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ أيِ الكامِلِ، فَلا يَزالُ الباغِي مَذْمُومًا حَتّى يَكُونَ عَلى الحَقِّ الكامِلِ الَّذِي لا باطِلَ فِيهِ بِوَجْهٍ، وجاءَ الخِطابُ أوَّلًا فِي: ﴿يُسَيِّرُكُمْ﴾ [يونس: ٢٢] لِيَعُمَّ المُؤْمِنِينَ لِأنَّ التَّسْيِيرَ يَصْلُحُ لِلِامْتِنانِ، ثُمَّ التَفَتَ إلى الغَيْبَةِ عِنْدَ صُدُورِ ما لا يَلِيقُ بِهِمْ - نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ أبُو حَيّانَ، وأحْسَنُ مِنهُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ سُبْحانَهُ أقْبَلَ عَلَيْهِمْ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ جَعَلَهم - بِما هَيَّأ فِيهِمْ مِنَ القُوى - أهْلًا لِخِطابِهِ ثُمَّ أعْرَضَ عَنْهم إشارَةً إلى أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الإعْراضَ لِإعْراضِهِمُ اغْتِرارًا بِما أتاحَهم مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ في مَحَلٍّ يَجِبُ فِيهِ الإقْبالُ عَلَيْهِ والغِنى عَنْ كُلِّ ما سِواهُ لِعِظَمِ الخَطَرِ وشَدَّةِ الأمْرِ، وكَأنَّهُ يَذْكُرُ لِغَيْرِهِمْ مِن حالِهِمْ ما يُعْجِبُهُ مِنهُ لِيُنْكِرَ عَلَيْهِمْ ويَقْبُحَ حالُهُمْ؛ والتَّسْيِيرُ: التَّحْرِيكُ في جِهَةٍ تَمْتَدُّ كالسَّيْرِ؛ والبَرُّ: الأرْضُ الواسِعَةُ الَّتِي تُقْطَعُ مِن بَلَدٍ، ومِنهُ البَرُّ لِاتِّساعِ الخَيْرِ بِهِ؛ والبَحْرُ: مُسْتَقَرُّ الماءِ الواسِعُ حَتّى لا يُرى مِن وسَطِهِ حافَّتاهُ؛ والفُلْكُ: السُّفُنُ الَّتِي تَدُورُ في الماءِ، وأصْلُهُ الدُّورُ، فَمِنهُ فَلْكَةُ المِغْزَلِ، والفَلَكُ الَّذِي يَدُورُ فِيهِ النُّجُومُ؛ والنَّجاةُ: التَّخْلِيصُ مِنَ الهَلاكِ؛ والبَغْيُ: قَصْدُ الِاسْتِعْلاءِ بِالظُّلْمِ، وأصْلُهُ الطَّلَبُ؛ والحَقُّ: وضْعُ الشَّيْءِ في مَوْضِعِهِ عَلى ما يَدْعُو إلَيْهِ العَقْلُ؛ (p-١٠١)ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ ما هم فِيهِ مِنَ الإمْهالِ إنَّما هو مَتاعُ الدُّنْيا وأنَّها دارُ زَوالٍ فَقالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ أيِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِمْ وصْفُ الِاضْطِرابِ ﴿إنَّما بَغْيُكُمْ﴾ أيْ: كُلُّ بَغْيٍ يَكُونُ مِنكم ﴿عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ لِعَوْدِ الوَبالِ عَلَيْها خاصَّةً وهو عَلى تَقْدِيرِ انْتِفاعِكم بِهِ عَرَضٌ زائِلٌ ﴿مَتاعَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ ثُمَّ يَبْقى عارُهُ وخِزْيُهُ بَعْدَ المَوْتِ ﴿ثُمَّ إلَيْنا﴾ أيْ: خاصَّةً ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾ بَعْدَ البَعْثِ ﴿فَنُنَبِّئُكُمْ﴾ عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ إنْباءً عَظِيمًا ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ أيْ: كَوْنًا هو كالجِبِلَّةِ ﴿تَعْمَلُونَ﴾ ونُجازِيكم عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب