الباحث القرآني

ثُمَّ أخَذَ سُبْحانَهُ يُبَيِّنُ ما يَتَّضِحُ بِهِ أسْرُعِيَّةُ مَكْرِهِ في مِثالٍ دالٍّ عَلى ما في الآيَةِ قَبْلَها مِن نَقْلِهِ سُبْحانَهُ لِعِبادِهِ مِنَ الضُّرِّ إلى النِّعْمَةِ ومِن سُرْعَةِ تَقَلُّبِهِمْ فَقالَ: ﴿هُوَ﴾ أيْ: لا غَيْرُهُ ﴿الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ [أيْ] في كُلِّ وقْتٍ تَسِيرُونَ فِيهِ سَيْرًا عَظِيمًا لا تَقْدِرُونَ عَلى الِانْفِكاكِ عَنْهُ ﴿فِي البَرِّ والبَحْرِ﴾ أيْ: يُسَبِّبُ لَكم أسْبابًا تُوجِبُ سَيْرَكم فِيهِما ويُقَدِّرُكم عَلى ذَلِكَ ويَهْدِيكم مِن بَيْنِ سائِرِ الحَيَواناتِ إلى ما فِيهِ مِن أصْنافِ المَنافِعِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلى إصابَتِكم في البَرِّ بِالخَسْفِ وما بِالخَسْفِ وما دُونَهُ وفي البَحْرِ بِالغَرَقِ وما أشْبَهَهُ. ولَمّا كانَ العَطَبُ بِأحْوالِ البَحْرِ أظْهَرَ مَعَ أنَّ السَّيْرَ فِيهِ مِن أكْبَرِ الآياتِ وأوْضَحِ البَيِّناتِ، بَيَّنَهُ مُعْرِضًا عَنْ ذِكْرِ البَرِّ فَقالَ: ﴿حَتّى إذا كُنْتُمْ﴾ أيْ: كَوْنًا لا بَراحَ لَكم مِنهُ ﴿فِي الفُلْكِ﴾ أيِ السُّفُنِ، يَكُونُ واحِدًا وجَمْعًا؛ وأعْرَضَ عَنْهم بَعْدَ الإقْبالِ لِما سَيَأْتِي فَقالَ: ﴿وجَرَيْنَ﴾ أيِ الفُلْكُ؛ ﴿بِهِمْ﴾ ولَمّا ذَكَرَ جَرْيَها وهم فِيها، ذَكَرَ سَبَبَهُ فَقالَ: ﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ ثُمَّ أوْضَحَ لَهم عَدَمَ عِلْمِهِمْ بِالعَواقِبِ بِقَوْلِهِ: ﴿وفَرِحُوا بِها﴾ أيْ: بِتِلْكَ الرِّيحِ وبِالفُلْكِ الجارِيَةِ بِها ﴿جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ﴾ فَأزْعَجَتْ سُفُنَهم وساءَتْهم ﴿وجاءَهُمُ المَوْجُ﴾ أيِ المَعْرُوفُ لِكُلِّ أحَدٍ بِالرُّؤْيَةِ أوِ الوَصْفِ ﴿مِن كُلِّ مَكانٍ﴾ أيْ: يُعْتادُ الإتْيانُ مِنهُ فَأرْجَفَ قُلُوبَهم ﴿وظَنُّوا أنَّهُمْ﴾ ولَمّا كانَ المَخُوفُ الهَلاكَ، لا كَوْنَهُ مِن مُعَيَّنٍ، بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ ما هو كِنايَةٌ عَنْهُ لِأنَّ العَدُوَّ إذا أحاطَ بِعَدُوِّهِ أيْقَنَ بِالهَلاكِ فَقالَ: ﴿أُحِيطَ بِهِمْ﴾ (p-٩٩)ولَمّا كانَ ما تَقَدَّمَ مِن حالِهِمُ الغَرِيبَةِ الَّتِي تَجِبُ لَها القُلُوبُ وتَضْعُفُ عِنْدَها القُوى - مُقْتَضِيًا لِأنْ يُسْألَ عَمّا يَكُونُ مِنهم عِنْدَ ذَلِكَ، أتى المَقالُ عَلى مُقْتَضى هَذا السُّؤالِ مُخْبِرًا عَنْ تَرْكِهِمُ العِنادَ وإخْلاصِهِمُ الدّالِّ عَلى جَزَعِهِمْ عِنْدَ سَطَواتِهِ وانْحِلالِ عَزائِمِهِمْ في مُشاهَدَةِ ضَرَباتِهِ، وعِبارَةُ الرُّمّانِيِّ: اتِّصالُ دَعْوى الأجْوِبَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: لَمّا ظَنُّوا أنَّهم أُحِيطَ بِهِمْ ﴿دَعَوُا اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ بِالرَّغْبَةِ إلَيْهِ في الخَلاصِ والعِبادَةِ لَهُ بِالإخْلاصِ ﴿مُخْلِصِينَ﴾ أيْ: عَنْ كُلِّ شِرْكٍ ﴿لَهُ الدِّينَ﴾ أيِ التَّوْحِيدَ والتَّصْدِيقَ بِالظّاهِرِ والباطِنِ، وقَدْ تَضَمَّنَتِ الآيَةُ البَيانَ عَمّا يُوجِبُهُ بَدِيهَةُ العَقْلِ مِنَ الفَزَعِ عِنْدَ الشِّدَّةِ إلى واهِبِ السَّلامَةِ ومُسْبِغِ النِّعْمَةِ \ في كَشْفِ تِلْكَ البَلِيَّةِ؛ ثُمَّ أتْبَعَ سُبْحانَهُ ذَلِكَ حِكايَةَ حالِهِمْ في وعْدِهِمُ الشُّكْرَ عَلى النَّجاةِ ثُمَّ كَذِبِهم في ذَلِكَ مَعَ ادِّعائِهِمْ أنَّهم أطْهَرُ النّاسِ ذُيُولًا عَنِ الكَذِبِ وأشَدُّهُمُ اسْتِقْباحًا لَهُ وأبْعَدُ النّاسِ مِن كُفْرانِ الإحْسانِ، فَقالَ تَعالى حاكِيًا قَوْلَهُمُ الَّذِي دَلُّوا بِتَأْكِيدِهِمْ لَهُ أنَّهم قالُوهُ بِغايَةِ الرَّغْبَةِ نافِينَ ما يُظَنُّ بِهِمْ مِنَ الرُّجُوعِ إلى ما كانُوا فِيهِ قَبْلَ تِلْكَ الحالِ مِنَ الكُفْرِ: ﴿لَئِنْ أنْجَيْتَنا﴾ أيْ: أيُّها المَلِكُ الَّذِي لا سُلْطانَ لِغَيْرِهِ ﴿مِن هَذِهِ﴾ أيِ الفادِحَةِ ﴿لَنَكُونَنَّ﴾ أيْ: كَوْنًا لا نَنْفَكُّ عَنْهُ ﴿مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ أيِ المُدِيمِينَ لِشُكْرِكَ العَرِيقِينَ في الِاتِّصافِ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب