الباحث القرآني
ولَمّا كانَ طَلَبُهم مُحَرِّكًا لِنُفُوسِ الخَيِّرِينَ إلى تُرْجى إجابَةُ سُؤالِهِمْ، أتْبَعَهُ سُبْحانَهُ بِما يُبَيِّنُ أنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نافِعٍ لَهُمْ؛ لِأنَّهُ مَحْضُ تَعَنُّتٍ. فَقالَ تَعالى عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿قالَ الكافِرُونَ إنَّ هَذا لَساحِرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٢] أوْ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وإذا مَسَّ الإنْسانَ الضُّرُّ﴾ [يونس: ١٢] مُبَيِّنًا أنَّ رَحْمَتَهُ مُحَقَّقَةُ الوُجُودِ كَثِيرَةُ الوُرُودِ إلَيْهِمْ [مُبَيِّنًا أنَّ لَهم آيَةً عُظْمى مِن أنْفُسِهِمْ لا يَحْتاجُونَ مَعَها إلى التَّعَنُّتِ بِطَلَبِ آيَةٍ وهي دالَّةٌ عَلى نَتِيجَةِ مَقْصُودِ السُّورَةِ الَّذِي هو الوَحْدانِيَّةُ وأنَّ إشْراكَهم إنَّما هو بِما لَهم مِن نَقْصِ الغَرائِزِ المُوجِبِ لِكُفْرانِ الإحْسانِ، وذَلِكَ أنَّهم عامَّةً إذا أُكْرِمُوا بِنِعْمَةٍ قابَلُوها بِكُفْرٍ جَعَلُوا ظَرْفَهُ عَلى مِقْدارِ ظَرْفِ تِلْكَ النِّعْمَةِ بِما أشارَ إلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِ ”إذا“ ثُمَّ إذا مَسَّهُمُ الضُّرُّ ألْجَأهم إلى الحَقِّ فَأخْلَصُوا، لَمْ يَخْتَلِفْ حالُهم في هَذا قَطُّ، وهَذا الإجْماعُ مِنَ الجانِبَيْنِ دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى كِلا الأمْرَيْنِ: الكُفْرُ ظُلْمًا بِما جَرَّ إلَيْهِ مِنَ البَطَرِ. والتَّوْحِيدُ حَقًّا بِما دَعا إلَيْهِ مِنَ الفِطْرَةِ القَوِيمَةِ الكائِنَةِ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ بِما زالَ عَنْها إلْحاقُ الضَّرَرِ مِنَ الحُظُوظِ والشَّهَواتِ والفُتُورِ، وهَذا كَما وقَعَ في سُورَةِ الرُّومِ المُوافِقَةِ لِهَذِهِ في الدَّلالَةِ عَلى (p-٩٦)الوَحْدانِيَّةِ فَلِذا عَبَّرَ في كُلٍّ مِنهُما بِالنّاسِ لِيَكُونَ إجْماعُهم دَلِيلًا كافِيًا عَلَيْها وسُلْطانًا جَلِيلًا مُضْطَرًّا إلَيْها - واللَّهُ الهادِي -]: ﴿وإذا أذَقْنا﴾ أيْ: عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿النّاسَ﴾ أيِ الَّذِينَ لَهم وصْفُ الِاضْطِرابِ ﴿رَحْمَةً﴾ أيْ: نِعْمَةً رَحِمْناهم بِها مِن غَيْرِ اسْتِحْقاقٍ.
ولَمّا كانَ وُجُودُ النِّعْمَةِ لا يَسْتَغْرِقُ الزَّمانَ الَّذِي يَتَعَقَّبُ النِّقْمَةَ، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِ ضَرّاءَ﴾ أيْ: قَحْطٍ وغَيْرِهِ ﴿مَسَّتْهُمْ﴾ فاجَئُوا المَكْرَ وهو مَعْنى ﴿إذا لَهم مَكْرٌ﴾ أيْ: عَظِيمٌ بِالمَعاصِي الَّتِي يَفْعَلُونَ في الِاسْتِخْفاءِ بِأغْلَبِها فِعْلَ الماكِرِ ﴿فِي آياتِنا﴾ إشارَةً إلى أنَّهم لا يَنْفَكُّونَ عَنْ آياتِهِ العِظامِ، فَلَوْ كانُوا مُنْتَفِعِينَ بِالآياتِ اهْتَدَوْا بِها، فَإذا أتَتْهم رَحْمَةٌ مِن بَعْدِ نِقْمَةٍ لَمْ يَعُدُّوها آيَةً دالَّةً عَلى مَن أرْسَلَها لَهم لِخَرْقِها لِما كانُوا فِيهِ مِن عادَةِ النِّقْمَةِ مَعَ أنَّهم يَعْتَرِفُونَ بِأنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى إرْسالِها وصَرْفِ الشِّدَّةِ إلّا هو سُبْحانَهُ، بَلْ يَعْمَلُونَ فِيها عَمَلَ الماكِرِينَ بِأنْ يَصْرِفُوها عَنْ ذَلِكَ بِأنْواعِ الصَّوارِفِ كَأنْ يَنْسُبُوها إلى الأسْبابِ \ كَنِسْبَةِ المَطَرِ لِلْأنْواءِ ونَحْوِ ذَلِكَ غَيْرَ خائِفِينَ مِن إعادَةِ مِثْلِ تِلْكَ الضَّرّاءِ أوْ ما هو أشَدُّ مِنها.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ دالَّةً عَلى إسْراعِهِمْ بِالمَكْرِ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: التَّعْبِيرُ بِالذَّوْقِ الَّذِي هو أوَّلُ المُخالَطَةِ، ولَفْظُ ”مِن“ الَّتِي هي لِلِابْتِداءِ و”إذا“ الفُجائِيَّةُ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: أسْرَعُوا جُهْدَهم في المَكْرِ، فَقِيلَ: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿أسْرَعُ مَكْرًا﴾ (p-٩٧)ومَعْنى الوَصْفِ بِالأسْرُعِيَّةِ أنَّهُ قَضى بِعِقابِهِمْ قَبْلَ تَدْبِيرِهِمْ مَكايِدَهم [نَبَّهَ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ. \ ولَمّا كانَ المَكْرُ إخْفاءَ الكَيْدِ، بَيَّنَ لَهم سُبْحانَهُ -] أنَّهم غَيْرُ قادِرِينَ عَلى مُطْلَقِ المَكْرِ في جِهَتِهِ عَزَّ شَأْنُهُ وتَعالى كِبْرِياؤُهُ وسُلْطانُهُ، لِأنَّهُ عالِمٌ بِالسِّرِّ وأخْفى، بَلْ لا يَمْكُرُونَ مَكْرًا إلّا ورُسُلُهُ سُبْحانَهُ مُطَّلِعُونَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِهِ سُبْحانَهُ! فَقالَ تَعالى مُؤَكِّدًا لِأجْلِ إنْكارِهِمْ: ﴿إنَّ رُسُلَنا﴾ أيْ: عَلى ما لَهم مِنَ العَظَمَةِ بِإضافَتِهِمْ إلَيْنا ﴿يَكْتُبُونَ﴾ أيْ: كِتابَةً مُتَجَدِّدَةً عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ بِاسْتِمْرارِ المَكْتُوبِ ﴿ما تَمْكُرُونَ﴾ لِأنَّهم قَدْ وُكِّلُوا بِكم قَبْلَ كَوْنِكم نُطَفًا ولَمْ يُوَكَّلُوا بِكم إلّا بَعْدَ عِلْمِ مُوَكِّلِهِمْ بِكُلِّ ما يَفْعَلُونَهُ ولا يَكْتُبُونَ مَكْرَكم إلّا بَعْدَ اطِّلاعِهِمْ عَلَيْهِ، وأمّا هو سُبْحانَهُ فَإذا قَضى لا يُمْكِنُ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ رُسُلُهُ إلّا بِاطِّلاعِهِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ! وإذا تَبَيَّنَ أنَّهُ عالِمٌ بِأُمُورِهِمْ وهم جاهِلُونَ بِأُمُورِهِ عَلِمَ أنَّهُ لا يَدَعُهم يُدَبِّرُونَ كَيْدًا إلّا وقَدْ سَبَّبَ لَهُ ما يَجْعَلُهُ في نُحُورِهِمْ؛ والمَكْرُ: فَتْلُ الشَّيْءِ إلى غَيْرِ وجْهِهِ عَلى طَرِيقِ الحِيلَةِ فِيهِ؛ والسُّرْعَةُ: الشَّيْءُ في وقْتِهِ الَّذِي هو أحَقُّ بِهِ، وقَدْ تَضَمَّنَتِ الآيَةُ البَيانَ عَمّا يُوجِبُهُ حالُ الجاهِلِ مِن تَضْيِيعِ حَقِّ النِّعْمَةِ والمَكْرِ فِيها وإنْ جَلَّتْ مُنْزِلَتُها وأتَتْ عَلى فاقَةٍ إلَيْها وشِدَّةِ حاجَةٍ إلى نُزُولِها مَعَ الوَعِيدِ بِعائِدِ (p-٩٨)الوَبالِ عَلى الماكِرِ فِيها.
{"ayah":"وَإِذَاۤ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةࣰ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّاۤءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرࣱ فِیۤ ءَایَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا یَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











