الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مَحَطَّ نَظَرِهِمُ الدُّنْيا، وكانَ هَذا صَرِيحًا في الإمْهالِ لِلظّالِمِينَ والإحْسانِ إلى المُجْرِمِينَ، أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى مُهَدِّدًا لَهم رادِعًا عَمّا هم فِيهِ مِنَ اتِّباعِ الزِّينَةِ مُؤَكِّدًا لِأنَّهم يُنْكِرُونَ أنَّ هَلاكَهم لِأجْلِ ظُلْمِهِمْ: ﴿ولَقَدْ أهْلَكْنا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿القُرُونَ﴾ أيْ عَلى ما لَهم مِنَ الشِّدَّةِ والقُوَّةِ؛ ولَمّا كانَ المُهْلَكُونَ هَلاكَ العَذابِ المُسْتَأْصِلِ بَعْضَ مَن تَقَدَّمَ، أثْبَتَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِكم لَمّا ظَلَمُوا﴾ أيْ تَكامَلَ ظُلْمُهم إهْلاكًا عَمَّ آخِرَهم وأوَّلَهم كَنَفْسٍ واحِدَةٍ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أنَّهُ سُبْحانَهُ لا يَعُمُّ بِالهَلاكِ، وقالَ تَعالى عَطْفًا عَلى ﴿أهْلَكْنا﴾ ﴿وجاءَتْهم رُسُلُهُمْ﴾ أيْ إلى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولُها ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ أيِ الَّتِي بُيِّنَتْ بِمِثْلِها الرِّسالَةُ ”وما“ أيْ والحالُ أنَّهم ”ما كانُوا“ أيْ بِجِبِلّاتِهِمْ، وأكَّدَ النَّفْيَ بِمَن يُنْكِرُ أنْ يَتَأخَّرَ إيمانُهم عَنِ البَيانِ فَقالَ: ﴿لِيُؤْمِنُوا﴾ ولَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ، تَنْبِيهًا لِمَن قَدْ يَطْلُبُ أنَّهُ سُبْحانَهُ يُرِيهِمْ بَوادِرَ العَذابِ أوْ ما اقْتَرَحُوهُ مِنَ الآياتِ لِيُؤْمِنُوا، فَبَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ سَبَبًا لِإيمانِ مَن قَضى بِكُفْرِهِ، بَلْ يَسْتَوِي في التَّكْذِيبِ حالُهُ قَبْلَ مَجِيءِ الآياتِ وبَعْدَها لِيَكُونَ سَبَبًا لِهَلاكِهِ. فَكَأنَّهُ قِيلَ: هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالأُمَمِ (p-٨٦)الماضِيَةِ؟ فَقِيلَ: بَلْ ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الجَزاءِ العَظِيمِ ﴿نَجْزِي القَوْمَ﴾ أيِ الَّذِينَ لَهم قُوَّةٌ عَلى مُحاوَلَةِ ما يُرِيدُونَهُ ﴿المُجْرِمِينَ﴾ لِأنَّ السَّبَبَ هو العَراقَةُ في الإجْرامِ؛ وهو قَطْعُ ما يَنْبَغِي وصْلُهُ، فَحَيْثُ ما وُجِدَ جَزاؤُهُ؛ والإهْلاكُ: الإيقاعُ فِيما لا يُتَخَلَّصُ مِنهُ مِنَ العَذابِ؛ والقَرْنُ: أهْلُ العَصْرِ لِمُقارَنَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب