الباحث القرآني
ولَمّا تَقَدَّمَ الفِطامُ عَنِ المَيْلِ لِمَن يَطْلُبُ الآياتِ، وكانَ طَلَبُهم لَها إنَّما هو عَلى وجْهِ الشَّكِّ، وإنْ لَمْ يَكُنْ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ فَإنَّهُ فِعْلُ الشّاكِّ غالِبًا وتَقَدَّمَتْ أجْوِبَةٌ لَهُمْ، وخُتِمَ ذَلِكَ بِتَهْدِيدِهِمْ وبِشارَةِ المُؤْمِنِينَ المُوجِبَةِ لِثَباتِهِمْ، ناسَبَهُ كُلَّ المُناسَبَةِ أنِ أتْبَعَتِ الأمْرَ بِجَوابٍ آخَرَ دالٍّ عَلى ثَباتِهِ ﷺ وأنَّهُ مُظْهِرُ دِينِهِ رَضِيَ مَن رَضِيَ وسَخِطَ مَن سَخِطَ، لِأنَّ البَيانَ قَدْ وصَلَ إلى غايَتِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ يا أيُّها النّاسُ﴾ أيِ الَّذِينَ هم في حَيِّزِ الِاضْطِرابِ، لَمْ تُرَقِّهِمْ هِمَمُهم إلى رُتْبَةِ الثَّباتِ ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ أيْ: كَوْنًا هو كالجِبِلَّةِ مُنْغَمِسِينَ ﴿فِي شَكٍّ﴾ كائِنٍ ﴿مِن﴾ جِهَةِ ﴿دِينِي﴾ تَطْلُبُونَ لِنُزُولِهِ - بَعْدَ تَكَفُّلِ العَقْلِ بِالدَّلالَةِ عَلَيْهِ - إنْزالَ الآياتِ، فَأنا لَسْتُ عَلى شَكٍّ مِن صِحَّةِ دِينِي وبُطْلانِ دِينِكم فاعْرِضُوهُ عَلى عُقُولِكم وانْظُرُوا ما فِيهِ مِنَ الحِكَمِ مُسْتَحْضِرِينَ ما لِدِينِكم مِنَ الوَهْيِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيانُهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ ما أنْـزَلَ اللَّهُ لَكم مِن رِزْقٍ﴾ [يونس: ٥٩] ونَحْوَهُ: ﴿فَلا أعْبُدُ﴾ أيِ الآنَ ولا في مُسْتَقْبَلِ الزَّمانِ ﴿الَّذِينَ تَعْبُدُونَ﴾ أيِ الآنَ أوْ بَعْدَ الآنِ ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلى شَيْءٍ مِن ضُرِّي، فَلا تَطْمَعُوا في أنَّهُ يَحْصُلُ لِي شَكٌّ بِسَبَبِ حُصُولِ الشَّكِّ (p-٢١٦)لَكُمْ، فَإذًا لا أعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ أصْلًا.
ولَمّا كانَ سَلْبُ عِبادَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ لَيْسَ صَرِيحًا في إثْباتِها لَهُ قالَ: ﴿ولَكِنْ أعْبُدُ اللَّهَ﴾ أيِ الجامِعَ لِأوْصافِ الكَمالِ عِبادَةً مُسْتَمِرَّةً؛ ثُمَّ وصَفَهُ بِما يُوجِبُ الحَذَرَ [مِنهُ] ويَدُلُّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ ﴿الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ﴾ بِانْتِزاعِ أرْواحِكُمُ الَّتِي لا شَيْءَ عِنْدَكم يَعْدِلُها. فَلا تَطْمَعُونَ - عِنْدَ إرادَتِهِ لِنَزْعِها - في المُحاوَلَةِ لِتَوْجِيهِ دِفاعٍ عَنْ ذَلِكَ. وفي هَذا الوَصْفِ - مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّرْهِيبِ - إشارَةٌ إلى الدَّلالَةِ عَلى الإبْداءِ والإعادَةِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: الَّذِي أوَجَدَكم مِن عَدَمٍ كَما أنْتُمْ بِهِ مُقِرُّونَ بِعَدِمِكم بَعْدَ هَذا الإيجادِ وأنْتُمْ صاغِرُونَ، فَثَبَتَ قَطْعًا أنَّهُ قادِرٌ عَلى إعادَتِكم بَعْدَ هَذا الإعْدامِ بِطَرِيقِ الأوْلى فاحْذَرُوهُ لِتَعْبُدُوهُ كَما أعْبُدُهُ فَإنَّهُ قَدْ أمَرَنِي بِذَلِكَ وأنْتُمْ تَعْرِفُونَ غائِلَةَ المَلِكِ إذا خُولِفَ، وقالَ: ﴿إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ﴾ مَعَ أنَّهم يُصَرِّحُونَ بِبُطْلانِ دِينِهِ، لِأنَّهم في حُكْمِ الشّاكِّ لِاضْطِرابِهِمْ عِنْدَ وُرُودِ الآياتِ، أوْ لِأنَّ فِيهِمُ الشّاكَّ فَغَلَبَ لِأنَّهُ أقْرَبُ إلى الحَيِّزِ؛ والشَّكُّ: وُقُوفٌ بَيْنَ المَعْنى ونَقِيضِهِ، وضِدُّهُ الِاعْتِقادُ؛ فَإنَّهُ قَطْعٌ بِصِحَّةِ المَعْنى دُونَ نَقِيضِهِ، وعَبَّرَ بِ: ”مِن“ إشارَةً إلى أنَّ فِعْلَهم ذَلِكَ ابْتَدَأً مِنَ الدِّينِ، ولَوْ عَبَّرَ بِ: ”فِي“ لِأفْهَمَ أنَّهم دَخَلُوا فِيهِ لِأنَّهم في الشَّكِّ والشَّكِّ في الدِّينِ، والظَّرْفُ لِظَرْفِ الشَّيْءِ ظَرْفٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ، وتَرَكَ العَطْفَ إشارَةً إلى أنَّ كُلَّ جَوابٍ مِنها كافٍ عَلى حِيالِهِ.
(p-٢١٧)ولَمّا قَرَّرَ ما هو الحَقِيقُ بِطَرِيقِ العَقْلِ، أتْبَعَهُ بِما ورَدَ مِنَ النَّقْلِ بِتَأْيِيدِهِ وإيجابِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وأُمِرْتُ﴾ أيْ: بِأمْرٍ جازِمٍ ماضٍ مِمَّنْ لا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ، [وعَظَّمَ المَأْمُورَ بِهِ بِجَعْلِهِ عُمْدَةَ الكَلامِ بِإقامَتِهِ مَقامَ الفاعِلِ فَقالَ]: ﴿أنْ أكُونَ﴾ أيْ: دائِمًا كَوْنًا جِبِلِّيًّا، [ولَمّا كانَ السِّياقُ لِما يَحْتَمِلُ الشَّكَّ مِنَ الأمْرِ الباطِنِ، عَبَّرَ بِالإيمانِ الَّذِي هو لِلْقَلْبِ فَقالَ]: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ أيِ الرّاسِخِينَ في هَذا الوَصْفِ ﴿وأنْ أقِمْ﴾ [أيْ] أيُّها الرَّسُولُ ﴿وجْهَكَ﴾ أيْ: كُلِّيَّتَكَ عَلى سَبِيلِ الإخْلاصِ الَّذِي لا شَوْبَ فِيهِ ﴿لِلدِّينِ﴾ فَوَصَلَ أوَّلًا كَلِمَةَ ”أنْ“ بِمَعْنى الأمْرِ [أيْ ”أنْ أكُونَ“ دُونَ ”أكُنْ“] وثانِيًا بِلَفْظِهِ [وهُوَ ﴿أقِمْ﴾ ] جَمْعًا بَيْنَ الأُسْلُوبَيْنِ، وكِلاهُما بِمَعْنى المَصْدَرِ، وخَصَّ الثّانِيَ بِذَلِكَ لِطُولِهِ لِأنَّهُ كالتَّفْصِيلِ لِلْأوَّلِ فالخِطابُ فِيهِ أوْكَدُ وألَذُّ، وقَوْلُهُ: ﴿حَنِيفًا﴾ حالٌ مِن فاعِلِ ”أقِمْ“ ومَعْناهُ: مُسْلِمًا مَيّالًا مَعَ الدَّلِيلِ - كَما أوْضَحْتُهُ في البَقَرَةِ، أيِ اجْمَعْ بَيْنَ الإيمانِ بِالقَلْبِ والإسْلامِ بِالجَوارِحِ ﴿ولا تَكُونَنَّ﴾ أيْ: في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ الَّذِينَ هم عَلى ضِدِّ صِفَةِ الإسْلامِ مِنَ الجَفاءِ والغِلْظَةِ والجُمُودِ والقَسْوَةِ.
{"ayahs_start":104,"ayahs":["قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن دِینِی فَلَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِینَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنۡ أَعۡبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُمۡۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَأَنۡ أَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ"],"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن دِینِی فَلَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِینَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنۡ أَعۡبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُمۡۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق