الباحث القرآني

ولَمّا تَقَرَّرَ ما مَضى مِنَ النَّهْيِ عَنِ الإصْغاءِ إلَيْهِمْ في طَلَبِ الآياتِ، وخُتِمَ بِتَعْلِيقِ الأمْرِ بِمُجَرَّدِ المَشِيئَةِ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا يُقالُ لَهم إذا طَلَبُوا؟ فَقالَ: ﴿قُلِ﴾ أيْ: يا أشْرَفَ الخَلْقِ لَهم غَيْرَ مُهْتَمٍّ بِأمْرِهِمْ ومُنَبِّهًا لَهم عَلى إبْطالِ مَذْهَبِ الجَبْرِ المُتَعَلِّقِ أصْحابُهُ بِنَحْوِ هَذِهِ الآيَةِ، لِأنَّ المَشِيئَةَ مُغَيَّبَةٌ، والعَبْدُ مَأْمُورٌ بِبَذْلِ الجُهْدِ في الطّاعَةِ بِما لَهُ مِنَ القُدْرَةِ والِاخْتِبارِ. ولَمّا أمَرَ بِهَذا الفِكْرِ فَكانَ رُبَّما ظُنَّ لِأجْلِهِ أنَّ لِلْإنْسانِ قُدْرَةً مُسْتَقِلَّةً، نَبَّهَ عَلى مَذْهَبِ أهْلِ السُّنَّةِ القائِلِ بِالكَسْبِ الَّذِي هو - كَما قالَ الإمامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أمْرٌ بَيْنَ أمْرَيْنِ لا جَبْرَ ولا تَفْوِيضَ، فَقالَ مُعَلِّمًا: إنَّ مَن حُكِمَ بِشَقائِهِ لا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ: ﴿انْظُرُوا﴾ [أيْ] بِأبْصارِكم وبَصائِرِكم لِتَخْرُجُوا بِالِانْتِفاعِ بِالعَقْلِ عَنْ عِدادِ البَهائِمِ؛ قالَ الإمامُ: ولَوْ أنَّ الإنْسانَ تَفَكَّرَ في كَيْفِيَّةِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعالى في خَلْقِ جَناحِ بَعُوضَةٍ لانْقَطَعَ (p-٢١٢)فِكْرُهُ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلى أوَّلِ مَرْتَبَةٍ مِن مَراتِبِ تِلْكَ الحِكَمِ والفَوائِدِ، فَلِذَلِكَ أبْهَمَ في قَوْلِهِ: ﴿ماذا﴾ أيِ الَّذِي ﴿فِي السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ: مِنَ الآياتِ وواضِحِ الدَّلالاتِ الَّتِي أخْرَجْتُمُوها - بِإلْفِكم لَها - عَنْ عِدادِ الآياتِ، وهي عِنْدَ التَّأمُّلِ مِن أعْظَمِ خَوارِقِ العاداتِ، وقالَ الإمامُ: فَكَأنَّهُ سُبْحانَهُ نَبَّهَ عَلى القاعِدَةِ الكُلِّيَّةِ حَتّى يُنْتَبَهَ لِأقْسامِها، وقالَ أبُو حَيّانَ أخْذًا مِنَ الإمامِ: السَّبِيلُ إلى مَعْرِفَتِهِ تَعالى هو بِالتَّفَكُّرِ في مَصْنُوعاتِهِ، فَفي العالَمِ العُلْوِيِّ في حَرَكاتِ الأفْلاكِ ومَقادِيرِها وأوْضاعِها والكَواكِبِ وما يَخْتَصُّ بِذَلِكَ مِنَ المَنافِعِ والفَوائِدِ، وفي العالَمِ السُّفْلِيِّ في أحْوالِ العَناصِرِ والمَعادِنِ والنَّباتِ والحَيَوانِ وخُصُوصًا حالَ الإنْسانِ - انْتَهى. [ولَمّا كانَ ما فِيها مِنَ الآياتِ في غايَةِ الدَّلالَةِ، نَبَّهَ سُبْحانَهُ عَلى أنَّ التَّوَقُّفَ عَنِ الإيمانِ بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلى كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلالِ مُعانَدَةٌ فَقالَ]: ﴿وما﴾ وهي نافِيَةٌ أوِ اسْتِفْهامِيَّةٌ ﴿تُغْنِي الآياتُ﴾ أيْ: وإنْ كانَتْ في غايَةِ الوُضُوحِ ﴿والنُّذُرُ﴾ أيْ: والإنْذاراتُ أوِ الرُّسُلُ المُنْذِرُونَ ﴿عَنْ قَوْمٍ﴾ أيْ: وإنْ كانَتْ فِيهِمْ قُوَّةٌ ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: لِلْحُكْمِ بِشَقائِهِمْ، فَكانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَهْدِيدِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ﴾ أيْ: بِجَمِيعِ قُواهم في تَكْذِيبِهِمْ لِلرَّسُولِ وتَخَلُّفِهِمْ عَنِ الإيمانِ ﴿إلا﴾ (p-٢١٣)أيْ: أيّامًا أيْ وقائِعَ ﴿مِثْلَ أيّامِ﴾ أيْ: وقائِعَ ﴿الَّذِينَ خَلَوْا﴾ ولَمّا كانَ أهْلُ الأيّامِ الهائِلَةِ بَعْضَ مَن كانَ قَبْلُ، أتى بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ: مِن مُكَذِّبِي الأُمَمِ وهُمُ القِبْطُ وقَوْمُ نُوحٍ ومَن طُوِيَ بَيْنَهُما مِنَ الأُمَمِ، [أيْ] مِن حُقُوقِ الكَلِمَةِ عَلَيْهِمْ فَنَحِلُّ بِهِمْ بَأْسَنا ثُمَّ نُنْجِيكم لِإيمانِكم كَما كُنّا نَحِلُّ بِأُولَئِكَ إذا كَذَّبُوا رُسُلَنا، ثُمَّ نُنْجِي الرُّسُلَ ومَن آمَنَ بِهِمْ حَقًّا عَلَيْنا ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْنَ العِبادِ. ولَمّا تَقَدَّمَتِ الإشارَةُ إلى أنَّ الكَلِمَةَ حَقَّتْ عَلى الكافِرِينَ بِعَدَمِ الإيمانِ والرِّجْسِ الَّذِي هو العِقابُ، زادَ في تَهْدِيدِهِمْ بِالِاعْتِراضِ بِما سَبَّبَهُ عَنْ فِعْلِهِمْ فِعْلَ مَن يَنْتَظِرُ العَذابَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ فانْتَظِرُوا﴾ أيْ: بِجَمِيعِ جُهْدِكم ما تَرَوْنَهُ واقِعًا بِكم بِسَبَبِ ما تَقَرَّرَ عِنْدَكم مِمّا كانَ يَقَعُ بِالماضِينَ في أيّامِ اللَّهِ، وزادَ التَّحْذِيرَ اسْتِئْنافُهُ قَوْلَهُ مُؤَكِّدًا لِما لَهم مِنَ التَّكْذِيبِ: ﴿إنِّي﴾ وأعْلَمَهم بِالنَّصَفَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب