الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الرَّبُّ المَنعُوتُ بِالرَّحْمَةِ قَدْ لا يَكُونُ مالِكًا وكانَتِ الرُّبُوبِيَّةُ لا تَتِمُّ إلّا بِالمِلْكِ المُفِيدِ لِتَمامِ التَّصَرُّفِ، وكانَ المالِكُ لا يَكُونُ مَلِكًا ولا يَتِمُّ مِلْكُهُ إلّا بِالمُلْكِ المُفِيدِ لِلْعِزَّةِ المَقْرُونِ بِالهَيْبَةِ المُثْمِرَةِ لِلْبَطْشِ والقَهْرِ المُنْتِجِ لِنُفُوذِ الأمْرِ أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مَلِك يَوْمِ الدِّينِ تَرْهِيبًا مِن سَطَواتِ مَجْدِهِ. قالَ الحَرالِّيُّ: واليَوْمُ مِقْدارُ ما يَتِمُّ فِيهِ أمْرٌ ظاهِرٌ، (p-٣٠)ثُمَّ قالَ: و﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾ في الظّاهِرِ هو يَوْمُ ظُهُورِ انْفِرادِ الحَقِّ بِإمْضاءِ المُجازاةِ حَيْثُ تَسْقُطُ دَعْوى المُدَّعِينَ، وهو مِن أوَّلِ يَوْمِ الحَشْرِ إلى الخُلُودِ فالأبَدِ، وهو في الحَقِيقَةِ مِن أوَّلِ يَوْمِ نُفُوذِ الجَزاءِ عِنْدَ مُقارَفَةِ الذَّنْبِ في باطِنِ العامِلِ أثَرَ العَمَلِ إلى أشَدِّ انْتِهائِهِ في ظاهِرِهِ، لِأنَّ الجَزاءَ لا يَتَأخَّرُ عَنِ الذَّنْبِ وإنَّما يَخْفى لِوُقُوعِهِ في الباطِنِ وتَأخُّرِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ ظُهُورِهِ في الظّاهِرِ، ولِذَلِكَ يُؤْثَرُ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إنَّ العَبْدَ إذا أذْنَبَ نُكِتَ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْداءُ» وأيْضًا فَكُلُّ عِقابٍ يَقَعُ في الدُّنْيا عَلى أيْدِي الخَلْقِ فَإنَّما هو جَزاءٌ مِنَ اللَّهِ وإنْ كانَ أصْحابُ الغَفْلَةِ يَنْسِبُونَهُ لِلْعَوائِدِ، كَما قالُوا: ﴿مَسَّ آباءَنا الضَّرّاءُ والسَّرّاءُ﴾ [الأعراف: ٩٥] ويُضِيفُونَهُ لِلْمُعْتَدِينَ عَلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ، وإنَّما هو كَما قالَ تَعالى: ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] وكَما ورَدَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «الحُمّى مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، وإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ والقَرِّ مِن نَفَسِها»، وهي سَوْطُ الجَزاءِ الَّذِي أهْلُ الدُّنْيا بِأجْمَعِهِمْ مَضْرُوبُونَ (p-٣١)بِهِ، ومَنهَلُ التَّجَهُّمِ الَّذِي أجْمَعُهم وارِدُوهُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ بِهِ أكْثَرُهم، قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «المَرَضُ سَوْطُ اللَّهِ في الأرْضِ يُؤَدِّبُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ» . وكَذَلِكَ ما يُصِيبُهم مِن عَذابِ النَّفْسِ بِنَوْعِ الغَمِّ والهَمِّ والقَلَقِ والحِرْصِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وهو تَعالى مَلِكُ ذَلِكَ كُلِّهِ ومالِكُهُ، سَواءٌ ادَّعى فِيهِ مُدَّعٍ أوْ لَمْ يَدَّعِ، فَهو تَعالى بِمُقْتَضى ذَلِكَ [ كُلِّهِ مَلِكُ ] يَوْمِ الدِّينِ ومالِكُهُ مُطْلَقًا في الدُّنْيا والآخِرَةِ وإلى المَلِكِ أنَهى الحَقُّ تَعالى تَنَزُّلَ أمْرِهِ العَلِيِّ لِأنَّ بِهِ رَجَعَ الأمْرُ عَوْدًا عَلى بَدْءٍ بِالجَزاءِ العائِدِ عَلى آثارِ ما جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الأوْصافِ تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الأفْعالِ كَما قالَ تَعالى: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩] و﴿جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الواقعة: ٢٤] وبِهِ تَمَّ انْتِهاءُ (p-٣٢)الشَّرَفِ العَلِيِّ وهو المَجْدُ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: «مَجَّدَنِي عَبْدِي» . انْتَهى، ولَمّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ هُنا في الدَّلالَةِ عَلى المُلْكِ بَيْنَ قِراءَةِ ”مَلِكِ“ وقِراءَةِ ”مالِكِ“ جاءَتِ الرِّوايَةُ بِهِما، وذَلِكَ لِأنَّ المالِكَ إذا أُضِيفَ إلى اليَوْمِ أفادَ اخْتِصاصَهُ بِجَمِيعِ ما فِيهِ مِن جَوْهَرٍ وعَرَضٍ، فَلا يَكُونُ لِأحَدٍ مَعَهُ أمْرٌ ولا مَعْنًى لِلْمَلِكِ سِوى هَذا، ولَمّا لَمْ تُفِدْ إضافَتُهُ إلى النّاسِ هَذا المَعْنى لَمْ يَكُنْ خِلافٌ في ﴿مَلِكِ النّاسِ﴾ [الناس: ٢]
{"ayah":"مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق