وقولُه جلَّ وعزَّ: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً﴾.
أي مُصَلٍّ، والقنوتُ: الطاعةُ.
قال الحسنُ وقتادة: ﴿آنَآءَ ٱللَّيْلِ﴾ ساعاتِه، أوَّلَه، وأوسَطه، وآخِرَهُ.
قال أبو جعفر: قال الأخفش: قراءةُ من قرأ ﴿أَمَّنْ هُوَ﴾؟ بالتخفيفِ، ضعيفةٌ في العربيةِ، لأن ألفَ الاستفهامِ لا
يُعتَمدُ على ما قبلها.
قال أبو جعفر: الذي قاله الأخفشُ حَسَنٌ، يدلُّ عليه أن
الذي في سورة النمل لم يُقرأ إلاَّ مُثَقَّلاً، ومعنى كلامه: أن الكلامَ
معتمدٌ على ما قبله، ليس له خبرٌ، وإنما دلَّ عليه ما قبله، لأنه قال
جلَّ وعز ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
فحذَفَ الخبرَ لأن المعنى: أمَّنْ هو مطيعٌ كهذا؟.
أو أَمَّنْ هو مطيعٌ، أفضلُ أمْ هَذَا؟.
وهذا موضعُ ﴿أَمْ﴾ التي بمعنى "بَلْ" كما قال:
أَفَتِلْكَ أَمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوْعَةٌ * خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا
وقوله:
أذلك أم جَأْبٌ يُطَارِدُ آتُناً * حَمَلْنَ فَأَدْنَى حَمْلِهِنَّ دُرُوْصُ
ومن قرأ بالتخفيف، فالخبرُ أيضاً عنده محذوفٌ، وهو شيءٌ
غامضٌ في العربية، لا يأنسُ به إلاَّ من دَربَ بها، كما قال:
فَأُقْسِمُ لَوْشَيْءٌ أتانَا رَسُوْلُهُ * سِوَاكَ، وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعاً
أي لدفعناه، فعلى هذا يقعُ الحذفُ.
وقيل: هو نداءٌ أي يا من هو قائم آناءَ اللََّيل.
* وقوله جل وعز ﴿يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾.
قرأ سعيد بن جُبير ﴿يَحْذَرُ عَذَابَ الآخِرَةِ﴾ والمعنى واحدٌ.
أي كما لا يستوي العالم والجاهلُ، كذا لا يستوي المطيعُ والعاصي.
وقيل: ﴿ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ ما لهم في الطاعة، وما عليهم في المعصية.
ثم قال ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ﴾ أي العقول.
ولبُّ كلِّ شيءٍ خالصُه.
{"ayah":"أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدࣰا وَقَاۤىِٕمࣰا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}