ثم قال جلَّ وعزَّ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً﴾.
في معنى هذا أقوالٌ:
قال الضحاك: منعْنَاهم من النفقةِ في سبيل الله، كما قال تعالى ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ﴾.
وقيل: هذا في يوم القيامة، إذا دخلوا النَّارَ.
والماضي بمعنى المستقبل، أو لأنَّ اللهَ جلَّ وعزَّ أخبر به.
أو على إضمار "إذا كَانَ".
وقيل: جعلنا بمعنى وصفنا أنهم كذا.
وقد حَكَى سيبويه أنَّ "جَعَلَ" تأتي في كلام العرب على هذا المعنى، وهو أحدُ أقواله في قولهِم: جَعَلتَ متَاعَك بعضَه فوقَ بعض، وقولِهِ جلَّ وعزَّ ﴿وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثَاً﴾.
* ثم قال جلَّ وعز ﴿فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾.
والمعنى: فأيديهم إلى الأذقان، ولم يَجْرِ للأيدي ذِكرٌ، لأنَّ المعنى قد عُرِفَ، كما قال:
فَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْتُ وَجْهَاً * أُرِيدُ الخَيْرَ أَيّهمَا يَلِيِني
أَأَلْخَيرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ * أَمِ الشَرُّ الَّذِي لا يَأْتَلِيني
وفي قراءة عبداللهِ بن مسعود ﴿إنَّا جَعَلْنَا في أَيْمَانِهِمْ أَغْلاَلاً﴾.
* ثم قال تعالى: ﴿فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾.
قال مجاهد: أي رافعوا رءوسِهِم، وأيديهم على أفواههم.
وقال الفراء: هو الرافع رأسَهُ، الغاضُّ بَصَرَه.
وقال أبو عُبيدة: هو الذي يُجْذَبُ، وهو رافعٌ رأسه.
قال أبو جعفر: المعروف في اللغة: أن "المُقْمح" الرافعُ رأسَه لمكروهٍ، ومنه قيل لِكَانُوْنْينِ: "شَهْرَا قِمَاحٍ" لأن الإبل إذا وردت فيهما الماءَ، رفعت رؤُوسَها من البَرْدِ، ومنه قوله:
وَنَحنُ عَلَى جَوانِبِها قُعُوْدٌ * نَغُضُّ الطَّرْفَ كَالإبِلِ القِمَاح
{"ayah":"إِنَّا جَعَلۡنَا فِیۤ أَعۡنَـٰقِهِمۡ أَغۡلَـٰلࣰا فَهِیَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ"}