﴿فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰلُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ﴾ [التوبة ٥٥]
﴿فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰلُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ﴾ - تفسير
٣٢٦٢٥- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق جُوَيْبِر- في قوله: ﴿فلا تُعجبكَ﴾، يقولُ: لا يَغْرُرْك(١). (٧/٤٠٤)
﴿إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا﴾ - تفسير
٣٢٦٢٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿فلا تُعجبكَ أموالهُمُ ولا أولادُهُم إنما يُريدُ الله ليعذبهُم بها﴾ في الآخرةِ(٢). (٧/٤٠٣)
٣٢٦٢٧- عن مجاهد بن جبر: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة(٣). (ز)
٣٢٦٢٨- قال الحسن البصري: ﴿فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا﴾، يعني: أنّهم يُنفِقون أموالهم، ويُشْخِصُونَ(٤) أبدانهم يقاتلون أولياءهم المشركين مع أعدائهم المؤمنين؛ لأنهم يُخْفُون لهم العداوة، فهو تعذيب لهم في الحياة الدنيا(٥). (ز)
٣٢٦٢٩- عن الحسن البصري -من طريق سليمان البصري- ﴿إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا﴾، قال: بأخذ الزكاة، والنفقة في سبيل الله(٦). (ز)
ابنُ عطية (٤/٣٣٤) على هذا القول بقوله: «فالضمير في قوله: ﴿بِها﴾ عائد -في هذا القول- على الأموال فقط».
٣٢٦٣٠- عن قتادةَ بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿فلا تُعجبكَ أموالهُمُ ولا أولادُهُم﴾، قال: هذه من مقاديم الكلام، يقولُ: لا تُعجبْك أموالهُم ولا أولادُهم في الحياة الدنيا؛ إنّما يُريدُ الله ليعذبهُم بها في الآخرة(٧). (٧/٤٠٣)
٣٢٦٣١- عن إسماعيل السُّدِّيّ، نحوه(٨). (ز)
٣٢٦٣٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ﴾ يا محمد ﴿أمْوالُهُمْ ولا أوْلادُهُمْ﴾ يعني: المنافقين؛ ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ بما يلْقَون في جمعها من المشقة، وفيها من المصائب(٩). (ز)
٣٢٦٣٣- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿إنمّا يُريدُ الله ليُعذبهُم بها في الحَياة الدُّنيا﴾، قال: بالمصائب فيهم، هي لهم عذابٌ، وهي للمؤمنين أجرٌ(١٠). (٧/٤٠٤)
أفادت الآثارُ اختلافَ المفسرين في معنى قوله تعالى: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أمْوالُهُمْ ولا أوْلادُهُمْ﴾ الآية على أقوال: الأول: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. ففي الآية تقديم وتأخير. وهو قول قتادة، وابن عباس، ومجاهد. الثاني: أنها على نظمها، والمعنى: ليعذبهم بها في الدنيا بالمصائب في الأموال والأولاد. وهو قول ابن زيد. الثالث: أن المعنى: ليعذبهم بأخذ الزكاة من أموالهم والنفقة في سبيل الله. وهو قول الحسن من طريق سليمان البصري.
و ابنُ جرير (١١/٥٠١) مستندًا إلى دلالة ظاهر الآية القولَ الثالثَ، وعلَّل ذلك قائلًا: «لأنّ ذلك هو الظاهر من التنزيل، فَصَرْفُ تأويله إلى ما دلَّ عليه ظاهرُه أوْلى من صَرْفِه إلى باطنٍ لا دلالة على صحته».
و ابنُ كثير (٧/٢١٦) بقوله: «واختار ابنُ جرير قول الحسن، وهو القول القويُّ الحسن».
و ابنُ القيم (٢/١٥) القول الثالث لدلالة العقل بقوله: «وهذا أيضًا عدول عن المراد بتعذيبهم في الدنيا بها، وذهاب عن مقصود الآية».
و ابنُ جرير القول الأول لدلالة العقل بقوله: «وإنما وجَّه مَن وجَّهَ ذلك إلى التقديم وهو مؤخَّر؛ لأنّه لم يَعْرِف لتعذيب الله المنافقين بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا وجْهًا يوجِّهُهُ إليه، وقال: كيف يعذبهم بذلك في الدنيا، وهي لهم فيها سرور؟ وذهب عنه توجيهه إلى أنّه من عظيم العذاب عليه إلزامُه ما أوجب الله عليه فيها من حقوقه وفرائضه؛ إذ كان يُلْزمه ويُؤخَذ منه، وهو به غير طَيِّب النَّفْس، ولا راجٍ به من الله جزاء، ولا مِن الأخْذِ منه حمدًا ولا شُكْرًا على ضجرٍ منه وكُرْه».
و ابنُ القيم (٢/١٥) على القول الأول بقوله: «وكأنّهم لما أشكل عليهم وجْه تعذيبهم بالأموال والأولاد في الدنيا، وأنّ سرورهم ولذتهم ونعيمهم بذلك؛ فرُّوا إلى التقديم والتأخير».
و بأنّ «الصواب -والله أعلم- أن يُقال: تعذيبهم بها هو الأمر المشاهد من تعذيب طلاب الدنيا ومحبيها ومؤثريها على الآخرة: بالحرص على تحصيلها، والتعب العظيم في جمعها، ومقاساة أنواع المشاق في ذلك، فلا تجد أتعب ممن الدنيا أكبر همِّه، وهو حريص بجهده على تحصيلها. والعذاب هنا هو الألم والمشقة والنصب، كقوله ﷺ: «السفر قطعة من العذاب». وقوله: «إنّ الميت لَيُعَذَّب ببكاء أهله عليه». أي: يتألم ويتوجع، لا أنه يعاقَب بأعمالهم، وهكذا من الدنيا كل همِّه أو أكبر همِّه، كما قال ﷺ في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أنس ﵁: «مَن كانت الآخرةُ همَّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومَن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له»».
و ابنُ عطية (٤/٣٣٥) أنّ القول الثاني الذي قاله ابن زيد، وإن كان يستغرق القول الثالث الذي قاله الحسن، فإنّ قول الحسن يتقوّى تخصيصه بأنّ تعذيبهم بإلزام الشريعة أعظم من تعذيبهم بسائر الرزايا، وذلك لاقتران الذِّلَّة والغلبة بأوامر الشريعة لهم.
﴿وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ ٥٥﴾ - تفسير
٣٢٦٣٤- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق جُوَيْبِر- في قوله: ﴿وتزهق﴾، قال: تخرُج أنفسُهم في الدنيا ﴿وهم كافرون﴾(١١). (٧/٤٠٤)
٣٢٦٣٥- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿وتزهَقَ أنفُسُهُم وهُم كافرُون﴾، قال: تزهقُ أنفسُهم في الحياة الدنيا وهم كافرون. قال: هذه آيةٌ فيها تقديمٌ وتأخيرٌ(١٢). (٧/٤٠٤)
ابنُ عطية (٤/٣٣٥) أنّ قوله: ﴿وتَزْهَقَ أنْفُسُهُمْ﴾ يحتمل احتمالين: الأول: أن يريد: ويموتون على الكفر. الثاني: أن يريد: وتزهق أنفسهم من شدة التعذيب الذي ينالهم. ثم قال: «وقوله: ﴿وهُمْ كافِرُونَ﴾ جملة في موضع الحال على التأويل الأول [أي: قول قتادة ومَن وافقه]، وليس يلزم ذلك على التأويل الثاني [قول الحسن]».
٣٢٦٣٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وتَزْهَقَ أنْفُسُهُمْ﴾ يعني: ويريد أن تذهب أنفسهم على الكفر، فيُمِيتُهم كُفّارًا، فذلك قوله: ﴿وهُمْ كافِرُونَ﴾ بتوحيد الله، ومصيرهم إلى النار(١٣). (ز)
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٨١٣. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
(٢) أخرجه ابن جرير ١١/٥٠٠.
(٣) تفسير الثعلبي ٥/٥٤، وتفسير البغوي ٤/٥٩.
(٤) أشخَصَ فلان: حان سَيره وذهابه. يُقال: نحن على سَفَر قد أشْخَصْنا، أي: حان شُخُوصُنا. تاج العروس (شخص).
(٥) ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢١٢-.
(٦) أخرجه ابن جرير ١١/٥٠١.
(٧) أخرجه ابن جرير ١١/٥٠٠، وابن أبي حاتم ٦/١٨١٣. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.
(٨) تفسير الثعلبي ٥/٥٤.
(٩) تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٧٥.
(١٠) أخرجه ابن جرير ١١/٥٠١، وابن أبي حاتم ٦/١٨١٣.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٨١٤. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٨١٤.
(١٣) تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٧٥.