﴿لِیَمِیزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ وَیَجۡعَلَ ٱلۡخَبِیثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَیَرۡكُمَهُۥ جَمِیعࣰا فَیَجۡعَلَهُۥ فِی جَهَنَّمَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾ [الأنفال ٣٧]
﴿لِیَمِیزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ﴾ - تفسير
٣٠٨٣٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- قوله: ﴿ليميز الله الخبيث من الطيب﴾، فمَيَّز أهلَ السعادة من أهل الشقاوة(١). (ز)
٣٠٨٣١- قال مُرَّة الهَمْدانِيّ: يعني: يَمِيز المؤمن -في علمه السابق الذي خلقه حين خلقه طَيِّبًا- من الخبيث الكافر -في علمه السابق الذي خلقه خبيثًا-(٢). (ز)
٣٠٨٣٢- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: ثم ذَكَر المشركين، وما يصنع بهم يوم القيامة، فقال: ﴿ليميز الله الخبيث من الطيب﴾، يقول: يميز المؤمن من الكافر، فيجعل الخبيث بعضه على بعض(٣). (ز)
لم يذكر ابن جرير (١١/١٧٥) في معنى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ سوى قول ابن عباس، والسدي.
ابن كثير (٧/٧٤) قولَ ابن عباس والسدي قائلًا: «وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الآخرة، كقوله: ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أشْرَكُوا مَكانَكُمْ أنْتُمْ وشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ﴾ [يونس:٢٨]، وقال تعالى: ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم:١٤]، وقال في الآية الأخرى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم:٤٣]، وقال تعالى: ﴿وامْتازُوا اليَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ﴾ [يس:٥٩]. ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا، بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين، وتكون»اللام«مُعَلِّلة لِما جعل الله للكفار من مال ينفقونه في الصد عن سبيل الله، أي: إنما أقْدَرْناهم على ذلك: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾، أي: من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنكول عن ذلك، كقوله: ﴿وما أصابَكُمْ يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيَعْلَمَ المُؤْمِنِينَ * ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالا لاتَّبَعْناكُمْ﴾ الآية [آل عمران:١٦٦، ١٦٧]، وقال تعالى: ﴿ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلى الغَيْبِ﴾ الآية [آل عمران:١٧٩]، وقال تعالى: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصّابِرِينَ﴾ [آل عمران:١٤٢]، ونظيرتها في براءة أيضًا».
ابن عطية (٤/١٨٨) قائلًا: «واللام -على هذا التأويل- من قوله: ﴿لِيَمِيزَ﴾ متعلق بـ﴿يُحْشَرُونَ﴾، والمعنى: أنّ الله يحشر الكافرين إلى جهنم لِيَمِيز الكافرين من المؤمنين بأن يجمع الكافرين جميعًا فيلقيهم في جهنم».
وزاد ابن عطية قولًا آخر حكاه عن ابن سلّام والزجاج أنهما قالا: «المعني بـ»الخبيث«المال الذي أنفقه المشركون في الصد عن سبيل الله، والطيب هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل الله». بقوله: «واللام على هذا التأويل من قوله ﴿ليميز﴾ متعلقة بـ﴿يغلبون﴾، والمعنى: الكفار ينفقون أموالهم فتكون عليهم حسرة ثم يغلبون مع نفقتها، وذلك ليميز الله الفرق بين الخبيث والطيب فيخذل أهل الخبيث وينصر أهل الطيب، وقوله تعالى -على هذا التأويل-: ﴿ويجعل الخبيث بعضه على بعض﴾ إلى قوله: ﴿في جهنم﴾ مترتب على ما رُوي عن رسول الله ﷺ أن الله تعالى يخرج من الأموال ما كان صدقة أو قربة يوم القيامة ثم يأمر بسائر ذلك فيلقى في النار».
٣٠٨٣٣- عن شِمْرِ بن عطية -من طريق حفص بن حميد- في قوله: ﴿ليميز الله الخبيث من الطيب﴾، قال: يَمِيزُ يوم القيامة ما كان لله من عمل صالح في الدنيا، ثم تُؤْخَذُ الدنيا بأَسْرِها فتُلقى في جهنم(٤). (٧/١٢١)
٣٠٨٣٤- قال محمد بن السائب الكلبي: يعني: العمل الخبيث من العمل الطيب الصالح، فيُثِيب على الأعمال الصالحة الجنةَ، ويُثِيب على الأعمال الخبيثة النارَ(٥). (ز)
٣٠٨٣٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾، يعني: يَمِيز الكافرَ من المؤمن(٦). (ز)
٣٠٨٣٦- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني: الإنفاقَ الطَّيِّبَ في سبيل الله من الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان، فجعل نفقاتهم في قَعْر جهنم، ثم يقال لهم: الحَقُوا بها(٧). (ز)
﴿وَیَجۡعَلَ ٱلۡخَبِیثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَیَرۡكُمَهُۥ جَمِیعࣰا فَیَجۡعَلَهُۥ فِی جَهَنَّمَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ ٣٧﴾ - تفسير
٣٠٨٣٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ويَجْعَلَ﴾ في الآخرة ﴿الخَبِيثَ﴾ أنفسهم ﴿بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ يعني: المُطْعِمِين في غزوة بدر؛ أبا جهل، والحارث ابنا هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، ومُنَبِّه ونُبَيْه ابنا الحجاج، وأبا البَخْتَرِيِّ بن هشام، والنضر بن الحارث، و[حكيم] بن حزام، وأُبَيَّ بن خلف، وزَمْعَة بن الأسود، والحارث بن عامر بن نوفل، كلهم من قريش(٨). (ز)
٣٠٨٣٨- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿فيركمه جميعا﴾، قال: يجمَعُه جميعًا(٩). (٧/١٢١)
ذكر ابن عطية (٤/١٨٩) عن أبي عليٍّ في قوله:﴿يركمه﴾ أن معناه: «يلقي». ثم عليه قائلا: «و﴿أولئك هم الخاسرون﴾ على هذا التأويل يراد المنافقون من الكفار، ولفظة الخسارة تليق بهم من جهة المال وبغير ذلك من الجهات».
٣٠٨٣٩- عن مقاتل بن حيّان -من طريق بُكَيْر بن معروف- في قوله: ﴿أولئك هم الخاسرون﴾: في الآخرة، يقول: هم أهل النار(١٠). (ز)
(١) أخرجه ابن جرير ١١/١٧٥.
(٢) تفسير الثعلبي ٤/٣٥٦.
(٣) أخرجه ابن جرير ١١/١٧٥، وابن أبي حاتم ٥/١٦٩٩.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٥/١٦٩٩. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
(٥) تفسير الثعلبي ٤/٣٥٥، وتفسير البغوي ٣/٣٤٩.
(٦) تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١١٥.
(٧) تفسير الثعلبي ٤/٣٥٥.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١١٥.
(٩) أخرجه ابن جرير ١١/١٧٦، وابن أبي حاتم ٥/١٦٩٩.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم ٥/١٦٩٩.