الباحث القرآني
﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن دِیَـٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُوا۟ۖ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَیۡثُ لَمۡ یَحۡتَسِبُوا۟ۖ وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ یُخۡرِبُونَ بُیُوتَهُم بِأَیۡدِیهِمۡ وَأَیۡدِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ ٢﴾ - نزول الآيات
٧٦١٠١- عن عائشة -من طريق عُروة- قالت: كانت غزوة بني النَّضِير -وهم طائفة من اليهود- على رأس ستة أشهُر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونَخلهم في ناحية المدينة، فحاصَرهم رسولُ الله ﷺ حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنّ لهم ما أقلّتِ الإبل مِن الأمتعة والأموال، إلا الحَلْقَة، يعني: السلاح؛ فأنزل الله فيهم: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿لِأَوَّلِ الحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا﴾، فقاتلهم النبيُّ ﷺ حتى صالحهم على الجلاء، وأجلاهم إلى الشام، وكانوا مِن سِبطٍ لم يُصبهم جلاءٌ فيما خلا، وكان اللهُ قد كَتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لَعذّبهم في الدنيا بالقتْل والسّبي. وأما قوله: ﴿لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾ فكان جلاؤهم ذلك أول حَشرٍ في الدنيا إلى الشام[[أخرجه الحاكم ٢/٤٨٣، والبيهقي في الدلائل ٣/١٧٨. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. قال البيهقي: «ذكر عائشة فيه غير محفوظ».]]. (١٤/٣٣٢)
٧٦١٠٢- عن عبد الله بن عباس: أنّ سورة الحشر نَزَلَتْ في النَّضِير، وذَكر اللهُ فيها الذي أصابهم من النِّقمة، وتسليطه رسول الله ﷺ عليهم، حتى عمِل بهم الذي عمِل بإذنه، وذَكر المنافقين الذين كانوا يُراسلونهم، ويَعِدونهم النصر، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾ إلى قوله: ﴿وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ بهدْمهم بيوتهم مِن نُجُفِ الأبواب[[عزاه السيوطي إلى ابن إسحاق، وابن مردويه. وينظر: سيرة ابن هشام ٢/١٩٢-١٩٥.]]. (١٤/٣٣٩)
٧٦١٠٣- عن رجل من أصحاب النبي ﷺ -من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك-: أنّ كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أُبَيّ بن سَلول ومَن كان يعبد معه الأوثان مِن الأَوْس والخَزْرج، ورسول الله ﷺ يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر، يقولون: إنّكم قد آويتُم صاحِبَنا، وإنّكم أكثرُ أهل المدينة عددًا، وإنّا نُقْسِم بالله لتُقاتِلُنَّه أو لتُخْرِجُنَّه، أو لَنَسْتَعْدِيَنَّ عليكم العرب، ثم لَنَسيرنّ إليكم بأجمعنا حتى نَقتل مُقاتلتكم، ونَستبيح نساءكم وأبناءكم. فلما بلغ ذلك عبد الله بن أُبَيّ ومَن معه مِن عبدة الأوثان تَراسلوا، واجتمعوا، وأجمَعوا لقتال النبي ﷺ وأصحابه، فلما بلغ ذلك النبيَّ ﷺ لَقِيَهم في جماعةٍ مِن أصحابه، فقال: «لقد بلغ وعيدُ قريش منكم المبالغ، ما كانت لِتكيدَكم بأكثر مما تريدون أن تَكيدوا به أنفسَكم! فأنتم هؤلاء تريدون أن تُقاتلوا أبناءكم وإخوانكم». فلمّا سمِعوا ذلك مِن النبي ﷺ تفرّقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، وكانت وقعة بدر بعد ذلك، فكَتبتْ كفارُ قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنّكم أهل الحَلْقَة والحُصون، وإنّكم لَتُقاتِلُنّ صاحبَنا أو لنَفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خَدَم نسائكم شيء -وهي الخَلاخيل-. فلمّا بلغ كتابُهم اليهودَ اجتمعت بنو النَّضِير بالغَدر، فأَرسَلوا إلى النبي ﷺ: اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا مِن أصحابك، وليَخرج إليك منّا ثلاثون حَبْرًا حتى نلتقي بمكانٍ نَصَفٍ بيننا وبينك، ويَسمعوا منك، فإن صدَّقوك وآمنوا بك آمنّا كلُّنا. فخرج النبي ﷺ في ثلاثين مِن أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حَبْرًا مِن اليهود، حتى إذا بَرزوا في بَرازٍ من الأرض قال بعضُ اليهود لبعض: كيف تَخلُصُون إليه ومعه ثلاثون رجلًا مِن أصحابه، كلّهم يحبُّ أن يموت قبله؟ فأرسَلوا: كيف نَفهَم ونحن ستون رجلًا؟! اخرج في ثلاثة مِن أصحابك، ويَخرج إليك ثلاثةٌ مِن علمائنا فليسمَعوا منك، فإنْ آمنوا بك آمنّا كلّنا وصدّقناك. فخرج النبيُّ ﷺ في ثلاثة مِن أصحابه، وخرج ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفَتْكَ برسول الله ﷺ، فأرسَلَت امرأةٌ ناصِحةٌ مِن بني النَّضِير إلى أخيها، وهو رجل مسلم مِن الأنصار، فأخبَرتْه خبرَ ما أراد بنو النَّضر مِن الغدر برسول الله ﷺ، فأقبل أخوها سريعًا حتى أدرك النبيَّ ﷺ، فسارّه بخبرهم قبل أن يَصِل إليهم، فرجع النبيُّ ﷺ. فلمّا كان الغدُ غَدا عليهم رسولُ الله ﷺ بالكتائب، فحَصَرهم، فقال لهم: «إنكم -واللهِ- لا تَأمَنُون عندي إلا بعهدٍ تُعاهِدُونني عليه». فأَبَوا أن يُعطوه عهدًا، فقاتلهم يومَه ذلك هو والمسلمون، ثم غدا الغد على بني قُرَيظة بالكتائب، وترك بني النَّضِير، ودعاهم إلى أن يُعاهِدوه، فعاهَدوه، فانصرف عنهم، وغدا إلى بني النَّضِير بالكتائب، فقاتَلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنّ لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ إلا الحَلْقَة -والحَلْقَة: السلاح-، فجَلَتْ بنو النَّضِير، واحتَملوا ما أقَلّتِ الإبلُ مِن أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخَشَبها، فكانوا يُخْرِبون بيوتَهم، فيهدمونها، فيَحْتملون ما وافقهم مِن خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أولَ حَشْر الناس إلى الشام، وكان بنو النَّضِير مِن سِبطٍ من أسباط بني إسرائيل لم يُصبهم جلاءٌ منذ كَتب الله على بني إسرائيل الجلاء؛ فلذلك أجْلاهم رسولُ الله ﷺ، فلولا ما كَتب الله عليهم مِن الجلاء لعذَّبهم في الدنيا كما عُذِّبتْ بنو قُرَيظة؛ فأنزل الله: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ﴾ حتى بلغ: ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فكان نخيل بني النَّضِير لرسول الله ﷺ خاصة، فأعطاه الله إيّاها، وخصّه بها، فقال: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ يقول: بغير قتال، فأعطى النبيُّ ﷺ أكثرَها المهاجرين، وقَسَمها بينهم، وقَسَم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة، لم يَقْسم لأحد مِن الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله ﷺ التي في أيدي بني فاطمة[[أخرجه عبد الرزاق (٩٧٣٣)، من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي، وأبو داود (٣٠٠٤)، والبيهقي في الدلائل ٣/١٧٨. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢٥٩٥).]]. (١٤/٣٤٠)
٧٦١٠٤- عن عُروة بن الزبير -من طريق أبي الأسود- قال: أمر اللهُ رسولَه بإجلاء بني النَّضِير، وإخراجهم من ديارهم، وقد كان النّفاقُ كثيرًا بالمدينة، فقالوا: أين تُخْرِجنا؟ قال: «أُخرجكم إلى المَحْشر». فلما سمع المنافقون ما يُراد بإخوانهم وأوليائهم مِن أهل الكتاب أرسَلوا إليهم، فقالوا لهم: إنّا معكم محيانا ومماتنا؛ إن قوتلتم فلكم علينا النصر، وإنْ أُخرِجتُم لم نتخلّف عنكم. ومنّاهم الشيطانُ الظهور، فنادَوا النبيَّ ﷺ: إنّا -واللهِ- لا نَخرج، ولَئِن قاتَلتَنا لَنُقاتلنَّك. فمضى النبيُّ ﷺ فيهم لأمْر الله، وأمَر أصحابه، فأخذوا السلاح، ثم مضى إليهم، وتحصَّنَتِ اليهودُ في دُورهم وحصونهم، فلما انتهى رسولُ الله ﷺ إلى أزِقَّتهم أمَر بالأدنى فالأدنى مِن دُورهم أن يُهدم، وبالنّخل أن يُحرَق ويُقطَع، وكفّ الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم، وألقى اللهُ في قلوب الفريقين الرُّعبَ، ثم جعلت اليهود كلّما خلَص رسول الله ﷺ مِن هدْم ما يلي مدينتهم ألقى الله في قلوبهم الرّعب، فهدَموا الدُّور التي هم فيها من أدبارها، ولم يستطيعوا أن يَخرجوا على النبي ﷺ، فلمّا كادوا أن يبلغوا آخر دُورهم، وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منَّوهم، فلمّا يئسوا مِمّا عندهم سألوا رسولَ الله ﷺ الذي كان عَرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم على أن يُجْليَهم، ولهم أن يتحَمَّلوا بما استَقَلّتْ به الإبل مِن الذي كان لهم، إلا ما كان مِن حَلْقة السلاح، فذهبوا كلَّ مَذهب، وكانوا قد عَيَّروا المسلمين حين هَدموا الدُّور وقطَعوا النخل، فقالوا: ما ذَنبُ شجرةٍ وأنتم تزعمون أنكم مُصلِحون؟! فأنزل اللهُ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾، ثم جعلها نفلًا لرسول الله ﷺ، ولم يجعل منها سهمًا لأحد غيره، فقال: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿قَدِيرٌ﴾. فقَسمها رسولُ الله ﷺ فيمن أراه الله مِن المهاجرين الأوّلين[[أخرجه البيهقي في الدلائل ٣/١٨٠-١٨٢.]]. (١٤/٣٣٤)
٧٦١٠٥- عن أبي مالك: أنّ قُرَيظة والنَّضِير -قبيلتين من اليهود- كانوا حلفاء لقبيلتين من الأنصار؛ الأَوْس والخَزْرج، في الجاهلية، فلمّا قَدِم رسولُ الله ﷺ المدينة، وأسلَمت الأنصار، وأَبَتِ اليهودُ أن يُسْلِموا، سار المسلمون إلى النَّضِير وهم في حصونهم، فجعل المسلمون يَهدِمون ما يليهم مِن حصنهم، ويَهدِم الآخرون ما يليهم؛ أن يُرتَقى عليهم، حتى أفضَوْا إليهم، فنَزَلَتْ: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿شَدِيدُ العِقابِ﴾[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٣٤٣)
٧٦١٠٦- عن يزيد بن رُومان -من طريق ابن إسحاق- قال: نَزَلَتْ في بني النَّضِير سورة الحَشْر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله ﷿ به من نِقمته، وما سَلّط عليهم به رسولُ الله ﷺ وما عمِل به فيهم، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾ الآيات[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٤٩٨.]]. (ز)
٧٦١٠٧- عن موسى بن عقبة، قال: هذا حديثُ رسول الله ﷺ حين خرج إلى بني النَّضِير يستعينهم في عقْل الكِلابِيَّيْن، وكانوا زعموا قد دَسُّوا إلى قريش حين نزلوا بأُحد لقتال رسول الله ﷺ، فحضّوهم على القتال، ودلّوهم على العورة، فلما كلّمهم رسول الله ﷺ في عقْل الكِلابِيَّيْن قالوا: اجلس -يا أبا القاسم- حتى تَطْعَم، وترجع بحاجتك، ونقوم فنتشاور، ونُصلِح أمرنا فيما جئتنا له، فجلس رسول الله ﷺ ومَن معه مِن أصحابه في ظِلّ جدارٍ ينتظرون أن يُصلحوا أمرهم، فلمّا خَلَوا -والشيطان معهم- ائتمروا بقتْل رسول الله ﷺ، فقالوا: لن تجدوه أقرب منه الآن، فاستريحوا منه تأمَنوا في دياركم، ويُرفع عنكم البلاء. فقال رجل منهم: إن شئتم ظهرتُ فوق البيت الذي هو تحته، فدَلّيتُ عليه حجرًا، فقتلتُه. وأوحى اللهُ ﷿ إليه، فأخبره بما ائتمروا به مِن شأنهم، فعصَمه الله ﷿، وقام رسول الله ﷺ كأنه يريد أن يقضي حاجة، وتَرك أصحابه في مجلسهم، وانتظره أعداء الله، فراثَ عليهم، فأقبل رجلٌ مِن المدينة، فسألوه عنه، فقال: لَقيته قد دخل أزِقّة المدينة، فقالوا لأصحابه: عَجل أبو القاسم أن يُقيم أمرنا في حاجته التي جاء لها. ثم قام أصحاب رسول الله ﷺ، فرجعوا، ونزل القرآن، والله أعلم بالذي أراد أعداء الله، فقال ﷿: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم﴾ إلى قوله: ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ [المائدة:١١]. فلمّا أظهر اللهُ ﷿ رسولَه ﷺ على ما أرادوا به وعلى خيانتهم أمر اللهُ ﷿ رسولَه ﷺ بإجلائهم، وإخراجهم مِن ديارهم، وأمرهم أن يسيروا حيث شاؤوا، وقد كان النّفاق قد كثُر في المدينة، فقالوا: أين تُخرجنا؟ قال: «أُخرجكم إلى الحبس». فلمّا سمع المنافقون ما يُراد بإخوانهم وأوليائهم من أهل الكتاب أرسَلوا إليهم، فقالوا لهم: إنّا معكم محيانا ومماتنا؛ إن قوتلتم فلكم علينا النصر، وإنْ أُخرجتُم لم نتخلّف عنكم. وسيد اليهود أبو صفية حُييّ بن أخطَب، فلمّا وثقوا بأماني المنافقين عَظُمَت غِرَّتهم، ومنّاهم الشيطان الظهور، فنادَوا النبيَّ ﷺ وأصحابه: إنّا -واللهِ- لا نخرج، ولَئن قاتلتَنا لَنُقاتلنّك. فمضى النبيُّ ﷺ لأمْر الله تعالى فيهم، فأمَر أصحابَه، فأخذوا السلاح، ثم مضى إليهم، وتحصّنت اليهود في دُورهم وحصونهم، فلمّا انتهى رسولُ الله ﷺ إلى أزِقّتهم وحصونهم كره أن يُمكّنهم من القتال في دُورهم وحصونهم، وحفظ الله ﷿ له أمره، وعَزم على رُشده، فأمر بالأدنى فالأدنى مِن دُورهم أن تُهدم، وبالنّخل أن تُحرق وتُقطع، وكفّ الله تعالى أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم، وألقى الله ﷿ في قلوب الفريقين كلاهما الرّعب، ثم جعلت اليهود كُلّما خلَص رسول الله ﷺ مِن هدْم ما يلي مدينته ألقى الله ﷿ في قلوبهم الرّعب، فهَدموا الدُّور التي هم فيها مِن أدبارها، ولم يستطيعوا أن يَخرجوا على النبي ﷺ وأصحابه يَهدِمون ما أتَوا عليه الأول فالأول، فلّما كادت اليهود أن تبلغ آخر دُورها وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا مَنَّوهم، فلمّا يئِسوا مِمّا عندهم سألوا رسول الله ﷺ الذي كان عَرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم رسولُ الله ﷺ على أن يُجْليَهم ولهم أن يتَحمّلوا بما استَقَلّت به الإبل مِن الذي كان لهم، إلا ما كان من حَلْقَة أو سلاح، فطاروا كلّ مطير، وذهبوا كلّ مذهب، ولحق بنو أبي الحقيق طير معهم آنية كثيرة مِن فِضّة، قد رآها النبي ﷺ وأصحابه والمسلمون حين خرجوا بها، وعَمد حُييّ بن أخطَب حين قدم مكة على قريش، فاستغْواهم على رسول الله ﷺ، واستنصرهم، وبيّن الله ﷿ لرسوله ﷺ حديث أهل النّفاق وما بينهم وبين اليهود، وكانوا قد عيّروا المسلمين حين يَهدِمون الدُّور ويَقطَعون النّخل، فقالوا: ما ذَنبُ شجرة وأنتم تزعمون أنكم مُصلِحون؟! فأنزل الله ﷿: ﴿سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم﴾ إلى قوله: ﴿وليخزي الفاسقين﴾. ثم جعلها نفلًا لرسول الله ﷺ، ولم يجعل فيها سهمًا لأحد غيره، فقال: ﴿وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب﴾ إلى قوله: ﴿والله على كل شيء قدير﴾ [الحشر:٦]. فقَسَمها رسولُ الله ﷺ فيمن أراه الله ﷿ مِن المهاجرين الأوّلين، وأعطى منها الأنصار رجلين: سِماك بن أوْس بن خَرَشة وهو أبو دُجانة، وسهل بن حُنَيف، وأعطى -زعموا- سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق، وكان إجلاء بني النَّضِير في المحرّم سنة ثلاث، وأقامت قُرَيظة في المدينة في مساكنهم، لم يؤمر النبي ﷺ فيهم بقتال ولا إخراج، حتى فضحهم الله ﷿ بحُييّ بن أخطَب، وبجموع الأحزاب[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٣/١٨٠-١٨٣.]]. (ز)
﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن دِیَـٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُوا۟ۖ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَیۡثُ لَمۡ یَحۡتَسِبُوا۟ۖ﴾ - تفسير
٧٦١٠٨- عن الحسن، قال: بلَغني: أنّ رسول الله ﷺ لَمّا أجلى بني النَّضِير قال: «امضُوا، فهذا أول الحَشْر، وإنّا على الأثر»[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٤٩٩ مرسلًا.]]. (ز)
٧٦١٠٩- عن عائشة -من طريق عُروة- قالت: ﴿لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾ فكان جلاؤهم ذلك أولَ حَشرٍ في الدنيا إلى الشام[[أخرجه الحاكم ٢/٤٨٣، والبيهقي في الدلائل ٣/١٧٨. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. وذكر عائشة فيه غير محفوظ.]]. (١٤/٣٣٢)
٧٦١١٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق العَوفيّ- قال: كان النبيُّ ﷺ قد حاصرهم حتى بلَغ منهم كلّ مَبلغ، فأَعطَوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يَحقِن لهم دماءهم، وأن يُخرجهم مِن أرضهم وأوطانهم، وأن يُسيِّرهم إلى أذْرِعاتِ[[بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعَمّان. معجم البلدان ١/٨١.]] الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاء[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٥٠٥-٥٠٦، والبيهقي في الدلائل ٣/٣٥٩، وابن عساكر ١/١٧٩. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (١٤/٣٣٦)
٧٦١١١- قال مُرّة الهَمداني: ﴿لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ كان أول الحَشْر مِن المدينة، والحَشْر الثاني مِن خَيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذْرِعات وأرِيحاء[[هي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردُن بالشام. معجم البلدان ١/١٠٨.]] مِن الشام في أيام عمر[[تفسير البغوي ٨/٦٩.]]. (ز)
٧٦١١٢- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ﴾ قال: النَّضِير. إلى قوله: ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ قال: ذلك ما بين ذلك كلّه[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٤٩٧. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٣٤٠)
٧٦١١٣- قال الضَّحّاك بن مُزاحِم: أُعطي كلُّ ثلاثة نَفرٍ بعيرًا وسقاة، ففعلوا ذلك، وخرجوا مِن المدينة إلى الشام إلى أذْرِعات وأريحاء، إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حُييّ بن أخطَب؛ فإنهم لحقوا بخَيبر، ولَحقَتْ طائفة منهم بالحيرة، فذلك قوله ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ﴾[[تفسير البغوي ٨/٦٩.]]. (ز)
٧٦١١٤- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾، قال: الحَشْر قِبَل الشام، وهم بنو النَّضِير؛ حيٌّ مِن اليهود، أجلاهم نبيُّ الله ﷺ من المدينة إلى خَيبر مَرْجِعَه مِن أُحُد[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٤٩٧. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٣٤٠)
٧٦١١٥- عن محمد بن شهاب الزُّهريّ -من طريق معمر- ﴿مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾، قال: هم بنو النَّضِير، قاتَلهم النبيُّ ﷺ حتى صالَحهم على الجلاء، فَأجْلاهم إلى الشام، وعلى أنّ لهم ما أقَلّت الإبل مِن شيء إلا الحَلْقَة -والحَلْقة: السلاح-، كانوا مِن سِبطٍ لم يُصِبْهُم جلاءٌ فيما مضى، وكان الله ﷿ قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك عذّبهم في الدنيا بالقتْل والسّباء[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٨٢، وابن جرير ٢٢/٤٩٧.]]. (ز)
٧٦١١٦- عن محمد بن شهاب الزُّهريّ -من طريق معمر- ﴿مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾، قال: كان جلاؤهم أول الحَشْر في الدنيا على الشام[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٤٩٩.]]. (ز)
٧٦١١٧- عن يزيد بن رُومان -من طريق ابن إسحاق- قال: إنّ رهطًا من بني عوف بن الخَزْرج -منهم: عبد الله بن أُبيّ بن سَلول، ووديعة، ومالك بن أبي قَوْقَل، وسُويد، وداعس- بَعثوا إلى بني النَّضِير: أنِ اثبُتوا وتمَنّعوا، فإنّا لن نُسلِمكم، وإن قوتلتم قاتَلنا معكم، وإنْ أُخرجتُم خَرجنا معكم. فتربّصوا لذلك مِن نصْرهم، فلم يفعلوا، وكانوا قد تحصّنوا في الحصون مِن رسول الله ﷺ حين نزل بهم[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٥٠٠.]]٦٥٣٨. (ز)
٧٦١١٨- قال محمد بن السّائِب الكلبي: إنما قال: ﴿لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ لأنهم كانوا أول مَن أُجْلِي مِن أهل الكتاب مِن جزيرة العرب، ثم أجلى آخرَهم عمرُ بن الخطاب ﵁[[تفسير البغوي ٨/٦٩.]]. (ز)
٧٦١١٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني: يهود بني النَّضِير ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ﴾ بعد قتال أُحُد أخرجهم ﴿مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾ يعني: القتال، والحَشْر الثاني القيامة، وهو الجلاء من المدينة إلى الشام وأَذْرِعات، ﴿ما ظَنَنْتُمْ﴾ يقول للمؤمنين: ما حَسِبتم ﴿أنْ يَخْرُجُوا وظَنُّوا﴾ يعني: وحَسِبوا ﴿أنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ يعني: مِن قِبل قتْل كعب بن الأشرف[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٢٧٥.]]. (ز)
٧٦١٢٠- عن عبد الملك ابن جُرَيْج، في قوله: ﴿لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾ قال: فتح اللهُ على نبيه في أول حشْرٍ حَشَرَ نبي الله إليهم، لم يقاتلهم المرّتين ولا الثلاثة، فتَح الله على نبيّه في أوَّلِ حَشرٍ حَشَر عليهم في أول ما قاتلهم. وفي قوله: ﴿ما ظَنَنْتُمْ﴾ النبي ﷺ وأصحابه، ﴿أنْ يَخْرُجُوا﴾ مِن حصونهم أبدًا[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٤/٣٣٤)
٧٦١٢١- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾، قال: هؤلاء النَّضِير حين أجْلاهم رسولُ الله ﷺ. وفي قوله: ﴿لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾ قال: الشام حين ردّهم إلى الشام. وقرأ قول الله ﷿: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ مِن قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّها عَلى أدْبارِها﴾ [النساء:٤٧]. قال: مِن حيث جاءت أدبارها أن رَجعتْ إلى الشام، مِن حيث جاءت رُدّوا إليه[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٤٩٨-٤٩٩.]]٦٥٣٩. (ز)
﴿وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ یُخۡرِبُونَ بُیُوتَهُم بِأَیۡدِیهِمۡ وَأَیۡدِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ - تفسير
٧٦١٢٢- عن عبد الله بن عباس: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ وذلك لِهَدْمهم بيوتهم عن نُجُفِ[[النُّجف جمع نِجاف: وهي العتبة، وهي أسكفة الباب. التاج (نجف).]] أبوابهم إذا احتملوها[[عزاه السيوطي إلى ابن إسحاق، وابن مردويه. وينظر: سيرة ابن هشام ٢/١٩٢-١٩٥. وتقدم بتمامه في نزول الآيات.]]. (١٤/٣٣٩)
٧٦١٢٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العَوفيّ- قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصارِ﴾، قال: يعني: بني النَّضِير، جعل المسلمون كلّما هَدموا شيئًا مِن حصونهم جعلوا يَنقُضون بيوتهم ويُخرِبونها، ثم يَبنُون ما يُخرِب المسلمون، فذلك هلاكهم[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٥٠٢.]]. (ز)
٧٦١٢٤- عن الضَّحّاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- قال في قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾: يعني: أهل النَّضِير، جعل المسلمون كلّما هدَموا مِن حِصنهم جعلوا يَنقُضون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ثم يَبنُون ما خَرّب المسلمون[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٥٠٢.]]. (ز)
٧٦١٢٥- عن عكرمة مولى ابن عباس، في قوله: ﴿يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين﴾، قال: كانت بيوتُهم مُزَخرفَةً، فحسَدوا المسلمين أن يَسكنوها، وكانوا يُخرِّبونها مِن داخل، والمسلمون من خارج[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٤/٣٥١)
٧٦١٢٦- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- في قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾، قال: كان المسلمون يُخرِبون ما يليهم مِن ظاهرها؛ ليدخلوا عليهم، ويُخرِبها اليهود من داخلها[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٨٣، وابن جرير ٢٢/٥٠١، كذلك بنحوه من طريق سعيد. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٣٤٩)
٧٦١٢٧- عن محمد بن شهاب الزُّهريّ -من طريق معمر- في قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ﴾، قال: لَمّا صالحوا النبيَّ ﷺ كانوا لا يُعجِبُهم خشبةً إلا أخذوها، فكان ذلك تخريبها[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٨٢، وابن جرير ٢٢/٥٠١. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٤/٣٥٠)
٧٦١٢٨- عن يزيد بن رُومان -من طريق ابن إسحاق- قال: احتَملوا مِن أموالهم -يعني: بني النَّضِير- ما استَقلّت به الإبل، فكان الرجلُ منهم يهدم بيته عن نِجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره، فينطَلِق به. قال: فذلك قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾، وذلك هدْمُهم بيوتهم عن نُجُف أبوابهم إذا احتَملوها[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٥٠١.]]. (ز)
٧٦١٢٩- قال محمد بن السّائِب الكلبي: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ لَمّا أمر النبيُّ ﷺ بالسَّير إلى بني النَّضِير، فبَلغهم ذلك، خَرّبوا الأَزِقّة، وحصّنوا الدُّور، فأتاهم رسولُ الله ﷺ، فقاتَلهم إحدى وعشرين ليلة، كلمّا ظهر على دار مِن دُورهم أو دَرْبٍ من دُروبهم هدمه لِيَتَّسِع المقاتل، وجعلوا يَنقُبون[[النَّقْبُ: الثَّقْبُ في أي شيء كان. لسان العرب (نقب).]] دُورهم مِن أدبارها إلى الدار التي تليها، ويَرمُون أصحاب رسول الله بنَقْضِها، فلمّا يئسوا مِن نصْر المنافقين، وذلك أنّ المنافقين كانوا وعدوهم إن قاتلهم النبي أن ينصروهم؛ فلمّا يئسوا مِن نصْرهم سألوا نبيَّ الله الصُّلح، فأبى عليهم إلا أن يَخرجوا من المدينة، فصالَحهم على أن يُجليَهم إلى الشام على أنّ لهم أن يَحمل أهلُ كلِّ ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا مِن طعام وسقاء، ولنبي الله وأصحابه ما فَضل، ففعلوا[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٤/٣٦٥-٣٦٦-.]]. (ز)
٧٦١٣٠- عن عبد الملك ابن جُرَيْج، في قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ﴾ مِن داخل الدار، لا يَقْدِرون على قليلٍ ولا كثير ينفعهم إلا خَرَّبوه وأفسدوه؛ لِئَلّا يَدَعوا شيئًا ينفعهم إذا رحلوا. وفي قوله: ﴿وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ ويُخرِّب المؤمنون ديارهم من خارجها؛ كيما يَخلُصوا إليهم[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٤/٣٥٠)
٧٦١٣١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ بقتْل كعب بن الأشرف، أرعَبهم الله بقتْله؛ لأنه كان رأسهم وسيدهم، قتَله محمد بن مسلمة الأنصاري، وكان أخاه مِن الرضاعة، وغيره، وكان مع محمدٍ ليلة قتل كعب بن الأشرف أخو محمد بن سلمة، وأبو ليل[[كذا في مطبوعة المصدر، ولعله: أبو نائلة، واسمه: سلكان بن سلامة بن وقش، أخو سلمة بن سلامة بن وقش، أحد بني عبد الأشهل، ذكر ابن إسحاق أنه كان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، بخلاف ما ذكر في الأثر. ينظر: سيرة ابن هشام ٢/٥٥، والإصابة ٧/٣٣٦.]]، وعُتبة؛ كلّهم من الأنصار، ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ وذلك أنّ المنافقين دَسُّوا وكتبوا إلى اليهود: ألّا يخرجوا مِن الحِصن، وأن يدبروا على الأَزِقّة وحصونها، فإن قاتَلتم محمدًا فنحن معكم لا نخذلكم ولَنَنصُرَنّكم، ولَئِن أُخرجتم لنَخرُجنّ معكم، فلمّا سار النبيُّ ﷺ إليهم وجدهم ينُوحون على كعب بن الأشرف. قالوا: يا محمد، واعية على أثر واعية، وباكية على أثر باكية، ونائحة على أثر نائحة. قال: نعم. قالوا: فذَرنا نبكي شُجونًا، ثم نأتَمر لأمرك. فقال النبيُّ ﷺ: «اخرجوا من المدينة». قالوا: الموتُ أقربُ إلينا مِن ذلك. فتَنادَوا الحربَ، واقتتلوا، وكان المؤمنون إذا ظهروا على دَرْبٍ مِن دُروبهم تأخّروا إلى الذي يليه، فنَقبوه مِن دُبره، ثم حصَّنوها، ويُخرب المسلمون ما ظهروا عليه مِن نَقض بيوتهم، فيَبنُون دروبًا على أفواه الأَزِقّة، فذلك قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٢٧٥-٢٧٦.]]. (ز)
٧٦١٣٢- عن مقاتل بن حيّان -من طريق بكير بن معروف- في قول الله ﷿: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾، قال: كان رسول الله ﷺ يُقاتِلهم، فإذا ظهر على دربٍ أو دارٍ هَدم حيطانها؛ لِيَتَّسع المكانُ للقتال، وكانت اليهود إذا غُلِبوا على دربٍ أو دارٍ نَقبوها مِن أدبارها، ثم حصّنوها، ودَرَّبوها[[الدَّرْبُ: باب السِّكَّة الواسع. لسان العرب (درب).]]، يقول الله ﷿: ﴿فاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصار﴾[[أخرجه البيهقي في الدلائل ٣/٣٥٨.]]. (١٤/٣٤٩)
٧٦١٣٣- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾، قال: هؤلاء النَّضِير، صالَحهم النبيُّ ﷺ على ما حَملت الإبل، فجعلوا يَقْلعون الأوتاد؛ يُخرِبون بيوتهم[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٥٠٢.]]٦٥٤٠. (ز)
﴿فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ ٢﴾ - تفسير
٧٦١٣٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصارِ﴾ يعني: المؤمنين أهل البصيرة في أمر الله، وأمر النَّضِير[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٢٧٥-٢٧٦.]]. (ز)
﴿فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ ٢﴾ - آثار متعلقة بالآية
٧٦١٣٥- عن عبد الله بن عباس، قال: مَن شكّ أنّ المَحْشَر بالشام فليقرأ هذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾. قال لهم رسولُ الله ﷺ: «اخرجوا». قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى أرض المَحْشر»[[أخرجه ابن عدي في الكامل ٤/٤٣٤، والبزار -كما في كشف الأستار ٤/١٥٤ (٣٤٢٦)-، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٨/٥٩- من طريق أبي سعد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس به. قال ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ ٤/٢٣١٢ (٥٣٧٤): «أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان ... ليس بشيء». وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ٢/١٥٧ (٣٢٧١): «تركه الفلّاس». وقال ابن معين: «لا يُكتب حديثه». وقال أبو زرعة: «صدوق مدلّس». وقال البخاري: «منكر الحديث». وقال الهيثمي في المجمع ١٠/٣٤٣ (١٨٣٥٥): «فيه أبو سعد البقال، والغالب عليه الضعف».]]. (١٤/٣٣٣)
٧٦١٣٦- عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: مَن شكّ أنّ المَحْشَر إلى بيت المقدس فليقرأ هذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ﴾، فقد حُشِر الناسُ مرة، وذلك حين ظهر النبي ﷺ على المدينة أجلى اليهود[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٣٤٠)
٧٦١٣٧- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- قال: تجيء نارٌ مِن مَشرق الأرض، تَحشر الناس إلى مَغربها، تسوقهم سَوق البَرق الكسير، تَبيتُ معهم إذا باتوا، وتَقيل معهم إذا قالوا، وتأكل مَن تَخَلَّف منهم[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٨٢، وابن جرير ٢٢/٤٩٩، كلاهما في تفسير هذه الآية.]]. (ز)
٧٦١٣٨- عن قيس، قال: قال جريرٌ لقومه فيما يَعِظُهم: واللهِ، إني لَوَدِدتُ أنّي لم أكن بَنيتُ فيها لَبِنة، ما أنتم إلا كالنّعامة استَتَرتْ، وإنّ أول أرضكم هذه خرابًا يُسراها، ثم يَتبعها يُمناها، وإنّ المَحْشَر ههنا. وأشار إلى الشام[[عزاه السيوطي إلى أحمد في الزهد.]]. (١٤/٣٣٤)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.