الباحث القرآني
﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ٨٢ وَإِذَا سَمِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰۤ أَعۡیُنَهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِینَ ٨٣﴾ - نزول الآيتين
٢٣١٧٣- عن سلمان قال: كنتُ يتيمًا مِن رامَهُرْمُزَ، وكان ابنُ دِهْقانِ رامَهُرْمُزَ يختلفُ إلى مُعلِّمٍ يُعَلِّمُه، فلَزِمتُه لأكونَ في كَنَفِه، وكان لي أخٌ أكبرُ مِنِّي، وكان مُسْتَغْنِيًا في نفسِه، وكنتُ غلامًا فقيرًا، فكان إذا قامَ مِن مجلسِه تَفَرَّقَ مَن يُحَفِّظُه، فإذا تَفرَّقوا خرَج فتَقَنَّع بثوبِه، ثم صَعِد الجبل، فكان يفعلُ ذلك غيرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّرًا. قال: فقلتُ: أما إنك تفعلُ كذا وكذا، فلِمَ لا تذهَبُ بي معك؟ قال: أنت غلامٌ، وأخافُ أن يظهرَ منك شيءٌ. قال: قلتُ: لا تَخَفْ. قال: فإنّ في هذا الجبل قومًا في بِرْطِيل[[البرطيل: حجر مستطيل عظيم. النهاية (برطل).]]، لهم عبادةٌ وصلاحٌ، يَذْكُرون الله ﷿، ويذكرون الآخرة، يزعُمون أنّا عَبَدة النِّيران، وعَبَدة الأوثان، وأنّا على غير دين. قلتُ: فاذهَبْ بي معك إليهم. قال: لا أقدِرُ على ذلك حتى أسْتَأْمِرَهم، وأنا أخافُ أن يظهرَ منك شيءٌ فيَعْلمَ أبي، فيَقْتُلَ القومَ، فيَجْرِيَ هَلاكُهم على يَدَيَّ. قال: قلتُ: لم يظهَرْ منِّي ذلك. فاسْتأمَرَهم، فقال: غلام عندي يتيم، فأُحِبُّ أن يأتِيَكم، ويسمعَ كلامَكم. قالوا: إن كنتَ تَثِقُ به. قال: أرجو ألا يجيءَ منه إلا ما أُحِبُّ. قالوا: فجئْ به. فقال لي: قد استأذَنتُ القومَ أن تَجِيءَ معي، فإذا كانت الساعة التي رأيتَني أخرجُ فيها فأْتِني، ولا يعلمُ بك أحدٌ، فإنّ أبي إن علِم قَتَلَهم. قال: فلما كانت الساعة التي يخرُجُ تَبِعْتُه، فصَعِد الجبل، فانتَهَينا إليهم، فإذا هم في بِرطِيلِهم -قال علي: وأُراه قال: هم ستةٌ أو سبعةٌ- قال: وكأنّ الروحَ قد خرَجت منهم مِن العبادة، يصومون النهار، ويقومون الليل، يأكلون الشجر وما وجَدوا، فقَعَدْنا إليهم، فأثْنى ابن الدِّهْقان عليَّ خيرًا، فتَكَلَّموا، فحَمِدوا الله، وأثْنَوا عليه، وذكَروا مَن مَضى مِن الرسل والأنبياء، حتى خَلَصوا إلى عيسى ابن مريم، قالوا: بعَثه الله، ووُلد بغير ذَكَر، بعَثه الله رسولًا، وسخَّر له ما كان يفعلُ مِن إحياء الموتى، وخَلْقِ الطير، وإبراء الأعمى والأبرص، فكفَر به قومٌ وتَبِعه قومٌ، وإنما كان عبدَ الله ورسولَه، ابْتَلى به خلقَه. قال: وقالوا قبلَ ذلك: يا غلامُ، إن لك ربًّا، وإن لك معادًا، وإن بينَ يَدَيْك جنةً ونارًا، إليها تَصِيرُ، وإن هؤلاء القومَ الذين يعبُدون النيران أهلُ كفرٍ وضلالة، لا يَرْضى الله بما يَصْنَعون، وليسوا على دين. فلما حَضَرت الساعةُ التي ينصرفُ فيها الغلام انصَرَف وانصَرَفْتُ معه، ثم غَدَوْنا إليهم، فقالوا مثلَ ذلك وأحسنَ، فلَزِمْتُهم، فقالوا: يا سلمان، إنك غلام، وإنك لا تستطيعُ أن تصنعَ كما نصنع، فكُلْ واشرَبْ، وصَلِّ ونَمْ. قال: فاطَّلَع الملك على صنيع ابنِه، فرَكِب الخيل حتى أتاهم في بِرْطِيلِهم، فقال: يا هؤلاء، قد جاوَرْتُموني فأحْسَنْتُ جوارَكم، ولم تَرَوْا مِنِّي سُوءًا، فعَمَدْتم إلى ابني فأفْسَدْتُموه عليَّ، قد أجَّلْتُكم ثلاثًا؛ فإن قَدَرْتُ عليكم بعدَ ثلاثٍ أحْرَقْتُ عليكم بِرْطِيلَكم هذا، فالحَقُوا ببلادكم، فإني أكرَهُ أن يكونَ مني إليكم سُوءٌ. قالوا: نعم، ما تَعَمَّدنا مَساءَتَك، ولا أرَدْنا إلا الخير. فكَفَّ ابنُه عن إتْيانِهم، فقلتُ له: اتَّقِ الله، فإنك تعرِفُ أن هذا الدينَ دينُ الله، وإن أباك ونحن على غير دين، إنما هم عَبَدةُ النيران لا يَعْرِفون الله، فلا تَبِعْ آخرِتَك بدُنْيا غيرِك. قال: يا سلمان، هو كما تقولُ، وإنما أتخلَّفُ عن القوم بُقْيا عليهم، إن اتَّبَعْتُ القوم يطلُبُني أبي في الخيل، وقد جَزِع مِن إتْياني إياهم حتى طَرَدَهم، وقد أعرِفُ أن الحقَّ في أيدِيهم. قلتُ: أنت أعلم. ثم لَقيتُ أخي فعَرَضْتُ عليه، فقال: أنا مُشْتغِلٌ بنفسي في طلب المعيشة. فأتَيتُهم في اليوم الذي أرادوا أن يَرتَحلِوا فيه، فقالوا: يا سلمان، قد كُنّا نَحْذَرُ، فكان ما رأيتَ، اتَّقِ الله، واعلمْ أن الدينَ ما أوْصَيناك به، وإن هؤلاء عبدةُ النيران، لا يَعْرِفون الله ولا يذكُرونه، فلا يَخْدَعَنَّك أحدٌ عن ذلك. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِكم. قالوا: إنك لا تَقْدِرُ على أن تكونَ معنا، نحن نصومُ النهار، ونقومُ الليل، ونأكُلُ الشجرَ وما أصَبْنا، وأنت لا تستطيعُ ذلك. قال: قلتُ: لا أُفارقُكم. قالوا: أنت أعلمُ، قد أعلمناك حالَنا، فإذا أبيْتَ فاطلبْ أحدًا يكونُ معك، واحمِلْ معك شيئًا تأكُلُه، فإنك لا تستطيعُ ما نستطيعُ نحن. قال: ففَعَلْتُ ولَقِيتُ أخي، فعَرَضْتُ عليه، فأبى، فأتَيتُهم فتَحَمَّلوا، فكانوا يَمْشون وأمشِي معهم، فرَزَقَنا الله السلامة حتى قدِمنا المَوْصِلَ، فأتَينا بِيعةً بالموْصِلِ، فلما دَخلوا حَفَوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كُنّا في بلادٍ لا يذكُرون الله، بها عبدةُ نيرانٍ فطَرَدُونا، فقَدِمْنا عليكم. فلما كان بعدُ قالوا: يا سلمان، إن هاهنا قومًا في هذه الجبال هم أهلُ دينٍ، وإنا نريدُ لقاءَهم، فكَنْ أنت هاهنا مع هؤلاء، فإنهم أهلُ دينٍ وسَتَرى منهم ما تحِبُّ. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِكم. قال: وأَوْصَوا بي أهلَ البيعة، فقال أهل دين البيعة: أقِمْ معنا، فانه لا يُعجزُك شيءٌ يسَعُنا. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِكم. فخرَجوا وأنا معهم، فأصْبَحنا بينَ جبال، فإذا صخرةٌ وماءٌ كثيرٌ في جِرارٍ وخبزٌ كثير، فقَعَدْنا عند الصخرة، فلما طَلَعَت الشمسُ خرَجوا مِن بين تلك الجبال، يخرُجُ رجلٌ رجلٌ مِن مكانِه، كأنّ الأرواحَ انتُزِعَت منهم، حتى كَثُروا، فرَحَّبوا بهم وحَفَوا، وقالوا: أين كنتُم، لم نَرَكم؟ قالوا: كُنّا في بلاد لا يذكرون اسم الله، فيها عَبَدةُ النيران، وكُنّا نعبُدُ الله فيها، فطَرَدونا. فقالوا: ما هذا الغلام؟ قالوا: فطَفِقوا يُثْنُونَ عليَّ، وقالوا: صَحِبَنا مِن تلك البلاد، فلم نَرَ منه إلا خيرًا. قال: فواللهِ، إنهم لكذا إذ طَلَع عليهم رجلٌ مِن كهف؛ رجلٌ طُوالٌ، فجاء حتى سَلَّم وجلَس، فَحفَوا به وعَظَّموه أصحابي الذين كنتُ معهم وأحْدَقوا به، فقال لهم: أين كنتُم؟ فأخبَروه، فقال: ما هذا الغلامُ معكم؟ فأثْنَوا عليَّ خيرًا، وأخبَروه باتِّباعي إياهم، ولم أرَ مِثْلَ إعْظامِهم إياه، فحَمِد الله، وأثْنى عليه، ثم ذكَر مَن أرسَل الله مِن رُسُلِه وأنبيائِه، وما لَقُوا، وما صُنِع بهم، حتى ذكَر مولدَ عيسى ابن مريم، وأنه وُلِد بغير ذَكر، فبعَثه اللهُ رسولًا، وأجرى على يدَيه إحياء الموتى، وإبراء الأعمى والأبرص، وأنه يخلُقُ مِن الطين كهيئة الطير فينفُخُ فيه فيكونُ طيرًا بإذن الله، وأنزَل عليه الإنجيل، وعلَّمه التوراة، وبعَثه رسولًا إلى بني إسرائيل، فكفَر به قومٌ، وآمَن به قوم، وذكَر بعضَ ما لَقِي عيسى ابن مريم، وأنه كان عبدًا أنعَم الله عليه، فشكَر ذلك له، ورَضِي عنه، حتى قَبَضه الله، وهو يَعِظُمهم ويقولُ: اتقوا الله، والزَموا ما جاء به عيسى، ولا تُخالِفوا فيُخالَفَ بكم. ثم قال: مَن أراد أن يأخُذَ مِن هذا شيئًا فليَأخُذ. فجعَل الرجلُ يقومُ فيأخُذُ الجَرَّةَ مِن الماء والطعام والشيء، فقام إليه أصحابي الذين جئتُ معهم، فسَلَّموا عليه، وعَظَّموه، فقال لهم: الزَموا هذا الدينَ، وإياكم أن تَفَرَّقُوا، واسْتَوصُوا بهذا الغلامِ خيرًا. وقال لي: يا غلام، هذا دينُ اللهِ الذي تسمعُني أقولُه، وما سِواه هو الكفر. قال: قلتُ: ما أُفارِقُك. قال: إنك لن تستطيعَ أن تكونَ معي، إني لا أخرُجُ من كَهْفي هذا إلا كلَّ يوم أحَد، لا تقدرُ على الكينونة معي. قال: وأقبَل على أصحابِه، فقالوا: يا غلام، إنك لا تستطيعُ أن تكونَ معه. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال: يا غلام، فإني أُعْلِمُك الآنَ أني أدخُلُ هذا الكهف ولا أخرُجُ منه إلى الأحد الآخر، وأنت أعلم. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال له أصحابُه: يا فلان، هذا غلامٌ ونخافُ عليه. قال: قال لي: أنت أعلم. قلتُ: إني لا أُفارِقُك. فبَكى أصحابي الأوَّلون الذين كنتُ معهم عندَ فراقِهم إيّاي، فقال: خُذْ مِن هذا الطعامِ ما تَرى أنه يَكْفِيك إلى الأحدِ الآخر، وخُذْ مِن هذا الماء ما تَكْتَفي به. ففعلتُ، وتفرَّقوا، وذهَب كلُّ إنسانٍ إلى مكانِه الذي يكونُ فيه، وتَبِعتُه حتى دخَل الكهف في الجبل، فقال: ضَعْ ما معك وكُلْ واشرَبْ. وقام يُصَلِّي، فقُمْتُ معه أُصلِّي. قال: فانْفَتَل إليَّ، وقال: إنك لا تستطيعُ هذا، ولكن صَلِّ ونَمْ، وكُلْ واشرَبْ. ففعلتُ، فما رأيتُه نائمًا ولا طاعمًا إلا راكعًا وساجدًا إلى الأحد الآخر، فلما أصبحنا قال: خُذْ جَرَّتَك هذه، وانطلِق. فخرَجْتُ معه أتْبَعُه حتى انتَهَينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خَرَجوا مِن تلك الجبال، واجْتَمعوا إلى الصخرة ينتظرون خُرُوجَه، فقعَدوا وجادَ في حديثه نحو المرة الأولى، فقال: الزَموا هذا الدينَ، ولا تَفَرَّقوا، واتقوا الله، واعلَموا أن عيسى ابن مريم كان عبد الله، أنعَم الله عليه. ثم ذكَرُوني فقالوا: يا فلان، كيف وجَدْتَ هذا الغلام؟ فأثْنى عليَّ، وقال خيرًا، فحَمِدوا الله، وإذا خبزٌ كثيرٌ وماء فأخذوا، وجعل الرجل يأخُذ بقَدْر ما يَكتَفي به، ففعلتُ، وتَفَرَّقوا في تلك الجبال، ورجَع إلى كهفه، ورجعتُ معه، فلَبِثَ ما شاء الله، يخرُجُ في كلِّ يوم أحد، ويخرُجون معه، ويُوصِيهم بما كان يُوصِيهم به، فخرَج في أحد، فلما اجتمعوا حمِد الله ووعظهم، وقال مثلَ ماكان يقولُ لهم، ثم قال لهم آخر ذلك: يا هؤلاء، إني قد كَبِرَ سِنِّي، ورَقَّ عظمي، واقترب أجلي، وإنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا، ولا بد لي من إتيانه، فاسْتَوصُوا بهذا الغلام خيرًا، وإني رأيتُه لا بأس به. فجَزِع القوم، فما رأيتُ مثلَ جَزَعِهم، وقالوا: يا أبا فلان، أنت كبير، وأنت وحدك، ولا نأمنُ أن يُصيبَك الشيء، ولسنا أحوجَ ما كُنا إليك. قال: لا تُراجِعوني، لا بد لي من إتيانه، ولكن اسْتَوصُوا بهذا الغلام خيرًا، وافعَلوا وافعَلوا. قال: قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال: يا سلمان، قد رأيتَ حالي وماكنتُ عليه، وليس هذا كذلك، إنما أمْشِي، أصومُ النهار، وأقومُ الليل، ولا أستطيعُ أن أحمِلَ معي زادًا ولا غيره، ولا تقدِرُ على هذا. قال: قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال: أنت أعلم. قالوا: يا أبا فلان، إنا نخافُ عليك وعلى هذا الغلام. قال: هو أعلم، قد أعْلَمتُه الحالة، وقد رأى ما كان قبل هذا. قلتُ: لا أُفارِقُك. قال: فبَكوا وودَّعوه، وقال لهم: اتقوا الله وكونوا على ما أوصيتُكم به، فإن أعِشْ فلعلي أرجعُ إليكم، وإن أمُتْ فإن الله حيٌّ لا يموت. فسَلَّم عليهم وخرَج وخرَجتُ معه، وقال لي: احمِلْ معك مِن هذا الخبز شيئًا تأكُلُه. فخرَج وخرَجتُ معه، يمشي وأَتبعُه يذكر الله، ولا يلتفتُ ولا يقفُ على شيء، حتى إذا أمسى قال: يا سلمان، صَلِّ أنت ونَمْ، وكُلْ واشرَبْ. ثم قام هو يُصَلِّي، إلى أن انتَهى إلى بيت المقدس، وكان لا يرفعُ طَرْفَه إلى السماء إذا أمسى، حتى انتَهَينا إلى بيت المقدس، وإذا على الباب مُقْعَد، قال: يا عبد الله، قد ترى حالي، فتَصَدَّق عليَّ بشيء. فلم يَلْتفِتْ إليه، ودخَل المسجد ودخلتُ معه، فجعَل يَتَتبَّعُ أمكنة من المسجد يصلِّي فيها، ثم قال: يا سلمان، إني لم أنَمْ منذُ كذا وكذا، ولم أجِدْ طعمَ نوم، فإن أنت جعلتَ لي أن توقِظَني إذا بلَغ الظلُّ مكان كذا وكذا نمْتُ؛ فإني أحبُّ أن أنامَ في هذا المسجد، وإلا لم أنَمْ. قال: قلتُ: فإني أفعل. قال: فانظُر إذا بلَغ الظلُّ مكان كذا وكذا، فأيْقِظْني إذا غَلَبَتني عيني. فنامَ، فقلتُ في نفسي: هذا لم يَنَمْ منذ كذا وكذا، وقد رأيتُ بعضَ ذلك، لأَدَعَنَّه ينام حتى يَشْتَفي من النوم. وكان فيما يمشي وأنا معه، يُقْبِلُ عليَّ، فيَعِظُني ويُخبِرُني أن لي ربًّا، وأن بين يديَّ جنةً ونارًا وحسابًا، ويُعْلِمُني بذلك ويُذَكِّرُني نحوَ ما كان يذكِّرُ القوم يوم الأحد، حتى قال فيما يقول لي: يا سلمان، إن الله تعالى سوف يبعثُ رسولًا اسمه أحمد، يخرجُ بتِهامةَ -وكان رجلًا أعجميًّا لا يُحْسِنُ أن يقولَ: تِهامَةُ. ولا: محمد-، علامتُه أنه يأكلُ الهدية، ولا يأكُلُ الصدقة، بينَ كَتِفَيه خاتم، وهذا زمانُه الذي يخرجُ فيه قد تقارب، فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسَبُني أُدْرِكُه، فإن أدْرَكْتَه أنت فصدِّقْه واتَّبِعْه. قلتُ: وإن أمَرَني بترك دينك وما أنت عليه؟ قال: وإن أمَرك، فإن الحق فيما يَجِيءُ به، ورضا الرحمن فيما قال. فلم يَمْضِ إلا يسير حتى استيقظ فزعًا يذكُرُ الله، فقال: يا سلمان، مضى الفَيْءُ من هذا المكان ولم أذكُرِ الله، أين ما جعلتَ لي على نفسك؟ قال: قلتُ: أخْبَرتَني أنك لم تَنَم منذُ كذا وكذا، وقد رأيتُ بعض ذلك، فأحْبَبْتُ أن تَشْتَفيَ من النوم. فحمِد الله، وقام فخرَج فتَبِعْتُه، فقال المُقْعَدُ: يا عبدَ الله، دخَلتَ فسألتُك فلم تُعْطِني، وخرَجْتَ فسألتُك فلم تُعْطِني. فقام ينظُرُ هل يَرى أحدًا، فلم يَرَه، فدَنا منه فقال: ناوِلْني يدَك. فناوَلَه، فقال: قُمْ باسم الله. فقامَ كأنه نَشِط من عِقال، صحيحًا لا عيبَ فيه، فخلّى عن يدِه، فانطَلَق ذاهبًا، وكان لا يَلْوِي على أحد، ولا يقومُ عليه، فقال لي المُقْعَدُ: يا غلام، احمِلْ عليَّ ثيابي حتى أنْطِلقَ وأُبشِّرَ أهلي. فحمَلْتُ عليه ثيابَه، وانطلَق لا يَلْوي عليَّ، فخرَجْتُ في إثْره أطْلُبُه، وكلما سألتُ عنه قالوا: أمامك. حتى لَقِيني الركبُ من كَلْب، فسألتُهم، فلما سَمِعوا لُغَتِي أناخ رجل منهم بعيره، فحمَلني فجعلني خلفه حتى أتَوا بي بلادهم. قال: فباعوني، فاشترتني امرأة من الأنصار، فجعلتني في حائط لها، وقدِم رسول الله ﷺ فأُخْبِرتُ به، فأخَذْتُ شيئًا من تمر حائطي، فجعلتُه على شيء، ثم أتَيتُه فوَجدتُ عنده أُناسًا، وإذا أبو بكر أقربُ القوم منه، فوضَعْتُه بينَ يديه، فقال: «ما هذا؟». قلتُ: صدقة. فقال للقوم: «كُلُوا». ولم يأكُل هو، ثم لَبِثتُ ما شاء الله، ثم أخذتُ مثل ذلك، فجعَلتُه على شيء، ثم أتَيتُه، فوَجدتُ عنده أُناسًا، وإذا أبو بكر أقربُ القوم منه، فوَضَعتُه بين يديه، فقال: «ما هذا؟». قلتُ: هدية. قال: «باسم الله». فأكَل وأكَل القوم. قال: قلتُ في نفسي: هذه من آياته، كان صاحبي رجلًا أعجميًّا لم يُحْسِنْ أن يقولَ: تهامةُ، قال: تِهْمةُ. وقال: أحمد. فدُرْتُ خلفَه، ففَطِن لي فأَرخى ثوبه، فإذا الخاتم في ناحية كتفِه الأيسر، فتَبَيَّنْتُه، ثم دُرْتُ حتى جَلَسْتُ بين يديه، فقلتُ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. قال: «مَن أنت؟». قلتُ: مملوك. فحدَّثْتُه بحديثي وحديث الرجل الذي كنتُ معه، وما أمرني به، قال: «لمَن أنت؟». قلتُ: لامرأة من الأنصار، جعلتني في حائط لها. قال: «يا أبا بكر». قال: لبَّيك. قال: «اشْتَرِه». قال: فاشتراني أبو بكر، فأعتقني، فلبثتُ ما شاء الله أن ألبث، ثم أتيتُه فسَلَّمتُ عليه، وقعدتُ بين يديه، فقلتُ: يا رسول الله، ما تقولُ في دين النصارى؟ قال: «لا خير فيهم ولا في دينهم». فدَخَلني أمر عظيم، فقلتُ في نفسي: هذا الذي كنتُ معه، ورأيتُ منه ما رأيتُ، أخذ بيد المقْعَد فأقامَه الله على يديه، لا خير في هؤلاء ولا في دينهم! فانصرفتُ وفي نفسي ما شاء الله، فأنزل الله بعدُ على النبيّ ﷺ: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون﴾ إلى آخر الآية. فقال النَّبِيّ ﷺ: «عليَّ بسلمان». فأتاني الرسول فدعاني وأنا خائف، فجئتُ حتى قعدتُ بين يديه، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون﴾ إلى آخر الآية. فقال: «يا سلمان، أولئك الذين كنتَ معهم وصاحبُك،لم يكونوا نصارى، إنما كانوا مسلمين». فقلتُ: يا رسول الله، فوالذي بعَثك بالحق، لقد أمرني باتِّباعك، فقلتُ له: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه، فأتْركُه؟ قال: نعم، فاتركه، فإن الحق وما يحبُ الله فيما يأمرُك[[أخرجه الحاكم ٣/٦٩٢-٦٩٦ (٦٥٤٣). قال الحاكم: «هذا حديث صحيح عالٍ في ذكر إسلام سلمان الفارسي ﵁، ولم يخرجاه. وقد روي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن سلمان من وجه صحيح بغير هذه السياقة، فلم أجد من إخراجه بدًّا لما في الروايتين من الخلاف في المتن، والزيادة والنقصان». وقال الذهبي في التلخيص: «بل مجمع على ضعفه». وقال في سير أعلام النبلاء ١/٥٣٢: «هذا حديث جيد الإسناد، حكم الحاكم بصحته». وقال في تاريخ الإسلام ١/١١٣: «وهذا الحديث يشبه حديث مسلمة المزني؛ لأن الحديثين يرجعان إلى سماك، ولكن قال هنا: عن زيد بن صوحان. فهو منقطع؛ فإنه لم يدرك زيد بن صوحان، وعلي بن عاصم ضعيف كثير الوهم». وقال ابن كثير في البداية والنهاية ٣/٥٢٠: «وفي هذا السياق غرابة كثيرة، وفيه بعض المخالفة لسياق محمد بن إسحاق، وطريق محمد بن إسحاق أقوى إسنادًا، وأحسن اقتصاصًا، وأقرب إلى ما رواه البخاري في صحيحه من حديث معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي».]]. (٥/٤١٠)
٢٣١٧٤- عن سلمان في إسلامه، قال: لَمّا قَدِم النبي ﷺ المدينة صنَعتُ طعامًا، فجئتُ به، فقال: «ما هذا؟». قلتُ: صَدَقةٌ. فقال لأصحابِه: «كُلوا». ولم يأكُلْ، ثم إني رجَعْتُ حتى جَمَعتُ طعامًا، فأتَيتُه به، فقال: «ما هذا؟». قلتُ: هَدِيةٌ. فأكل، وقال لأصحابِه: «كُلُوا». قلتُ: يا رسول الله، أخبرني عن النصارى. قال: «لا خيرَ فيهم، ولا في مَن أحَبَّهم». فقُمْتُ وأنا مُثْقَلٌ؛ فأنزَل الله: ﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود﴾ حتى بلغ: ﴿تفيض من الدمع﴾. فأرسَل إليَّ رسول الله ﷺ، فقال لي: «يا سلمان، إن أصحابَك هؤلاء الذين ذكَر الله»[[أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ ٣/٢٩٦، والطبراني في الكبير ٦/٢٤٩ (٦١٢١). قال الذهبي في تاريخ الإسلام ٣/٥١٢: «إسناده جيد».]]. (٥/٤٠٩)
٢٣١٧٥- عن سلمان -من طريق جاثمة بن رِئاب- أنّه سُئل عن قولِه: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا﴾. قال: الرُّهْبانُ الذين في الصوامع، نزلت على رسول الله ﷺ: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُمْ صِدِّيقِينَ ورُهْبانًا)[[القراءة شاذة.]]. ولفظ البزار: دعِ القسِّيسين، أقْرَأني رسول الله ﷺ: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُمْ صِدِّيقِينَ). ولفظ الحكيم الترمذي: قرَأتُ على النبي ﷺ: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين﴾، فأقْرَأني: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُمْ صِدِّيقِينَ)[[أخرجه الطبراني في الكبير ٦/٢٦٦ (٦١٧٥)، والبزار ٦/٤٩٩ (٢٥٣٧)، والحكيم الترمذي ١/٨٢، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٣ (٦٦٧١). وأورده الثعلبي ٤/١٠٠. قال الهيثمي في المجمع ٧/١٧ (١٠٩٨٢): «رواه الطبراني، وفيه يحيى الحماني ونصير بن زياد، وكلاهما ضعيف».]]. (٥/٤٠٩)
٢٣١٧٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- قال: كان رسول الله ﷺ وهو بمكةَ يخافُ على أصحابِه مِن المشركين، فبعَث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود وعثمان بن مظعون في رهطٍ مِن أصحابِه إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما بلغ المشركين بعَثوا عمرَو بن العاصي في رهطٍ منهم، ذكَروا أنهم سَبَقوا أصحابَ النبي ﷺ إلى النجاشي، فقالوا: إنه قد خرَج فينا رجلٌ سَفَّه عقولَ قريشٍ وأحلامَها، زعَم أنه نبي، وإنّه بَعَث إليك رهطًا ليُفْسِدوا عليك قومَك، فأحْبَبْنا أن نَأْتِيَك ونُخْبِرَك خبرَهم. قال: إن جاءُوني نظَرتُ فيما يقولون. فلمّا قَدِم أصحابُ رسول الله ﷺ، فأتَوا إلى باب النجاشي فقالوا: استأذِنْ لأولياءِ الله. فقال: ائْذَنْ لهم، فمرحبًا بأولياء الله. فلما دخَلوا عليه سَلَّموا، فقال الرهط مِن المشركين: ألم تَرَ أيُّها الملك أنّا صَدَقْناك، وأنهم لم يُحَيُّوك بتحيتِك التي تُحَيّا بها. فقال لهم: ما يَمْنَعُكم أن تُحَيُّوني بتَحِيَّتي؟ قالوا: إنا حَيَّيْناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة. فقال لهم: ما يقولُ صاحِبُكم في عيسى وأمِّه؟ قالوا: يقولُ: عبدُ اللهِ ورسوله، وكلمةٌ مِن الله، وروحٌ منه، ألْقاها إلى مريم. ويقولُ في مريم: إنها العذراءُ الطَّيِّبةُ البَتُول. قال: فأخَذ عودًا مِن الأرض، فقال: ما زادَ عيسى وأمُّه على ما قال صاحِبُكم هذا العودَ. فكَرِه المشركون قولَه، وتَغَيَّر له وُجُوهُهم، فقال: هل تَقْرءُون شيئًا مما أُنزِل عليكم؟ قالوا: نعم. قال: فاقْرءُوا. فقَرءُوا وحولَه القِسِّيسون والرُّهْبانُ وسائرُ النصارى، فجعَلت طائفةٌ مِن القِسِّيسين والرُّهْبانِ كلَّما قَرءُوا آيةً انحَدَرَت دموعُهم مما عرَفوا مِن الحقِّ، قال الله: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق﴾[[أخرجه ابن جرير ٨/٥٩٥-٥٩٦، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٤ مختصرًا. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. إسناده جيد. وينظر: مقدمة الموسوعة.]]٢١٤٩. (٥/٤٠٨)
٢٣١٧٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق حصين، عمَّن حدَّثه- في قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا﴾، قال: كانوا نَواتِيَّ في البحر -يعني: ملّاحين-. قال: فمر بهم عيسى ابن مريم، فدعاهم إلى الإسلام، فأجابوه. قال: فذلك قوله: ﴿قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا﴾[[أخرجه ابن جرير ٨/٥٩٩.]]. (ز)
٢٣١٧٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- في قوله: ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول﴾، قال: إنهم كانوا نوّاتين -يعني: مَلّاحِين- قدِموا مع جعفر بن أبي طالب من الحَبَش، فلما قرَأ عليهم رسول الله ﷺ القرآن آمَنوا، وفاضَت أعينُهم، فقال رسول الله ﷺ: «إذا رجَعْتُم إلى أرضِكم انتقَلْتم عن دينكم». فقالوا: لن نَنقَلِبَ عن دينِنا. فأنزَل الله ذلك مِن قولهم: ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول﴾[[أخرجه الطبراني في الكبير ١٢/٥٥ (١٢٤٥٥)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ١٠/٣٣٤-٣٣٥ (٣٦٢). قال الهيثمي في المجمع ٧/١٧-١٨ (١٠٩٨٣): «رواه الطبراني في الأوسط، والكبير، وفيه العباس بن الفضل الأنصاري، وهو ضعيف».]]. (٥/٤٠٦)
٢٣١٧٩- عن عبد الله بن الزبير -من طريق عروة- قال: نزَلت هذه الآيةُ في النَّجاشي وأصحابِه: ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع﴾[[أخرجه النسائي في الكبرى ١٠/٨٤ (١١٠٨٣)، والبزار ٦/١٤٢ (٢١٨٣)، وابن جرير ٨/٦٠٢، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٥ (٦٦٨٠). قال الهيثمي في المجمع ٩/٤١٩ (١٦١٨٧): «رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، غير محمد بن عثمان بن بحر العقيلي، وهو ثقة».]]. (٥/٤٠٥)
٢٣١٨٠- عن عروة بن الزبير -من طريق هشام- قال: كانوا يَرون أن هذه الآية نزلَت في النجاشي: ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع﴾[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٤/٣٤٨-٣٤٩، وابن جرير ٨/٦٠٢. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٥/٤٠٦)
٢٣١٨١- عن سعيد بن المسيب= (ز)
٢٣١٨٢- وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام= (ز)
٢٣١٨٣- وعروة بن الزبير -من طريق ابن شهاب- قالوا: بعَث رسول الله ﷺ عمرَو بن أميةَ الضَّمْرِيَّ وكتَب معه كتابًا إلى النَّجاشي، فقَدِم على النجاشي، فقَرَأ كتابَ رسول الله ﷺ، ثم دَعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، وأرسَل النجاشيُّ إلى الرُّهْبان والقِسِّيسينَ فجمَعهم، ثم أمرَ جعفرَ بن أبي طالب أن يَقْرَأَ عليهم القرآن، فقرَأ عليهم سورة مريم، فآمَنوا بالقرآن، وفاضَت أعينُهم مِن الدمع، وهم الذين أُنزِل فيهم: ﴿ولتجدن أقربهم مودة﴾ إلى قوله: ﴿من الشاهدين﴾[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٤/٣٤٩، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٥، وأبو نعيم ١/١١٧، والواحدي ص١٥١.]]. (٥/٤٠٥)
٢٣١٨٤- عن سعيد بن جبير -من طريق سالم الأفطس- في قوله: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا﴾، قال: هم رُسُلُ النجاشي الذين أرسَل بإسلامِه وإسلام قومه، كانوا سبعين رجلًا، اخْتارهم مِن قومِه، الخَيِّرَ فالخَيِّر، في الفقه والسِّنِّ -وفي لفظ: بعَث مِن خيار أصحابه إلى رسول الله ﷺ ثلاثين رجلًا- فلما أتَوا رسول الله ﷺ دخَلوا عليه، فقرَأ عليهم سورة يس، فبَكَوا حينَ سمِعوا القرآن، وعرَفوا أنه الحقُّ؛ فأنزَل الله فيهم: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا﴾ الآية. ونزَلت هذه الآية فيهم أيضًا: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾ إلى قوله: ﴿أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا﴾ [القصص:٥٢-٥٤][[أخرجه ابن جرير ٨/٦٠٠، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٤، ٩/٢٩٨٨. وابن مردويه -كما في تخريج أحاديث الكشاف ١/٤١٦-. وعزاه السيوطي إلى عَبد بن حُمَيد، وابن المنذر، وأبي الشيخ.]]٢١٥٠. (٥/٤٠٥)
٢٣١٨٥- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى﴾، قال: هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابِه من أرض الحبشة[[تفسير مجاهد ص٣١٣، وأخرجه ابن جرير ٨/٥٩٥، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٣. وعزاه السيوطي إلى عَبد بن حُمَيد، وابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٥/٤٠٤)
٢٣١٨٦- عن أبي صالح -من طريق عنبسة، عمَّن حدَّثه- في قوله: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا﴾، قال: ستة وستون، أو سبعة وستون، أو اثنان وستون من الحبشة، كلهم صاحب صومعة، عليهم ثياب الصُّوف[[أخرجه ابن جرير ٨/٥٩٩.]]. (ز)
٢٣١٨٧- عن عطاء، ﴿ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى﴾، قال: هم ناسٌ مِن الحبشة، آمَنوا إذ جاءَتْهم مُهاجِرةُ المؤمنين، فذلك لهم[[عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٥/٤٠٤)
٢٣١٨٨- قال عطاء: كانوا ثمانين رجلًا؛ أربعون من أهل نجران من بني الحارث بن كعب، واثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانيةٌ رُومِيُّون من أهل الشام[[تفسير الثعلبي ٤/٩٩، وتفسير البغوي ٣/٨٧.]]. (ز)
٢٣١٨٩- عن قتادة بن دِعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿ولتجدن أقربهم مودة﴾ الآية، قال: أناسٌ مِن أهل الكتاب كانوا على شريعةٍ مِن الحقِّ مِمّا جاء به عيسى، يؤمِنون به، ويَنتَهُون إليه، فلمّا بعَث اللهُ محمدًا ﷺ صَدَّقوه، وآمَنوا به، وعرَفوا ما جاء به مِن الحقِّ أنّه مِن الله، فأثْنى عليهم بما تَسْمَعون[[أخرجه ابن جرير ٨/٥٩٧. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ.]]. (٥/٤٠٩)
٢٣١٩٠- عن قتادة بن دعامة، قال: ذُكِر لنا: أنّ هذه الآية نزَلت في الذين أقبَلوا مع جعفر من أرض الحبشة، وكان جعفر لَحِق بالحبشة هو وأربعون معه مِن قريش، وخمسون مِن الأشْعَريِّين، منهم أربعةٌ مِن عَكٍّ، أكبرُهم أبو عامر الأشعري، وأصغرُهم عامر. فذُكِر لنا: أنّ قريشًا بَعَثوا في طَلَبِهم عمرَو بن العاص، وعُمارةَ بنَ الوليد، فأتَوُا النَّجاشيَّ، فقالوا: إنّ هؤلاء قد أفسَدوا دينَ قومِهم. فأرسَل إليهم، فجاءوا، فسألَهم، فقالوا: بعَث الله فينا نبيا كما بعَث في الأُممِ قبلنا، يَدعونا إلى الله وحده، ويأمُرُنا بالمعروف، ويَنْهانا عن المنكر، ويأمُرُنا بالصِّلَةِ، ويَنْهانا عن القطيعة، ويأمُرُنا بالوفاء، ويَنْهانا عن النَّكْث، وإنّ قومَنا بَغَوْا علينا، وأخرَجونا حينَ صَدَّقْناه وآمَنّا به، فلم نَجِدْ أحدًا نَلْجَأُ إليه غيرَك. فقال معروفًا. فقال عمرو وصاحبُه: إنّهم يقولون في عيسى غيرَ الذي تقول. قال: وما تقولون في عيسى؟ قالوا: نشهَدُ أنه عبدُ الله، ورسوله، وكلمةُ الله، ورُوحُه، وأنه ولدَته عذراءُ بَتُول. قال: ما أخْطَأْتُم. ثم قال لعمرو وأصحابه: لولا أنّكما أقبَلْتُما في جِواري لفعَلْتُ بكما وفعلتُ. وذُكِر لنا: أنّ جعفرًا وأصحابَه إذ أقبَلوا جاء أولئك معهم، فآمَنوا بمحمد ﷺ، فقال قائل: لو قد رَجَعوا إلى أرضِهم لَحِقوا بدينِهم. فحُدِّثْنا: أنّه قدِم مع جعفر سبعون منهم، فلما قرَأ عليهم نبي الله ﷺ فاضَت أعينُهم[[عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٥/٤٠٦)
٢٣١٩١- عن ابن إسحاق، قال: سألتُ الزهريَّ عن هذه الآيات: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون﴾، وقوله: ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما﴾ [الفرقان:٦٣]. قال: ما زلتُ أسمعُ علماءَنا يقولون: نزَلت في النجاشيِّ وأصحابه[[أخرجه ابن جرير ٨/٦٠٢.]]. (٥/٤١٩)
٢٣١٩٢- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: بعَث النجاشيُّ إلى رسول الله ﷺ اثني عشَرَ رجلًا؛ سبعةً قِسِّيسينَ، وخمسةً رهبانًا، ينظُرون إليه، ويسألونه، فلما لَقُوه فقرَأ عليهم ما أنزَل الله بَكَوْا، وآمَنوا؛ فأنزل الله فيهم: ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول﴾ الآية. فآمنوا، ثم رجعوا إلى النجاشي، فهاجر النجاشيُّ معهم، فمات في الطريق، فصلّى عليه رسول الله ﷺ والمسلمون، واستغفروا له[[أخرجه ابن جرير ٨/٥٩٦، ٦٠١، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٤.]]٢١٥١. (٥/٤٠٧)
٢٣١٩٣- عن عطاء [الخراساني] -من طريق ابن عطاء- قال: ما ذكَر اللهُ به النصارى مِن خيرٍ فإنّما يُرادُ به: النجاشي، وأصحابُه[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١١٨٣.]]. (٥/٤٠٤)
٢٣١٩٤- قال مقاتل= (ز)
٢٣١٩٥- ومحمد بن السائب الكلبي: كانوا أربعين رجلًا؛ اثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية رومِيُّون من أهل الشام[[تفسير الثعلبي ٤/٩٩، وتفسير البغوي ٣/٨٧.]]. (ز)
٢٣١٩٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أشْرَكُوا﴾، نزلت في أربعين رجلًا من مؤمني أهل الإنجيل؛ منهم اثنان وثلاثون رجلًا قدموا من أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب ﵁، وثمانية نفر قدموا من الشام معهم بحَيِرى الراهب، وأبرهة، والأشرف، ودريس، وتمام، وقسيم، ودريد، وأيمن، والقِسِّيسون الذين يحلقون أواسط رءوسهم، وذلك أنهم حين سمعوا القرآن من النبي ﷺ قالوا: ما أشبهَ هذا بالذي كُنّا نتحدث به عن عيسى ابن مريم ﷺ! فبَكَوْا، وصدَّقوا بالله ﷿ ورسلِه[[تفسير مقاتل بن سليمان (ط: العلمية) ١/٣١٦.]]٢١٥٢. (ز)
﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ﴾ - تفسير
٢٣١٩٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ولَتَجِدَنَّ أقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً﴾ وليس يعني: في الحب، ولكن يعني: في سرعة الإجابة للإيمان، ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى﴾ وكانوا في قرية تُسَمّى: ناصرة[[تفسير مقاتل بن سليمان (ط: العلمية) ١/٣١٦.]]. (ز)
﴿ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ٨٢﴾ - تفسير
٢٣١٩٨- عن الحسن البصري -من طريق البراء بن يزيد- في قوله: ﴿قسيسين﴾، قال: علماؤهم[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١١٨٤.]]. (٥/٤١٨)
٢٣١٩٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا﴾ يعني: مُتَعَبِّدين؛ أصحاب الصوامع، ﴿وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يعني: لا يتكبرون عن الإيمان[[تفسير مقاتل بن سليمان (ط: العلمية) ١/٣١٦.]]. (ز)
٢٣٢٠٠- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- قال: القسيسون: عُبّادُهم[[أخرجه ابن جرير ٨/٥٩٨.]]. (٥/٤١٨)
﴿وَإِذَا سَمِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰۤ أَعۡیُنَهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا﴾ - تفسير
٢٣٢٠١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلى الرسول﴾ من القرآن؛ ﴿تَرى أعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا﴾ يعني: صدّقنا بالقرآن أنّه من الله ﷿[[تفسير مقاتل بن سليمان (ط: العلمية) ١/٣١٦-٣١٧.]]. (ز)
﴿فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِینَ ٨٣﴾ - تفسير
٢٣٢٠٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة، وعلي بن أبي طلحة- في قوله: ﴿فاكتبنا مع الشاهدين﴾، قال: أمة محمد ﷺ. وفي لفظٍ قال: يعنون بالشاهدِين: محمدًا ﷺ وأُمَّتَه؛ أنهم قد شَهِدوا له أنّه بلَّغ، وشَهِدوا للرسل أنهم قد بلَّغوا[[أخرجه ابن جرير ٨/٦٠٣، وابن أبي حاتم ٤/١١٨٥، والحاكم ٢/٣١٣. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن مردويه.]]٢١٥٣. (٥/٤١٩)
٢٣٢٠٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فاكْتُبْنا﴾ يعني: فاجعلنا ﴿مَعَ الشّاهِدِينَ﴾ يعني: مع المهاجرين، يعني: من أُمَّة محمد ﷺ. نظيرُها في المجادلة [٢٢]: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمانَ﴾، يقول: جعل في قلوبهم الإيمان، وهو التوحيد[[تفسير مقاتل بن سليمان (ط: العلمية) ١/٣١٦-٣١٧.]]. (ز)
٢٣٢٠٤- عن عبد الملك ابن جُرَيْج -من طريق حجاج- ﴿فاكتبنا مع الشاهدين﴾: مع أمة محمد ﷺ[[أخرجه ابن جرير ٨/٦٠٣.]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.