الباحث القرآني
﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیۡهِمۡۛ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰۛ یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ - تفسير
٢٢١٠٩- عن أبي هريرة: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنّ نبيا من الأنبياء قاتل أهل مدينة، حتى إذا كاد أن يفتحها خشي أن تغرب الشمس، فقال: أيتها الشمس، إنكِ مأمورة، وأنا مأمور، بحرمتي عليك إلا رَكَدْتِ ساعة من النهار. قال: فحبسها الله حتى افتتح المدينة، وكانوا إذا أصابوا الغنائم قرَّبوها في القربان، فجاءت النار فأكلتها، فلما أصابوا وضعوا القربان، فلم تجِئ النار تأكله، فقالوا: يا نبي الله، مالنا لا تقبل قرباننا؟ قال: فيكم غلول. قالوا: وكيف لنا أن نعلم مَن عنده الغلول؟ قال: وهم اثنا عشر سبطًا. قال: يبايعني رأس كُلِّ سبط منكم. فبايعه رأس كل سبط، فلزقت كفُّه بكفِّ رجل منهم، فقال له: عندك الغلول. فقال: كيف لي أن أعلم؟ قال: تدعو سبطك، فتبايعهم رجلًا رجلًا. ففعل، فلَزَقَت كفُّه بكفِّ رجل منهم، قال: عندك الغلول؟ قال: نعم، عندي الغلول. قال: وما هو؟ قال: رأس ثور من ذهب، أعجبني، فغللته. فجاء به فوضعه في الغنائم، فجاءت النار، فأكلته». فقال كعب: صدق الله ورسوله، هكذا -واللهِ- في كتاب الله. يعني: في التوراة. ثم قال: يا أبا هريرة، أحَدَّثكم النبي ﷺ أيَّ نبي كان؟ قال: لا. قال: هو يوشع بن نون. قال: فحدثكم أيَّ قرية؟ قال: لا. قال: هي مدينة أريحاء[[أخرجه الحاكم ٢/١٥١ (٢٦١٨). قال الحاكم: «هذا حديث غريب صحيح، ولم يخرجاه». وقال الذهبي في التلخيص: «صحيح غريب».]]. وفي رواية عبد الرزاق: فقال رسول الله ﷺ: «لم تَحِلَّ الغنيمةُ لأحد قبلنا، وذلك أنّ الله رأى ضعفنا فطَيَّبها لنا». وزعموا أنّ الشمس لم تحبس لأحد قبله ولا بعده[[أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٥/٢٤١ (٩٤٩٢)، وفي تفسيره ١/٤٢١ (٤٧٨). وهو عند البخاري ٤/٨٦ (٣١٢٤)، ومسلم ٣/١٣٦٦ (١٧٤٧) دون كلام كعب ﵀.]]. (٥/٢٥٦)
٢٢١١٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- قال: تاهوا أربعين سنة، فهلك موسى وهارون في التِّيه، وكلُّ من جاوز الأربعين سنة، فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى، وهو الذي افتتحها، وهو الذي قيل له: اليوم يوم الجمعة، فهمُّوا بافتتاحها، فدنت الشمس للغروب، فخشي إن دخلت ليلةَ السبت أن يَسبِتوا، فنادى الشمسَ: إنِّي مأمورٌ، وإنّكِ مأمورة. فوقفت حتى افتتحها، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط، فقربوه إلى النار، فلم تأتِ، فقال: فيكم الغلول. فدعا رءوس الأسباط، وهم اثنا عشر رجلًا، فبايعهم، والتصقت يدُ رجل منهم بيده، فقال: الغلول عندك؛ فأخرِجه. فأخرج رأسَ بقرة من ذهب، لها عينان من ياقوت، وأسنان من لؤلؤ، فوضعا مع القربان، فأتت النار فأكلتها[[أخرجه ابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٣/٧٤- واللفظ له، وابن جرير ٨/٣١٠ مختصرًا، وفي أوله: فدخلوا التيه، فكل من دخل التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه.]]٢٠٣٣. (٥/٢٥٣)
٢٢١١١- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق الزبير بن الخريت- في قوله: ﴿فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض﴾، قال: التحريم: التِّيه[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٠٩، وابن عدي في الكامل ٦/٤٧٧. وذكره الحافظ في المطالب العالية (إشراف: د. سعد الشثري) ١٤/٦٠٥ (٣٥٨٣).]]. (ز)
٢٢١١٢- عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق عبد الصمد- قال: إنّ بني إسرائيل لَمّا حرَّم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض شَكَوْا إلى موسى، فقالوا: ما نأكل؟ فقال: إنّ الله سيأتيكم بما تأكلون. قالوا: مِن أين؟ قال: إنّ الله سينزل عليكم خبزًا مخبوزًا. فكان ينزل عليهم المَنُّ، وهو خبز الرُّقاق مثل الذرة، قالوا: وما نأتدم، وهل بد لنا من لحم؟ قال: فإنّ الله يأتيكم به. قالوا: من أين؟ فكانت الريح تأتيهم بالسلوى، وهو طير سمين مثل الحمام، قالوا: فما نلبس؟ قال: لا يَخْلَقُ لأحدكم ثوبٌ أربعين سنة. قالوا: فما نَحْتَذِي؟ قال: لا يَنقَطِعُ لأحدكم شِسْعٌ أربعين سنة. قالوا: فإنه يولد فينا أولاد صغار، فما نكسوهم؟ قال: الثوب الصغير يَشِبُّ معه. قالوا: فمن أين لنا الماء؟ قال: يأتيكم به الله. فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر، قالوا: فبِم نُبصِر؟ تغشانا الظلمة فضرب لهم عمودًا من نور في وسط عسكرهم، أضاء عسكرهم كله، قالوا: فبِم نَسْتَظِلُّ؟ الشمس علينا شديدة، قال: يُظِلُّكم الله بالغمام[[أخرجه ابن جرير ٨/٧٠٩، وأبو الشيخ (٩٩٧).]]. (٥/٢٥٤)
٢٢١١٣- عن عطية بن سعد العوفي -من طريق فضيل بن مرزوق- قال: تاهوا في اثني عشر فرسخًا أربعين عامًا، وجعل لهم حجر له مثل رأس الثور، يحمل على ثور، فإذا نزلوا منزلًا وضعوه، فضربه موسى عليه الصلاة والسلام، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فإذا ساروا حملوه على ثور، واستمسك الماء[[ذكره الحافظ في المطالب العالية (إشراف: د. سعد الشثري) ١٤/٦٠٤ (٣٥٨٢-[٣]). وعزاه المحقق لابن أبي حاتم في تفسيره.]]. (ز)
٢٢١١٤- عن قتادة بن دِعامة -من طريق أبي هلال- في قوله: ﴿فإنها محرمة عليهم﴾، قال: أبدًا. وفي قوله: ﴿يتيهون في الأرض﴾، قال: أربعين سنة[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٠٨.]]٢٠٣٤. (٥/٢٥٢)
٢٢١١٥- عن قتادة بن دعامة، قال: لَمّا جبُن القوم عن عدوهم، وتركوا أمر ربهم؛ قال الله: ﴿فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض﴾. قال: كانوا يتيهون في الأرض أربعين سنة، إنما يشربون ماء الأَطْواءِ[[الأطواء: جمع الطَّوِىِّ، والطَّوِيُّ: البئر المطوية بالحجارة. لسان العرب (طوي).]]، لا يهبطون قريةً ولا مِصْرًا، ولا يهتدون لها، ولا يقدرون على ذلك[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٥/٢٥٢)
٢٢١١٦- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: حُرِّمت عليهم القرى، فكانوا لا يهبطون قرية، ولا يقدرون على ذلك، إنما يتبعون الأطواء أربعين سنة، والأَطْواءُ: الرَّكايا[[الرَّكايا: جمع رَكِيَّة، وهي البئر. النهاية (ركا).]]. وذُكِر لنا: أنّ موسى توفي في الأربعين سنة، وأنه لم يدخل بيت المقدس منهم إلا أبناؤهم، والرجلان اللذان قالا ما قالا[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٠. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٥/٢٥٣)
٢٢١١٧- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: غضب موسى على قومه، فدعا عليهم، فقال: ﴿رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي﴾ الآية. فقال الله جل وعز: ﴿فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض﴾. فلمّا ضرب عليهم التيه ندِم موسى، وأتاه قومه الذين كانوا يطيعونه، فقالوا له: ما صنعت بنا، يا موسى؟! فمكثوا في التِّيه، فلما خرجوا من التِّيه رُفِع المن والسلوى، وأكلوا من البقول، والتقى موسى وعاجٌ، فَنَزا[[نزا: وثب. لسان العرب (نزا).]] موسى في السماء عشرة أذرع، وكانت عصاه عشرة أذرع، وكان طوله عشرة أذرع، فأصاب كَعْبَ عاجٍ، فقتله. ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا مات، ولم يشهد الفتح. ثم إنّ الله لما انقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبيا، فأخبرهم أنه نبي، وأن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه، وصدَّقوه، فهَزَم الجبارين، واقتحموا عليهم يقاتلونهم، فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عُنُق الرجل يضربونها لا يقطعونها[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٠٩.]]. (ز)
٢٢١١٨- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- قال: لَمّا قال لهم القوم ما قالوا، ودعا موسى عليهم؛ أوحى الله إلى موسى: إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، فلا تأس على القوم الفاسقين. وهم يومئذ -فيما ذُكِر- ستمائة ألف مقاتل، فجعلهم فاسقين بما عصوا، فلبثوا أربعين سنة في فراسخ ستة، أو دون ذلك، يسيرون كل يوم جادِّين لكي يخرجوا منها، حتى سَئِموا ونزلوا، فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا. وإنهم اشتكوا إلى موسى ما فعل بهم، فأنزل عليهم المن والسلوى، وأُعْطُوا من الكسوة ما هي قائمة لهم، ينشأ الناشئ فتكون معه على هيئته. وسأل موسى ربَّه أن يسقيهم، فأتى بحجر الطور، وهو حجر أبيض، إذا ما نزل القوم ضربه بعصاه، فيخرج منه اثنتا عشرة عينًا، لكل سبط منهم عين، قد علم كل أناس مشربهم. حتى إذا خلت أربعون سنة، وكانت عذابًا بما اعتدوا وعصوا؛ أوحي إلى موسى: أن مرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة، فإن الله قد كفاهم عدوهم، وقل لهم: إذا أتوا المسجد أن يأتوا الباب ويسجدوا إذا دخلوا، ويقولوا حطة -وإنما قولهم: حطة. أن يحط عنهم خطاياهم-. فأبى عامَّةُ القوم، وعصوا، وسجدوا على خَدِّهم، وقالوا: حنطة. فقال الله -جل ثناؤه-: ﴿فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم﴾ إلى: ﴿بما كانوا يفسقون﴾ [البقرة:٥٩][[أخرجه ابن جرير ١/٧٠٨، ٨/٣٠٧. وعزاه السيوطي إليه مختصرًا ٥/٢٥٥.]]. (ز)
٢٢١١٩- قال محمد بن السائب الكلبي -من طريق يحيى بن سلام-: لَمّا قالوا: إنا لن ندخلها أبدًا. قال الله: فإنها محرمة عليهم أبدًا، وهم مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة. قال: فلم يدخلها أحد ممن كان مع موسى، هلكوا أجمعون في التيه، إلا رجلين: يوشع بن نون، وكالوب. وأنزل عليهم في تلك الأربعين سنة المن، والسلوى، وثيابًا لا تخرق ولا تدنس، تَشِبُّ مع الصغير، وخفافًا لا تخرق، فكان لهم ذلك في تيههم، حتى دخلوا أريحا[[تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢١. وأخرجه أبو عمرو الداني في المكتفى ص٥٩ (٧).]]. (ز)
٢٢١٢٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿قالَ فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ دخولها البتة أبدًا، ﴿أرْبَعِينَ سَنَةً﴾ فيها تقديم ﴿يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٦٧.]]. (ز)
٢٢١٢١- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: حدثني بعض أهل العلم بالكتاب الأول، قال: لَمّا فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من معصيتهم نبيهم، وهمِّهم بكالب ويوشع إذ أمراهم بدخول مدينة الجبارين، وقالا لهم ما قالا؛ ظهرت عظمة الله بالغَمام على باب قُبَّة الزُّمَرِ على كل بني إسرائيل، فقال -جل ثناؤه- لموسى: إلى متى يعصيني هذا الشعب؟! وإلى متى لا يصدقون بالآيات كلها التي وضعت بينهم؟! أضْرِبُهم بالموت فأُهلِكُهم، وأجعل لك شعبًا أشدَّ وأكثر منهم؟! فقال موسى لله: يسمع أهل المصر الذين أخرجت هذا الشعب بقوتك من بينهم، ويقول ساكن هذه البلاد الذين قد سمعوا أنّك أنت الله في هذا الشعب، فلو أنّك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد لقالت الأمم الذين سمعوا باسمك: إنما قتل هذا الشعب من أجل لا يستطيع أن يدخلهم الأرض التي خلق لهم، فقتلهم في البرية، ولكن لترتفع أياديك، ويعظم جزاؤك يارب، كما كنت تكلمت وقلت لهم، فإنه طويل صبرك، كثيرة نعمك، وأنت تغفر الذنوب فلا توبق، وإنك تحفظ ذنب الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة، فاغفر أيْ ربِّ آثام هذا الشعب بكثرة نعمك، كما غفرت لهم منذ أخرجتهم من أرض مصر إلى الآن. فقال الله -جل ثناؤه- لموسى ﷺ: قد غفرت لهم بكلمتك، ولكن حيٌّ أنا، وقد ملأت الأرض محمَدَتي كلها، لا يرى القومُ الذين قد رأوا محمدتي وآياتي التي فعلت في أرض مصر وفي القِفار، وابتلوني عشر مرات ولم يطيعوني؛ لا يرون الأرض التي حَلفْتُ لآبائهم، ولا يراها من أغضبني، فأما عبدي كالب الذي كان روحه معي واتبع هواي فإني مدخله الأرض التي دخلها، ويراها خلفه. وكان العماليق والكنعانيون جلوسًا في الجبال، ثم غدوا فارتحلوا إلى القفار في طريق بَحرِ سُوفٍ[[بحر سُوف: هو خليج القَلْزم، معجم البلدان ٥/٢٥. وهو ما يطلق عليه البحر الأحمر كما في الموسوعة العربية العالمية. (البحر الأحمر).]]، وكلَّم الله ﷿ موسى وهارون، وقال لهما: إلى متى تُوَسْوِس عليَّ هذه الجماعةُ جماعةُ السوء؟! قد سمعت وسوسة بني إسرائيل. وقال: لأفعلنَّ بكم كما قلت لكم، ولتُلْقَيَنَّ جِيَفكم في هذه القفار كحسابكم من بني عشرين سنة فما فوق ذلك، من أجل أنكم وسوستم عليَّ، فلا تدخلوا الأرض التي رفعت يدي إليها، ولا ينزل فيها أحد منكم غير كالب بن يوفنا، ويوشع بن نون، وتكون أثقالكم كما كنتم الغنيمة، وأما بنوكم اليوم الذين لم يعلموا ما بين الخير والشر فإنهم يدخلون الأرض، وإني بهم عارف لهم الأرض التي أرُدُّ لهم، وتسقط جيفكم في هذه القفار، وتتيهون في هذه القفار على حساب الأيام التي حسستم الأرض أربعين يومًا، مكان كل يوم سنة، وتُقتلون بخطاياكم أربعين سنة، وتعلمون أنكم وسوستم قُدّامي، إنِّي أنا الله فاعل بهذه الجماعة، جماعة بني إسرائيل، الذين وُعِدوا قُدّامي بأن يتيهوا في القفار، فيها يموتون. فأما الرهط الذين كان موسى بعثهم ليتحسسوا الأرض، ثم حرَّشوا الجماعة، فأفشوا فيهم خبر الشر، فماتوا كلهم بغتة، وعاش يوشع وكالب بن يوفنا من الرهط الذين انطلقوا يتحسسون الأرض. فلما قال موسى ﵇ هذا الكلام كله لبني إسرائيل حَزِن الشعب حزنًا شديدًا، وغدوا فارتقوا إلى رأس الجبل، وقالوا: نرتقي الأرض التي قال -جل ثناؤه- من أجل أنا قد أخطأنا. فقال لهم موسى: لم تعتدون في كلام الله؟ من أجل ذلك لا يصلُحُ لكم عمل، ولا تصعدوا من أجل أنّ الله ليس معكم، فالآن تنكسرون من قدام أعدائكم من أجل العمالقة والكنعانيين أمامكم، فلا تقعوا في الحرب من أجل أنكم انقلبتم على الله، فلم يكن الله معكم. فأخذوا يرقون في الجبل، ولم يبرح التابوت الذي فيه مواثيق الله -جل ذكره- وموسى من المحلة -يعني: من الخيمة- حتى هبط العماليق والكنعانيون في ذلك الحائط، فحرقوهم، وطردوهم، وقتلوهم. فتيَّههم الله -عزَّ ذكره- في التيه أربعين سنة بالمعصية، حتى هلك مَن كان استوجب المعصية من الله في ذلك. قال: فلما شَبَّ النواشِئُ من ذراريهم، وهلك آباؤهم، وانقضت الأربعون سنة التي تُيِّهوا فيها؛ سار بهم موسى، ومعه يوشع بن نون وكالب بن يوفنا -وكان فيما يزعمون على مريم ابنة عمران أخت موسى وهارون، وكان لهما صهرًا-، قدَّم يوشع بن نون إلى أريحاء في بني إسرائيل، فدخلها بهم، وقتل الجبابرة الذين كانوا فيها، ثم دخلها موسى ببني إسرائيل، فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم، ثم قبضه الله إليه، لا يعلم بقبره أحدٌ من الخلائق[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٠.]]. (ز)
٢٢١٢٢- قال يحيى بن سلام: دخلها أبناؤهم، ويوشع بن نون، وكالوب[[تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢١.]]. (ز)
﴿یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ - تفسير
٢٢١٢٣- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- قال: تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة، يُصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا في تيههم[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٥. وذكره يحيى ين سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢١- بلفظ: كانوا يصبحون حيث يمسون، ويمسون حيث يصبحون، وفي تيههم ذلك ضرب لهم موسى الحجر.]]٢٠٣٥. (٥/٢٥٤)
٢٢١٢٤- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- أنّ تيههم ذلك أنّهم كانوا يصبحون أربعين سنة، كل يوم جادِّين في قدر ستة فراسخ للخروج منه، فيمسون في الموضع الذي ابتدؤوا السير منه[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٥.]]. (ز)
٢٢١٢٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾ في البَرِّيَّةِ، فأعمى الله ﷿ عليهم السبيل، فحبسهم بالنهار، وسيرهم بالليل، يسهرون ليلهم فيصبحون حيث أمسوا، فإذا بلغ أجلُهم وهو أربعون سنة أرسلت عليهم الموت، فلا يدخلها إلا خلوفهم، إلا يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا، فهما يسوقان بني إسرائيل إلى تلك الأرض، فتاه القوم في تسع فراسخ عرض وثلاثين فرسخًا طول، وقالوا أيضًا: ستة فراسخ عرض في اثني عشر فرسخًا طول. فقال القوم لموسى ﵇: ما صَنَعْتَ بنا، دعوتَ علينا حتى بقينا في التيه؟! وندم موسى ﵇ على ما دعا عليهم، وشقَّ عليه حين تاهوا، فأوحى الله ﷿ إليه: ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ يعني: لا تحزن على قوم أنت سميتهم فاسقين أن تاهوا. ثم مات هارون ﵇ في التيه، ومات موسى من بعده بستة أشهر، فماتا جميعًا في التيه، ثم إنّ الله ﷿ أخرج ذرياتهم بعد أربعين سنة وقد هلكت الأمةُ العصاةُ كلها، وخرجوا مع يوشع بن نون ابن أخت موسى، وكالب بن يوقنا، بعد وفاة موسى ﵇ بشهرين، فأتوا أريحا، فقاتلوا أهلها، ففتحوها، وقتلوا مقاتلتهم، وسبوا ذراريهم، وقتلوا ثلاثة من الجبارين، وكان قاتلُهم يوشعَ بن نون، فغابت الشمس، فدعا يوشع بن نون، فردَّ الله ﷿ عليه الشمس، فأطلعت ثانية، وغابت الشمس الثانية، ودار الفلك، فاختلط على الحسّاب حسابهم منذ يومئذ فيما بلغنا. ومات في التيه كلُّ ابن عشرين سنة فصاعدًا، وموضع التيه بين فلسطين وإيلة ومصر، فتاه القوم بعصيانهم ربهم ﷿، وخلافهم على نبيهم، مع دعاء بلعام بن باعور ابن ماث عليهم فيما بين ستة فراسخ إلى اثني عشر فرسخًا، لا يستطيعون الخروج منها أربعين سنة، ومات هارون حين أتم ثمانية وثمانين سنة، وتوفي موسى بعده بستة أشهر، واستخلف عليهم يوشع بن نون، وحين ماتوا كلهم أخرج ذراريهم يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٦٧-٤٦٨.]]. (ز)
﴿یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ - آثار متعلقة بالآية
٢٢١٢٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جُرَيج- قال: خُلِق لهم في التِّيه ثياب لا تَخْلَق، ولا تَدْرَن[[أخرجه ابن جرير ١/٧١٠.]]. (٥/٢٥٥)
٢٢١٢٧- عن مجاهد بن جبر، قال: لَمّا استسقى لقومه فسُقوا قال: اشربوا، يا حمير. فنهاه عن ذلك، وقال: لا تَدْعُ عبادي حميرًا[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٥/٢٥٦)
٢٢١٢٨- عن طاووس بن كيسان -من طريق ابنه- قال: كانت بنو إسرائيل إذ كانوا في تيههم تَشِبُّ معهم ثيابُهم إذا شَبُّوا[[أخرجه عبد الرازق ١/١٩٨. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (٥/٢٥٥)
٢٢١٢٩- عن الحسن البصري، قال: لَمّا استسقى موسى لقومه أوحى الله إليه: أنِ اضرب بعصاك الحجر. فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فقال لهم موسى: رِدُوا، معشرَ الحمير. فأوحى الله إليه: قلت لعبادي: معشرَ الحمير؟! وإني قد حرمت عليكم الأرض المقدسة. قال: يا رب، فاجعل قبري منها قَذْفَة حجر. فقال رسول الله ﷺ: «لو رأيتم قبر موسى لرأيتموه من الأرض المقدسة قذفة بحجر»[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد مرسلًا.]]. (٥/٢٥٥)
﴿فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ ٢٦﴾ - تفسير
٢٢١٣٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿فلا تأس﴾، قال: فلا تحزن[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٦.]]٢٠٣٦. (٥/٢٥٦)
٢٢١٣١- عن عبد الله بن عباس: أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله ﷿: ﴿فلا تأس﴾. قال: لا تحزن. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت امرؤ القيس وهو يقول: وقوفًا بها صَحْبِي عَلَيَّ مُطِيُّهم يقولون لا تهلك أسًى وتَحَمَّلِ[[أخرجه الطستي -كما في الإتقان ٢/٨٤-.]]. (٥/٢٥٦)
٢٢١٣٢- عن إسماعيل السُّدِّي -من طريق أسباط- ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾، قال: لما ضرب عليهم التيه ندم موسى ﷺ، فلما ندم أوحى الله إليه: ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾: لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٦.]]. (ز)
٢٢١٣٣- قال مقاتل بن سليمان: وندم موسى ﵇ على ما دعا عليهم، وشقَّ عليه حين تاهوا، فأوحى الله ﷿ إليه: ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾. يعني: لا تحزن على قوم أنت سميتهم فاسقين أن تاهوا[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٦٨.]]. (ز)
﴿فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ ٢٦﴾ - آثار متعلقة بالقصة
٢٢١٣٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- قال: كانت عصا موسى عشرة أذرع، ووثبته عشرة أذرع، وطوله عشرة أذرع، فوثب فأصاب كَعْبَ عِوَجٍ فقتله، فكان جسرًا لأهل النِّيل سنة[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٥.]]٢٠٣٧. (ز)
٢٢١٣٥- عن نوف البِكالِي -من طريق أبي إسحاق- قال: كان سرير عِوَج ثمانمائة ذراع، وكان طول موسى عشرة أذرع، وعصاه عشرة أذرع، ووثب في السماء عشرة أذرع، فضرب عِوَجًا، فأصاب كَعْبَه، فسقط مَيِّتًا، فكان جسرًا للناس يَمُرُّون عليه[[أخرجه ابن جرير ٨/٣١٥.]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.