الباحث القرآني
﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَاۤ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَاۤىِٕنِینَ خَصِیمࣰا ١٠٥﴾ - نزول الآيات، وتفسيرها
٢٠٠٦١- عن قتادة بن النعمان -من طريق عمر بن قتادة- قال: كان أهل بيت مِنّا يقال لهم: بنو أُبَيْرِق، بِشْر وبشير ومُبَشِّر، وكان بشير رجلًا منافقًا، يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله ﷺ، ثم يَنْحَلُه بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، قال فلان كذا وكذا. فإذا سمع أصحابُ رسول الله ﷺ ذلك الشعر قالوا: واللهِ، ما يقول هذا الشعرَ إلا هذا الخبيثُ. فقال: أو كلما قال الرجال قصيدة أضِمُوا[[(أضموا: غضبوا. التاج (أضم).]] فقالوا: ابنُ الأُبَيْرِق قالها؟! قال: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقَة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يَسار فقدمت ضافِطَة[[الضافط والضَّفّاط: الذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن. النهاية (ضفط).]] من الشام مِن الدَّرْمَك[[الدَرْمَكَ: هو الدقيق الحوارى. النهاية (درمك).]] ابتاع الرجل منها، فخصَّ بها [نفسه]، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافِطَة الشام، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملًا من الدَّرْمَك، فجعله في مَشْرُبَة[[المشربة -بفتح الراء وضمها-: الغرفة. النهاية (شرب).]] له، وفي المَشْرُبَة سلاح له؛ درعان، وسيفاهما، وما يصلحهما، فعدا عَدِيٌّ[[العديّ: جماعة القوم يَعْدون لقتال ونحوه، وقيل: في معناه غير ذلك. اللسان (عدا).]] من تحت الليل، فنقب المَشْرُبَة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، تعلم أنه قد عُدِي علينا في ليلتنا هذه، فنُقِبت مشربتنا، فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتجسسنا في الدار، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أُبَيْرِق قد استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم. قال: وقد كان بنو أُبَيْرِق قالوا ونحن نسأل في الدار: واللهِ، ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل. رجلًا مِنّا له صلاح وإسلام، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه، ثم أتى بني أُبَيْرِق، وقال: أنا أسرق؟! فواللهِ، ليخالطنكم هذا السيف، أو لَتُبَيِّنُنَّ هذه السرقة. قالوا: إليك عنّا، أيها الرجل، فواللهِ، ما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار، حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي، لو أتيت رسول الله ﷺ، فذكرت ذلك له. قال قتادة: فأتيتُ رسول الله ﷺ، فقلت: يا رسول الله، إنّ أهل بيتٍ مِنّا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال رسول الله ﷺ: «سأنظر في ذلك». فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلًا منهم يُقال له: أسير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله ﷺ، فقالوا: يا رسول الله، إنّ قتادة بن النعمان وعمَّه عمدوا إلى أهل بيت مِنّا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. قال قتادة: فأتيت رسول الله ﷺ، فكلَّمته، فقال: «عمدت إلى أهل بيت ذُكِر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت؟!». قال قتادة: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله ﷺ في ذلك، فأتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله ﷺ، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن نزل القرآن: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما﴾: لبني أبيرق، ﴿واستغفر الله﴾ أي: مما قلت لقتادة، ﴿إن الله كان غفورا رحيما (١٠٦) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم﴾ إلى قوله: ﴿ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما﴾ أي: أنهم لو استغفروا الله لغفر لهم، ﴿ومن يكسب إثما﴾ إلى قوله: ﴿فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا﴾ قولهم للبيد، ﴿ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك﴾ يعني: أسير بن عروة وأصحابه. إلى قوله: ﴿فسوف نؤتيه أجرا عظيما﴾، فلمّا نزل القرآن أتى رسول الله ﷺ بالسلاح، فردَّه إلى رفاعة. قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح، وكان شيخًا قد عَسا[[عسا: كبر وأسنّ. النهاية (عسا).]] في الجاهلية، وكنت أرى إسلامَه مدخولًا، فلمّا أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سُلافة بنت سعد؛ فأنزل الله: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى﴾ إلى قوله: ﴿ضلالا بعيدا﴾. فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت، فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟! ما كنت تأتيني بخير[[أخرجه الترمذي ٥/٢٧٨-٢٨٢ (٣٢٨٥) واللفظ له، والحاكم ٤/٤٢٦ (٨١٦٤)، وابن جرير ٧/٤٥٨- ٤٦٢، وابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩-١٠٦٠ (٥٩٣٣) من طريق محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان به. قال الترمذي: «هذا حديث غريب، لا نعلم أحدًا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه».]]١٨٣٣. (٤/٦٧٧-٦٨٠)
٢٠٠٦٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- قال: إنّ نفرًا من الأنصار غَزَوْا مع النبي ﷺ في بعض غزواته، فسُرِقَت درع لأحدهم، فأَظَنَّ بها رجلًا من الأنصار، فأتى صاحب الدِّرع رسول الله ﷺ، فقال: إنّ طُعْمَة بن أبيرق سرق درعي. فلما رأى السارق ذلك عمد إليها، فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إنِّي غيبت الدرع، وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى النبي ﷺ، فقالوا: يا نبي الله، إنّ صاحبنا بريء، وإنّ سارق الدرع فلان، وقد أحَطْنا بذلك علمًا، فاعْذِرْ صاحبنا على رؤوس الناس، وجادِل عنه، فإنّه إلا يعصمه الله بك يهلك. فقام رسول الله ﷺ، فبرأه، وعذره على رؤوس الناس؛ فأنزل الله: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾. يقول: بما أنزل الله إليك، إلى قوله: ﴿خوانا أثيما﴾. ثم قال للذين أتوا رسول الله ﷺ ليلًا: ﴿يستخفون من الناس﴾ إلى قوله: ﴿وكيلا﴾. يعني: الذين أتوا رسول الله ﷺ مستخفين يجادلون عن الخائنين. ثم قال: ﴿ومن يكسب خطيئة﴾ الآية، يعني: السارق، والذين جادلوا عن السارق[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٣-٤٦٤، وابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩-١٠٦٣.]]. (٤/٦٨٣)
٢٠٠٦٣- عن محمود بن لبيد، قال: عدا بشير بن الحارث على عِلِّيَّةِ[[العِلِّيّة: الغرفة. اللسان (علو).]] رفاعة بن زيد عمِّ قتادة بن النعمان الظَّفَرِيِّ، فنَقبها من ظهرها، وأخذ طعامًا له، ودرعين بأداتهما، فأتى قتادةُ بن النعمان النبي ﷺ، فأخبره بذلك، فدعا بشيرًا، فسأله، فأنكر، ورمى بذلك لبيد بن سهل؛ رجلًا من أهل الدار ذا حَسَب ونَسَب؛ فنزل القرآن بتكذيب بشير وبراءة لبيد بن سهل قوله: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ إلى قوله: ﴿ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما﴾ يعني: بشير بن أبيرق، ﴿ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا﴾ يعني: لبيد بن سهل، حين رماه بنو أبيرق بالسرقة. فلما نزل القرآن في بشير، وعثر عليه، هرب إلى مكة مرتدًا، كافر، فنزل على سلافة بنت سعد بن الشهيد، فجعل يقع في النبي ﷺ وفي المسلمين؛ فنزل القرآن فيه، وهجاه حسان بن ثابت، حتى رجع، وكان ذلك في شهر ربيع سنة أربع من الهجرة[[عزاه السيوطي إلى ابن سعد.]]. (٤/٦٨٠)
٢٠٠٦٤- عن محمود بن لبيد، قال: كان أُسَيْرُ بن عروة رجلًا مِنطِيقًا ظريفًا بليغًا حلوًا، فسمع بما قال قتادة بن النعمان في بني أُبَيْرِق للنبي ﷺ حين اتهمهم بنقب عِلِّيَّةِ عمه وأخذ طعامه والدرعين، فأتى أسيرٌ رسول الله ﷺ في جماعة جمعهم من قومه، فقال: إنّ قتادة وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل حسب ونسب وصلاح، يُؤَبِّنُونَهم[[أبّن الرجل: عابه في وجهه وعيّره. اللسان (أبن).]] بالقبيح، ويقولون لهم ما لا ينبغي، بغير ثَبَتٍ ولا بينة. فوضع لهم عند رسول الله ﷺ ما شاء، ثم انصرف، فأقبل قتادة بعد ذلك إلى رسول الله ﷺ ليكلمه، فَجَبَهَه[[جبهه: ردّه عن حاجته. اللسان (جبه).]] رسول الله ﷺ جبهًا شديدًا منكرًا، وقال: «بئسما صنعت، وبئسما مشيت فيه». فقام قتادة وهو يقول: لوددت أنِّي خرجت من أهلي ومالي وأني لم أكلم رسول الله ﷺ في شيء من أمرهم، وما أنا بعائد في شيء من ذلك. فأنزل الله على نبيه في شأنهم: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب﴾ إلى قوله: ﴿ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم﴾ يعني: أسير بن عروة وأصحابه، ﴿إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما﴾[[عزاه السيوطي إلى ابن سعد من وجه آخر.]]. (٤/٦٨١)
٢٠٠٦٥- عن الضحاك بن مزاحم، قال: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار اسْتُودِع درعًا، فجحد صاحبها، فلحق به رجالٌ من أصحاب النبي ﷺ، فغضب له قومه، وأَتَوْا نبي الله ﷺ، فقالوا: خوَّنوا صاحبَنا وهو أمين مسلم، فأعذره، يا نبي الله، وازجر عنه. فقام النبي ﷺ، فعذره، وكذَّب عنه، وهو يرى أنّه بريء، وأنّه مكذوب عليه؛ فأنزل الله بيان ذلك، فقال: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ إلى قوله: ﴿أم من يكون عليهم وكيلا﴾ فبَيَّن خيانته، فلحق بالمشركين من أهل مكة، وارتد عن الإسلام؛ فنزل فيه: ﴿ومن يشاقق الرسول﴾ إلى قوله: ﴿وساءت مصيرا﴾[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٩-٤٧٠.]]. (٤/٦٨٧)
٢٠٠٦٦- عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: اسْتَوْدَع رجلٌ من الأنصار طُعْمَة بن أُبَيْرِق مَشْرُبة له فيها درع، فغاب، فلمّا قَدِم الأنصاريُّ فتح مَشْرُبَته، فلم يجد الدرع، فسأل عنها طعمة بن أبيرق، فرمى بها رجلًا من اليهود يُقال له: زيد بن السمين، فتعلق صاحب الدِّرع بطعمة في درعه، فلما رأى ذلك قومُه أتَوا النبي ﷺ، فكلَّموه لِيَدْرَأ عنه، فهَمَّ بذلك؛ فأنزل الله: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس﴾ إلى قوله: ﴿ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم﴾ يعني: طعمة بن أبيرق وقومه، ﴿ها أنتم هؤلاء جادلتم﴾ إلى قوله: ﴿يكون عليهم وكيلا﴾ محمد ﷺ وقوم طعمة، ﴿ثم يرم به بريئا﴾ يعني: زيد بن السمين ﴿فقد احتمل بهتانا﴾ طعمة بن أبيرق، ﴿ولولا فضل الله عليك ورحمته﴾ لمحمد ﷺ، ﴿لهمت طائفة﴾ قوم طعمة، ﴿لا خير في كثير﴾ الآية، للناس عامة، ﴿ومن يشاقق الرسول﴾. قال: لَمّا أنزل القرآن في طعمة بن أبيرق لحق بقريش، ورجع في دينه، ثم عدا على مشربة للحجاج بن عِلاطٍ البَهْزِيِّ، فنقبها، فسقط عليه حجر، فَلَحِجَ[[لحج بالمكان: دخل فيه ولزمه. النهاية (لحج).]]، فلما أصبح أخرجوه من مكة، فخرج، فلقي رَكْبًا مِن قُضاعَة، فعرض لهم، فقال: ابن سبيل منقطع به. فحملوه، حتى إذا جَنَّ عليه الليل عدا عليهم، فسرقهم، ثم انطلق، فرجعوا في طلبه، فأدركوه، فقذفوه بالحجارة حتى مات. فهذه الآيات كلها فيه نزلت إلى قوله: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٨-٤٦٩. وعزاه السيوطي إلى سنيد، وابن المنذر.]]١٨٣٤. (٤/٦٨٧)
٢٠٠٦٧- عن الحسن البصري: أنّ رجلًا على عهد رسول الله ﷺ اخْتانَ درعًا من حديد، فلما خشي أن توجد عنده ألقاها في بيت جارٍ له من اليهود، وقال: تزعمون إني اخْتَنتُ الدِّرعَ؟! فواللهِ، لقد أُنبِئْتُ أنها عند اليهودي. فرفع ذلك إلى النبي ﷺ، وجاء أصحابه يَعْذِرُونَه، فكأنّ النبي ﷺ عذره حين لم يجد عليه بيِّنَةً، ووجدوا الدرع في بيت اليهودي، وأبى اللهُ إلا العدلَ؛ فأنزل الله على نبيه ﷺ: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق﴾ إلى قوله: ﴿أم من يكون عليهم وكيلا﴾، فعرَّض اللهُ بالتوبة لو قبِلها، إلى قوله: ﴿ثم يرم به بريئا﴾ اليهودي. ثم قال لنبيه ﷺ: ﴿ولولا فضل الله عليك ورحمته﴾ إلى قوله: ﴿وكان فضل الله عليك عظيما﴾. فأبرىء اليهودي، وأخبر بصاحب الدرع. قال: قد افتضحت الآن في المسلمين، وعلموا أني صاحب الدرع، ما لي إقامة ببلد. فتراغم، فلحق بالمشركين؛ فأنزل الله: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى﴾ إلى قوله: ﴿ضلالا بعيدا﴾[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر. وذكر يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/٤٠٣- نحوه.]]. (٤/٦٨٥)
٢٠٠٦٨- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: ذُكر لنا: أنّ هذه الآيات أنزلت في شأن طُعْمَة بن أُبَيْرِق، وفيما هَمَّ به النبي ﷺ من عذره، فبيَّن اللهُ شأن طعمة بن أبيرق، ووعظ نبيه ﷺ، وحذَّره أن يكون للخائنين خصيمًا. وكان طعمة بن أبيرق رجلًا من الأنصار، ثم أحد بني ظفر، سرق درعًا لعمه كانت وديعة عندهم، ثم قذفها على يهودي كان يغشاهم يقال له: زيد بن السمين. فجاء اليهودي إلى النبي ﷺ يهتف، فلما رأى ذلك قومُه بنو ظفر جاءوا إلى نبي الله ﷺ ليعذروا صاحبهم، وكان نبي الله ﷺ قد هَمَّ بعذره، حتى أنزل الله في شأنه ما أنزل، فقال: ﴿ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم﴾ إلى قوله: ﴿ثم يرم به بريئا﴾. وكان طعمة قذف بها بريئًا، فلما بيَّن الله شأن طعمة نافق، ولحق بالمشركين، فأنزل الله في شأنه: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين﴾ الآية[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٢-٤٦٣. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (٤/٦٨٢)
٢٠٠٦٩- عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- في قوله: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾، قال: بما أوحى الله إليك، نزلت في طعمة بن أبيرق، استودعه رجل من اليهود درعًا، فانطلق بها إلى داره، فحفر لها اليهودي، ثم دفنها، فخالف إليها طعمة، فاحتفر عنها، فأخذها، فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها، فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته، فقال: انطلقوا معي؛ فإنِّي أعرف موضع الدرع. فلما علم به طعمةُ أخذ الدرع، فألقاها في دار أبي مُلَيْل الأنصاري، فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها، وقع به طعمة وأناس من قومه فسَبُّوه، قال: أتُخَوِّنُونَنِي؟! فانطلقوا يطلبونها في داره، فأشرفوا على دار أبي مُلَيْل فإذا هم بالدرع، وقال طعمة: أخذها أبو مُلَيْل. وجادلت الأنصار دون طعمة، وقال لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله ﷺ، فقولوا له ينضح عني، ويكذب حجة اليهودي، فإني إن أُكَذَّب كَذَب على أهل المدينة اليهوديُّ. فأتاه أناس من الأنصار، فقالوا: يا رسول الله، جادل عن طعمة، وأكذِب اليهودي. فهَمَّ رسول الله ﷺ أن يفعل؛ فأنزل الله عليه: ﴿ولا تكن للخائنين خصيما﴾ إلى قوله: ﴿أثيما﴾. ثم ذكر الأنصار ومجادلتهم عنه، فقال: ﴿يستخفون من الناس﴾ إلى قوله: ﴿وكيلا﴾. ثم دعا إلى التوبة، فقال: ﴿ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه﴾ إلى قوله: ﴿رحيما﴾. ثم ذكر قوله حين قال: أخذها أبو مُلَيْل، فقال: ﴿ومن يكسب إثما﴾ إلى قوله: ﴿مبينا﴾. ثم ذكر الأنصار وإتيانها إياه أن ينضح عن صاحبهم ويجادل عنه، فقال: ﴿لهمت طائفة منهم أن يضلوك﴾. ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذبوا عن طعمة، فقال: ﴿لا خير في كثير من نجواهم﴾. فلما فضح الله طعمة بالمدينة بالقرآن هرب، حتى أتى مكة، فكفر بعد إسلامه، ونزل على الحجاج بن عِلاطٍ السُّلَمِيِّ، فنقب بيت الحجاج، فأراد أن يسرقه، فسمع الحجاج خَشْخَشَتَه في بيته، وقَعْقَعَة جلود كانت عنده، فنظر، فإذا هو بطعمة، فقال: ضيفي وابن عمي! فأردت أن تسرقني! فأخرجه، فمات بحَرَّة بني سُلَيم كافرًا، وأنزل الله فيه: ﴿ومن يشاقق الرسول﴾ إلى: ﴿وساءت مصيرا﴾[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٦-٤٦٧، وابن أبي حاتم ٤/١٠٦٣، ١٠٦٦.]]. (٤/٦٨٥)
٢٠٠٧٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق﴾، وذلك أنّ يهوديًّا يُسَمّى: زيد بن السمين، كان استودع طعمة بن أبيرق الأنصارى من الأوس من بني ظَفَر بن الحارث درعًا من حديد، ثم إنّ زيدًا اليهوديَّ طلب درعه، فجحده طعمة، فقال زيد لقومه: قد ذكر لي أنّ الدرع عنده، فانطلقوا حتى نلتمس داره. فاجتمعوا ليلًا، فأتوا داره، فلما سمع جَلَبَة[[جلبة القوم: أصواتهم. النهاية، مادة (جلب).]] القوم أحس قلبُه أنّ القوم إنما جاءوا من أجل الدرع، فرمى به في دار أبى مُلَيْك، فدخل القوم داره، فلم يجدوا الدرع، فاجتمع الناس. ثم إنّ طعمة اطَّلع في دار أبى مليك، فقال: هذا درع في دار أبي مليك، فلا أدري هي لكم أم لا؟ فأخذوا الدرع، ثم إن قوم طعمة -قتادة بن النعمان وأصحابه- قالوا: انطلقوا بنا إلى النبي ﷺ، فلنبرئ صاحبنا، ونقول: إنهم أتونا ليلًا ففضحونا، ولم يكن معهم رسول من قبلك، ونأمرهم أن يُبَرِّءوا صاحبنا؛ لتنقطع ألسنة الناس عنا بما قذفونا به، ونخبره أنها وجدت في دار أبي مليك، فأتوا النبي ﷺ، فأخبروه، فصدق النبي ﷺ طعمة، وأبرأه من ذلك، وهو يرى أنهم قد صدقوا؛ فأنزل الله تعالى: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ الآية، ... ثم إنّ أبا مليك عاش حتى استخلف عمر بن الخطاب، فحلف بالله لعمر لا يولي راجعًا، فلما كان يوم القادسية انهزم المشركون إلى الفرات، وجاءت أساورة كسرى، فهزموا المسلمين إلى قريب من الجيش، فثبت أبو مليك حتى قتل، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فقال: أبو مليك صدق الله وعده[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٠٤.]]. (ز)
٢٠٠٧١- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في الآية، قال: كان رجل سرق درعًا من حديد في زمان النبي ﷺ، طرحه على يهودي، فقال اليهودي: واللهِ، ما سرقتُها، يا أبا القاسم، ولكن طُرِحَتْ عَلَيَّ. وكان الرجل الذي سَرَق له جيران يُبَرِّئونه، ويطرحونه على اليهودي، ويقولون: يا رسول الله، إنّ هذا اليهوديَّ خبيث، يكفر بالله وبما جئت به. حتى مال عليه النبي ﷺ ببعض القول؛ فعاتبه الله في ذلك، فقال: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله﴾ بما قلت لهذا اليهودي، ﴿إن الله كان غفورا رحيما﴾. ثم أقبل على جيرانه، فقال: ﴿ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم﴾ إلى قوله: ﴿وكيلا﴾. ثم عرض التوبة، فقال: ﴿ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه﴾ فما أدخلكم أنتم أيها الناس على خطيئة هذا تكلمون دونه، ﴿ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا﴾ وإن كان مشركًا ﴿فقد احتمل بهتانا﴾ إلى قوله: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى﴾. قال: أبى أن يقبل التوبة التي عرض الله له، وخرج إلى المشركين بمكة، فنقب بيتًا يسرقه، فهدمه الله عليه، فقتله[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٤-٤٦٥.]]١٨٣٥. (٤/٦٨٤)
﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَاۤ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَاۤىِٕنِینَ خَصِیمࣰا ١٠٥﴾ - تفسير
٢٠٠٧٢- عن عمرو بن دينار، أنّ رجلًا قال لعمر بن الخطاب: ﴿بما أراك الله﴾. قال: مه، إنما هذه للنبي ﷺ خاصة[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٤/٦٨٩)
٢٠٠٧٣- عن قتادة بن النعمان -من طريق عمر بن قتادة- ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما﴾، قال: لبني أبيرق[[أخرجه الترمذي (٣٠٣٧)، وابن جرير ٧/٤٥٨-٤٦٢، وابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩-١٠٦٠، والحاكم ٤/٣٨٥-٣٨٨. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٤/٦٧٧-٦٨٠)
٢٠٠٧٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- قال: إيّاكم والرأيَ، فإنّ الله قال لنبيه ﷺ: ﴿لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾، ولم يقل: بما رأيت[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٤/٦٨٩)
٢٠٠٧٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ يقول: بما أنزل الله إليك، إلى قوله: ﴿خوانا أثيما﴾[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٣-٤٦٤، وابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩-١٠٦٣.]]. (٤/٦٨٣)
٢٠٠٧٦- عن محمود بن لبيد، قوله: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ إلى قوله: ﴿ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما﴾، يعني: بشير بن أبيرق[[عزاه السيوطي إلى ابن سعد.]]. (٤/٦٨٠)
٢٠٠٧٧- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ إلى قوله: ﴿ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله﴾، قال: فيما بين ذلك، في طعمة بن أبيرق، ودرعه من حديد التي سرق، وقال أصحابه من المؤمنين للنبي ﷺ: اعذره في الناس بلسانك. ورموا بالدرع رجلًا من يهود بريئًا[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٥٨. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (٤/٦٨٢)
٢٠٠٧٨- عن الحسن البصري: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما﴾، أي: أنّ الأنصاريَّ هو سرقها، فلا تعذرَنَّه[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/٤٠٣-.]]. (ز)
٢٠٠٧٩- عن عطية العوفي -من طريق ابن فضيل بن مرزوق- ﴿لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾، قال: الذي أراه في كتابه[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩. وعزاه السيوطي ابن المنذر.]]. (٤/٦٨٩)
٢٠٠٨٠- عن قتادة بن دِعامة: ﴿لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾، قال: بما بَيَّن الله لك[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٤/٦٩٠)
٢٠٠٨١- عن مطر الورّاق -من طريق الحسين- ﴿لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾، قال: بالبينات، والشهود[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩.]]. (٤/٦٩٠)
٢٠٠٨٢- عن ربيعة [بن أبي عبد الرحمن] -من طريق مالك بن أنس- قال: إنّ الله أنزل القرآن، وترك فيه موضعًا للسُّنَّة، وسَنَّ رسول الله ﷺ السُّنَّةَ، وترك فيها موضعًا للرأي[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٠٥٨-١٠٥٩.]]. (٤/٦٨٩)
٢٠٠٨٣- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾، قال: بما أوحى الله إليك[[أخرجه ابن جرير ٧/٤٦٦-٤٦٧، وابن أبي حاتم ٤/١٠٦٣، ١٠٦٦.]]. (٤/٦٨٥)
٢٠٠٨٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب﴾ يعني: القرآن ﴿بالحق﴾،لم ننزله باطلًا عبثًا لغير شيء؛ ﴿لتحكم﴾ يعني: لكي تحكم ﴿بين الناس بما أراك الله﴾، يعني: بما علمك الله في كتابه، كقوله سبحانه: ﴿ويرى الذين أوتوا العلم﴾ [سبأ:٦]، ﴿ولا تكن للخائنين خصيما﴾ يعني: طعمة[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٠٥.]]. (ز)
﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَاۤ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَاۤىِٕنِینَ خَصِیمࣰا ١٠٥﴾ - آثار متعلقة بالآية
٢٠٠٨٥- عن ابن وهب، قال: قال لي مالك بن أنس: الحكم الذي يحكم به بين الناس على وجهين: فالذي يحكم بالقرآن والسنة الماضية، فذلك الحكم الواجب والصواب، والحكم يجتهد فيه العالم نفسه فيما لم يأت فيه شيء، فلعله أن يُوَفَّق. قال: وثالث التكلف لما لا يعلم، فما أشبه ذلك ألا يُوَفَّق[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٠٥٩.]]. (٤/٦٩٠)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.