الباحث القرآني
﴿وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَیۡمَـٰنَ وَأَلۡقَیۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِیِّهِۦ جَسَدࣰا﴾ - تفسير
٦٦٧١١- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «وُلِد لسليمان بن داود ولدٌ، فقال للشياطين: أين نُواريه مِن الموت؟ قالوا: نذهب به إلى المشرق. فقال: يصل إليه الموت. قالوا: فإلى المغرب. قال: يصل إليه الموت. قالوا: إلى البحار. قال: يصل إليه الموت. قالوا: نضعه بين السماء والأرض. فنَزل عليه ملَكُ الموت، فقال: إنِّي أُمِرْتُ بقبض نسمة طلبتُها في البحار وطلبتُها في تخوم[[التخوم: الحدود. النهاية (تخم).]] الأرض فلم أُصِبها، فبينا أنا أصعد إذ أصبتُها، فقبضتُها. وجاء جسده حتى وقع على كرسي سليمان، فهو قول الله: ﴿ولَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أنابَ﴾»[[أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير ٤/٤٢٤ في ترجمة يحيى بن كثير (٢٠٥٢)، والطبراني في الأوسط ٦/١١٢ (٥٩٦٠). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. قال العقيلي عن يحيى: «منكر الحديث». وقال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا يحيى بن كثير، تفرد به ابنه». وقال ابن الجوزي في الموضوعات ٣/٢١٨: «هذا حديث موضوع، ولا يجوز أن ينسب إلى سليمان -وهو نبي كريم- أنه يفر من الموت، ولا أنه يُقِرّ على أنّ كونه بين السماء والأرض يدفع الموت». وقال الهيثمي في المجمع ٧/٩٩ (١١٣٠٧): «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه يحيى بن كثير صاحب البصري، وهو متروك، وابنه كثير ضعيف أيضًا». وقال السيوطي في الدر بعد عزوه أيضًا إلى ابن مردويه: «بسند ضعيف». وقال الألباني في الضعيفة ١٢/٩٨٧ (٥٩٩٣): «منكر».]]. (١٢/٥٧٦)
٦٦٧١٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- في قوله: ﴿ولَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يومًا، وكان لسليمان امرأة يُقال لها: جرادة، وكان بين بعض أهلها وبين قومٍ خُصومة، فقضى بينهم بالحق، إلا أنهَّ ودَّ أنّ الحق كان لأهلها، فأوحى الله إليه: أن سيصيبك بلاء. فكان لا يدري يأتيه من السماء أم من الأرض[[أخرجه الحكيم الترمذي ٢/١٨٠، والحاكم ٢/٤٣٣-٤٣٤. وعزاه السيوطي إلى الفريابي.]]. (١٢/٥٧٠)
٦٦٧١٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق جويبر، عن الضحاك- في قوله: ﴿وألقينا على كرسيه جسدا﴾: يعني الجسد: صخرًا المارد، حين غلب على ملكه، وجلس على كرسي سليمان أربعين يومًا، فالله أعلمُ أيَّ ذلك كان[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/٢٤٣.]]. (ز)
٦٦٧١٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أنابَ﴾، قال: هو صخر الجني، تمثَّل على كرسيِّه على صورته[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٨٨ بنحوه، وابن أبي حاتم -كما في الإتقان ٢/٤٠-. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٢/٥٧٣)
٦٦٧١٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- ﴿ولَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: الجسد: الشيطانُ الذي كان دَفع سليمانُ إليه خاتمَه، فقذفه في البحر، وكان مُلك سليمان في خاتمه، وكان اسم الجني: صخرًا[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٨٨.]]٥٥٦٩. (١٢/٥٨٢)
٦٦٧١٦- عن ابن عباس -من طريق سعيد بن جبير- قال: أربع آيات مِن كتاب الله لم أدرِ ما هي حتى سألتُ عنهُنَّ كعبَ الأحبار ... سألتُه عن قوله: ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أنابَ﴾، قال: شيطان أخذ خاتمَ سليمان الذي فيه مُلكه، فقذف به في البحر، فوقع في بطن سمكة، فانطلق سليمان يطوف إذ تُصدِّق عليه بتلك السمكة، فاشتواها، فأكلها، فإذا فيها خاتمه، فرجع إليه مُلكه[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٦٥-١٦٦. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن مردويه.]]. (١٢/٥٧٣)
٦٦٧١٧- عن سعيد بن جبير -من طريق أبي بشر- ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: شيطانًا[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٨٨.]]. (ز)
٦٦٧١٨- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: شيطانًا يُقال له: آصر[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٨٨.]]. (١٢/٥٨٢)
٦٦٧١٩- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: شيطانًا يُقال له: آصف. فقال له سليمان: كيف تَفتِنون الناس؟ قال: أرِني خاتمك أخبرك. فلمّا أعطاه إيّاه نبذه آصفُ في البحر، فساح سليمانُ وذهب مُلْكُه، وقعد آصَفُ على كُرسيِّه، ومنعه الله تعالى نساء سليمان، فلم يقربهن ولا يقربنه وأنكرنه، وأنكر الناسُ أمرَ سليمان، وكان سليمانُ يستطعم، فيقول: أتعرفوني؟ أنا سليمان. فيُكَذِّبونه، حتى أعطته امرأةٌ يومًا حوتًا يُطيِّب[[يطيب: يزيل الأذى والقذر. الوسيط (طيب).]] بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه مُلكه، وفرَّ آصف، فدخل البحرَ فارًّا[[تفسير مجاهد (٥٧٤)، وأخرجه ابن جرير ٢٠/٨٨-٨٩. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٥٧٥)
٦٦٧٢٠- عن عامر الشعبي - من طريق مجالد- قال: قالت الجن: لَئِن وُلِد لسليمان ذكرٌ لَنَلْقَيَنَّ منه مثل ما لقينا مِن أبيه، فتعالوا حتى نرصد أرحامَ نسائه حتى لا يولد له. قال: فوُلِد له غلام، فلم يأمن عليه الإنسَ ولا الجنَّ، فاسترضعه في المُزْن، يعني: السحاب، وكان يزيد في السنة كذا وكذا، وفي الشهر كذا وكذا، وفي الجمعة كذا وكذا، قال: فلم يشعر إلا وقد وُضِع على كرسيه وقد مات، فذلك قوله تعالى: ﴿وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب﴾. وقال غيره: الشيطان الذي كان أخذ خاتمه[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/٢٤٣. وينظر: تفسير الثعلبي ٨/٢٠٦.]]. (ز)
٦٦٧٢١- عن الحسن البصري -من طريق مبارك- ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: شيطانًا[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٨٨. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٢/٥٧٨)
٦٦٧٢٢- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- في قوله تعالى: ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أنابَ﴾، قال: كان على كرسيِّه شيطانٌ أربعين ليلةً، حتى ردَّ اللهُ عليه ملكَه[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٦٤.]]. (ز)
٦٦٧٢٣- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: هو الشيطان صخر[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٩٠. وعزاه السيوطي إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٥٧٤)
٦٦٧٢٤- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: الشيطانُ الذي جلس على كرسيِّ سليمان كان اسمه: حبقيق[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٩٢ مطولًا وسيأتي. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٢/٥٧٦)
٦٦٧٢٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ولَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ﴾ يعني: بعد ما ملك عشرين سنة، ثم ملك أيضًا بعد الفتنة عشرين سنة، فذلك أربعين. يقول: لقد ابتلينا سليمان أربعين يومًا، ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ﴾ يعني: سريره ﴿جَسَدًا﴾ يعني: رجلًا مِن الجن يُقال له: صخر بن عفير بن عمرو بن شرحبيل، ويقال: إنّ إبليس جده، ويقال أيضًا: اسمه أسيد[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٦٤٥.]]٥٥٧٠. (ز)
﴿ثُمَّ أَنَابَ ٣٤﴾ - تفسير
٦٦٧٢٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق مقاتل وجويبر عن الضحاك- في قوله ﷿: ﴿ثم أناب﴾: يعني: ثم استغفر[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/٢٦٠.]]. (ز)
٦٦٧٢٧- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق جويبر- في قوله: ﴿ثُمَّ أنابَ﴾، قال: دخل سليمانُ على امرأةٍ تبيع السمك، فاشترى منها سمكةً، فشقّ بطنها، فوجد خاتمه، فجعل لا يمر على شجرة ولا على شيء إلا سجد له، حتى أتى مُلكَه وأهله، فذلك قوله: ﴿ثُمَّ أنابَ﴾ يقول: ثم رجع[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٩٣.]]. (١٢/٥٨٣)
٦٦٧٢٨- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: ﴿ثُمَّ أنابَ﴾ وأقبل، يعني: سليمان [[أخرجه ابن جرير ٢٠/٩٣. وعزاه السيوطي إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٥٧٤)
٦٦٧٢٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ثُمَّ أنابَ﴾، يقول: ثم رجع بعد أربعين يومًا إلى مُلكه وسلطانه[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٦٤٥.]]. (ز)
﴿ثُمَّ أَنَابَ ٣٤﴾ - آثار مطولة في القصة
٦٦٧٣٠- عن علي بن أبي طالب، قال: بينما سليمان بن داود جالسًا على شاطئ البحر، وهو يعبث بخاتمه، إذ سقط منه في البحر، وكان مُلكُه في خاتمه، فانطلق وخلَف شيطان في أهله، فأتى عجوزًا، فأوى إليها، فقالت له العجوز: إن شئت أن تنطلق فتطلُب وأكفيك عملَ البيت، وإن شئت أن تكفيني عملَ البيت وأنطلق فألتمس. قال: فانطلق يلتمس، فأتى قومًا يصيدون السمك، فجلس إليهم، فنبذوا إليه سمكات، فانطلق بهنَّ حتى أتى العجوز، فأخذت تصلحه، فشقت بطن سمكة، فإذا فيها الخاتم، فأخذته، وقالت لسليمان: ما هذا؟ فأخذه سليمان، فلبسه، فأقبلت إليه الشياطين والجن والإنس والطير والوحش، وهرب الشيطان الذي خلَف في أهله، فأتى جزيرةً في البحر، فبعث إليه الشياطين، فقالوا: لا نقدر عليه؛ إنّه يرد عينًا في جزيرة في البحر في سبعة أيام يومًا، ولا نقدر عليه حتى يسكر. قال: فصُبّ له في تلك العين خمر، فأقبل فشرب، فأروه الخاتم، فقال: سمعًا وطاعة. فأوثقه سليمان، ثم بعث به إلى جبل، فذكروا أنه جبل الدخان، فيقال: الدخان الذي يرون من نَفَسه، والماء الذي يخرج من الجبل بوله[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٢/٥٧٧)
٦٦٧٣١- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- قال: أراد سليمانُ أن يدخل الخلاء، فأعطى الجرادةَ خاتمه، وكانت جرادةُ امرأته، وكانت أحبَّ نسائه إليه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي. فأعطته، فلما لبسه دانت له الإنسُ والجنُّ والشياطين، فلما خرج سليمان من الخلاء قال لها: هاتي خاتمي. فقالت: قد أعطيته سليمانَ. قال: أنا سليمان. قالت: كذبتَ، لست سليمان. فجعل لا يأتي أحدًا يقول: أنا سليمان. إلا كذّبه، حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلمّا رأى ذلك عرف أنّه مِن أمر الله، وقام الشيطان يحكم بين الناس، فلما أراد الله أن يرُدَّ على سليمان سلطانَه ألقى في قلوب الناس إنكارَ ذلك الشيطان، فأرسلوا إلى نساء سليمان، فقالوا لهنَّ: هل تُنكِرْنَ مِن سليمان شيئًا؟ قلن: نعم، إنّه يأتينا ونحن حُيَّض، وما كان يأتينا قبل ذلك. فلما رأى الشيطانُ أنه قد فُطِن له ظنَّ أنّ أمره قد انقطع، فكتبوا كتبًا فيها سحر وكفر، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أثاروها، وقرؤوها على الناس، قالوا: بهذا كان يظهر سليمانُ على الناس ويغلبهم. فأكفر الناسُ سليمانَ، فلم يزالوا يكفِّرونه، وبعث ذلك الشيطانُ بالخاتم، فطرحه في البحر، فتلقّته سمكةٌ، فأخذته، وكان سليمان يحمل على شطِّ البحر بالأجر، فجاء رجلٌ، فاشترى سمكًا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فدعا سليمان، فقال: تحمل لي هذا السمك؟ قال: نعم. قال بكم؟ قال: بسمكة من هذا السمك. فحمل سليمانُ السمكَ، ثم انطلق به إلى منزله، فلما انتهى الرجلُ إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فأخذها سليمان، فشقَّ بطنَها، فإذا الخاتم في جوفها، فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الجنُّ والإنس والشياطين، وعاد إلى حاله، وهرب الشيطانُ حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر، فأرسل سليمان في طلبه، وكان شيطانًا مريدًا، فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه، حتى وجدوه يومًا نائمًا، فجاؤوا فبنوا عليه بنيانًا مِن رصاص، فاستيقظ، فوثَب، فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماطَ[[انماط: تَنَحّى وذَهَبَ وبَعُدَ. اللسان (ميط).]] معه الرصاص، فأخذوه فأوثقوه، وجاؤوا به إلى سليمان، فأمر به فنُقر له تخت[[التخت: وعاء تصان فيه الثياب، فارسي. اللسان (تخت).]] من رخام، ثم أُدخل في جوفه، ثم سُدّ بالنحاس، ثم أمر به فطرح في البحر، فذلك قوله: ﴿ولَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، يعني: الشيطان الذي كان سُلِّط عليه[[أخرجه ابن جرير ٢/٣٢٤، والنسائي في الكبرى (١٠٩٩٣)، وابن أبي حاتم واللفظ له -كما في تفسير ابن كثير ٧/٥٩-٦٠-.]]٥٥٧١. (١٢/٥٧١)
٦٦٧٣٢- عن عبد الله بن عباس، قال: كان سليمانُ إذا دخل الخلاءَ أعطى خاتمه أحبَّ نسائه إليه، فإذا هو خرج وقد وُضِع له وضوؤه، فإذا توضأ خرج إليه فلبسه، فدخل يومًا الخلاء، فدفع خاتمه إلى امرأته، فلبث ما شاء الله، وخرج عليها شيطانٌ في صورة سليمان، فدفعت الخاتم إليه، فضاق وفزع به، فنهض به، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكةٌ، فخرج سليمانُ على امرأته، فسألها الخاتم، فقالت: قد دفعتُه إليك. فعلم سليمان أنه قد ابتُلي، فخرج وترك مُلكه، ولزم البحر، فجعل يجوع، فأتى يومًا على صيادين قد صادوا سمكًا بالأمس فنبذوه، وصادوا يومهم سمكًا فهو بين أيديهم، فقام عليهم سليمان فقال: أطعموني بارك الله فيكم؛ فإني ابن سبيل غَرْثان[[الغرثان: الجوعان. اللسان (غرث).]]. فلم يلتفتوا إليه، ثم عاد فقال لهم مثل ذلك، فرفع رجل منهم رأسه إليه، فقال: ائْتِ ذلك السمك، فخُذ منه سمكةً. فأتاه سليمان، فأخذ أدنى سمكة، فلما أخذها إذا فيها ريح، فأتى بها البحر، فغسلها، وشقّ بطنها، فإذا هو بخاتمه، فحمد الله، وأخذه، فتختَّم به، ونطق كلُّ شيء كان حوله مِن جنوده، وفزِع الصيادون لذلك، فقاموا إليه، وحيل بينهم وبينه، ولم يصلوا إليه، وردَّ الله إليه مُلكَه[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٢/٥٨٠)
٦٦٧٣٣- عن سعيد بن المسيب -من طريق علي بن زيد-: أنّ سليمان بن داود احتجب عن الناس ثلاثة أيام، فأوحى الله إليه: أن يا سليمان، احتجبتَ عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي، ولم تنصف مظلومًا من ظالم! وكان مُلكُه في خاتمه، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه، فدخل ذات يوم الخلاء، فوضع خاتمه تحت فراشه، فجاء الشيطان فأخذه، فأقبل الناس على الشيطان، فقال سليمان: يا أيها الناس، أنا سليمان، أنا نبيُّ الله. فدفعوه، فسأل بكفيه أربعين يومًا، فأتى أهلَ سفينة، فأعطوه حُوتًا، فشقَّها، فإذا هو بالخاتم فيها، فتختَّم به، ثم جاء فأخذ بناصيته، فقال عند ذلك: رب هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي. قال: وكان أول مَن أنكره نساؤه؛ فقلن بعضهن لبعض: أتنكرون ما ننكر؟ قلن: نعم. وكان يأتيهن وهن حُيّض= (ز)
٦٦٧٣٤- فقال علي: فذكرت ذلك للحسن فقال: ما كان الله ليسلطه على نسائه[[أخرجه آدم بن أبي إياس -كما في تفسير مجاهد (٥٧٤)-. وعزاه السيوطي إلى الحكيم الترمذي، وعبد بن حميد. وقول الحسن أخرجه عبد الرزاق ٢/١٦٤ من طريق معمر.]]. (١٢/٥٨٠)
٦٦٧٣٥- عن سعيد بن جبير، ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: هو الشيطان؛ دخل سليمان الحمام، فوضع خاتمه عند امرأة مِن أوثق نسائه في نفسه، فأتاها الشيطان، فتمثَّل لها على صورة سليمان، فأخذ الخاتم منها، فلما خرج سليمانُ أتاها، فقال لها: هاتي الخاتم. فقالت: قد دفعتُه إليك. قال: ما فعلتِ. فهرب سليمانُ، وجلس الشيطانُ على مُلكه، وانطلق سليمانُ هاربًا في الأرض يتتبع ورق الشجر خمسين ليلة، فأنكر بنو إسرائيل أمرَ الشيطان، فقال بعضهم لبعض: هل تنكرون من أمر مَلِككم ما ننكر؟ قالوا: نعم. قال: إمّا قد هلكتم أنتم بعامة، وإمّا قد هلك مَلِككم. فقال بعضهم: واللهِ، إنّ عندكم من هذا الخبر؛ نساؤه معكم فاسألوهنَّ، فإن كُنَّ أنكرن ما أنكرنا فقد ابتُلينا. فسألوهن، فقلن: إي، واللهِ، لقد أنكرنا. فلما انقضت مدته انطلق سليمان حتى أتى ساحل البحر، فوجد صيادين يصيدون السمك، فصادوا سمكًا كثيرًا، فأنتَنَ عليهم بعضُه، فألقوه، فأتاهم سليمانُ، فاستطعمهم، فألقوا عليه أنتَنَ تلك الحيتان، قال: لا، بل أطعمِوني مِن هذا. فأبوا. فقال: أطعمِوني، فإني سليمان. فوثب إليه بعضهم بالعصا فضربه غضبًا لسليمان، فأتى إلى تلك الحيتان التي ألقوا، فأخذ منها حوتين، فانطلق بهما إلى البحر، فغسلهما، فشقّ بطن أحدهما، فإذا فيه الخاتم، فأخذه فجعله في يده، فعاد في ملكه، فجاءه الصيادون يسعون إليه، فقال لهم: لقد كنتُ استطعمتكم فلم تطعموني، وضربتموني، فلم ألُمكم إذ أهنتموني، ولم أحمدكم إذا أكرمتموني[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٢/٥٧٨)
٦٦٧٣٦- عن الحسن البصري -من طريق قتادة- قال: إنّ صخرًا أمسك الخاتم أربعين يومًا، فمِن ثَمَّ دانت له الجنُّ والإنسُ، وعطفت عليه الطيرُ والوحشُ، فلمّا أنكر آصفُ وعظماءُ بني إسرائيل حكمَ عدو الله الشيطان في تلك الأربعين يومًا؛ قال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم مِن خلاف حكم ابن داود ما رأيت؟ قالوا: نعم. فعمد عند ذلك صخرٌ فألقى بالخاتم في البحر، فاستقبله جِرِّيٌّ[[الجِرِّي -كَذِمِّي-: نوع من السمك. القاموس (جرى).]]، فابتلع الخاتم، فصار في جوفه مثل الحريق مِن نور الخاتم، فاستقبل جِرِّيُّه الماءَ، فوقع في شباك الصيادين الذين كان سليمان معهم، فلمّا أمسوا قسموا السمك، فأسقطوا الجِرِّيّ فجعلوه لسليمان، فذهب به إلى أهله، فأمرهم أن يصنعوه، فلما شقوا بطنَه أضاء البيتَ نورًا مِن خاتمه، فدعت المرأةُ سليمان، فأرته الخاتم، فتختم به، وخرَّ لله ساجدًا، قال: إلهي، لك الحمد على قديم بلائك، وحسن صنيعك إلى آل داود، إلهي، أنت الذي ابتدأتهم بالنِّعَم، وأورثتهم الكتاب والحكم والنبوة، فلك الحمد، إلهي، تجود بالكثير، وتلطف بالصغير، إلهي، فلك الحمد، نعماؤك ظهرت فلا تخفى، وبطنت فلا تحصى، فلك الحمد، إلهي، تجود بالكثير، وتلطف بالصغير، لم تسلمني بذنوبي فلك الحمد، تغفر الذنوب، وتستجيب الدعاء، فلك الحمد، إلهي، لم تسلمني بجريرتي، فلك الحمد، ولم تخذلني بخطيئتي، فلك الحمد، فتَمِّم -إلهي- نعمتك عليَّ، واغفر لي ما سلف، ﴿وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي﴾. فذلك قوله: ﴿ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب﴾[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/٢٥١.]]. (ز)
٦٦٧٣٧- عن الحسن البصري -من طريق قتادة- قال: وُلِد له ابنٌ به عاهة، قد كسرته الرياح -ولم يقل: شِقُّ إنسان-. قال: فأُعجب به سليمان، ولم يكن له ولد ذكر. قال: فخاف عليه الموت وآفات الأرض، فطلب له الرضاع، فجاءت الإنس، فطلبوا الرضاع، فأبى، وجاءت الجن، فطلبوه، فأبى، وجاءت السحاب فطلبت، فقال: كيف ترضعيه؟ قالت: أحتمله بين السماء والأرض، وأربيه بماء المزن. قال: فدعا الريح، فقال لها: كوني مع السحاب في كفالة هذا الولد. فقالت: أفعلُ. قال: فمهدوا لابن سليمان على السحاب، ثم صار السحاب مِن فوقه كهيئة القبة، وجعل معه وصيفةً تُناغيه، ثم أمر الريحَ أن تحمله، فحملته، فكانت السحاب تنحدر به كل يوم مرتين غدوة وعشية إلى أمه، ترضعه وتغسله وتطيبه، ثم تضعه في السحاب، فتحمله الريحُ بين السماء والأرض، فكانت إذا حنَّت إليه أو أراده سليمان تكلما أو أحدهما، فتحمل الريح كلامهما إلى السحاب، فتنقض السحاب به إليهما حتى ينظرا إليه، ثم يأمر سليمان ﵇ بردِّه إلى موضعه، وإنما فعل ذلك شفقة عليه، قال: فأمر الله ملكَ الموت بقبض روحه، فقبضه، ثم قال للسحاب: أرسليه، فإنك تكفَّلت به وهو حي. فأرسلته، فوقع على كرسيه مَيِّتًا، فذلك قوله ﷿: ﴿ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا﴾[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/٢٤٢.]]. (ز)
٦٦٧٣٨- عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق محمد بن إسحاق- قال: سمع سليمان ﵇ بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يُقال لها: صيدون، بها ملِك عظيم الشأن، لم يكن للناس إليه سبيلًا لمكانه في البحر، وكان اللهُ قد آتى سليمانَ في مُلكه سلطانًا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر، إنما يركب إليه الريح، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريحُ على ظهر الماء، حتى نزل بها بجنوده مِن الجن والإنس، فقَتَل مَلِكَها، واستولى واستفاء وسبى ما فيها، وأصاب فيما أصاب بنتًا لذلك الملك، يقال لها: جرادة، لم يُر مثلها حسنًا وجمالًا، فاصطفاها لنفسه، ودعاها إلى الإسلام، فأسلمت على جفاءٍ منها وقِلَّة فِقْه، وأحبها حبًّا لم يحبه شيئًا مِن نسائه، وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها، فشقَّ ذلك على سليمان، فقال لها: ويحكِ، ما هذا الحزن الذي لا يذهب، والدمع الذي لا يرقأ؟ قالت: إنّ أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه، فيحزنني ذلك. قال سليمان: فقد أبدلك الله به مُلكًا هو أعظم مِن ملكه، وسلطانًا هو أعظم من سلطانه، وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله. قالت: إن ذلك كذلك، ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى مِن الحزن، فلو أنك أمرت الشياطين فصوَّروا صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيًا لَرجوت أن يُذهب ذلك حزني، وأن يُسلِّي عنِّي بعضَ ما أجد في نفسي. فأمر سليمانُ الشياطين، فقال: مثِّلوا لها صورةَ أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئًا. فمثَّلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه، إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه حين صنعوه فأزَّرته وقمَّصته وعمَّمته ورَدَتْه بمثل ثيابه التي كان يلبس، ثم كان إذا خرج سليمان مِن دارها تغدو عليه في ولائدها حتى تسجد له، ويَسْجُدْنَ له كما كانت تصنع به في ملكه، وتروح كل عشية بمثل ذلك، وسليمان لا يعلم بشيء مِن ذلك أربعين صباحًا، وبلغ ذلك آصفَ بن برخيا، وكان صديقًا، وكان لا يُرَدّ عن أبواب سليمان، أي ساعة أراد دخول شيء مِن بيوته دخل، حاضرًا كان سليمان أو غائبًا، فأتاه، فقال: يا نبيَّ، الله كبر سني، ورقَّ عظمي، ونفد عمري، وقد حان مني الذهاب، فقد أحببتُ أن أقوم مقامًا قبل الموت أذكر فيه مَن مضى مِن أنبياء الله وأُثني عليهم بعلمي فيهم، وأُعَلِّمُ الناسَ بعضَ ما كانوا يجهلون مِن كثير من أمورهم. فقال: افعل. فجمع له سليمان الناس، فقام فيهم خطيبًا، فذكر مَن مضى من أنبياء الله تعالى، فأثنى على كل نبيِّ بما فيه، فذكر ما فضَّله الله، حتى انتهى إلى سليمان، فقال: ما أحلمك في صغرك، وأورعك في صغرك، وأفضلك في صغرك، وأحكم أمرك في صغرك، وأبعدك مِن كل ما تكره في صغرك. ثم انصرف، فوجد سليمان ﵇ في نفسه من ذلك حتى ملأه غضبًا، فلما دخل سليمان دارَه أرسل إليه، فقال: يا آصف، ذكرت مِن مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم خيرًا في كل زمانهم، وعلى كل حال مِن أمرهم، فلما ذكرتني جعلت تثني عليّ بخير في صغري، وسكتَّ عما سوى ذلك مِن أمري في كبري! فما الذي أحدثتُ في آخر أمري؟ فقال: إنّ غير الله لَيُعْبَد في دارك منذُ أربعين صباحًا في هوى امرأة. فقال: في داري؟! فقال: في دارك. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد عرفتُ أنّك ما قلتَ الذي قلتَ إلا عن شيء بلغك. ثم رجع سليمان إلى داره، وكسر ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأةَ وولائدها، ثم أمر بثياب الطُّهرة، فأُتِي بها، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها إلا الأبكار، ولا يغسلها إلا الأبكار، لم تمسسها امرأة قد رأت الدم، فلبسها، ثم خرج إلى فلاةٍ مِن الأرض وحده، فأمر برماد ففُرش له، ثم أقبل تائبًا إلى الله ﷿، حتى جلس على ذلك الرماد، وتمعَّك فيه بثيابه تذلُّلًا لله تعالى، وتضرُّعًا إليه يبكي ويدعو، ويستغفر مما كان في داره، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع إلى داره. وكانت له أم ولد يقال لها: الأمينة، كان إذا دخل مذهبَه أو أراد إصابةَ امرأة مِن نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر، وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر، وكان مُلكُه في خاتمه، فوضعه يومًا عندها، ثم دخل مذهبه، فأتاها الشيطان صاحب البحر -واسمه: صخر- على صورة سليمان، لا تُنكِر منه شيئًا، فقال: خاتمي، أمينة. فناولته إياه، فجعله في يده، ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وخرج سليمان فأتى الأمينةَ وقد غُيِّرت حاله وهيئته عند كل من رآه، فقال: يا أمينة، خاتمي. قالت: مَن أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود. قالت: كذبت، فقد جاء سليمانُ فأخذ خاتمه، وهو جالس على سرير ملكه. فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته، فخرج، فجعل يقف على الدار مِن دور بني إسرائيل، فيقول: أنا سليمان بن داود. فيحثون عليه التراب، ويسبُّونه، ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون! أيَّ شيء يقول؟! يزعم أنه سليمان! فلما رأى سليمانُ ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق، فيعطونه كل يوم سمكتين، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة، وشوى الأخرى فأكلها، فمكث بذلك أربعين صباحًا عِدَّة ما كان عُبِد الوثن في داره، فأنكر آصفُ وعظماء بني إسرائيل حكمَ عدوِّ الله الشيطان في تلك الأربعين، فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيت؟ قالوا: نعم. قال: أمهِلوني حتى أدخل على نسائه فأسألهن: فهل أنكرتن منه في خاصة أمره ما أنكرناه في عامة أمر الناس وعلانيته؟ فدخل على نسائه، فقال: ويحكنَّ، هل أنكرتنَّ مِن أمر ابن داود ما أنكرنا؟ فقلن: أشده؛ ما يَدَعُ مِنّا امرأةً في دمها، ولا يغتسل من الجنابة. فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، إنّ هذا لهو البلاء المبين. ثم خرج على بني إسرائيل، فقال: ما في الخاصة أعظم مما في العامة. فلما مضى أربعون صباحًا طار الشيطانُ عن مجلسه، ثم مرَّ بالبحر، فقذف الخاتم فيه، فبلعته سمكة، فأخذها بعض الصيادين، وقد عمل له سليمان صدرَ يومه ذلك، حتى إذا كان العشيُّ أعطاه سمكتيه، وأعطاه السمكةَ التي أخذت الخاتم، فخرج سليمان بسمكتيه، فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة، ثم عمد إلى السمكة الأخرى، فبقرها ليشويها، فاستقبله خاتمه في جوفها، فأخذه، فجعله في يده، ووقع ساجدًا، وعكفت عليه الطير والجن، وأقبل عليه الناس، وعرف الذي كان قد دخل عليه لِما كان قد حدث في داره، فرجع إلى مُلْكِه، وأظهر التوبة مِن ذنبه، وأمر الشياطينَ، فقال: ائتوني بصخر. فطلبته الشياطين حتى أخذته، فأُتي به، وجاؤوا له بصخرة، فنقرها، فأدخله فيها، ثم شدَّ عليه بأخرى، ثم أوثقها بالحديد والرصاص، ثم أمر به فقُذف في البحر[[أخرجه الثعلبي ٨/٢٠١-٢٠٥، والبغوي ٧/٩٠-٩١. كما أخرج نحوه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/٢٤٦-٢٤٧ من طريق عبد المنعم بن إدريس عن أبيه، بسياق أشد نكارة من هذا السياق.]]. (ز)
٦٦٧٣٩- وعن مقاتل بن سليمان، نحو ذلك مختصرًا[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٦٤٦.]]. (ز)
٦٦٧٤٠- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: أُمِر سليمانُ ببناء بيت المقدس، فقيل له: ابْنِه، ولا يُسمَع فيه صوت حديد. فطلب ذلك، فلم يقدر عليه، فقيل له: إنّ شيطانًا يُقال له: صخر، شِبه المارد. فطلبه، وكانت عينٌ في البحر يَرِدها في كل سبعة أيام مرة، فنُزِح ماؤُها، وجُعِل فيها خمرًا، فجاء يومَ وروده فإذا هو بالخمر، فقال: إنّك لَشراب طيِّب، إلا أنكِ تُصْبِين الحليمَ، وتزيدين مِن الجاهل جهلًا. ثم رجع حتى عطش عطشًا شديدًا، ثم أتاها، فشربها حتى غلبت على عقله، فأُتي بالخاتم، فختم بين كتفيه، فذَلَّ، وكان مُلكه في خاتمه، فأُتي به سليمان، فقال: إنّا قد أُمِرنا ببناء هذا البيت، فقيل لنا: لا يُسْمَعَنَّ فيه صوت حديد. فأتى ببيض الهدهد، فجعل عليه زجاجة، فجاء الهدهد فدار حولها، فجعل يرى بيضَه ولا يقدر عليه، فذهب، فجاء بالماس، فوضعها عليه، فقطعها حتى أفضى إلى بيضه، فأخذوا الماس، فجعلوا يقطعون به الحجارة. وكان سليمان ﵇ إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمّام لم يدخل بخاتمه، فانطلق يومًا إلى الحمّام، وذلك الشيطان صخر معه، فدخل الحمّام، وأعطى الشيطانُ خاتمَه، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكة، ونُزِع ملكُ سليمان ﵇ منه، وأُلْقِي على الشيطان شَبَه سليمان، فجاء فقعد على كرسيه، وسُلِّط على مُلك سليمان كله غير نسائه، فجعل يقضي بينهم أربعين يومًا، حتى وجد سليمان ﵇ خاتمه في بطن السمكة، فأقبل، فجعل لا يستقبله جِنِّيٌّ ولا طير إلا سجد له، حتى انتهى إليهم، ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قال: هو الشيطان صخر[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/١٦٤-١٦٥، وفي مصنفه (٩٧٥٣) من طريق معمر، وابن جرير ٢٠/٨٩-٩١ واللفظ له. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٥٧٤)
٦٦٧٤١- عن [سعيد بن أبي سعيد] المَقْبُرِيّ -من طريق أبي معشر-: أنّ سليمان بن داود قال: لَأطوفن الليلةَ بمائة امرأة مِن نسائي، فتأتي كلُّ امرأة منهن بفارسٍ يُجاهد في سبيل الله. ولم يستثنِ، ولو استثنى لكان، فطاف على مائة امرأة، فلم تحمل منهنَّ امرأةٌ إلا امرأةٌ واحدة، حملت شِقَّ إنسان. قال: ولم يكن شيءٌ أحبَّ إلى سليمان مِن تلك الشِّقة. قال: وكان أولادُه يموتون، فجاء ملَك الموت في صورة رجل، فقال له سليمان: إن استطعت أن تُؤَخِّر ابني هذا ثمانية أيام إذا جاء أجله؟ فقال: لا، ولكن أُخبِرُك قبل موته بثلاثة أيام. فجاءه مَلك الموت في ثلاثة أيام، فقال لِمَن عنده مِن الجن: أيكم يَخْبأ لي ابني هذا؟ قال أحدهم: أنا أخْبؤه لك في المشرق. قال: ممن تخبؤه؟ قال: من مَلك الموت. قال: قد نفذ بصره. ثم قال آخر: أنا أخبؤه لك في المغرب. قال: وممن تخبؤه؟ قال: من مَلك الموت. قال: قد نفذ بصره. قال آخر: أنا أخبؤه لك في الأرض السابعة. قال: ممن تخبؤه؟ قال: من مَلك الموت. قال: قد نفذ بصره. قال آخر: أنا أخبؤه لك بين مُزْنتين لا تُريان. قال سليمان: إن كان شيءٌ فهذا. فلما جاء أجَلُه نظر مَلَكُ الموت في الأرض فلم يره في مشرقها، ولا في مغربها، ولا شيء مِن البحار، ورآه بين مُزنتين، فجاءه، فأخذه، فقبض روحَه على كرسيِّ سليمان، فذلك قوله: ﴿ولَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾[[أخرجه ابن سعد في الطبقات ٨/٢٠٣ من طريق محمد بن عمر الواقدي. وأوَّله ثابت في صحيح البخاري (٢٨١٩) وصحيح مسلم (١٦٥٤) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، كما سيأتي قريبًا.]]. (١٢/٥٧٦)
٦٦٧٤٢- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾، قال: الشيطانُ حين جلس على كرسيه أربعين يومًا؛ كان لسليمان ﵇ مائة امرأة، وكانت امرأة منهن يقال لها: جرادة، وهي آثر نسائه عنده وآمَنُهُنَّ، وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه، ولم يأتمن عليه أحدًا من الناس غيرها، فجاءته يومًا من الأيام، فقالت: إنّ أخي بينه وبين فلان خصومة، وأنا أحبُّ أن تقضي له إذا جاءك. فقال: نعم. ولم يفعل، فابتُلي؛ فأعطاها خاتمه، ودخل المخرج، فخرج الشيطان في صورته، فقال: هات الخاتم. فأعطته، فجاء حتى جلس على مجلس سليمان، وخرج سليمانُ بعد، فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت: ألم تأخذه قبلُ؟! قال: لا. قال: وخرج مِن مكانه تائهًا، ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يومًا، فأنكر الناسُ أحكامَه، فاجتمع قُرّاء بني إسرائيل وعلماؤهم، فجاؤوا حتى دخلوا على نسائه، فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا. وأقبلوا يمشون حتى أتوه، فأحدقوا به، ثم نشروا فقرؤوا التوراة، فطار مِن بين أيديهم حتى وقع على شُرْفَةٍ[[الشُّرْفة: ما يُوضَع على أعالي القصور والمدن يُحلّى به، وأيضًا هو بناء خارج من البيت يستشرف منه على ما حوله. اللسان (شرف)، والمعجم الوسيط (الشرفة).]] والخاتم معه، ثم طار حتى ذهب إلى البحر، فوقع الخاتم منه في البحر، فابتلعه حوتٌ مِن حيتان البحر، وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صيّاد مِن صيادي البحر وهو جائع، فاستطعمه من صيدهم، فأعطاه سمكتين، فقام إلى شطِّ البحر، فشقَّ بطونهما، فوجد خاتمه في بطن إحداهما، فأخذه، فلبسه، فردَّ الله عليه بهاءَه وملكَه، فأرسل إلى الشيطان، فجيء به، فأَمر به، فجُعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه، وأقفل عليه بقفل، وخَتم عليه بخاتمه، ثم أمر به فأُلقي في البحر، فهو فيه حتى تقوم الساعة، وكان اسمه: حبقيق[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٩١-٩٢، وفي تاريخه ١/٤٩٩-٥٠١.]]٥٥٧٢. (١٢/٥٨٢)
﴿ثُمَّ أَنَابَ ٣٤﴾ - تتمات للقصة
٦٦٧٤٣- عن عبد الرحمن بن رافع، قال: بلغني: أنّ رسول الله ﷺ حدّث عن فتنة سليمان بن داود، قال: «إنّه كان في قومه رجلٌ كعمر بن الخطاب في أُمَّتي، فلما أنكر حالَ الجانِّ الذي كان مكانه أرسل إلى أفاضل نسائه، فقال: هل تُنكِرْنَ مِن صاحِبِكُنَّ شيئًا؟ فإنا قد أنكرناه. قُلنَ: نعم، كان لا يأتينا حُيَّضًا، وإنّ هذا يأتينا حُيَّضًا. فاشتمل على سيفه، فقعد له في مكان ينتظره ليقتله، فردَّ الله عند ذلك على سليمان مُلكه، فأقبل، فوجده في مكانه ذلك، فأخبره بما يريد»[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد. وقد سبق ذكر قول ابن كثير ١٢/٩٣: «إن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان بل عصمهن الله منه تشريفًا وتكريمًا لنبيه ﷺ». كما سبق في المتن إنكار الحسن البصري تسلط الجني على نساء سليمان، حيث قال: «ما كان الله ليسلطه على نسائه».]]. (١٢/٥٨١)
٦٦٧٤٤- قال يحيى بن سلّام: وفي تفسير مجاهد: إنّ الشيطانَ مُنِع نساءَ سليمان أن يقربهن[[تفسير ابن أبي زمنين ٤/٩١.]]. (ز)
٦٦٧٤٥- قال يحيى بن سلّام: في تفسير الحسن: إن الشيطان قعد على كرسي سليمان -وهو سرير ملكه- لا يأكل ولا يشرب ولا يأمر ولا ينهى، وأذهب الله ذلك مِن أذهان الناس؛ فلا يرون إلا أنّ سليمان في مكانه يصلي بهم، ويقضي بينهم[[تفسير ابن أبي زمنين ٤/٩٠-٩١.]]. (ز)
﴿ثُمَّ أَنَابَ ٣٤﴾ - آثار متعلقة بالقصة
٦٦٧٤٦- عن أبي هريرة، قال رسول الله ﷺ: «قال سليمان: لَأطوفنَّ الليلةَ على تسعين امرأة، كلُهُنَّ تأتي بفارسٍ يُجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبُه: قل: إن شاء الله. فلم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهنَّ جميعًا، فلم يحمل منهنَّ إلا امرأة واحدة، جاءت بشِقِّ رجل، وايم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله؛ لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون»[[أخرجه البخاري ٨/١٣٠-١٣١ (٦٦٣٩)، ومسلم ٣/١٢٧٦ (١٦٥٤)، والثعلبي في تفسيره ٨/٢٠٦-٢٠٧. وعلَّقه البخاري في ٤/٢٢ (٢٨١٩).]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.