الباحث القرآني

﴿وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُۥۤ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ﴾ - تفسير

٦٣٤٣١- قال مقاتل بن سليمان: ثم ذكر الملائكة الذين رَجَوا منافعَهم، فقال -جلَّ وعَزَّ-: ﴿ولا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ﴾ شفاعة الملائكة ﴿عِنْدَهُ﴾ لأحد ﴿إلّا لِمَن أذِنَ لَهُ﴾ أن يشفع مِن أهل التوحيد[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٥٣١-٥٣٢.]]. (ز)

٦٣٤٣٢- قال يحيى بن سلّام: ﴿ولا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ﴾ عند الله ﴿إلّا لِمَن أذِنَ لَهُ﴾ لا يشفع الشافعون إلا للمؤمن، تشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، ليس يعني: أنهم يشفعون للمشركين، فلا يشفعون، وحديث الحسن بن دينار عن الحسن قال: أهل الكبائر لا شفاعة لهم[[أي: لا يشفعون، كما يدل عليه السياق.]]. قال ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ [الأنبياء:٢٨]، وقال ﴿ولا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفاعَةَ إلّا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف:٨٦]، وقلوبهم مخلصة بشهادة لا إله إلا الله، يعلمون أنها الحق، وقال: ﴿فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِين﴾ [المدثر:٤٨]، أي: أنّ الشافعين لا يشفعون لهم، إنما يشفعون للمؤمنين[[تفسير يحيى بن سلام ٢/٧٥٧.]]٥٣٢٦. (ز)

٥٣٢٦ ذكر ابنُ عطية (٧/١٨٣) في قوله: ﴿إلا لمن أذن له﴾ احتمالين، فقال: «واختلف المتأولون في قوله تعالى: ﴿إلّا لِمَن أذِنَ لَهُ﴾؛ فقالت فرقة: معناه: لمن أذن له أن يشفع فيه. وقالت فرقة: معناه: لمن أذن له أن يشفع هو». ثم علّق بقوله: «واللفظ يعمهما؛ لأن الإذن إذا انفرد للشافع فلا شك أن المشفوع فيه معيَّن له، وإذا انفرد للمشفوع فيه فالشافع لا محالة عالم معين لذلك، وانظر أنّ اللام الأولى تشير إلى المشفوع فيه من قوله: ﴿لِمَن﴾، تقول: شفعت لفلان».

﴿حَتَّىٰۤ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ﴾ - قراءات الآية، وتفسيرها

٦٣٤٣٣- عن أبي هريرة، أنّ النبي ﷺ قرأ: (فُرِّغَ عَن قُلُوبِهِمْ)، يعني: بالراء والغين المعجمة[[أخرجه البخاري ٦/٨٠-٨١ (٤٧٠١)، ٩/١٤١ (٧٤٨١) مطولًا. وهي قراءة شاذة، تروى أيضًا عن الحسن. انظر: المحتسب ٢/١٩٢.]]. (١٢/٢١١)

٦٣٤٣٤- عن عبد الله بن مسعود -من طريق مسروق- ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، قال: رُفِّه[[رُفِّه عن قلوبهم: أُرِيحت وأُزِيل عنها الضِيق والتعبُ. النهاية (رفه).]] عن قلوبهم[[أخرجه سفيان الثوري (٢٤٣).]]. (ز)

٦٣٤٣٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، قال: جُلِّي[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٥، وابن أبي حاتم -كما في الإتقان ٢/٣٨-.]]. (١٢/٢٠٥)

٦٣٤٣٦- قال هارون: وحُدِّثت عن أبي موسى، عن نافع، عن ابن عمر: (حَتّى إذا فُرِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ) أي: جُلِّي. قال هارون: قال عمرو [بن عبيد]، عن الحسن: (حَتىَّ إذا فُرِّغَ) لايعجبني[[أخرجه إسحاق البستي ص١٥٦. و(حَتّى إذا فُرِّعَ) قراءة شاذة. انظر: الكشف والبيان ٨/٨٦.]]. (ز)

٦٣٤٣٧- عن عبد الله بن عمر -من طريق نافع- كان يقول: ﴿حتى إذا فزع عن قلوبهم﴾، قال: جُلِّيَ عن قلوب القوم[[أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة ١/٢٣٩.]]. (ز)

٦٣٤٣٨- عن مسروق بن الأجدع الهمداني -من طريق أبي وائل- أنه كان يقرؤها: (حَتىَّ إذا فُزِعَ عَن قُلُوبِهِمْ)[[أخرجه يحيى بن سلام ٢/٧٥٩. وهي قراءة شاذة، تروى أيضًا عن الحسن. انظر: المحتسب ٢/١٩١.]]. (ز)

٦٣٤٣٩- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن السائب-، مثله[[أخرجه يحيى بن سلام ٢/٧٥٩.]]. (ز)

٦٣٤٤٠- عن عبد الله بن شداد بن الهاد -من طريق يزيد بن أبي زياد- في قوله: ﴿حتى إذا فزع عن قلوبهم﴾: ذهب الرَّوْعُ عنهم[[أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة ١/٢٣٩.]]. (ز)

٦٣٤٤١- عن إبراهيم النخعي= (ز)

٦٣٤٤٢- والضحاك، أنهما كانا يقرآن: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾، يقولان: جُلِّي عن قلوبهم[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد. وهي قراءة العشرة.]]. (١٢/٢١٥)

٦٣٤٤٣- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، قال: كُشِف الغطاءُ عنها يوم القيامة[[تفسير مجاهد (٥٥٥)، وأخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٥، ويحيى بن سلام ٢/٧٥٩-٧٦٠ من طريق ابن مجاهد. وعزاه السيوطي إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٢/٢١٥)

٦٣٤٤٤- عن مجاهد -من طريق أبي يحيى القتات- ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، قال: حتى إذا رأوا الحق لم ينفعهم[[أخرجه يحيى بن سلام ٢/٧٦٠.]]. (ز)

٦٣٤٤٥- عن الحسن البصري أنّه كان يقرأ: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، ثم يفسّره: حتى إذا انجلى عن قلوبهم[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٢١٤)

٦٣٤٤٦- عن الحسن البصري أنّه كان يقرأ: ﴿فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، قال: ما فيها مِن الشَّكِّ والتكذيب[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٢/٢١٤)

٦٣٤٤٧- عن الحسن البصري أنه قرأ: (حَتّى إذا فُرِغَ عَن قُلُوبِهِمْ) بالتخفيف، والراء والغين[[عزاه السيوطي إلى ابن الأنباري. وهي قراءة شاذة، تروى أيضًا عن قتادة. انظر: المحتسب ٢/١٩٢.]]. (١٢/٢١٤)

٦٣٤٤٨- عن الحسن البصري -من طريق قرة بن خالد، والحسن بن دينار، ويزيد بن إبراهيم- أنه كان يقرأها: (حَتّى إذا فُرِغَ عَن قُلُوبِهِمْ): إذا تَجَلّى عن قلوبهم، في حديث يزيد بن إبراهيم[[أخرجه يحيى بن سلام ٢/٧٥٩. وأخرج القراءة إسحاق البستي ص١٥٥ من طريق قرة، وضبطها محققه بتشديد الراء (فُرِّغَ).]]٥٣٢٧. (ز)

٥٣٢٧ علّق ابنُ جرير (١٩/٢٨٢) على قراءة الحسن: «وروي عن الحسن أنه قرأ ذلك: (حَتّى إذا فُرِغَ عَن قُلُوبِهِمْ) بالراء والغين على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد، وقد يحتمل توجيه معنى قراءة الحسن ذلك كذلك إلى: حتى إذا فرغ عن قلوبهم فصارت فارغة من الفزع الذي كان حلَّ بها». وذكر ابنُ عطية (٧/١٨٤) عن الحسن في هذه القراءة عدة أوجه، فقال: «وقرأ الحسن البصري بخلاف (فُزِعَ) بضم الفاء وكسر الزاي وتخفيفها، كأنه بمعنى: أقلع، ومن قال بأنها في العالم أجمعه قال: معنى هذه القراءة: فزع الشيطان عن قلوبهم، أي: بادر. وقرأ أيوب عن الحسن أيضًا (فُرِّغَ) بالفاء المضمومة والراء المشددة غير منقوطة والغين المنقوطة من التفريغ، قال أبو حاتم: رواها عن الحسن نحو من عشرة أنفس، وهي قراءة أبي مجلز. وقرأ مطر الوراق عن الحسن: (فُزِعَ) على بناء الفعل للفاعل، وهي قراءة مجاهد، وقرأ الحسن أيضًا (فَرَغَ) بالراء غير منقوطة مخففة من الفراغ، قال أبو حاتم: وما أظن الثقات رووها عن الحسن على وجوه إلا لصعوبة المعنى عليه؛ فاختلفت ألفاظه فيها». وعلّق عليها ابنُ كثير (١١/٢٨٢) على قراءة الحسن المذكورة، فقال: «وقرأ بعض السلف -وجاء مرفوعًا-: (حَتّى إذا فُرِّغَ) بالغين المعجمة، ويرجع إلى الأول [يعني: قراءة: فُزِّع]».

٦٣٤٤٩- عن محمد بن سيرين، أنّه سُئِل: كيف تُقرأ هذه الآية: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾ أو: (فُرِّغَ عَن قُلُوبِهِمْ)؟ قال: ﴿إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾. قال: إنّ الحسن يقول برأيه أشياء أهاب أن أقولها[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٢/٢١٥)

٦٣٤٥٠- عن قتادة بن دعامة، أنّه قرأ: (حَتّى إذا فَزَّعَ عَن قُلُوبِهِمْ)[[عزاه السيوطي إلى ابن الأنباري. وهي قراءة شاذة، تروى أيضًا عن الحسن، وأبي المتوكل، ومجاهد. انظر: البحر المحيط ٧/٢٦٦.]]٥٣٢٨. (١٢/٢١٤)

٥٣٢٨ ذكر ابنُ جرير (١٩/٢٨٢) نحو هذه القراءة عن مجاهد، وعلّق عليها، فقال: «ذكر عن مجاهد أنه قرأ ذلك: ﴿فَزَّع﴾ بمعنى: كشف الله الفزع عنها». وعلّق عليها ابنُ عطية (٧/٤١٩)، فقال: «ومن قرأ على بناء الفعل للفاعل فقوله: ﴿عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ في موضع نصب».

٦٣٤٥١- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر-= (ز)

٦٣٤٥٢- ومحمد بن السائب الكلبي -من طريق معمر- في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، يقول: حتى إذا جُلّي عن قلوبهم[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٣٠-١٣١ بنحوه، وابن جرير ١٩/٢٧٥، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٦/٥٠٤- عن قتادة وحده. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٢/٢١٣)

٦٣٤٥٣- عن عاصم أنه قرأ: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾ بالعين مثقلة الزاي[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]٥٣٢٩. (١٢/٢١٦)

٥٣٢٩ علّق ابنُ عطية (٧/١٨٤) على هذه القراءة، فقال: «ومَن قرأ شيئًا من هذا على بناء الفعل للمفعول فقوله ﷿: ﴿عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ في موضع رفع».

٦٣٤٥٤- عن أبي رجاء أنه كان يقرأ: ﴿فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]٥٣٣٠. (١٢/٢١٦)

٥٣٣٠ رجّح ابنُ جرير (١٩/٢٨٣) هذه القراءة مستندًا إلى السنة، وإجماع الحجة مِن القراء وأهل التأويل عليها، فقال: «والصواب من القراءة في ذلك القراءة بالزاي والعين؛ لإجماع الحجة من القراء وأهل التأويل عليها، ولصحة الخبر الذي ذكرناه عن رسول الله ﷺ بتأييدها، والدلالة على صحتها».

٦٣٤٥٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ تَجَلّى الفزعُ عن قلوبهم[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٥٣١-٥٣٢.]]. (ز)

﴿حَتَّىٰۤ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُوا۟ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُوا۟ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡكَبِیرُ ۝٢٣﴾ - تفسير

٦٣٤٥٦- عن عائشة، قالت: قال رسول الله ﷺ: «رأيتُ جبريل ﵇، وزعم أنّ إسرافيل يحمل العرش، وأنّ قدمه في الأرض السابعة، والألواح بين عينيه، فإذا أراد ذو العرش أمرًا سَمِعَتِ الملائكةُ كجرِّ السِّلسلة على الصَّفا، فيُغشى عليهم، فإذا قاموا قالوا: ماذا قال ربكم؟ قال مَن شاء الله: الحقّ، وهو العلي الكبير»[[عزاه السيوطي إلى أبي نصر السجزي في الإبانة.]]. (١٢/٢١٢)

٦٣٤٥٧- عن عبد الله بن عباس، قال: أخبَرني رجلٌ مِن أصحاب النبي ﷺ من الأنصار: أنّهم بينما هم جلوسٌ ليلةً مع رسول الله ﷺ رُمِي بنجم، فاستنار، فقال لهم رسول الله ﷺ: «ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رُمِي بمثل هذا؟». قالوا: الله ورسوله أعلم، كُنّا نقول: وُلد الليلةَ رجلٌ عظيم، ومات رجلٌ عظيم. فقال رسول الله ﷺ: «فإنّها لا يُرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا -تبارك وتعالى اسمه- إذا قضى أمرًا سبَّح حملة العرش، ثم سبَّح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ﴿ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾؟ فيخبرونهم ماذا قال». قال: «فيستخبر بعض أهل السماوات بعضًا، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع، فيقذفون إلى أوليائهم، ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو حقٌّ، ولكنهم يقرفون[[جاء في رواية أخرى: يقذفون، وهو بمعناه، أي: يخلطون فيه الكذب. حاشية الحديث في صحيح مسلم ٤/١٧٥٠ (٢٢٢٩).]] فيه ويزيدون»[[أخرجه مسلم ٤/١٧٥٠ (٢٢٢٩)، من طريق صالح، عن الزهري عن علي بن حسين. وأخرج نحوه عبد الرزاق في تفسيره ٣/ ٣٥٢ (٣٣٤٩) من طريق معمر عن الزهري، وكذلك أحمد ٣/٣٧٢ (١٨٨٢)، والترمذي (٣٢٢٤)، والنسائي في الكبرى (١١٢٧٢). وفي آخره: قال معمر: قلت للزهري: أكان يُرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم. قال: أرأيت: ﴿وأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهابًا رَصَدًا﴾؟ [الجن:٩] قال: غُلِّظت وشُدِّد أمرها حين بُعث رسول الله ﷺ.]]. (١٢/٢٠٧)

٦٣٤٥٨- عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: «إذا قضى اللهُ الأمرَ في السماء ضربتِ الملائكة بأجنحتها خُضْعانًا لقوله، كأنّه سِلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال الحق، وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر -ووصف سفيان بيده، وفرّج بين أصابعه، نصبها بعضها فوق بعض- فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى مَن تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يُلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذِب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيُصدَّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء»[[أخرجه البخاري ٦/٨٠-٨١ (٤٧٠١)، ٦/١٢٢ (٤٨٠٠)، ٩/١٤١ (٧٤٨١).]]. (١٢/٢٠٨)

٦٣٤٥٩- عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا تكلّم الله بالوحي سمع أهلُ السماء الدنيا صلصلةً كجرِّ السلسلة على الصفا، فيَصْعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فُزِّع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل، ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق. فيقولون: الحق الحق»[[أخرجه أبو داود ٧/١١٧-١١٨ (٤٧٣٨)، وابن حبان ١/٢٢٤ (٣٧). قال الخطيب في تاريخه ١٣/٣٢٨: «رواه ابن إشكاب، عن أبي معاوية مرفوعًا، وتابعه على رفعه أحمد بن أبي سريج الرازي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وعلي بن مسلم الطوسي، جميعًا عن أبي معاوية، وهو غريب. ورواه أصحاب أبي معاوية عنه موقوفًا، وهو المحفوظ من حديثه». وقال الألباني في الصحيحة ٣/٢٨٢-٢٨٣ (١٢٩٣): «رواه أبو داود ... بإسناد صحيح، على شرط الشيخين».]]. (١٢/٢١١)

٦٣٤٦٠- عن النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أراد اللهُ أن يوحي بأمر تكلّم بالوحي، فإذا تكلّم بالوحي أخذت السماوات رجفةٌ شديدة مِن خوف الله، فإذا سمع بذلك أهلُ السموات صَعقوا، وخرّوا سُجّدًا، فيكون أول مَن يرفع رأسه جبريل، فيكلّمه الله مِن وحيه بما أراد، فيمضي به جبريلُ على الملائكة، كلمّا مرَّ بسماء سماء سأله ملائكتُها: ماذا قال ربُّنا، يا جبريل؟ فيقول: قال الحق، وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله مِن السماء والأرض»[[أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ١/٣٤٨-٣٤٩، والطبراني في مسند الشاميين ١/٣٣٦ (٥٩١)، وابن جرير ١٩/٢٧٨، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٦/٥١٦-. قال الهيثمي في المجمع ٧/٩٥ (١١٢٨٨): «رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح، وقد وثق، وتكلم فيه من لم يسم بغير قادح معين، وبقية رجاله ثقات».]]. (١٢/٢٠٩)

٦٣٤٦١- عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدِّه، أنّ رسول الله ﷺ قال: «لَمّا نزل جبريلُ بالوحي على رسول الله فزع أهل السماوات لانحطاطه، وسمعوا صوتَ الوحي كأشد ما يكون مِن صوت الحديد على الصفا، فكلمّا مرَّ بأهل سماء فُزِّع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل، بمَ أمرت؟ فيقول: نور العزة العظيم؛ كلام الله بلسان عربي»[[أخرجه ابن مردويه -كما في فتح الباري ١٣/٤٥٩-.]]. (١٢/٢١٢)

٦٣٤٦٢- عن عبد الله بن مسعود -من طريق الضحاك- ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾، قال: إنّ الملائكة المُعقِّبات -الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم- إذا أرسلهم الربُّ -تبارك وتعالى- فانحدروا سُمِع لهم صوتٌ شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنّه مِن أمر الساعة، فيخرّون سجدًا، وهكذا كُلَّما مرّوا عليهم؛ فيفعلون ذلك من خوف ربهم -تبارك وتعالى-[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٨١ بنحوه. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٢/٢١٣)

٦٣٤٦٣- عن عبد الله بن مسعود -من طريق إبراهيم- قال: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾، إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلْصلة كجرِّ السلسلة على الصفوان، فيصْعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا أتاهم جبريل فُزِّع عن قلوبهم، قالوا: يا جبريل، ماذا قال ربنا؟ فيقول: الحق. فينادون: الحق الحق[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٧ بنحوه، وأبو الشيخ في العظمة (١٤٦)، وابن مردويه -كما في فتح الباري ٨/٥٣٨-، والبيهقي (٤٣٢). وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٢١١)

٦٣٤٦٤- عن عبد الله [بن مسعود] -من طريق مسروق-، نحوه[[تفسير مجاهد (٥٥٥)، وتفسير الثوري (٢٤٣)، وأخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٧.]]. (ز)

٦٣٤٦٥- عن عبد الله بن مسعود -من طريق الشعبي- قال في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، قال: إذا حدث أمرٌ عند ذي العرش سَمِع مَن دونه مِن الملائكة صوتًا كجرِّ السلسلة على الصفا، فيُغشى عليهم، فإذا ذهب الفزع عن قلوبهم تنادوا: ﴿ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾. قال: فيقول مَن شاء: ﴿قال الحق، وهو العلي الكبير﴾[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٦.]]. (ز)

٦٣٤٦٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- قال: لَمّا أوحى الجبّارُ إلى محمد ﷺ دعا الرسولَ مِن الملائكة ليبعثه بالوحي، فسمعتِ الملائكةُ صوت الجبار يتكلم بالوحي، فلما كُشف عن قلوبهم سألوا عمّا قال الله، فقالوا: الحق. وعلموا أنّ الله لا يقول إلا حقًّا. قال ابن عباس: وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا. فلما سَمِعُوا خرُّوا سُجَّدًا، فلما رفعوا رؤوسهم ﴿قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٩ بنحوه. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.]]. (١٢/٢٠٦)

٦٣٤٦٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق الضحاك- يقول في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ الآية: إنّ الله لَمّا أراد أن يوحي إلى محمد دعا جبريل، فلمّا تكلم ربُّنا بالوحي كان صوته كصوت الحديد على الصفا، فلما سمع أهل السموات صوت الحديد خرُّوا سجدًا، فلما أتى عليهم جبرائيل بالرسالة رفعوا رءوسهم، فقالوا: ﴿ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾. وهذا قول الملائكة[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٩.]]. (ز)

٦٣٤٦٨- عن عبد الله بن عباس، قال: كان إذا نزل الوحي كان صوته كوقْع الحديد على الصفوان، فيصْعق أهل السماء، ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾؟ قالت الرسل: ﴿الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٢/٢٠٦)

٦٣٤٦٩- عن عبد الله بن عباس، قال: ينزل الأمرُ إلى السماء الدنيا له وقْعٌ كوقعة السلسلة على الصخرة، فيَفْزع له جميعُ أهل السماوات، فيقولون: ﴿ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾؟ ثم يرجعون إلى أنفسهم فيقولون: ﴿الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٢/٢٠٦)

٦٣٤٧٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- في قوله ﷿: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، قال: كان لكلِّ قَبيلٍ مِن الجن مقعد مِن السماء يستمعون منه الوحي، وكان إذا نزل الوحيُ سُمِع له صوت كإمرار السلسلة على الصفوان، فلا ينزل على أهل سماء إلا صَعقوا، ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ وإن كان مما يكون في الأرض من أمر غيبٍ أو موت أو شيء مما يكون في الأرض تكلّموا به، فقالوا: يكون كذا، وكذا. فسمعته الشياطين، فنزلوا به على أوليائهم، يقولون: يكون العام كذا، ويكون كذا. فيسمعه الجن، فيخبرون الكهنة به، والكهنة تخبر به الناس: يكون كذا وكذا. فيجدونه كذلك، فلما بعث الله محمدًا ﷺ دُحِروا بالنجوم، فقالت العرب حين لم يخبرهم الجن بذلك: هلك مَن في السماء. فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرًا، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة، وصاحب الغنم شاة، حتى أسرعوا في أموالهم، فقالت ثقيف -وكانت أعقل العرب-: أيها الناس، أمسِكوا عليكم أموالكم؛ فإنه لم يمت مَن في السماء، وإنّ هذا ليس بانتشار، ألستم ترون معالمكم مِن النجوم كما هي، والشمس والقمر والليل والنهار؟! قال: فقال إبليس: لقد حدث اليومَ في الأرض حدث، فائتوني مِن تربة كل أرض. فأَتَوه بها، فجعل يشمها، فلما شمَّ تربة مكة قال: مِن هاهنا جاء الحدث. فنقبوا، فإذا رسول الله ﷺ قد بُعِث[[أخرجه آدم بن أبي إياس -كما في تفسير مجاهد (٥٥٤)-، وابن أبي شيبة ١٤/٢٨٨، وابن أبي حاتم، وابن مردويه -كلاهما كما في فتح الباري ٨/٥٣٨، ١٣/٤٥٩-، وأبو نعيم (١٧٧)، والبيهقي في الدلائل ٢/٢٤٠-٢٤١.]]. (١٢/٢٠٩)

٦٣٤٧١- عن كعب -من طريق أبي الضيف- قال: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾، إن أقرب الملائكة إلى الله إسرافيل، فإذا أراد اللهُ أمرًا أن يوحيه جاء اللوح حتى يصفِّق جبهته، فيرفع رأسه، فينظر فإذا الأمر مكتوب، فينادي جبريل، فيلبِّيه، فيقول: أُمرتُ بكذا، أُمرتُ بكذا. فلا يهبط جبريل من سماء إلى سماء إلا فزع أهلها مخافة الساعة، حتى يقول جبريل: الحق من عند الحق. فيهبط على النبي ﵇، فيوحي إليه[[أخرجه يحيى بن سلام ٢/٧٥٩.]]. (ز)

٦٣٤٧٢- عن مسروق بن الأجدع الهمداني -من طريق أبي الضحى- قال: إذا تكلم اللهُ بالوحي سمع أهلُ السماوات صلصلةً كصلصة الحديد على الصفوان، فيفزعون، فيخرّون سُجّدًا، ويظنون أنه من أمر الساعة، فإذا رُفِّه عن قلوبهم نادوا: ﴿ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾[[أخرجه سفيان الثوري (٢٤٣).]]. (ز)

٦٣٤٧٣- عن مسروق بن الأجدع الهمداني -من طريق عامر- قال: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾: إذا حدث عند ذي العرش أمر سمعتِ الملائكة له صوتًا كجرِّ السلسلة على الصفا، قال: فيُغشى عليهم، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قال: فيقول من شاء الله: ﴿الحق، وهو العلي الكبير﴾[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٦.]]. (ز)

٦٣٤٧٤- عن عبد الله بن شداد بن الهاد -من طريق يزيد بن أبي زياد- في قوله: ﴿حتى إذا فزع عن قلوبهم﴾ قال: إذا قضى الله في السماوات أمرًا كان وقْعُه كالحديد على الصفوان، فلا يبقى مَلَكٌ إلا خرَّ ساجدًا، ﴿حتى إذا فزع عن قلوبهم﴾ ذهب الروع عنهم، قال: ﴿ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير﴾ قضى كذا وكذا. فيأخذها الشيطان، وهي صِدْقٌ، فينزل بها إلى الأرض، فينزل معه سبعين كذبة، قال: فهي صدق، والسبعون كذب[[أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة ١/٢٣٩.]]. (ز)

٦٣٤٧٥- عن سعيد [بن جبير] -من طريق جعفر- قال: ينزل الأمرُ مِن عند رب العزة إلى السماء الدنيا، فيسمعون مثل وقع الحديد على الصفا، فيفزع أهل السماء الدنيا، حتى يستبين لهم الأمر الذي نزل فيه، فيقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربُّكم؟ فيقولون: قال الحق، وهو العلي الكبير. فذلك قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ الآية[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٦.]]. (ز)

٦٣٤٧٦- عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: إذا قضى اللهُ -تبارك وتعالى- أمرًا رجفت السموات والأرض والجبال، وخرّت الملائكة كلهم سجدًا، حسبت الجنُّ أنّ أمرًا يُقضى، فاسْتَرَقَت، فلما قُضي الأمر رفعتِ الملائكة رؤوسهم؛ وهي هذه الآية: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾؟ قالوا جميعًا: ﴿الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٢/٢١٣)

٦٣٤٧٧- عن عبد الله بن القاسم -من طريق قرة- في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ الآية، قال: الوحي ينزل من السماء، فإذا قضاه، ﴿قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٧٩، وإسحاق البستي ص١٥٥.]]. (ز)

٦٣٤٧٨- عن عبد الله بن القاسم -من طريق قرة بن خالد- أنّه كان يقرؤها: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾: إن أهل السموات لم يسمعوا الوحي فيما بين عيسى إلى أن بعث الله محمدًا، فلما بعث الله جبريل بالوحي إلى محمد سمع أهل السموات صوتَ الوحي مثل جرِّ السلاسل على الصخور أو الصفا، فصعق أهل السموات مخافة أن تكون الساعة، فلمّا فرغ من الوحي وانحدر جبريل جعل كلما مرَّ بأهل سماء فُزِّع عن قلوبهم، فسأل بعضهم بعضًا، فسأل أهل كل سماء الذي فوقهم إذا جُلِّي عن قلوبهم: ﴿ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾. فيقولون: ﴿الحَقَّ﴾ أي: هو الحق[[أخرجه يحيى بن سلام ٢/٧٥٨.]]. (ز)

٦٣٤٧٩- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾، قال: يوحي الله إلى جبريل، فتفزع الملائكةُ مخافةَ أن يكون بشيء من أمر الساعة، فإذا جُلّي عن قلوبهم وعلموا أنّ ذلك ليس من أمر الساعة قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٨٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٢/٢١٢)

٦٣٤٨٠- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر-= (ز)

٦٣٤٨١- ومحمد بن السائب الكلبي -من طريق معمر- في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ قالا: لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد ﷺ، فنزل الوحي مثل صوت الحديد، فأفزع الملائكة ذلك ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ يقول: حتى إذا جُلّي عن قلوبهم، ﴿قالوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٣٠-١٣١ بنحوه، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٦/٥٠٤- عن قتادة وحده. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر. وورد أثر الكلبي في تفسير الثعلبي ٨/٨٧-٨٨، وتفسير البغوي ٦/٣٩٨ مطولًا كما في أثر السدي التالي.]]. (١٢/٢١٣)

٦٣٤٨٢- قال إسماعيل السُّدِّيّ: كانت الفترة بين عيسى ومحمد ﵉ خمسمائة وخمسين سنة، وقيل: ستمائة سنة، لم تسمع الملائكة فيها وحيًا، فلمّا بعث اللهُ محمدًا ﷺ بالرسالة فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة؛ لأنّ محمدًا ﷺ عند أهل السموات من أشراط الساعة، فصعقوا مما سمعوا خوفًا من قيام الساعة، فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء، فيكشف عنهم، فيرفعون رؤوسهم، ويقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ قالوا: قال الحق -يعني: الوحي-، وهو العلي الكبير[[تفسير البغوي ٦/٣٩٨.]]. (ز)

٦٣٤٨٣- عن زيد بن أسلم، في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ قال: فُزِّع الشيطان عن قلوبهم، ففارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم، ﴿قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ قال: وهذا في بني آدم، هذا عند الموت، أقرُّوا حين لا ينفعهم الإقرار[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٢/٢١٥)

٦٣٤٨٤- عن سليمان التيمي -من طريق محمد بن معبد- قال: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾، يسمعون مثل جرِّ السلاسل على الصخور أو الصفا[[علقه يحيى بن سلام ٢/٧٥٩.]]. (ز)

٦٣٤٨٥- قال مقاتل بن سليمان: ثم أخبر عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خرُّوا سجدًا من مخافة الساعة، فكيف يَعبدون مَن هذه منزلته؟! فهلّا يعبدون من تخافه الملائكة! ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ وذلك أن أهل السموات من الملائكة لم يكونوا سمعوا صوت الوحي ما بين زمن عيسى ومحمد ﷺ، وكان بينهما قريب مِن ستمائة عام، فلما نزل الوحي على محمد ﷺ سمعوا صوت الوحي كوقع الحديد على الصفا، فخرُّوا سجدًا مخافة القيامة، إذ هبط جبريل على أهل كل سماء فأخبرهم أنّه الوحي، ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ تجلى الفزع عن قلوبهم؛ قاموا من السجود، قالوا: فتسأل الملائكة بعضها بعضًا: ماذا قال جبريل عن ربكم؟ ﴿قالُوا الحَقَّ﴾ يعني: الوحي، ﴿وهُوَ العَلِيُّ﴾ الرفيع، ﴿الكَبِيرُ﴾ العظيم، فلا أعظم منه[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٥٣١-٥٣٢.]]. (ز)

٦٣٤٨٦- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ قال: فُزِّع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم، وما كان يضلهم ﴿قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ قال: وهذا في بني آدم، وهذا عند الموت، أقرُّوا به حين لم ينفعهم الإقرار[[أخرجه ابن جرير ١٩/٢٨١.]]. (ز)

٦٣٤٨٧- قال يحيى بن سلّام: ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّ وهُوَ العَلِي﴾ لا أعلى منه، ﴿الكَبِيرُ﴾ لا أكبر منه[[تفسير يحيى بن سلام ٢/٧٥٧.]]٥٣٣١. (ز)

٥٣٣١ اختلف السلف فيمن عنى الله بقوله: ﴿حتى إذا فزع عن قلوبهم﴾، وفي السبب الذي من أجله فُزِّع عن قلوبهم؛ على أقوال: الأول: أن الذي فُزِّع عن قلوبهم الملائكة، قالوا: وإنما يفزع عن قلوبهم مِن غشية تصيبهم عند سماعهم الله بالوحي. الثاني: أن الموصوفين بذلك الملائكة، إنما يفزع عن قلوبهم فزعهم مِن قضاء الله الذي يقضيه حذرًا أن يكون ذلك قيام الساعة. الثالث: أن ذلك من فعل ملائكة السموات إذا مرت بها المعقبات؛ فزعًا أن يكون حدث أمر الساعة. الرابع: أن الموصوفين بذلك المشركون، قالوا: وإنما يفزع الشيطان عن قلوبهم، قال: وإنما يقولون: ماذا قال ربكم؟ عند نزول المنية بهم. وقد رجّح ابنُ جرير (١٩/٢٨١) مستندًا إلى السنة القول الأول، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بظاهر التنزيل القولُ الذي ذكره الشعبي عن ابن مسعود؛ لصحة الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس عن رسول الله ﷺ بتأييده». وبنحوه ابنُ تيمية (٥/٢٨٨-٢٩٧)، وابنُ كثير (١١/٢٨٣-٢٨٥)، وكذا ابنُ عطية (٧/١٨٣) مستندًا إلى السياق حيث قال: «وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى». وذكر ابنُ عطية في الآية قولًا خامسًا أنها في جميع العالم، ثم انتقده وقولَ مَن جعلها في المشركين بقوله: «ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله: ﴿الذين زعمتم﴾ لم تتصل له هذه الآية بما قبلها، فلذلك اضطرب المفسرون في تفسيرها». ثم قال منتقدًا هذين التأويلين: «وهذان بعيدان».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب