الباحث القرآني
﴿الۤمۤ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢﴾ - قراءات
٦٠٣٢٣- عن عبد الرَّحمن بن غنم، أنّه سأل معاذًا عن قول الله: ﴿الم *غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ أو (غَلَبَتِ)؟ فقال: أقرأني رسول الله ﷺ: ﴿الم *غُلِبَتِ الرُّومُ﴾[[أخرجه الحاكم ٢/٢٧٠ (٢٩٧٣). قال الحاكم: «لم نكتب الحديثين إلا بهذا الإسناد، إلا أن محمد بن سعيد الشامي ليس من شرط الكتاب». وقال الذهبي في التلخيص: «محمد بن سعيد هو المصلوب، هالك، وبكر بن خنيس متروك». و﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ بضم الغين قراءة العشرة، وأما (غَلَبَتِ) بفتح الغين فهي قراءة شاذة، تروى عن النبي ﷺ، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر. انظر: مختصر ابن خالويه ص١١٧.]]. (١١/٥٨٢)
٦٠٣٢٤- عن أبي الدَّرْداء -من طريق مرثد بن سُمَيّ الخولاني- قال: سيجيء أقوام يقرءون: (غَلَبَتِ الرُّومُ)، وإنما هي: ﴿غُلِبَتِ﴾[[أخرجه الحاكم ٢/٤١٠.]]. (١١/٥٨٢)
٦٠٣٢٥- عن أبي سعيد الخدري -من طريق عطية- أنه قرأ: (غَلَبَتِ)[[أخرجه الترمذي (٢٩٣٥، ٣١٩٢)، وابن جرير ١٨/٤٥٧-٤٥٨، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٦/٣١٠-. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن مردويه.]]. (١١/٥٧٩)
٦٠٣٢٦- عن عبد الله بن عمر -من طريق سليط- أنه كان يقرأ: (الم * غَلَبَتِ الرُّومُ). قيل له: يا أبا عبد الرحمن، على أيِّ شيء غَلَبُوا؟ قال: على ريف الشّام[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٤٦.]]٥٠٨١. (١١/٥٨٤)
﴿الۤمۤ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢﴾ - نزول الآية
٦٠٣٢٧- عن عبد الله بن عباس: أنّ رسول الله ﷺ قال لأبي بكر لَمّا نزلت: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾: «ألا تَغْلِبُ[[ألا تغلب: يعني: ألا إن الروم ستغلب. والحديث مختصر، ويوضح معناه الحديث الذي يليه.]]. البضع دون العشر»[[أخرجه البخاري في تاريخه ٢/٣٢٢ (٢٦٢٠) في ترجمة: حبيب بن أبي عمرة القصاب، من طريق محمد بن سعيد أبي سعيد التغلبي، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان بن سعيد، عن حبيب بن أبى عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. إسناده ضعيف؛ فيه أبو سعيد محمد بن سعيد [وقيل: ابن أسعد] التغلبي، قال أبو زرعة: «منكر الحديث». كما في لسان الميزان لابن حجر ٩/٤٠٢.]]. (١١/٥٧٨)
٦٠٣٢٨- عن عبد الله بن مسعود -من طريق عامر الشعبي- قال: كان فارس ظاهرًا على الروم، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم، فلما نزلت: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأَرْضِ وهُمْ مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * في بِضْعِ سِنِينَ﴾ قالوا: يا أبا بكر، إنّ صاحبك يقول: إنّ الروم تظهر على فارس في بضع سنين. قال: صدق. قالوا: هل لك إلى أن نُقامِرَك؟ فبايعوه على أربعة قلائص[[القلائص: جمع القلوص، وهي من الإبل الشابة. التاج (قلص).]] إلى سبع سنين، فمضى السبع سنين ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك، وشقَّ على المسلمين، وذُكر ذلك للنبي ﷺ، فقال: «ما بضع سنين عندكم؟». قالوا: دون العشر. قال: «اذهب، فزايدهم، وازْدَد سنتين في الأجل» قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الرُّكبان بظهور الروم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك، وأنزل الله: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ إلى قوله: ﴿وعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وعْدَهُ﴾[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٥٥-٤٥٦ من طريق سفيان بن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن ابن مسعود به. إسناده ضعيف؛ فيه سفيان بن وكيع، قال عنه ابن حجر في التقريب (٢٤٥٦): «كان صدوقًا، إلا أنّه ابتُلِي بوَرّاقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنُصِح، فلم يقبل، فسقط حديثه». والشعبي لم يسمع من ابن مسعود؛ فروايته عنه مرسلة، كما في جامع التحصيل للعلائي ص٢٠٤.]]. (١١/٥٧٥)
٦٠٣٢٩- عن البراء بن عازب -من طريق أبي إسحاق- قال: لَمّا أُنزلت: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبُك؛ يزعم أنّ الروم تغلب فارس؟! قال: صدق صاحبي. قالوا: هل لك أن نُخاطِرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلًا. فحلّ الأجلُ قبل أن يبلغ الرومُ فارسَ، فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فساءَه وكرهه، وقال لأبي بكر: «ما دعاك إلى هذا؟». قال: تصديقًا لله ورسوله. فقال: «تعرَّضْ لهم، وأعظِمِ الخَطَر[[الخطر: الرهن وما يُخاطر عليه. النهاية ٢/٤٦.]]، واجعله إلى بضع سنين». فأتاهم أبو بكر، فقال: هل لكم في العَوْد، فإنّ العَوْد أحْمَدُ؟ قالوا: نعم. ثم لم تمض تلك السنون حتى غلبت الرومُ فارسَ، وربطوا خيولهم بالمدائن[[المدائن: مدينة كسرى قرب بغداد، سُميت بذلك لكبرها. القاموس المحيط (مدن).]]، وبَنَوا الرومية[[الرُّومِيَّة: مدينة تقع شمالي وغربي القسطنطينية، وهي مدينة رياسة الروم وعلمهم. انظر: معجم البلدان ٣/١٠٠.]]، فقَمَر أبو بكر، فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «هذا السُّحْتُ، تَصَدَّق به»[[أخرجه أبو يعلى -كما في المطالب العالية ١٥/١٠٤-١٠٥ (٣٦٨٠)-، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه ١/٣٧٣، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٦/٢٩٨-٢٩٩- من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء به. في إسناده ضعف؛ فيه مؤمل بن إسماعيل، قال عنه ابن حجر في التقريب (٧٠٢٩): «صدوق سيء الحفظ».]]. (١١/٥٧٦)
٦٠٣٣٠- عن أبي سعيد الخدري -من طريق عطية- قال: لَمّا كان يوم بدر ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فَنزلت: ﴿الم *غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ إلى قوله: ﴿يفرح المُؤْمِنُونَ * بنصر الله﴾. قال: ففرح المؤمنون بظهور الرّوم على فارس. قال التِّرمذيّ: هكذا قرأ: (غَلَبَت)[[أخرجه الترمذي ٥/١٩٦ (٣١٦٣)، ٥/٤١١ (٣٤٦٨)، وابن جرير ١٨/٤٥٧-٤٥٨. قال الترمذي: «حديث حسن غريب من هذا الوجه».]]. (١١/٥٧٩)
٦٠٣٣١- عن نيار بن مكرم الأسلمِيّ -من طريق عروة بن الزبير- قال: لما نزلت: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين الروم، وكان المسلمون يُحِبُّون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإيّاهم أهل كتاب، وفي ذلك يقول الله: ﴿ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ﴾، وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا أهل كتاب ولا إيمان ببعْث. فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأَرْضِ وهُمْ مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * في بِضْعِ سِنِينَ﴾. فقال ناس من قريش لأبي بكر: ذاك بيننا وبينكم، يزعم صاحبُك أنّ الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نُراهِنك على ذلك! قال: بلى. وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: لِمَ تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين؟ فسمِّ بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه. قال: فسَمَّوا بينهم سِتَّ سنين، فمضت الست قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين، قال: لأنّ الله قال: ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾. فأسلم عند ذلك ناسٌ كثير[[أخرجه الترمذي ٥/٤١٣-٤١٤ (٣٤٧١). قال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد». وقال الألباني في الضعيفة ٧/٣٦٦: «إسناده حسن».]]. (١١/٥٧٦)
٦٠٣٣٢- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق أبي بكر بن عبد الله-: أنّ الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، قالوا: وأدنى الأرض يومئذ أذْرِعات[[أذْرِعات: بلد في أطراف الشام. معجم البلدان ١/١٣٠. وتسمى حاليًا: درعا، وتبعد ١١٠كم جنوب دمشق.]]، بها التقوا، فُهزِمت الروم، فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ وأصحابه وهم بمكة، فشق ذلك عليهم، وكان النبي ﷺ يكره أن يظهر الأُمِّيُّون مِن المجوس على أهل الكتاب من الروم، ففرح الكفار بمكة، وشمتوا، فلَقَوا أصحاب النبي ﷺ، فقالوا: إنكم أهل الكتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لَنَظْهَرَنَّ عليكم. فأنزل الله: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأَرْضِ وهُمْ مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * في بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ﴾، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار، فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟! فلا تفرحوا، ولا يُقِرَّنَّ الله أعينكم، فواللهِ، ليَظْهَرَنَّ الرومُ على فارس، أخبرنا بذلك نبينا ﷺ. فقام إليه أُبَيُّ بن خلف، فقال: كذبتَ، يا أبا فضيل. فقال له أبو بكر: أنت أكذبُ، يا عدو الله. فقال: أُناحِبُك[[المناحبة: المخاطرة والمراهنة. التاج (نحب).]] عشر قلائص مني، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غَرمتُ، وإن ظهرت فارسُ على الروم غرمتَ إلى ثلاث سنين. ثم جاء أبو بكر إلى النبي ﷺ، فأخبره، فقال: «وما هكذا ذكرتُ، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايِده في الخطر، ومادِّه في الأجل». فخرج أبو بكر، فلقي أُبيًّا، فقال: لعلك ندمت. فقال: لا. فقال: أزايدك في الخطر، وأمادك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص إلى تسع سنين. قال: قد فعلت[[أخرجه مقاتل بن سليمان ٣/٤٠٢-٤٠٣ مطولًا، وابن جرير ١٨/٤٥٠-٤٥١.]]. (ز)
٦٠٣٣٣- عن عامر الشعبي -من طريق داود بن أبي هند- في قوله: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ إلى قوله: ﴿ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ﴾، قال: كان النبي ﷺ أخبر الناس بمكة أنّ الروم ستغلب. قال: فنزل القرآن بذلك. قال: وكان المسلمون يُحِبُّون ظهور الروم على فارس؛ لأنهم أهل الكتاب[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٥٦.]]. (ز)
٦٠٣٣٤- عن محمد بن شهاب الزهري -من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي- قال: بلغنا: أنّ المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة؛ يقولون: الروم أهل كتاب وقد غلبتهم الفرسُ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبونا بالكتاب الذي أُنزل على نبيكم، فسنغلبكم كما غلبت فارسُ الرومَ. فأنزل الله: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾. قال ابن شهاب: فأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: إنه لَمّا نزلت هاتان الآيتان ناحب أبو بكر بعض المشركين -قبل أن يُحرَّم القمار- على شيء إن لم تغلب الرومُ فارسَ في سبع سنين. فقال رسول الله ﷺ: «لِمَ فعلت؟ فكل ما دون العشر بضع». فكان ظهور فارس على الروم في تسع سنين، ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية، ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٢/٣٣٢-٣٣٣ من طريق عقيل، وابن عساكر في تاريخه ١/٣٧٨ من طريق أبي بشر، وأخرجه الترمذي ٥/٤١٢-٤١٣ (٣٤٧٠) بنحوه من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي، قال: حدثنا ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس. وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب من حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس». وقال الألباني في الضعيفة ٧/٣٦٣ (٣٣٥٤) عن رواية الترمذي: «ضعيف».]]. (١١/٥٧٨)
٦٠٣٣٥- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأَرْضِ﴾ قال: أدنى الأرض: الشام، ﴿وهُمْ مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ قال: كانت فارس قد غلبت الروم، ثم أديل الروم على فارس، وذُكِر أن رسول الله ﷺ قال: «إن الروم ستغلب فارس». فقال المشركون: هذا مما يتخرَّصُ محمد. فقال أبو بكر: تناحبونني؟ -والمناحبة: المجاعلة- قالوا: نعم. فناحبهم أبو بكر، فجعل السنين أربعًا أو خمسًا، ثم جاء إلى النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «إنّ البضع فيما بين الثلاثة إلى التسع، فارجع إلى القوم، فزِد في المناحبة». فرجع إليهم، قالوا: فناحَبهم وزاد. قال: فغلبت الرومُ فارسَ، فذلك قول الله: ﴿ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَن يَشاءُ﴾ يوم أُدِيلَتِ الرومُ على فارس[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٥٦-٤٥٧.]]. (ز)
﴿الۤمۤ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢﴾ - تفسير الآية
٦٠٣٣٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- في قوله: ﴿الم *غُلِبَتِ الرُّومُ﴾، قال: قد مضى، كان ذلك في أهل فارس والروم، وكانت فارسُ قد غلبتهم، ثم غلبت الروم بعد ذلك، ولقي رسول الله ﷺ مشركي العرب، والتقى الروم وفارس، فنصر الله النبي ﷺ ومَن معه من المسلمين على مشركي العرب، ونصر الله أهل الكتاب على مشركي العجم.= (ز)
٦٠٣٣٧- قال عطية: وسألتُ أبا سعيد الخدري عن ذلك. فقال: التقينا مع رسول الله ﷺ ومشركو العرب، والتقت الروم وفارس، فنُصرنا على مشركي العرب، ونُصر أهل الكتاب على المجوس، ففرحنا بنصر الله إيّانا على المشركين، وفرحنا بنصر الله أهل الكتاب على المجوس، فذلك قوله: ﴿ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ﴾[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٤٩، والبيهقي في الدلائل ٢/٣٣١-٣٣٢، وابن عساكر ١/٣٧١. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (١١/٥٨٠)
٦٠٣٣٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- في قَوْله: ﴿الم *غُلِبَتِ الرُّومُ﴾، قال: غُلبت وغَلبت. قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الرّوم؛ لأَنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الرّوم على فارس؛ لأَنهم أصحاب كتاب. فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «أما أنهم سيغلبون». فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلًا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا. فجعل بينهم أجلًا خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله ﷺ، فقال: «ألا جعلته -أراه قال:- دون العشر»-. فظهرت الرّوم بعد ذلك، فذلك قوله: ﴿الم *غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ فَغُلبتْ ثمَّ غَلبت بعد، يقول الله: ﴿لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَن يَشاءُ وهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾. قال سفيان: سمعت أنهم قد ظهروا عليهِم يوم بدر[[أخرجه أحمد ٤/٢٩٦-٢٩٧ (٢٤٩٥)، ٤/٤٩٠-٤٩١ (٢٧٦٩)، والترمذي ٥/٤١١-٤١٢ (٣٤٦٩)، والحاكم ٢/٤٤٥ (٣٥٤٠)، وابن جرير ١٨/٤٤٧-٤٤٨. قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه». وقال الألباني في الضعيفة ٧/٣٦٥ بعد نقله لقول الحاكم والذهبي: «وهو كما قالا».]]٥٠٨٢. (١١/٥٧٤)
٦٠٣٣٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- في قوله: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾، قال: غَلَبَتْهم فارسُ، ثم غلبت الرومُ فارسَ[[أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (٤٤)، وابن جرير ١٨/٤٤٩، ٤٥٨. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١١/٥٨٢)
٦٠٣٤٠- عن عامر الشعبي -من طريق رجل-= (ز)
٦٠٣٤١- وعن قتادة -من طريق معمر- قال: لما نزلت: ﴿مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ فبلغنا: أنّ المسلمين والمشركين تخاطروا بينهم قبل أن ينزل تحريم القمار، فضربوا بينهم أجلًا، فجاء ذلك الأجل، فلم يكن ذلك. قال: فذكروا ذلك للنبي ﷺ، فقال: «لو ضربتم أجلًا آخر، فإن البضع يكون ما بين الثلاث إلى التسع والعشر». فزادوهم في الخطر، ومدوا لهم في الأجل، قال: فظهروا في تسع سنين، ففرح المؤمنون يومئذ بالقمار الذي أصابوا من المشركين ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ * يَنْصُرُ مَن يَشاءُ﴾، وكانوا يحبون أن يظهر أهلُ الكتاب على المجوس، وكان تشديدًا للإسلام[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٣/١٠١ (٢٢٧٠).]]. (ز)
٦٠٣٤٢- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأَرْضِ﴾ قال: غلبهم أهل فارس على أدنى أرض الشام، ﴿وهُمْ مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ قال: لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدّق المسلمون ربهم، وعرفوا أنّ الروم ستظهر على أهل فارس، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص خمس قلائص، وأجّلوا بينهم خمس سنين، فولي قمار المسلمين أبو بكر، وولي قمار المشركين أُبَيُّ بن خلف، وذلك قبل أن يُنهى عن القمار، فجاء الأجل، ولم تظهر الروم على فارس، فسأل المشركونَ قمارهم، فذكر ذلك أصحابُ النبي ﷺ للنبي ﷺ، فقال: «ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلًا دون عشر؟! فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر، فزايِدوهم ومادُّوهم في الأجل». ففعلوا، فأظهر الله الروم على فارس عند رأس السبع من قمارهم الأول، فكان ذلك مرجعهم من الحديبية، وكان مما شدَّ الله به الإسلام، فهو قوله: ﴿ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ﴾[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٢/٣٣٣-٣٣٤، وابن جرير ١٨/٤٥٤-٤٥٥.]]. (١١/٥٨١)
٦٠٣٤٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾، وذلك أن أهل فارس غلبوا على الروم[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٤٠٦.]]. (ز)
٦٠٣٤٤- قال يحيى بن سلّام: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ غلبتهم فارس، ﴿أدْنى الأَرْضِ﴾ أرض الروم بأذْرِعات من الشام، بها كانت الوقعة، فلمّا بلغ ذلك أهل مكة شمتوا أن غَلَب إخوانُهم على أهل الكتاب، وكان المسلمون يعجبهم أن تظهر الرومُ على فارس؛ لأن الروم أهل كتاب، وكان مشركو العرب يعجبهم أن تظهر المجوسُ على أهل الكتاب[[تفسير يحيى بن سلام ٢/٦٤٣.]]. (ز)
﴿الۤمۤ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢﴾ - آثار متعلقة بالآية
٦٠٣٤٥- عن الزبير الكِلابِي، قال: رأيت غلبة فارسَ الرّومَ، ثمَّ رأيت غَلَبَة الرّومِ فارسَ، ثمَّ رأيت غَلَبَة المسلمين فارس والروم، وظهورهم على الشّام والعراق، كل ذلك في خمس عشرة سنة[[أخرجه ابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٦/٣١١-، والبيهقي ٢/٣٣٤.]]. (١١/٥٨١)
٦٠٣٤٦- قال عامر الشعبي: لم تمض تلك المدّةُ التي عقدوا المناحبة بينهم -أهل مكّة وصاحب قمارهم أبيّ بن خلف، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر، وذلك قبل تحريم القمار- حتّى غلبت الرومُ فارس، وربطوا خيولهم بالمدائن، وبنوا الرومية؛ فقَمَرَ أبو بكر أُبيًّا، وأخذ مال الخَطَر من ورثته، وجاء به يحمله إلى النبي ﷺ، فقال له النبيّ ﷺ: «تَصَدَّقْ به»[[أورده الثعلبي ٧/٢٩٣، والبغوي ٦/٢٦٠.]]. (ز)
٦٠٣٤٧- قال عكرمة -من طريق أبي بكر-: لَمّا ظهرت فارسُ على الروم جلس فرخان يشرب، فقال لأصحابه: لقد رأيتُ كأنِّي جالسٌ على سرير كسرى. فبَلَغَت كِسْرى، فكتب إلى شهربراز: إذا أتاك كتابي فابعث إلَيَّ برأس فرخان. فكتب إليه: أيها الملك، إنك لن تجد مثل فرخان؛ إنّ له نكاية وضربًا في العدو، فلا تفعل. فكتب إليه: إنّ في رجال فارس خلفًا منه، فعَجِّل إلَيَّ برأسه. فراجعه؛ فغضب كسرى، فلم يجبه، وبعث بريدًا إلى أهل فارس: إنِّي قد نزعت عنكم شهربراز، واستعملت عليكم فرخان. ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه. فلما قرأ شهربراز الكتاب، قال: سمعًا وطاعة. ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع الصحيفة إليه، قال: ائتوني بشهربراز. فقدمه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل حتى أكتب وصيتي. قال: نعم. فدعا بالسَّفَط[[السَّفَط: الذي يُعبّى فيه الطِّيب وما أشبهه من أدوات النِّساءِ. اللسان (سفط).]]، فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد. فرد الملك، وكتب شهربراز إلى قيصر ملك الروم: إنّ لي إليك حاجة لا يحملها البريد، ولا تبلغها الصحف، فالقَنِي، ولا تَلْقَنِي إلا في خمسين روميًّا، فإني ألقاك في خمسين فارسيًّا. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق، وخاف أن يكون قد مُكِر به، حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسون رجلًا، ثم بسط لهما، والتقيا في قبة ديباج ضُربت لهما، مع كل واحد منهما سكين، فدعيا ترجمانًا بينهما، فقال شهربراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعًا، فنحن نقاتله معك. فقال: قد أصبتما، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السِّرَّ بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل. فقتلا الترجمان جميعًا بسكينيهما، فأهلك الله كسرى، وجاء الخبر إلى رسول الله ﷺ يوم الحديبية، ففرح ومن معه[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٥٢، ٤٥٤، وهو مما رواه الهذيل بن حبيب عن غير مقاتل في تفسير مقاتل بن سليمان. ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٠-٣٥.]]٥٠٨٣. (ز)
٦٠٣٤٨- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق أبي بكر- قال: كانت في فارس امرأةٌ لا تَلِد إلا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى، فقال: إنِّي أريد أن أبعث إلى الروم جيشًا، وأستعمل عليهم رجلًا من بنيك، فأشيري عَلَيَّ أيهم أستعمل. فقالت: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صقر، وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان، وهذا شهربراز، وهو أحلم مِن كذا، فاستعمل أيَّهم شئت. قال: إني قد استعملت الحليم. فاستعمل شهربراز، فسار إلى الروم بأهل فارس، وظهر عليهم، فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم. قال أبو بكر: فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني، فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قلت: لا. قال: أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خُرِّبت، والزيتون الذي قُطع. فأتيت الشام بعد ذلك، فرأيته[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٥١، والهذيل بن حبيب مطولًا -كما في تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٠-٣٥-.]]. (ز)
٦٠٣٤٩- قال يحيى بن يعمر -من طريق عطاء الخراساني-: أنّ قيصر بعث رجلًا يدعى قطمة بجيش من الروم، وبعث كسرى شهربراز، فالتقيا بأذْرِعات وبُصْرى، وهي أدنى الشام إليكم، فلقيت فارس الروم، فغلبتهم فارس، ففرح بذلك كفار قريش، وكرهه المسلمون؛ فأنزل الله: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأَرْضِ﴾. ثم ذكر مثل حديث عكرمة، وزاد: فلم يزل شهربراز يطؤهم، ويخرّب مدائنهم، حتى بلغ الخليج، ثم مات كسرى، فبلغهم موته، فانهزم شهربراز وأصحابه، وأوعبت عليهم الروم عند ذلك، فأتبعوهم يقتلونهم[[أخرجه ابن جرير ١٨/٤٥٢.]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.