الباحث القرآني
﴿ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ یُؤۡمِنُونَ ٥٢﴾ - نزول الآية، وتفسيرها
٥٨٩١٦- عن سلمان الفارسي، قال: تَداولَتْني الموالي، حتى وقعتُ بيثرب، فلم يكن في الأرض قومٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن النصارى، ولا دينٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن النصرانية؛ لِما رأيتُ مِن اجتهادهم، فبينا أنا كذلك إذ قالوا: قد بُعِث في العرب نبيٌّ. ثم قالوا: قدِم المدينة. فأتيته، فجعلتُ أسأله عن النصارى، قال: «لا خيرَ في النصارى، ولا أُحِبُّ النصارى». قال: فأخبرتُه أنّ صاحبي قال: لو أدركتُه فأمرني أن أقع في النار لوقعتها. قال: وكنت قد استُهْتِرت بحبِّ النصارى، فحدَّثْتُ نفسي بالهرب، وقد جرَّد رسولُ الله ﷺ السيفَ، فأتاني آتٍ، فقال: إنّ رسول الله ﷺ يدعوك. فقلت: اذْهَب حتى أجيء. وأنا أُحَدِّث نفسي بالهرب، فقال لي: لن أُفارِقك حتى أذهب بك إليه. فانطلقت معه، فلما رآني قال: «يا سلمان، قد أنزل الله عذرك: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾»[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (١١/٤٨١)
٥٨٩١٧- عن سلمان الفارسي -من طريق سلامة العجلي- قال: أنا رجل مِن أهل رامهرمز، كُنّا قومًا مجوسًا، فأتانا رجلٌ نصرانيٌّ مِن أهل الجزيرة، فنزل فينا، واتَّخذ فينا دِيرًا، وكنت في كُتّاب في الفارسية، وكان لا يزال غلام معي في الكُتّاب يجيء مضروبًا يبكي قد ضربه أبواه. فقلت له يومًا: ما يبكيك؟ قال: يضربني أبواي. قلت: ولم يضربانك؟ قال: آتي صاحبَ هذا الدير، فإذا علِما ذلك ضرباني، وأنت لو أتيتَه سمعتَ منه حديثًا عجيبًا. قلتُ: فاذهب بي معك. فأتيناه، فحدَّثنا عن بَدْءِ الخلق، وعن بَدْءِ خلق السموات والارض، وعن الجنة والنار، فحدَّثنا بأحاديث عجب، وكنت أختلف إليه معه، ففطِن لنا غِلمان مِن الكتاب، فجعلوا يجيئون معنا، فلما رأى ذلك أهلُ القرية أتوه، فقالوا: يا هذا، إنّك قد جاورتنا، فلم نرَ مِن جوارك إلا الحسن، وإنّا نرى غِلماننا يختلفون إليك، ونحن نخاف أن تُفسدهم علينا، أخِّر عنّا. قال: نعم. فقال لذلك الغلام كان يأتيه: اخرُج معي. قال: لا أستطيع ذلك، قد علمتَ شدة أبَوَيَّ عَلَيَّ. قلت: لكنني أخرج معك. وكنت يتيمًا لا أب لي، فخرجت معه، فأخذنا جبلَ رامهرمز، فجعلنا نمشي ونتوكل، ونأكل مِن ثمر الشجر، حتى قدمنا الجزيرة، فقدمنا نَصِيبِين، فقال لي صاحبي: يا سلمان، إنّ ههنا قومًا عُبّاد أهل الأرض، وأنا أُحِبُّ أن ألقاهم. فجئنا إليهم يومَ الأحد وقد اجتمعوا، فسلَّم عليهم صاحبي، فحيَّوه، وبشُّوا به، وقالوا: أين كان غيبتك؟ قال: كنت في إخوان لي مِن قِبَل فارس. فتحدَّثنا ما تحدَّثنا، ثم قال لي صاحبي: قم، يا سلمان، انطلق. قلت: لا، دعني مع هؤلاء. قال: إنّك لا تطيق ما يُطيق هؤلاء؛ يصومون الأحد إلى الأحد، ولا ينامون هذا الليل. وإذا فيهم رجلٌ مِن أبناء الملوك، ترك الملِك، ودخل في العبادة، فكنتُ فيهم حتى أمسينا، فجعلوا يذهبون واحدًا واحدًا إلى غارِه الذي يكون فيه، فلمّا أمسينا قال ذاك الرجل الذي مِن أبناء الملوك: هذا الغلامُ ما تضيفونه؟ ليأخذه رجلٌ منكم. فقالوا: خُذه أنت. فقال لي: قُم، يا سلمان. فذهب بي معه حتى أتى غارَه الذي يكون فيه، فقال لي: يا سلمانُ، هذا خبز، وهذا أدم، فكل إذ غَرِثْتَ[[أي: جُعْتَ. النهاية (غرث).]]، وصُم إذا نشطت، وصَلِّ ما بدا لك، ونَم إذا كسلت. ثم قام في صلاته، فلم يكلمني إلا ذاك، ولم ينظر إلَيَّ، فأخذني الغمُّ تلك السبعة الأيام، لا يكلمني أحد، حتى كان الأحد، فانصرف إلَيَّ، فهبت إلى مكانهم الذي كانوا يجتمعون، وهم يجتمعون كلَّ أحد يفطرون فيه، فيلقى بعضُهم بعضًا، فيُسَلِّم بعضُهم على بعض، ثم لا يلتقون إلى مثله، فرجعت إلى منزلنا، فقال لي مثلَ ما قال لي أول مرة: هذا خبز، وهذا أدم، فكل منه إذا غرثت، وصم إذا نشطت، وصلِّ ما بدا لك، ونم إذا كسلت. ثم دخل في صلاته، فلم يلتفت إلَيَّ، ولم يكلمني إلى الأحد الآخر، فأخذني غمٌّ، وحَدَّثْتُ نفسي بالفرار، فقلت: اصبر أحَدَين أو ثلاثة. فلما كان الأحدُ رجعنا اليهم، فأفطروا واجتمعوا، فقال لهم: إنِّي أُريد بيت المقدس. فقالوا له: وما تُريد إلى ذاك؟ قال: لا عهد لي به. قالوا: إنّا نخاف أن يَحْدث بك حَدَثٌ فيَلِيكَ غيرُنا، وكُنّا نُحِبُّ أن نليك. قال: لا عهد لي به. فلمّا سمعته يذكر ذاك فرحتُ؛ قلتُ: نُسافِر، ونلقى الناس، فيذهب عنِّي الغمُّ الذي كنت أجد. فخرجت أنا وهو، وكان يصوم مِن الأحد إلى الأحد، ويصلي الليل كله، ويمشي بالنهار، فإذا نزلنا قام يصلي، فلم يزل ذاك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وعلى الباب رجلٌ مُقْعَد يسأل الناس، فقال: أعطِني. فقال: ما معي شيء. فدخلنا بيت المقدس، فلمّا رآه أهلُ بيت المقدس بَشُّوا به، واستبشروا به، فقال لهم: غلامي هذا، فاستوصوا به. فانطلقوا بي، فأطعموني خبزًا ولحمًا، ودخل في الصلاة، فلم ينصرف إلَيَّ حتى كان يوم الأحد الآخر، ثم انصرف، فقال لي: يا سلمان، إني أريد أن أضع رأسي، فإذا بلغ الظِلُّ مكان كذا وكذا فأيقِظني. فوضع رأسه، فبلغ الظِلُّ الذي قال، فلم أوقظه مَأْواةً[[آوي له: أرِقُّ وأرثي له. النهاية (أوى).]] له مِمّا رأيتُ مِن اجتهاده ونَصَبِه، فاستيقظ مذعورًا، فقال: يا سلمان، ألم أكن قلتُ لك: إذا بلغ الظِلُّ مكانَ كذا وكذا فأيقظني؟! قلت: بلى، ولكن إنّما منعني مأواةً لك لِما رأيتُ مِن دأبك. قال: ويحك، يا سلمان، إنِّي أكرهُ أن يفوتني شيءٌ مِن الدهر لم أعمل فيه لله خيرًا. ثم قال لي: يا سلمان، أعلمُ أنّ أفضل ديننا اليوم النصرانية. قلت: ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية؟ كلمة أُلْقِيَت على لساني. قال: نعم، يُوشِك أن يُبعَث نبيٌّ يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإذا أدركته فاتَّبِعه وصَدِّقه. قلت: وإن أمرني أن أدع النصرانية؟ قال: نعم؛ فإنه نبيُّ الله، لا يأمر إلا بالحق، ولا يقول إلا حقًّا، واللهِ، لو أدركته ثم أمرني أن أقع في النار لوقعتها. ثم خرجنا من بيت المقدس، فمررنا على ذلك المُقْعَد، فقال له: دخلتَ فلم تعطني، وهذا تَخْرُجُ فأعْطِني. فالتفت، فلم يرَ حوله أحدًا، قال: فأعطِني يدك. فأخذ بيده، فقال: قُم بإذن الله. فقام صحيحًا سويًّا، فتوجَّه نحو أهله، فأتبعتُه بصري تعجُّبًا مِمّا رأيت، وخرج صاحبي، فأسرع المشي، وتبعته، فتلقاني رِفْقَةٌ مِن كلب أعراب، فسَبَوْني، فحملوني على بعير، وشَدُّوني وثاقًا، فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة، فاشتراني رجل من الأنصار، فجعلني في حائط له مِن نخل، فكنتُ فيه، ومِن ثم تعلَّمْتُ عَمَل الخُوص، أشتري خُوصًا بدرهم، فأعمله فأبيعه بدرهمين، فأردُّ دِرهمًا إلى الخوص، وأسْتَنفِقُ درهمًا، أُحِبُّ أن آكل مِن عمل يدي، فبلغنا ونحن بالمدينة أنّ رجلًا خرج بمكة يزعم أنّ الله أرسله، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث، فهاجر إلينا، وقدم علينا، فقلت: واللهِ، لأُجَرِّبَنَّه. فذهبتُ إلى السوق، فاشتريتُ لحم جَزور بدرهم، ثم طبخته، فجعلتُ قَصْعَةً مِن ثريد، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي، حتى وضعتها بين يديه، فقال: «ما هذه، أصدقة أم هدية؟». قلت: بل صدقة. فقال لأصحابه: «كلوا بسم الله». وأمسك ولم يأكل، فمكث أيام، ثم اشتريت لحمًا أيضًا بدرهم، فأصنع مثلها، فاحتملتها حتى أتيته بها، فوضعتها بين يديه، فقال: «ما هذه، أصدقة أم هدية؟». فقلت: بل هدية. فقال لأصحابه: «كلوا بسم الله». وأكل معهم. قلت: هذا -واللهِ- يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، فأسلمتُ، فقلت له ذات يوم: يا رسول الله، أيُّ قوم النصارى؟ قال: «لا خير فيهم، ولا فيمن يحبهم». قلت في نفسي: أنا -واللهِ- أُحِبُّهم. قال: وذاك حين بعث السرايا، وجرد السيف، فسرية تدخل، وسرية تخرج، والسيف يقطر. قلت: يُحَدَّث بي الآن أنِّي أُحِبُّهم، فيبعث إلَيَّ، فيضرب عنقي، فقعدت في البيت، فجاءني الرسول ذاتَ يوم، فقال: يا سلمانُ، أجِب رسول الله. قلت: هذا -واللهِ- الذي كنتُ أحذر. قلت: نعم، اذهب حتى ألحقك. قال: لا، واللهِ، حتى تجيء. وأنا أُحَدِّث نفسي أن لو ذهب أن أفِرَّ، فانطلق بي حتى انتهيت إليه، فلما رآني تبَسَّم، وقال لي: «يا سلمان، أبشِر؛ فقد فرَّج الله عنك». ثم تلا عَلَيَّ هؤلاء الآيات: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾ إلى قوله: ﴿لا نبتغي الجاهلين﴾. قلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لقد سمعتُه يقول: لو أدركتُه فأمرني أن أقع في النار لوقعتها، إنه نبيٌّ لا يقول إلا حقًّا، ولا يأمر إلا بالحق[[أخرجه الطبراني في الكبير ٦/٢٤١-٢٤٥ (٦١١٠)، والخطيب في تاريخ بغداد ١٠/٢٧٦ (٣٠٥٤). قال الذهبي في تاريخ الإسلام ١/١١٠-١١١: «هذا حديث منكر غريب... وقد تفرّد مسلمة بهذا، وهو ممن احتج به مسلم، ووثَّقه ابن معين، وأمّا أحمد بن حنبل فضعّفه». وقال في سير أعلام النبلاء ١/٥٣٧: «غريب جدًّا، وسلامة لا يعرف». وقال الهيثمي في المجمع ٩/٣٤٣: «رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير سلامة العجلي، وقد وثّقه ابن حبان».]]. (١١/٤٨٢)
٥٨٩١٨- عن رفاعة القرظي -من طريق يحيى بن جعدة- قال: نزلت: ﴿ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون﴾ إلى قوله: ﴿أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا﴾ في عشرة رهط، أنا أحدهم[[أخرجه الطبراني في الكبير ٥/٥٣ (٤٥٦٣، ٤٥٦٤) واللفظ له، ويحيى بن سلام ٢/٥٩٩، وابن جرير ١٨/٢٧٦-٢٧٧، وابن أبي حاتم ٩/٢٩٨٧-٢٩٨٨ (١٦٩٧٣). قال الهيثمي في المجمع ٧/٨٨ (١١٢٥٥): «رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما متصل، ورجاله ثقات، وهو هذا، والآخر منقطع الإسناد». وقال السيوطي: «بسند جيد».]]. (١١/٤٧٩)
٥٨٩١٩- عن علي بن رفاعة[[اختلف في كونه صحابيًّا. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة ٤/٤٦٣.]] -من طريق يحيى بن جعدة- قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب -منهم أبو رفاعة- إلى النبي ﷺ، فآمنوا، فأُوذُوا؛ فنزلت: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾[[أخرجه ابن جرير ١٨/٢٧٧. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١١/٤٨٠)
٥٨٩٢٠- عن عبد الله بن عباس، قال: نزلت في ثمانين مِن أهل الكتاب؛ أربعون من نجران، واثنان وثلاثون مِن الحبشة، وثمانية مِن الشام[[أورده البغوي ٦/٢١٣.]]. (ز)
٥٨٩٢١- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾، قال: يعني: مَن آمن بمحمد ﷺ مِن أهل الكتاب[[أخرجه ابن جرير ١٨/٢٧٧، وابن أبي حاتم ٩/٢٩٨٨ (١٦٩٧٨)، من طريق محمد بن سعد العوفي، عن أبيه، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده عطية العوفي، عن ابن عباس به. إسناده ضعيف، لكنها صحيفة صالحة ما لم تأت بمنكر أو مخالفة. وينظر: مقدمة الموسوعة.]]. (١١/٤٨١)
٥٨٩٢٢- عن سعيد بن جبير -من طريق سالم الأفطس- في قوله: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون﴾ [المائدة:٨٢]، قال: هم النجاشي الذي أرسل بإسلامه وإسلام قومه، كانوا سبعين رجلًا، اختارهم مِن قومه الخيِّر مِن الخيِّر في الفقه والسنن، فلما أتوا رسول الله ﷺ، فدخلوا عليه، فقرأ عليهم: ﴿يس والقرآن الحكيم﴾ حتى أتى على آخرها؛ فبكوا حين سمعوا القرآن، وعرفوا أنه الحق؛ فنزل عليهم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا﴾ إلى قوله: ﴿تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ [المائدة:٨٢-٨٣]، ونزل فيهم أيضًا: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾ إلى قوله: ﴿أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا﴾ إلى آخر الآيات[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٩٨٨.]]. (ز)
٥٨٩٢٣- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- ﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ إلى قوله: ﴿لا نبتغي الجاهلين﴾، قال: في مُسْلِمة أهل الكتاب[[عزاه السيوطي إلى الفريابي، وعبد بن حميد.]]. (١١/٤٨٠)
٥٨٩٢٤- عن عبيد، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، في قوله: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾: ناس مِن أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل، ثم أدركوا محمدًا ﷺ، فآمنوا به[[أخرجه ابن جرير ١٨/٢٧٨.]]. (ز)
٥٨٩٢٥- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾، قال: كُنّا نُحَدَّث: أنها أُنزِلَت في أناس مِن أهل الكتاب كانوا على شريعة مِن الحق يأخذون بها، وينتهون إليها، حتى بعث الله محمدًا ﷺ، فآمنوا به، وصدَّقوا به، فأعطاهم الله أجرهم مرتين؛ بصبرهم على الكتاب الأول، واتِّباعهم محمدًا ﷺ وصبرهم على ذلك. قال: وذُكِر لنا: أنّ منهم سلمان، وعبد الله بن سلام[[أخرجه ابن جرير ١٨/٢٧٨، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٨٩، ٢٩٩٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١١/٤٨٠)
٥٨٩٢٦- عن إسماعيل السُّدِّيّ، في قوله: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾، قال: نزلت في عبدالله بن سلام، لَمّا أسلم أحب أن يُخْبِر النبيَّ ﷺ بعظمته في اليهود، ومنزلته فيهم، وقد ستر بينه وبينهم سترًا، فكلَّمهم، ودعاهم، فأبَوْا، فقال: «أخبِروني عن عبد الله بن سلام، كيف هو فيكم؟». قالوا: ذاك سيِّدُنا وأعلمُنا. قال: «أرأيتم إن آمَن بي وصدَّقني، أتؤمنون بي وتصدقوني؟». قالوا: لا يفعل ذاك، هو أفقهُ فينا مِن أن يدع دينه ويتبعك. قال: «أرأيتم إن فعل؟». قالوا: لا يفعل. قال: «أرأيتم إن فعل؟». قالوا: إذن نفعل. قال: «اخرج، يا عبد الله بن سلام». فخرج، فقال: ابسِط يدك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله. فبايعه، فوقعوا به، وشتموه، وقالوا: واللهِ، ما فينا أحد أقلَّ عِلمًا منه، ولا أجهل بكتاب الله منه. قال: «ألم تُثْنوا عليه آنِفًا؟». قالوا: إنّا استحينا أن تقول: اغتبتم صاحبَكم مِن خلفه. فجعلوا يشتمونه، فقام إليه أمين بن يامين، فقال: أشهد أنّ عبد الله بن سلام صادق، فابسط يدك. فبايعه؛ فأنزل الله فيهم: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٩٨٩. والحديث أصله عند البخاري (٣٩١١) من حديث أنس.]]. (١١/٤٨٧)
٥٨٩٢٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ يعني: أعطيناهم الإنجيل ﴿من قبله﴾ يعني: القرآن؛ ﴿هم به يؤمنون﴾ يعني: هم بالقرآن مُصَدِّقون بأنّه مِن الله ﷿. نزلت في مسلمي أهل الإنجيل، وهم أربعون رجلًا مِن أهل الإنجيل، أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب إلى المدينة، وثمانية قدموا من الشام: بحيرى، وأبرهة، والأشرف، ودريد، وتمام، وأيمن، وإدريس، ونافع[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٤٨-٣٤٩. وفي تفسير البغوي ٦/٢١٣: قال مقاتل [كذا دون تمييز]: بل هم أهل الإنجيل الذين قدِموا مِن الحبشة وآمنوا بالنبي ﷺ.]]. (ز)
٥٨٩٢٨- قال محمد بن السائب الكلبي: هم أناس مِن أهل الكتاب، لم يكونوا يهودًا ولا نصارى، وكانوا على دين أنبياء الله ورسله، وكرِهوا ما عليه اليهودُ والنصارى، وأخذوا بأمر الله، فكانوا ينتظرون النبيَّ ﵇، فلمّا سمعوا به وهو بمكة أتوه، فلمّا رأوه عرفوه بنعته، وسألوه أن يقرأ عليهم القرآن، فلما سمعوه ﴿قالوا آمنا به﴾ بالقرآن؛ ﴿إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين﴾[[علَّقه يحيى بن سلام ٢/٦٠٠.]]. (ز)
٥٨٩٢٩- قال محمد بن إسحاق: ثم قدم على رسول الله ﷺ وهو بمكة عشرون رجلًا أو قريبًا مِن ذلك من النصارى، حين ظهر خبرُه مِن الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه، فكلَّموه وسألوه، ورجال مِن قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلمّا فرغوا من مسألتهم رسولَ الله ﷺ عمّا أرادوا دعاهم رسولُ الله ﷺ، وتلا عليهم القرآن، فلمّا سمعوا فاضت أعينُهم مِن الدمع، ثم استجابوا له وآمنوا به وصدَّقوه، وعرفوا منه ما كان يُوصَف لهم في كتابهم مِن أمره، فلمّا قاموا مِن عنده اعترضهم أبو جهل في نفر مِن قريش، فقالوا: خيَّبكم الله مِن ركبٍ، بَعَثَكم مَن وراءكم مِن أهل دينكم تَرْتادُون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمأنّ مجالسُكم عنده حتى فارقتم دينكم، فصدَّقتموه بما قال لكم! ما نعلم ركبًا أحمقَ منكم. أو كما قالوا لهم، فقالوا: سلامٌ عليكم، لا نُجاهلكم، لنا أعمالنا، ولكم أعمالكم، لا نألوا أنفسنا خيرًا. ويُقال: إنّ النفر النصارى مِن أهل نجران. فاللهُ أعلم أي ذلك كان، ويقال -والله أعلم-: أنّ فيهم نزلت هؤلاء الآيات: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾ إلى قوله: ﴿لا نبتغي الجاهلين﴾[[سيرة ابن إسحاق ص١٩٩-٢٠٠.]]. (ز)
٥٨٩٣٠- قال يحيى بن سلّام: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله﴾ مِن قبل القرآن؛ ﴿هم به﴾ بالقرآن ﴿يؤمنون﴾ يعني: مَن آمن مِن أهل الكتابين، يعني: مَن كان مُسْتَمْسِكًا بدين موسى وعيسى، ثم آمن بمحمد ﷺ ... وقال بعضهم: هم مسلمو أهل الإنجيل[[تفسير يحيى بن سلام ٢/٥٩٩-٦٠٠.]]٤٩٧٣. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.











