الباحث القرآني
﴿قِیلَ لَهَا ٱدۡخُلِی ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةࣰ﴾ - تفسير
٥٧٥٠٠- عن عبد الله بن عباس، في قوله: ﴿فلما رأته حسبته لجة﴾، قال: بَحْرًا[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١١/٣٧٦)
٥٧٥٠١- عن عبد الله بن شداد بن الهاد -من طريق حصين- ﴿فلما رأته حسبته لجة﴾: ظنَّت أنه ماء[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٣.]]. (١١/٣٨٣)
٥٧٥٠٢- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق عطاء الخراساني- ﴿حسبته لجة﴾، قال: بحرًا[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٤.]]. (ز)
٥٧٥٠٣- عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم- قال: أمر سليمانُ بالصرح، وقد عمِلته له الشياطين مِن زجاج كأنّه الماء بياضًا، ثم أرسل الماء تحته، ثم وضع له فيه سريره، فجلس عليه، وعكفتْ عليه الطير والجن والإنس، ثم قال: ﴿ادخلي الصرح﴾. ليريها مُلْكًا هو أعزُّ مِن مُلكها، وسُلطانًا هو أعظمُ مِن سلطانها، ﴿فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها﴾ لا تشكُّ أنه ماء تخوضه، قيل لها: ادخلي، ﴿إنه صرح ممرد من قوارير﴾[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨١.]]. (ز)
٥٧٥٠٤- عن يزيد بن رومان -من طريق محمد بن إسحاق-، مثله[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٣، ٢٨٩٥.]]. (ز)
٥٧٥٠٥- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: ﴿قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة﴾: ماء، وكان الصرح بناء مِن قوارير بُنِي على الماء، فلمّا رأت اختلاف السمك وراءه لم يشتبه عليها أنّه لجة ماء، كشفت عن ساقيها. وكنا نُحَدَّث: أنّ أحد أبويها كان جِنِّيًّا، وكان مؤخر رجلها كحافر الدابة، وكانت إذا وضعته على الصرح هشمته[[أخرجه يحيى بن سلام ٢/٥٤٨ من طريق سعيد، وعلق بعضه عنه، وابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٣. كما أخرج عبد الرزاق في تفسيره ٢/٨٢، وابن جرير ١٨/٨٢ نحوه مختصرًا من طريق معمر.]]. (ز)
٥٧٥٠٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿قيل لها ادخلي الصرح﴾ وهو قصر مِن قوارير على الماء تحته السمك، ﴿فلما رأته حسبته لجة﴾ يعني: غدير الماء[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٠٨-٣٠٩.]]. (ز)
٥٧٥٠٧- عن عبد الملك ابن جُرَيج -من طريق حجاج- قوله: ﴿حسبته لجة﴾، قال: بحرًا[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٤-٨٥.]]. (ز)
٥٧٥٠٨- عن سفيان بن عيينة -من طريق ابن أبي عمر- قال: فلمّا قيل لها: ﴿ادخلي الصرح﴾ حسبته بحرًا[[أخرجه إسحاق البستي في تفسيره ص٢٣.]]. (ز)
﴿وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَیۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحࣱ مُّمَرَّدࣱ مِّن قَوَارِیرَۗ﴾ - تفسير
٥٧٥٠٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير-: أمر سليمانُ الشياطين، فجعلوا لها صرحًا مُمَرَّدًا مِن قوارير، وجعل فيها تماثيل السمك، فقيل لها: ﴿ادخلي الصرح﴾. فكشفت عن ساقيها، فإذا فيها الشعر، فعند ذلك أمر بصنعة النُّورة[[النُّورَة: حجر يُحْرق ويُسَوّى منه الكِلْس، ويُزال به الشَعر. اللسان (نور).]]، فصُنِعَت، فقيل لها: ﴿إنه صرح ممرد من قوارير﴾. قالت: ﴿رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٧٤.]]. (١١/٣٦٣)
٥٧٥١٠- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿قيل لها ادخلي الصرح﴾: بِرْكة ماء، ضرب عليها سليمان قوارير؛ ألبسها، وكانت بلقيس هلباء شعراء، قدماها حافر كحافر الحمار، وكانت أمها جِنِّيَّة[[أخرجه ابن أبي شيبة ١١/٥٣٩، وابن جرير ١٨/٨٢، وابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٢-٢٨٩٥ من طرق. وعلقه يحيى بن سلام ٢/٥٤٨ مختصرًا. وعزاه السيوطي إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١١/٣٧٥)
٥٧٥١١- عن مجاهد بن جبر -من طريق عطاء بن السائب- في قوله: ﴿وكشفت عن ساقيها﴾: فإذا هما شعراوان، فقال: ألا شيء يُذهِب هذا؟ قالوا: الموسى. قال: لا، الموسى له أثر. فأمر بالنُّورَة، فصُنِعَت[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٤، وابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٤.]]. (ز)
٥٧٥١٢- تفسير الحسن البصري: أنّ سليمان أمر الشياطين أن تصنع صَرْحًا -مجلسًا- مِن قوارير[[علَّقه يحيى بن سلام ٢/٥٤٧.]]. (ز)
٥٧٥١٣- عن أبي صالح [باذام] -من طريق إسماعيل- قال: كان الصرحُ مِن زجاج، وجعل فيه تماثيل السمك، فلمّا رأته قيل لها: ادخلي الصَّرْح. فكشفت عن ساقيها، وظنَّتْ أنه ماء. قال: والمُمَرَّد: الطويل[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٥، وإسحاق البستي في تفسيره ص٢٣ مختصرًا بلفظ: الممرد: الطوال. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١١/٣٧٦)
٥٧٥١٤- عن وهب بن مُنَبِّه، قال: إنّما بنى الصرحَ ليختبر عقلها وفهمها، يعاينها بذلك، كما فعلت هي مِن توجيهها إليه الوُصفاء والوَصائف؛ ليميز بين الذكور والإناث؛ تُعايِنُه بذلك[[تفسير الثعلبي ٧/٢١٣.]]. (ز)
٥٧٥١٥- عن محمد بن كعب القرظي -من طريق أبي معشر- قال: قالت الجنُّ لسليمان تُزَهِّده في بلقيس: إنّ رجلها رجل حمار، وإنّ أمها كانت مِن الجن. فأمر سليمان بالصرح، فعُمل، فسجن فيه دوابَّ البحر؛ الحيتان، والضفادع، فلمّا بصرت بالصرح قالت: ما وجد ابنُ داود عذابًا يقتلني به إلا الغرق؟ فحسبته لُجَّة، وكشفت عن ساقيها. قال: فإذا أحسن الناس ساقًا وقدمًا. قال: فضنَّ سليمان بساقها عن الموسى. قال: فاتُّخِذَت النُّورَة بذلك السبب[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٢. وفي تفسير الثعلبي ٧/٢١٢، وتفسير البغوي ٦/١٦٥-١٦٦ أنه إنما حمل سليمان على ذلك ما ذكره وهب بن منبه، ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما: أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان، فتُفشى إليه أسرار الجن، وذلك أن أمَّها كانت جنية، وإذا ولدت له ولدًا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده، فأساؤوا الثناء عليها ليزهدوه فيها، وقالوا: إنّ في عقلها شيئًا، وإن رجلها كحافر الحمار، وإنها شعراء الساقين. فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها، وينظر إلى قدميها ببناء الصرح.]]. (ز)
٥٧٥١٦- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: كان قد نعت لها خلقها، فأحب أن ينظر إلى ساقيها، فقيل لها: ﴿ادخلي الصرح﴾. فلما دخلته ظنَّت أنه ماء، فكشفت عن ساقيها، فنظر إلى ساقيها عليها شعر كثير، فوقعت من عينيه، وكرهها، فقالت له الشياطين: نحن نصنع لك شيئًا يذهب به. فصنعوا له نورة مِن أصداف، فطلوها، فذهب الشعر، ونكحها سليمان ﵇[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٣-٢٨٩٤.]]. (١١/٣٧٦)
٥٧٥١٧- قال محمد بن السائب الكلبي: إنّ الجِنَّ استأذنوا سليمان، فقالوا: ذَرْنا، فلنبنِ لها صرحًا مِن قوارير، والصرح قصر، فننظر كيف عقلها، وخافت الجن أن يتزوجها سليمان[[قال يحيى بن سلام في تفسيره ٢/٥٤٧ معقِّبًا على ذلك: بلغني: أنّ أحد أبويها كان جنيًّا، فلذلك تخوفوا ذلك منها.]]، فتُطلع سليمان على أشياء كانت الجن تخفيها مِن سليمان، فأذن لهم، فعمدوا إلى الماء، ففجروه في أرض فضاء، ثم أكثروا فيه من الحيتان، قال: والضفادع، ثم بنوا عليه سترة من زجاج، ثم بنوا حوله صرحًا، قصرًا ممردًا من قوارير -والممرد: الأملس-، ثم أدخلوا عرش سليمان، أي: سرير سليمان، وعرشها، وكراسي عظماء الملوك، ثم دخل الملك سليمان ودخل معه عظماء جنده، ثم ﴿قيل لها ادخلي الصرح﴾، وفتح الباب، فلما أرادت الدخول إذا هي بالحيتان والضفادع، فظنَّت أنه مُكِر بها لتغرق، ثم نظرت فإذا هي بالملك سليمان على سريره، والناس عنده على الكراسي، فظنت أنها مخاضة، فكشفت عن ساقيها، وكان بها سوء، أي: برص، فلما رآها سليمان كرهها، فلمّا عرفت الجن أنّ سليمان قد رأى منها ما كانت تكتم مِن الناس قالت لها الجن: لا تكشفي عن ساقيك، ولا عن قدميك فإنما هو صرح ممرد -أي: مملس- مِن قوارير[[علقه يحيى بن سلام ٢/٥٤٧.]]. (ز)
٥٧٥١٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وكشفت عن ساقيها﴾، يعني: رجليها؛ لتخوض الماء إلى سليمان، وهو على السرير في مقدم البيت، وذلك أنّها لما أقبلت قالت الجنُّ: لقد لقينا من سليمان ما لقينا مِن التعب، فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها مِن العلم لهلكنا. وكانت أمها جنية، فقالوا: تعالوا نُبَغِّضها إلى سليمان، نقول: إنّ رجليها مثل حوافر الدواب، لأنّ أمها كانت جنية. ففعلت، فأمر سليمانُ، فبنى لها بيتًا مِن قوارير فوق الماء، وأرسل فيه السمكَ لتحسب أنّه الماء؛ فتكشف عن رجليها، فينظر سليمان أصدقته الجن أم كذبته، وجعل سريره في مقدم البيت، فلما رأت الصرح حسبته لجة الماء، وكشفت عن ساقيها، فنظر إليها سليمان، فإذا هي من أحسن الناس قدمين، ورأى على ساقها شعرًا كثيرًا، فكره سليمانُ ذلك، فقالت: إنّ الرُّمّانة لا تدري ما هي حتى تذوقها. قال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو [في] الفم. فلمّا رأت الجنُّ أنّ سليمان رأى ساقيها قالت الجن: لا تكشفي عن ساقيك. ﴿قال إنه صرح ممرد﴾ يعني: أملس ﴿من قوارير﴾ فلمّا رأت السرير والصرح علمت أنّ ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان، وأنّ مُلكه مِن مُلْك الله ﷿[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٠٨-٣٠٩.]]. (ز)
٥٧٥١٩- عن عبد الملك ابن جريج -من طريق حجاج- قوله: ﴿ممرد﴾، قال: مشيد[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٤-٨٥.]]٤٨٨٢. (ز)
٥٧٥٢٠- عن عبد الملك ابن جريج، قال: إنّما كانت هذه المكيدة مِن سليمان لها، أنّ الجن تراجعوا فيما بينهم، فقالوا: قد كنتم تصيبون مِن سليمان غِرَّة، فإن نكح هذه المرأةَ اجتمعت فِطْنَةُ الجن والوحي، فلن تصيبوا له غِرَّة. فقدموا إليه، فقالوا: إنّ النصيحة لك علينا حقٌّ، إنّما قدماها حافر حمار. فذلك حين ألبس البِركة قوارير، وأرسل نساءً مِن نساء بني إسرائيل تنظر إذا كشفت عن ساقيها ما قدماها؟ فإذا أحسن الناس ساقًا مِن ساقٍ شعراء، وإذا قدماها قدم إنسان، فبشَّرْن سليمان، وكَرِه الشعر، فأمر الجنَّ، فجعلت النُّورَة، فذلك أول ما كانت النورة[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١١/٣٧٧)
٥٧٥٢١- قال يحيى بن سلّام: ﴿قال إنه صرح﴾ قال سليمان: ﴿إنه صرح ممرد من قوارير﴾[[تفسير يحيى بن سلام ٢/٥٤٩.]]. (ز)
٥٧٥٢٢- قال يحيى بن سلّام: وقال بعضهم: إنّها لَمّا أقبلت إلى سليمان خافت الشياطينُ أن يتزوجها، وقالوا: قد كُنّا نلقى مِن سليمان مِن السخرة ما نلقى، فكيف إذا اجتمع عقلُ هذه وتدبيرها مع ملك سليمان ونبوته؟ مع أنّ أُمَّها كانت مِن الجن، الآن حين هلكتم. فقال بعضهم: أنا أصرف سليمان عنها حتى لا يتزوجها. فأتاه، فقال له: إنّه لم تلد جِنِّيَّةٌ قطُّ مِن إنسيٍّ إلا كان أحد رجليها رجل حمار. فوقع ذلك في نفس سليمان، وكان رجل مِن الجن يُحِبُّ كُلَّ ما وافق سليمان، فقال له: يا نبيَّ الله، أنا أعمل لك شيئًا ترى ذلك منها. فعمل الصرح، فلما جاءته حسبته لجة ماء، فكشفت عن ساقيها، فرأى سليمانُ قدميها قدمي إنسان، ورأى على ساقيها شعرًا كثيرًا، فساءه ذلك، فقال له الجني الذي كان يُحِبُّ كلَّ ما يُوافق سليمان: أنا أعمل لك ما يُذهب به ذلك الشعر. فعمل النورة والحمام، فكان أول ما عمل الحمام والنورة، وتزوجها سليمان في قول بعضهم[[تفسير يحيى بن سلام ٢/٥٤٩.]]٤٨٨٣. (ز)
﴿قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی﴾ - تفسير
٥٧٥٢٣- عن عبد الملك ابن جريج، في قوله: ﴿قالت رب إني ظلمت نفسي﴾، قال: ظنت أنه ماء، وأنّ سليمان أراد قتلها، فقالت: أراد قتلي، واللهِ، على ذلك لأقْتَحِمَنَّ فيه. فلمّا رأته أنه قوارير عرفت أنها ظلمت سليمان لِما ظَنَّت، فذلك قولها: ﴿ظلمت نفسي﴾[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١١/٣٧٧)
٥٧٥٢٤- قال مقاتل بن سليمان: فـ﴿قالت﴾ حين دخلت الصرح: ﴿رب إني ظلمت نفسي﴾ يعني: بعبادتها الشمس[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٠٩. وفي تفسير البغوي ٦/١٦٨: قال مقاتل: لما رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله، فقالت: ربِّ إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك.]]. (ز)
٥٧٥٢٥- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في: ﴿قال إنه صرح ممرد من قوارير﴾: فعرفت أنها قد غُلبت، ﴿قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٥.]]. (ز)
٥٧٥٢٦- عن سفيان بن عيينة -من طريق ابن أبي عمر- قال: ﴿قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة﴾، فقالت في نفسها: إنّما أراد سليمان أن يُغْرِقني في البحر، كان غير هذا أحسن مِن هذا. فلما قيل لها: ﴿إنه صرح ممرد من قوارير﴾. قالت: ﴿رب إني ظلمت نفسي﴾. تعني: الظنَّ الذي ظنت بسليمان ﵇[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٥. وأخرجه إسحاق البستي في تفسيره ص٢٣ بنفس السند، إلا أن فيه قولها: إنما أراد سليمان أن يعرفني الله، بدل: إنما أراد سليمان أن يغرقني في البحر.]]. (ز)
٥٧٥٢٧- قال يحيى بن سلّام، في قوله: ﴿قالت رب إني ظلمت نفسي﴾: أي: إنِّي أضررت نفسي. وبعضهم يقول: أي: نقصت نفسي، يعني: لما كانت عليه من الكفر، ﴿وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾[[تفسير يحيى بن سلام ٢/٥٤٩.]]. (ز)
﴿وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ٤٤﴾ - تفسير
٥٧٥٢٨- عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم- قال: ... فلمّا وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله، وعاتبها في عبادتها الشمسَ دون الله، فقالت بقول الزنادقة، فوقع سليمانُ ساجدًا إعظامًا لِما قالت، وسجد معه الناس، وسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع، فلمّا رفع سليمانُ رأسَه قال: ويحكِ، ماذا قلتِ؟ قال: وأنسيت ما قالت، فقالت: ﴿رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾. وأسلمت، فحسن إسلامها[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨١.]]. (ز)
٥٧٥٢٩- عن يزيد بن رومان -من طريق محمد بن إسحاق-، مثله[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٦.]]. (ز)
٥٧٥٣٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وأسلمت﴾ يعني: أخلصت ﴿مع سليمان﴾ بالتوحيد ﴿لله رب العالمين﴾. خرَّت لله ﷿ ساجدة، وتابت إلى الله ﷿ مِن شِرْكها[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٠٩-٣١٠.]]. (ز)
﴿وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ٤٤﴾ - آثار متعلقة بالآية
٥٧٥٣١- عن عون بن عبد الله بن عتبة، أنّ أباه سُئِل: هل كان سليمان تزوج المرأة صاحبة سبأ؟ فقال: عهدي بها وهي تقول: ﴿وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٦. وفي تفسير البغوي ٦/١٦٨: قال عون بن عبد الله: سأل رجلٌ عبدَ الله بن عتبة: هل تزوجها سليمان؟ قال: انتهى أمرها إلى قولها: ﴿وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾. يعني: لا علم لنا وراء ذلك.]]. (ز)
﴿وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ٤٤﴾ - آثار مُطوَّلة في القصة
٥٧٥٣٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطاء بن السائب، عن مجاهد- قال: كان سليمان بن داود ﵇ إذا أراد سفرًا قَعَد على سريره، ووُضِعت الكراسي يمينًا وشمالًا، فيُؤذَن للإنس عليه، ثم أذن للجن عليه بعد الإنس، ثم أذن للشياطين بعد الجن، ثم أرسل إلى الطير فتُظِلّهم، ثم أمر الريح فحملتهم وهو على سريره، والناس على الكراسي، والطير تظلهم، والريح تسير بهم، غدوها شهر ورواحها شهر، رخاء حيث أراد، ليس بالعاصف ولا باللين، وسطًا بين ذلك. وكان سليمان يختار مِن كل طير طيرًا، فيجعله رأسَ تلك الطير، فإذا أراد أن يُسائل تلك الطير عن شيء سأل رأسها. فبينما سليمان يسير إذ نزل مفازة، فسأل: كم بُعْد الماء ههنا؟ فسأل الإنس، فقالوا: لا ندري. فسأل الشياطين، فقالوا: لا ندري. فغضب سليمان، وقال: لا أبرح حتى أعلم كم بعد مسافة الماء ههنا؟ فقالت له الشياطين: يا رسول الله، لا تغضب، فإن يكُ شيءٌ يعلم فالهدهد يعلمه. فقال سليمان: عليَّ بالهدهد. فلم يوجد، فغضب سليمان، فقال: ﴿لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين﴾. يقول: بعذر مبين، غاب عن مسيري هذا! قال: ومرَّ الهدهد على قصر بلقيس، فرأى لها بستانًا خلف قصرها، فمال إلى الخضرة، فوقع فيه، فإذا هو بهدهد في البستان، فقال له هدهد سليمان: أين أنت عن سليمان؟ وما تصنع ههنا؟ فقال له هدهد بلقيس: ومَن سليمان؟ فقال: بعث الله رجلًا يُقال له: سليمان، رسولًا، وسخر له الجن والإنس والريح والطير. فقال له هدهد بلقيس: أي شيء تقول؟! قال: أقول لك ما تسمع. قال: إنّ هذا لَعجب! وأعجب من ذلك أنّ كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة، وأوتيت مِن كل شيء، ولها عرش عظيم، جعلوا الشكر لله أن يسجدوا للشمس مِن دون الله. قال: وذكر لهدهد سليمان، فنهض عنه، فلما انتهى إلى العسكر تلقته الطير، فقالوا: توعدك رسولُ الله. وأخبروه بما قال، وكان عذاب سليمان للطير أن ينتفه، ثم يشمسه، فلا يطير أبدًا، ويصير مع هوام الأرض، أو يذبحه فلا يكون له نسلٌ أبدًا، قال الهدهد: وما استثنى نبيُّ الله؟ قالوا: بلى؛ قال: أو ليأتيني بعذر مبين. فلما أتى سليمان قال: وما غيبتك عن مسيري هذا؟ فاعتلَّ له بشيء، وأخبره عن بلقيس وقومها ما أخبره الهدهد، فقال سليمان: بل اعتللت، ﴿سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم﴾. وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى بلقيس، ألا تعلوا علَيَّ، وأتوني مسلمين. فلما ألقى الهدهدُ الكتاب إليها ألقي في رُوعها أنّه كتاب كريم، وأنه من سليمان، وألا تعلوا عليَّ، وأتوني مسلمين. قالوا: نحن أولو قوة. قالت: إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وإني مرسلة إليهم بهدية. فلما جاءت الهدية سليمان قال: أتمدونني بمال؟! ارجع إليهم. فلما رجع إليها رسلها خرجت فزعة، فأقبل معها ألف قَيْل، مع كل قَيْل مائة ألف. قال: وكان سليمان رجلًا مَهيبًا، لا يُبْتَدَأُ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يومئذ، فجلس على سريره، فرأى رَهَجًا قريبًا منه، قال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس، يا رسول الله. قال: وقد نزلت مِنّا بهذا المكان؟ قال ابن عباس: وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومَن معها حين نظر إلى الغبار كما بين الكوفة والحيرة. قال: فأقبل على جنوده، فقال: ﴿أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين﴾؟ -قال: وبين سليمان وبين عرشها حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين- قال عفريت من الجن: ﴿أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك﴾. قال: وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما تجلس الأمراء ثم يقوم، قال سليمان: أريد أعجلَ مِن ذلك. قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا أنظر في كتاب ربي، ثم آتيك به ﴿قبل أن يرتد إليك طرفك﴾. فنظر إليه سليمان، فلما قطع كلامه ردَّ سليمان بصره، فنبع عرشها من تحت قدم سليمان من تحت كرسيٍّ كان يضع عليه رجله ثم يصعد إلى السرير، فلما رأى سليمان عرشها مستقرًّا عنده قال: ﴿هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر﴾ إذ أتاني به قبل أن يرتد إليَّ طرفي، ﴿أم أكفر﴾ إذ جعل مَن هو تحت يدي أقدر على المجيء مني. ثم ﴿قال نكروا لها عرشها﴾. ﴿فلما جاءت﴾ تقدمت إلى سليمان، قيل لها: ﴿أهكذا عرشك﴾؟ قالت: ﴿كأنه هو﴾. ثم قالت: لقد تركته في حصوني، وتركت الجنود محيطين به، فكيف جيء بهذا؟! ثم قالت: يا سليمان، إني أريد أن أسألك عن شيء، فأخبرني به. قال: سلي. قالت: أخبِرني عن ماء رواء لا مِن الأرض ولا مِن السماء. قال: وكان إذا جاء سليمان شيء لا يعلمه يسأل الإنس عنه، فإن كان عند الإنس منه علم وإلا سأل الجن، فإن لم يكن عند الجن علم سأل الشياطين، فقالت له الشياطين: ما أهون هذا، يا رسول الله، مُر بالخيل فتجري، ثم لتملأ الآنيةَ مِن عرقها. فقال لها سليمان: عرق الخيل. قالت: صدقت. قالت: فأخبِرني عن لون الرب. قال ابن عباس: فوثب سليمان عن سريره، فخرَّ ساجدًا، فقامت عنه، وتفرقت عنه جنوده، وجاءه الرسول، فقال: يا سليمان، يقول لك ربُّك: ما شأنك؟ قال: يا رب، أنت أعلم بما قالت. قال: فإنّ الله يأمرك أن تعود إلى سريرك، فتقعد عليه، وترسل إليها وإلى مَن حضرها مِن جنودها، وترسل إلى جميع جنودك الذين حضروك فيدخلوا عليك، فتسألها وتسألهم عما سألَتْك عنه. قال: ففعل سليمانُ ذلك، فلما دخلوا عليه جميعًا قال لها: عمَّ سألتيني؟ قالت: سألتك عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء. قال: قلت لك: عرق الخيل. قالت: صدقت. قال: وعن أي شيء سألتيني؟ قالت: ما سألتك عن شيء إلا عن هذا. قال لها سليمان: فلأيِّ شيء خررتُ عن سريري؟ قالت: كان ذلك لشيء لا أدري ما هو. فسأل جنودها، فقالوا مثل قولها، فسأل جنوده من الإنس والجن والطير وكل شيء كان حضره من جنوده، فقالوا: ما سألتْكَ -يا رسول الله- عن شيءٍ إلا عن ماء رواء. قال: وقد كان. قال له الرسول: يقول الله لك: ارجع، عد إلى مكانك، فإني قد كفيتكم. فقال سليمان للشياطين: ابنوا لي صرحًا تدخل عليَّ فيه بلقيس. فرجع الشياطين بعضهم إلى بعض، فقالوا: سليمان رسول الله، قد سخر الله [له] ما سخر، وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلامًا، فلا ننفكُّ له من العبودية أبدًا. قال: وكانت امرأة شعراء الساقين، فقالت الشياطين: ابنوا له بنيانًا يرى ذلك منها فلا يتزوجها. فبنوا له صرحًا مِن قوارير، فجعلوا له طَوابِيق[[طوابيق: جمع طابِق: وهو العظيم من الزُّجاج واللَّبِن، تعريب تابه. المُغرِب للمطرّزي (طبق).]] من قوارير كأنه الماء، وجعلوا من باطن الطَّوابِيق كل شيء يكون مِن الدواب في البحر، من السمك وغيره، ثم أطبقوه، ثم قالوا لسليمان: ادخل الصرح. فألقي كرسيٌّ في أقصى الصرح، فلما دخله أتى الكرسي، فصعد عليه، ثم قال: أدخِلوا عَلَيَّ بلقيس. فقيل لها: ﴿ادخلي الصرح﴾. فلما ذهبت تدخله، فرأت صورة السمك، وما يكون في الماء من الدواب؛ ﴿حسبته لجة وكشفت عن ساقيها﴾ لتدخل، وكان شعر ساقها ملتويًا على ساقيها، فلما رآه سليمانُ ناداها، وصرف وجهه عنها: ﴿إنه صرح ممرد من قوارير﴾. فألقت ثوبها، وقالت: ﴿رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾. فدعا سليمانُ الإنس، فقال: ما أقبح هذا؟! ما يُذْهِب هذا؟ قالوا: يا رسول الله، المواسي. فقال: الموسى تقطع ساقي المرأة. ثم دعا الشياطين، فقال مثل ذلك، فتلكؤوا عليه، ثم جعلوا له النورة. قال ابن عباس: فإنّه لأول يوم رُؤِيَت فيه النورة. قال: واستنكحها سليمان ﵇[[أخرجه ابن أبي شيبة -كما في تفسير ابن كثير ٦/٢٠٥-٢٠٦-، وابن أبي حاتم ٩/٢٨٩٦-٢٨٩٧. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]٤٨٨٤. (١١/٣٧٧)
٥٧٥٣٣- عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد -من طريق حصين- قال: كان سليمان ﵇ إذا أراد أن يسير وضع كرسيه، فيأتي مَن أراد مِن الجن والإنس، ثم يأمر الريح فتحملهم، ثم يأمر الطير فتظلهم، فبينا هو يسير إذ عطشوا، فقال: ما ترون بعد الماء؟ قالوا: لا ندري. فتفقد الهدهد، وكان له منه منزلة ليس بها طير غيره، فقال: ﴿ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا﴾. وكان عذابُه إذا عَذَّب الطير ينتفه، ثم يلقيه في الشمس، ﴿أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين﴾. يعني: بعذر بَيِّن. فلما جاء الهدهد استقبلته الطير، فقالت له: قد أوعدك سليمان. فقال لهم الهدهد: هل استثنى؟ فقالوا له: نعم؛ قد قال: إلا أن يجيء بعذر بَيِّن. فجاء بخبر صاحبة سبأ، فكتب معه إليها: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين﴾. فأقبلت بلقيس، فلما كانت على قدر فرسخ قال سليمان: ﴿أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين﴾؟ قال عفريت من الجن: ﴿أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك﴾. فقال سليمان: أريد أعجل مِن ذلك. فقال الذي عنده علم من الكتاب: ﴿أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك﴾. فأتى بالعرش في نفق في الأرض، يعني: سَرَب في الأرض، قال سليمان: غيِّروه. فلما جاءت قيل: ﴿أهكذا عرشك﴾؟ فاستنكرت السرعة، ورأت العرش، قالت: ﴿كأنه هو﴾. قيل لها: ﴿ادخلي الصرح﴾. فلما رأته حسبته لجة ماء، ﴿وكشفت عن ساقيها﴾، فإذا هي امرأة شعراء، فقال سليمان: ما يُذهِب هذا؟ فقال بعضُ الجن: أنا أذهب به. فصنعت له النورة، وكان أول ما صنعت النورة، وكان اسمها: بلقيس[[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١١/٥٣٦-٥٣٨، وابن أبي حاتم ٩/٢٨٦٠، ٢٨٦٢، ٢٨٦٣، ٢٨٨٧، ٢٨٩٣. وعزاه السيوطي إلى الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير.]]. (١١/٣٨٣)
٥٧٥٣٤- قال وهب بن مُنَبِّه وغيره: عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، فألبست الغلمان لباس الجواري، وجعلت في سواعدهم أساوِر مِن ذهب، وفي أعناقهم أطْواقًا مِن ذهب، وفي آذانهم أقراطًا وشُنوفًا مُرَصَّعات بأنواع الجواهر، وألبست الجواري لباس الغلمان؛ الأقبية والمناطق، وحملت الجواري على خمسمائة رَمَكَة[[الرَّمَكَة: هي الفرس وأنثى البِرْذَوْن التي تُتَّخذ للنّسل. اللسان (رمك).]]، والغلمان على خمسمائة بِرْذَون، على كل فرس لِجام مِن ذهب مُرَصَّع بالجواهر وغواشيها مِن الديباج الملون، وبعثت إليه خمسمائة لَبِنة مِن ذهب وخمسمائة لبنة مِن فضة، وتاجًا مُكَلَّلًا بالدُّرِّ والياقوت المرتفع، وأرسلت إليه المِسْكَ والعنبر والعود الألنجوج، وعمدت إلى حُقَّةٍ فجعلت فيها دُرَّة ثمينة غير مثقوبة، وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب، ودعت رجلًا مِن أشراف قومها يُقال له: المنذر بن عمرو، وضمَّت إليه رجالًا مِن قومها أصحاب رأي وعقل، وكتبت معه كتابًا بنسخة الهدية، وقالت فيه: إن كنت نبيًّا فمَيِّز بين الوصائف والوصفاء، وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها، واثقب الدرَّ ثقبًا مستويًا، وأدخل خيطًا في الخرزة المثقوبة مِن غير علاج إنس ولا جن. وأمرت بلقيس الغلمان، فقالت: إذا كلَّمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء. وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال، ثم قالت للرسول: انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه؛ فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملِك، ولا يَهُولَنَّك منظره، فإنّا أعزُّ منه، وإن رأيت الرجل بشاشًا لطيفًا فاعلم أنه نبيٌّ مُرسَل فتفَهَّم قوله، ورُدَّ الجواب. فانطلق الرسول بالهدايا، وأقبل الهدهد مسرعًا إلى سليمان، فأخبره الخبر كله، فأمر سليمان الجنَّ أن يضربوا لَبِنات الذهب ولَبِنات الفضة، ففعلوا، ثم أمرهم أن يبسطوا مِن موضعه الذي هو فيه إلى تسعة فراسخ ميدانًا واحدًا بلبنات الذهب والفضة، وأن يجعلوا حول الميدان حائطًا، شُرَفُها[[شُرَفُها: جمع شُّرْفة: وهي ما يُوضَع على أعالي القصور والمدن. لسان العرب (شرف).]] مِن الذهب والفضة، ثم قال: أي الدواب أحسن مِمّا رأيتم في البر والبحر؟ قالوا: يا نبي الله، إنا رأينا دوابًّا في بحر كذا وكذا منطقة مختلفة ألوانها، لها أجنحة وأعراف ونواصٍ. فقال: عليَّ بها الساعةَ. فأتوا بها، فقال: شدُّوها عن يمين الميدان وعن يساره، على لبنات الذهب والفضة، وألقوا لها علوفتها فيها. ثم قال للجن: عَلَيَّ بأولادكم. فاجتمع خلق كثير، فأقامهم على يمين الميدان ويساره، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره، ووُضِع له أربعةُ آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره، وأمر الشياطين أن يَصْطَفُّوا صفوفًا فراسخ، وأمر الإنس فاصْطَفُّوا فراسخ، وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير فاصْطَفُّوا فراسخ عن يمينه وعن يساره. فلمّا دنا القومُ مِن الميدان، ونظروا إلى ملك سليمان، ورأوا الدواب التي لم تر أعينهم مثلها تَروثُ على لبن الذهب والفضة؛ تقاصرت أنفسهم، ورموا بما معهم من الهدايا. وفي بعض الروايات: أنّ سليمان لَمّا أمر بفرش الميدان بلبِنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعًا على قدر موضع اللبنات التي معهم، فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليًا، وكل الأرض مفروشة؛ خافوا أن يُتَّهموا بذلك، فطرحوا ما معهم في ذلك المكان، فلما رأوا الشياطين نظروا إلى منظر عجيب، ففزعوا، فقالت لهم الشياطين: جُوزوا، فلا بأس عليكم. فكانوا يمرون على كُرْدُوس[[الكُرْدوس: الخَيْل العَظيمة. اللسان (كردس).]] كُرْدُوس من الجن والإنس والطير والهوام والسباع والوحوش، حتى وقفوا بين يدي سليمان، فنظر إليهم سليمان نظرًا حسنًا بوجه طلق، وقال: ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاءوا له، وأعطاه كتاب الملِكة، فنظر فيه، ثم قال: أين الحُقَّة؟ فأتى بها، فحركها، وجاء جبريل فأخبره بما في الحُقَّة، فقال: إنّ فيها درة ثمينة غير مثقوبة، وجزعة مثقوبة معوجة الثقب. فقال الرسول: صدقت، فاثقب الدرة، وأدخل الخيط في الخرزة. فقال سليمان: مَن لي بثقبها. فسأل سليمان الإنس ثم الجن، فلم يكن عندهم عِلْمُ ذلك، ثم سأل الشياطين، فقالوا: نرسل إلى الأرَضة. فجاءت الأرضة، فأخذت شعرة في فيها، فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ فقالت: تصير رزقي في الشجرة. فقال: لكِ ذلك. ورُوي: أنّه جاءت دودة تكون في الصَّفْصاف[[الصَّفْصاف: شَجَر عِظام، يكثر في أرض العرب، وأصنافه كثيرة، ويُسمّى: الخِلاف والسَّوْجر. اللسان (خلف).]]، فقالت: أنا أدخل الخيط في الثقب على أن يكون رِزقي في الصفصاف. فجعل لها ذلك، فأخذت الخيط بفيها، ودخلت الثقب، وخرجت من الجانب الآخر. ثم قال: مَن لهذه الخرزة فيسلكها في الخيط؟ فقالت دودة بيضاء: أنا لها، يا رسول الله. فأخذت الدودةُ الخيطَ في فيها، ودخلت الثقب حتى خرجت مِن الجانب الآخر، فقال سليمان: ما حاجتك؟ فقالت: تجعل رزقي في الفواكه. قال: لك ذلك. ثم ميَّز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم، فجعلت الجارية تأخذ الماء مِن الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه، والغلام كما يأخذه من الآنية يضرب به وجهه، وكانت الجارية تصُبُّ الماءَ على بطن ساعدها، والغلام على ظهر الساعد، وكانت الجارية تصبُّ الماء صبًّا، وكان الغلام يَحْدِر[[حدَرَ الشيء يَحْدِرُه حَدْرًا: حَطَّه من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ. والحَدْر أيضًا: الإسراع. اللسان (حدر).]] الماء على يديه حدرًا، فمَيَّز بينهم بذلك[[تفسير البغوي ٦/١٦٠-١٦٢.]]. (ز)
﴿وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ٤٤﴾ - آثار متعلقة بالقصة
٥٧٥٣٥- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «كان أحد أبوي صاحبةِ سبأ جنِّيًّا»[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٣، وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٤/٤١٦ وفيه: بلقيس، بدل: سبأ، من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة به. وسنده ضعيف؛ فيه سعيد بن بشير الأزدي، قال عنه ابن حجر في التقريب (٢٢٧٦): «ضعيف».]].(ز) (ز)
٥٧٥٣٦- عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لَمّا تزوج سليمانُ بلقيس قالت: ما مَسَّتني حديدةٌ قط. فقال للشياطين: انظروا أيَّ شيء يُذهِب بالشعر غير الحديد. فوضعوا له النورة، فكان أول مَن وضعها شياطينُ سليمان[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٤ بنحوه من طريق عمران بن سليمان، وابن عساكر ٦٩/٧٨ عن الأوزاعي وليس عن عكرمة، ولم يسنده.]]. (١١/٣٨٤)
٥٧٥٣٧- عن أبي صالح -من طريق عمران بن سليمان- قال: لَمّا تزوَّج سليمانُ بلقيس قالت له: لم تَمَسَّني حديدةٌ قط. قال سليمان للشياطين: انظروا ما يُذهب الشعر. قالوا: النورة. فكان أول مَن صنع النورة[[أخرجه ابن جرير ١٨/٨٤.]]. (ز)
٥٧٥٣٨- عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق ابن أبي إسحاق، عن بعض أهل العلم- قال: زعموا أنّ سليمان بن داود ﵇ قال لبلقيس لَمّا أسلمت وفرغ مِن أمرها: اختاري رجلًا مِن قومكِ أُزَوِّجكه. قالت: ومثلي -يا نبيَّ الله- ينكح الرجال، وقد كان لي في قومي مِن الملك والسلطان ما كان؟! قال: نعم، إنّه لا يكون في الإسلام إلا ذلك، ولا ينبغي لك أن تُحَرِّمي ما أحلَّ الله لك. فقالت: زوجني إن كان لا بُدَّ مِن ذلك ذا تبع ملك همذان. فزوَّجه إيّاها، ثم ردَّها إلى اليمن، وسلط زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا زوبعة أمير جِنِّ اليمن، فقال: اعمل لذي تبع ما استعملك فيه. قال: فصنع لذي تبع الصنائع باليمن، ثم لم يزل بها يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان بن داود ﵇، فلما أن حال الحول وتبينت الجن موتَ سليمان ﵇؛ أقبل رجل منهم، فسلك تهامة، حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته: يا معشر الجن، إنّ الملك سليمان قد مات، فارفعوا أيديكم. قال: فعمدت الشياطين إلى حجرين عظيمين، فكتبوا فيها كتابًا بالمسند: نحن بنينا «سلحين» دائبين، وبنينا «صرواح» و«مرواخ» و«بنيون» و«حاضة» و«هذرة» و«هنيدة» و«تلثوم»-وهذه حصون باليمن بنتها الشياطين لذي تبع-، ولولا صارخ بتهامة لتركنا بـ«البون» إمارة. ثم رفعوا أيديهم، وانطلقوا وتفرقوا، وانقضى ملك ذي تبع وملك بلقيس مع ملك سليمان ﵇[[تفسير الثعلبي ٧/٢١٤-٢١٥.]]. (ز)
٥٧٥٣٩- عن [مسلمة] بن عبد الله بن ربعي، قال: لَمّا أسلمت بلقيسُ تزوجها سليمان، وأمهرها بعلبك[[أخرجه ابن عساكر ٦٩/٦٧. وجاء في الدر: عن سلمة بن عبد الله بن ربعي. والصحيح المثبت. ينظر: تهذيب الكمال ٢٧/٥٦١.]]. (١١/٣٨٥)
٥٧٥٤٠- قال مقاتل بن سليمان: ... واتخذها سليمان ﵇ لنفسه، فولدت له داود بن سليمان بن داود ﵈، وأمر لها بقرية من الشام يُجْبى لها [خراجها]، وكانت عذراء، فاتَّخذ الحمامات مِن أجلها ... وكان سليمان ﵇ يسير بها معه إذا سار[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٠٩-٣١٠.]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.