﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُوا۟ مِنۡهَا جَمِیعࣰاۖ فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدࣰى فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة ٣٨]
﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُوا۟ مِنۡهَا جَمِیعࣰاۖ﴾ - تفسير
١٤٩٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿قُلْنا اهْبِطُوا مِنها جَمِيعًا﴾ يعني: من الجنة جميعًا؛ آدم، وحواء، وإبليس، فأوحى الله إليهم بعد ما هبطوا: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾(١). (ز)
ابن عطية (١/١٩١): «واختلف في المقصود بهذا الخطاب، فقيل: آدم وحواء وإبليس وذريتهم، وقيل: ظاهره العموم ومعناه الخصوص في آدم وحواء؛ لأن إبليس لا يأتيه هدى، وخوطبا بلفظ الجمع تشريفًا لهما، والأول أصح؛ لأن إبليس مخاطب بالإيمان بإجماع».
﴿فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدࣰى﴾ - تفسير
١٤٩٩- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- في قوله: ﴿قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى﴾، قال: الهدى: الأنبياء، والرسل، والبيان(٢). (١/٣٣٥)
ابنُ جرير (١/٥٨٩-٥٩٠) على أثر أبي العالية بقوله: «فإن كان ما قال أبو العالية في ذلك كما قال؛ فالخطاب بقوله: ﴿اهبطوا﴾ وإن كان لآدم وزوجته، فيجب أن يكون مرادًا به آدم وزوجته وذريتهما. فيكون ذلك حينئذ نظير قوله: ﴿فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾ [فصلت:١١]، بمعنى: أتينا بما فينا من الخلق طائعين. ونظير قوله في قراءة ابن مسعود: (رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ومِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُّسْلَمَةً لَكَ وأرِهِم مَّناسِكَهُمْ)، فجمع قبل أن تكون ذرية ... وإنما قلنا: إن ذلك هو الواجب على التأويل الذي ذكرناه عن أبي العالية؛ لأن آدم كان هو النبي ﷺ أيامَ حياته بعد أن أُهْبِط إلى الأرض، والرسول من الله -جل ثناؤه- إلى ولده، فغير جائز أن يكون مَعْنِيًّا -وهو الرسول- بقوله: ﴿فإما يأتينكم مني هدى﴾ خطابًا له ولزوجته: ﴿فإما يأتينكم مني هدى﴾ أنبياء ورسل إلا على ما وصفتُ من التأويل».
١٥٠٠- عن الحسن البصري -من طريق البراء بن يزيد- في قوله: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾، قال: القرآن(٣). (ز)
ابنُ كثير (١/٣٧٢) على قولي الحسن ومقاتل بن حيان الآتي بقوله: «وهذان القولان صحيحان». ثم قال: «وقول أبي العالية أعَمّ».
١٥٠١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ يعني: ذُرِّيَّة آدم، فإن يأتيكم(٤) يا ذرِّيَّة آدم ﴿مِنِّي هُدىً﴾ يعني: رسولًا وكتابًا فيه البيان. ثُمّ أخبر بمستقر من اتَّبَع الهدى في الآخرة، قال سُبحانه: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدايَ﴾(٥). (ز)
١٥٠٢- عن مقاتل بن حيان -من طريق بُكَيْر بن معروف- في قول الله ﷿: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾، يعني بالهدى: محمدًا ﷺ(٦) . (ز)
ابن جرير (١/٥٩٠-٥٩١) مُسْتَدِلًّا بالسياقِ، وأقوالِ الحجّة من أهل التأويلِ أن يكون المقصود بقوله: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾ أي: بيان من أمري وطاعتي، ورشادٌ إلى سبيلي وديني، فقال: «وقول أبي العالية في ذلك، وإن كان وجهًا من التأويل تحتمله الآية؛ فأقرب إلى الصواب منه عندي، وأشبه بظاهر التلاوة أن يكون تأويلها: فإما يأتينكم مني، يا معشر من أهبطتُه إلى الأرض من سمائي، وهو آدم وزوجته وإبليس، كما قد ذكرنا قبلُ في تأويل الآية التي قبلها: إما يأتينكم مني بيان من أمري وطاعتي، ورشاد إلى سبيلي وديني، فمن اتَّبعه منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إليَّ معصية، وخلاف لأمري وطاعتي. يعرِّفهم بذلك -جَلَّ ثناؤه- أنّه التائب على من تاب إليه من ذنوبه، والرحيم لمن أناب إليه، كما وصف نفسه بقوله: ﴿إنه هو التواب الرحيم﴾، وذلك أن ظاهر الخطاب بذلك إنما هو للذين قال لهم -جلَّ ثناؤه-: ﴿اهبطوا منها جميعا﴾، والذين خُوطِبوا به هم مَن سمَّينا في قول الحُجَّة من الصحابة والتابعين الذين قد قَدَّمنا الرواية عنهم. وذلك وإن كان خطابًا من الله -جلَّ ذِكْرُه- لِمَن أُهبِط حينئذ من السماء إلى الأرض، فهو سنة الله في جميع خلقه، وتعريف منه بذلك للذين أخبر عنهم في أول هذه السورة بما أخبر عنهم في قوله: ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ [البقرة:٦]، وفي قوله: ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين﴾ [البقرة:٨]، وأنّ حكمه فيهم إن تابوا إليه وأنابوا واتبعوا ما أتاهم من البيان من عند الله على لسان رسوله محمد ﷺ، أنّهم عنده في الآخرة مِمَّن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأنّهم إن هلكوا على كفرهم وضلالتهم قبل الإنابة والتوبة كانوا من أهل النار المُخَلَّدين فيها».
﴿فَمَن تَبِعَ هُدَایَ﴾ - قراءات
١٥٠٣- عن أبي الطُّفَيْل، قال: قرأ رسول الله ﷺ: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَيَّ)، بتثقيل الياء وفتحها(٧). (١/٣٣٥)
﴿فَمَن تَبِعَ هُدَایَ﴾ - تفسير الآية
١٥٠٤- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس– ﴿فَمَن تَبِعَ هُدايَ﴾، يعني: بياني(٨). (ز)
قال ابنُ جرير (١/٥٩١) مُبَيِّنًا معنى قوله تعالى: ﴿فمن تَبعَ هُدايَ﴾: «يعني: فمن اتَّبع بَياني الذي آتيتُه على ألسن رُسُلي، أو مع رسلي». ولم يُورِد فيه إلا أثر أبي العالية.
وقال ابنُ عطية (١/١٩١ بتصرف): «واختُلِف في معنى قوله: ﴿هُدىً﴾، فقيل: بيان وإرشاد. والصواب أن يقال: بيان ودعاء».
١٥٠٥- عن قتادة: في قوله: ﴿فمن اتبع هداي﴾ الآية، قال: ما زال لله في الأرض أولياء منذُ هَبَط آدم، ما أخلى الله الأرض لإبليس إلا وفيها أولياء له، يعملون لله بطاعته(٩). (١/٣٣٥)
١٥٠٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدايَ﴾، يعني: رسولي، وكتابي(١٠). (ز)
١٥٠٧- عن مقاتل بن حيان -من طريق بُكَيْر بن معروف- في قول الله: ﴿فمن اتبع هداي﴾، يقول: فمن تَبِع محمدًا ﷺ(١١). (ز)
١٥٠٨- عن أبي خالد [ثور بن يزيد الكلاعي] -من طريق إبراهيم بن حميد- ﴿فمن اتبع هداي﴾، يعني: كتابي(١٢). (ز)
﴿فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ ٣٨﴾ - تفسير
١٥٠٩- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- في قوله: ﴿فلا خوف عليهم﴾ يعني: في الآخرة، ﴿ولا هم يحزنون﴾ يعني: لا يحزنون للموت(١٣). (١/٣٣٥)
١٥١٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ من الموت(١٤). (ز)
١٥١١- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب- ﴿لا خوف عليهم﴾، يقول: لا خوف عليكم أمامكم، وليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت، فأمَّنهم منه، وسلّاهم عن الدنيا، فقال: ﴿ولا هم يحزنون﴾(١٥). (ز)
ابن جرير (١/٥٩١) في تأويل الآية إلى ما ذهب إليه ابنُ زيد للآية.
ابن عطية (١/١٩٢) في معنى الآية عدة احتمالات، فقال: «ويحتمل قوله تعالى: ﴿لا خوف عليهم﴾ أي: فيما بين أيديهم من الدنيا، ﴿ولا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على ما فاتهم منها، ويحتمل أن لا خوف عليهم يوم القيامة ولا هُمْ يَحْزَنُونَ فيه، ويحتمل أن يريد: أنه يدخلهم الجنة حيث لا خوف ولا حزن».
(١) تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٠٠.
(٢) أخرجه ابن جرير ١/٥٨٩، وابن أبي حاتم ١/٩٣.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم ١/٩٣.
(٤) كذا في المطبوع.
(٥) تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٩.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم ١/٩٣.
(٧) أخرجه ابن الأعرابي في معجمه ١/٣٩٤- ٣٩٥ (٧٣٩). وعزاه السيوطي إلى ابن الأنباري في كتاب المصاحف.
قال ابن أبي حاتم في العلل ٦/٦٣٦- ٦٣٧ (٢٨٢٣) عن أبي زرعة: «... إسماعيل بن مسلم المكي عن أبي الطفيل، مرسل».
والقراءة شاذة، تروى أيضًا عن أبي إسحاق. انظر: مختصر ابن خالويه ص١٢، والمحتسب ١/٧٥.
(٨) أخرجه ابن جرير ١/٥٩١، وابن أبي حاتم ١/٩٣.
(٩) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.
(١٠) تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٠٠.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم ١/٩٣.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم ١/٩٣ (٤٢٤).
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم ١/٩٣ (٤٢٥، ٤٢٦).
(١٤) تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٠٠.
(١٥) أخرجه ابن جرير ١/٥٩١.