الباحث القرآني

﴿ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَـٰتُ قِصَاصࣱۚ﴾ - نزول الآية، وتفسيرها

٦١٥٠- عن عبد الله بن عباس، قال: لَمّا سار رسول الله ﷺ مُعْتَمِرًا في سنة سِتٍّ من الهجرة، وحَبَسَه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت، وصدُّوه بمَن معه من المسلمين في ذي القعدة، وهو شهر حرام، حتى قاضاهم على الدخول من قابل، فدَخلها في السنة الآتية هو ومَن كان معه مِن المسلمين، وأَقَصَّه الله منهم؛ نزلت في ذلك هذه الآية: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٥ بنحوه.]]. (٢/٣١٧)

٦١٥١- عن عبد الله بن عباس -من طريق الكلبيِّ، عن أبي صالح- قال: نَزَلت هذه الآية في صُلْحِ الحديبية، وذلك أنّ رسول الله ﷺ لَمّا صُدَّ عن البيت، ثُمَّ صالحه المشركون على أن يَرْجِع عامَه القابِل، فلمّا كان العامُ القابلُ تَجَهَّز وأصحابُه لعُمْرَةِ القَضاء، وخافوا ألّا تفِيَ قريش بذلك، وأن يصُدُّوهم عن المسجد الحرام، ويُقاتِلوهم، وكَرِه أصحابُه قتالَهم في الشهر الحرام؛ فأنزل الله ذلك[[أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص٥٥. وأورده الثعلبي ٢/٨٧-٨٨. قال ابن حجر في العُجاب ١/٤٦٦: «قلت: الكلبي ضعيف لو انفرد، فكيف لو خالف؟! وقد خالفه الربيع بن أنس، وهو أوْلى بالقَبول منه، فقال: إنّ هذه الآية أول آية في الإذن للمسلمين في قتال المشركين. وسياق الآيات يشهد لصحة قوله». وينظر: مقدمة الموسوعة.]]. (٢/٣١٧)

٦١٥٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- في هذه الآية: ﴿الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحرماتُ قصاص﴾، قال: أمركم الله بالقِصاص، ويأخذ منكم العدوان[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٨، وابن أبي حاتم ١/٣٢٩ (١٧٣٩) وزاد في آخره: فحَجَّة بحَجَّة، وعُمْرَة بعُمْرَة.]]. (ز)

٦١٥٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- قوله: ﴿والحُرمات قصاص﴾، فهم المشركون، كانوا حبسوا محمدًا ﷺ في ذي القعدة عن البيت، ففَخَرُوا عليه بذلك، فرَجَعَه اللهُ في ذي القعدة، فأدخله الله البيت الحرام، واقْتَصَّ له منهم[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٨.]]. (ز)

٦١٥٤- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- قال: أقْبَلَ رسول الله ﷺ وأصحابه، فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة، ومعهم الهَدْيُ، حتى إذا كانوا بالحديبية صدَّهم المشركون، فصالحهم رسول الله ﷺ أن يرجع ثُمَّ يقدُمَ عامًا قابِلًا، فيقيم بمكة ثلاثة أيام، ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة، فنَحَر رسول الله ﷺ وأصحابُه الهديَ بالحديبية، وحلقوا أو قَصَّروا، فلما كان عامُ قابلٍ أقبلوا حتى دخلوا مكة في ذي القعدة، فاعتمروا، وأقاموا بها ثلاثة أيام، وكان المشركون قد فخَروا عليه حينَ صدُّوه يوم الحديبية، فقَصَّ اللهُ له منهم، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي ردُّوه فيه، فقال: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٧، وابن أبي حاتم ١/٣٢٨ مرسلًا.]]. (٢/٣١٨)

٦١٥٥- عن عروةَ بن الزبير= (ز)

٦١٥٦- ومحمد ابن شهاب الزهري، قالا: خرج رسول الله ﷺ من العام القابل من عام الحديبية مُعْتَمِرًا في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صدَّه فيه المشركون عن المسجد الحرام، وأنزل الله في تلك العمرة: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾، فاعتمر رسول الله ﷺ في الشهر الحرام الذي صُدَّ فيه[[أخرجه البيهقي في الدلائل ٤/٣١٤ مرسلًا.]]. (٢/٣٢٠)

٦١٥٧- عن مِقْسَم -من طريق عثمان-= (ز)

٦١٥٨- وقتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحُرمات قصاص﴾، قالا: كان هذا في سَفَر الحُدَيْبِية، صدَّ المشركون النبيَّ ﷺ وأصحابَه عن البيت في الشهر الحرام، فقاضَوُا المشركين يومئذ قَضِيَّةً: إنّ لكم أن تعتمروا في العام المقبل في هذا الشهر الذي صدُّوهم فيه، فجعل الله -تعالى ذِكْرُه- لهم شهرًا حرامًا يعتمرون فيه مكانَ شهرهم الذي صُدُّوا؛ فلذلك قال: ﴿والحُرمات قصاص﴾[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٦. وهو في تفسير عبد الرزاق ١/٧٣ من طريق مَعْمَر، عن رجل، عن قتادة، عن عكرمة مرسلًا.]]٦٧٩. (ز)

٦٧٩ وجَّه ابنُ عطية (١/٤٦٦) معنى الآية على هذا القول الذي قاله ابن عباس، والضحاك، ومجاهد، وقتادة، والسدي، والربيع، ومقسم، وعطاء، وابن زيد، فقال: «ومعنى ﴿الحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ على هذا التأويل: أي: حرمة الشهر، وحرمة البلد، وحرمة المُحْرِمِين حين صددتم بحرمة البلد والشهر والقِطان حين دخلتم». وذكر أنّ الحسن بن أبي الحسن قال: نزلت الآية في أن الكفار سألوا النبي ﷺ هل يُقاتِل في الشهر الحرام؟ فأخبرهم أنه لا يُقاتِل فيه، فَهَمُّوا بالهجوم عليه فيه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يُدافِع فيه، فنزلت: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾، أي: هو عليكم في الامتناع من القتال أو الاستباحة بالشهر الحرام عليهم في الوَجْهَيْن، فأيَّة سلكوا فاسلكوا. ووجَّه معنى الحرمات على هذا القول، فقال: «﴿والحرمات﴾ -على هذا- جمع حرمة عمومًا: النفس، والمال، والعرض، وغير ذلك، فأباح الله بالآية مدافعتهم». ثم علّق، فقال: «والقول الأول أكثر».

٦١٥٩- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾، قال: فَخَرت قريشٌ بردِّها رسولَ الله ﷺ يوم الحديبية مُحْرِمًا في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله مكة من العام المقبل، فقضى عمرته، وأقصَّه ما حِيلَ بينه وبين يوم الحديبية[[تفسير مجاهد ص٢٢٤، وأخرجه ابن جرير ٣/٣٠٥ مرسلًا. وذكر نحوه يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/٢٠٦-. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٢/٣١٨)

٦١٦٠- عن الضحاك بن مُزاحِم -من طريق جُوَيْبِر- في قوله: ﴿الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرماتُ قِصاص﴾: وأَحْصَرُوا النبيَّ ﷺ في ذي القعدة عن البيت الحرام، فأدخله اللهُ البيتَ الحرامَ العامَ المقبلَ، واقتصَّ له منهم؛ فقال: ﴿الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قصاص﴾[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٧ مرسلًا.]]. (ز)

٦١٦١- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق مَعْمَر، عن رجل، عن قتادة- في قوله تعالى: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾، قال: كان هذا في سَفَر الحديبية، صدَّ المشركون النبيَّ ﷺ وأصحابَه عن البيت في الشهر الحرام، فقاضَوُا يومئذٍ المشركين قَضِيَّةً: أنّ لهم أن يعتمروا في العام المقبل في هذا الشهر الذي صَدُّوهم فيه، فجعل الله تعالى لهم شهرًا حرامًا يعتمرون فيه مكان شهرهم الذي صُدُّوا فيه؛ فلذلك قال: ﴿والحرمات قصاص﴾[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/٧٣ مرسلًا.]]. (ز)

٦١٦٢- عن ابن جُرَيْج، قال: قلتُ لعطاء [بن أبي رباح]: قول الله ﷿: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾. فقال: هذا يومُ الحديبية، صَدُّوا رسولَ الله ﷺ عن البيت الحرام، وكان معتمرًا، فدخل رسولُ الله ﷺ في السنة التي بعدها معتمرًا مكة، فعمرةٌ في الشهر الحرام بعمرة في الشهر الحرام [[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٩، والنحاس في ناسخه ص١١٤، والفاكهي في أخبار مكة ٥/٧٨ (٢٨٨٠) مرسلًا.]]. (٢/٣١٩)

٦١٦٣- عن محمد بن كعب القُرَظِيِّ -من طريق أبي صخر المديني- أنّه كان يقول في هذه الآية ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾: إنّهم منعوه قومٌ بالحديبية، فحالوا بينه وبين البيت، فدخل عليُّ بن أبي طالب ﵁ قبل حجة الوداع بسَنَةٍ، فأذَّن في مكة: لا يَطُفْ بالبيت عُرْيان، ولا مُشْرِك[[أخرجه الفاكهي في أخبار مكة ٥/٧٨ (٢٨٧٨).]]. (ز)

٦١٦٤- عن قتادة بن دِعامة -من طريق سعيد- قال: أقْبَلَ نبي الله ﷺ وأصحابه معتمرين في ذي القعدة، ومعهم الهَدْيُ، حتى إذا كانوا بالحديبية، فصدَّهم المشركون، فصالحهم نبيُّ الله أن يرجع عامه ذلك حتى يرجع من العام المقبل، فيكون بمكة ثلاث ليال، ولا يدخلوها إلا بسلاح الرّاكِب، ولا يخرج بأحد من أهل مكة، فنحروا الهديَ بالحديبية، وحلقوا وقصَّروا، حتى إذا كان من العام المقبل أقبل نبيُّ الله وأصحابُه معتمرين في ذي القعدة، حتى دخلوا، فأقام بها ثلاث ليال، وكان المشركون قد فَخَروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية، فأقصَّه الله منهم، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردُّوه فيه في ذي القعدة، فقال الله: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٦ مرسلًا. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٢/٣١٩)

٦١٦٥- عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- ﴿الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرمات قِصاص﴾، قال: لَمّا اعتمر رسول الله ﷺ عُمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ستٍّ من مُهاجَره صدَّه المشركون، وأَبَوْا أن يتركوه، ثم إنّهُم صالحوه في صُلحهم على أن يُخْلُوا له مكة من عام قابل ثلاثةَ أيام، يخرجون ويتركونه فيها، فأتاهم رسول الله ﷺ بعد فتح خَيْبر من السنة السابعة، فخَلَّوْا له مكة ثلاثة أيام، فنَكَح في عُمرته تلك مَيمونةَ بنتَ الحارث الهِلالِيَّة[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٧ مرسلًا.]]. (ز)

٦١٦٦- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- قال: أقْبَل نبيُّ الله ﷺ وأصحابُه، فأَحْرَموا بالعمرة في ذي القَعدة، ومعهم الهَدْيُ، حتى إذا كانوا بالحديبية صَدَّهم المشركون، فصالحهم رسول الله ﷺ أن يرجع ذلك العام حتى يَرْجِع العامَ المقبل، فيقيم بمكة ثلاثة أيام، ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة. فنحروا الهَدْيَ بالحديبية، وحلَّقوا وقصَّروا، حتى إذا كانوا من العام المُقْبِل أقْبَل النبي ﷺ وأصحابه حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القَعدة، وأقاموا بها ثلاثة أيام، وكان المشركون قد فَخَروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية، فقاصَّ الله له منهم، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردُّوه فيه في ذي القعدة. قال الله -جَلَّ ثناؤُه-: ﴿الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص﴾[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٧ مرسلًا.]]. (ز)

٦١٦٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام﴾، وذلك أنّ النبي ﷺ والمسلمين ساروا إلى مكة مُحْرِمِين بعمرة، ومن كان معه عام الحديبية، لِسِتِّ سنين من هجرته إلى المدينة، فصَدَّهم مشركو مكة، وأَهْدى أربعين بَدَنَةً -ويُقال: مائة بَدَنَةٍ-، فردّوه، وحبسوه شهرين لا يصل إلى البيت، وكانت بيعة الرضوان عامَئِذٍ، فصالحهم النبي ﷺ على أن ينحر الهَدْي مكانه في أرض الحرم، ويرجع، فلا يدخل مكة، فإذا كان العامُ المقبلُ خرجت قريش من مكة، وأَخْلَوا له مكة ثلاثة أيام، ليس مع المسلمين سلاحٌ إلا في غِمْدِه، فرجع النبي ﷺ، ثم تَوَجَّه من فَوْرِه ذلك إلى خَيْبَر، فافتتحها في المُحَرَّم، ثم رجع إلى المدينة، فلمّا كان العام المقبل، وأحرم النبي ﷺ وأصحابه بعمرة في ذي القعدة، وأهدَوا، ثم أقبلوا من المدينة، فأخلى لهم المشركون مكة ثلاثة أيام، وأدخلهم الله ﷿ مكة، فقَضَوْا عمرتَهم، ونَحَرُوا البُدْنَ؛ فأنزل الله ﷿: ﴿الشهر الحرام﴾ الذي دخلتم فيه مكة هذا العام ﴿بالشهر الحرام﴾ يعني: الذي صَدُّوكم فيه العامَ الأولَ، ﴿والحرمات قصاص﴾ يعني: اقْتَصَصْتُ لك منهم في الشهر الحرام، يعني: في ذي القعدة، كما صدّوكم في الشهر الحرام، وذلك أنهم فَرِحوا وافْتَخَرُوا حين صَدُّوا النبيَّ ﷺ عن المسجد الحرام، فأدخله الله ﷿ من قابِل[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٦٩.]]٦٨٠. (ز)

٦٨٠ ذكر ابنُ عطية (١/٤٦٦-٤٦٧) قَوْلَيْن في قوله: ﴿والحرمات قصاص﴾. الأول: أنه مقطوع مما قبله، وهو ابتداء أمْرٍ كان في أول الإسلام أنَّ من انتهك حُرْمَتَك نِلْتَ منه مثل ما اعتدى عليك به، ثم نُسِخ ذلك بالقتال. الثاني: أن ما تناول من الآية التعدِّي بين أمة محمد والجنايات ونحوها لم ينسخ، وجائز لمن تُعُدِّيَ عليه في مال أو جرح أن يَتَعَدّى بمثل ما تُعُدِّي عليه به إذا خَفِيَ ذلك له، وليس بينه وبين الله في ذلك شيء، ونسبه للشافعي وغيره.

﴿ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَـٰتُ قِصَاصࣱۚ﴾ - النسخ في الآية

٦١٦٨- عن عبد الله بن عباس، أنّه قال: ﴿والحرمات قصاص﴾ منسوخةٌ، كان الله ﷿ قد أطْلَق للمسلمين إذا اعْتَدى عليهم أحدٌ أن يَقْتَصُّوا منه، فنسخ الله ﷿ ذلك، وصَيَّرَهُ إلى السُّلطان، فلا يجوز لأحدٍ أن يَقْتَصَّ مِن أحد إلا بأمر السلطان، ولا أن يقطع يد سارق، ولا غير ذلك[[علَّقه النحاس في ناسخه (ت: اللاحم) ١/٥٢٦.]]. (ز)

٦١٦٩- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب- في قوله: ﴿الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام﴾ حتى فرغ من الآية، قال: هذا كله قد نُسخ، أمرَه أن يجاهد المشركين. وقرأ: ﴿وقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كافَّةً﴾ [التوبة:٣٦]، وقرأ: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ﴾ [التوبة:١٢٣] العربِ، فلمّا فَرَغ منهم قال الله -جَلَّ ثناؤُه-: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِاليَوْمِ الآخِرِ ولا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ ورَسُولُهُ﴾ حتى بلغ قوله: ﴿وهُمْ صاغِرُونَ﴾ [التوبة:٢٩]، قال: وهم الروم. قال: فوَجَّه إليهم رسولُ الله ﷺ[[أخرجه ابن جرير ٣/٣٠٨.]]٦٨١. (ز)

٦٨١ رجَّح ابنُ جرير (٣/٣١١) القولَ بالنسخ مُسْتَنِدًا إلى قول أهل التأويل، فقال: «وهذه الآية منسوخةٌ بإذن الله لنبيِّه بقتال أهل الحرم ابتداءً في الحرم، وقولِه: ﴿وقاتلوا المشركين كافة﴾ [التوبة:٣٦]».

﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ ۝١٩٤﴾ - تفسير

٦١٧٠- عن جابر بن عبد الله، قال: لم يكن رسول الله ﷺ يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغْزى، أو يغزو فإذا حضَره أقامَ حتى يَنسَلِخ[[أخرجه أحمد ٢٢/٤٣٨، ٢٣/٦٠ (١٤٥٨٣، ١٤٧١٣)، وابن جرير ٣/٦٤٨، ٦٤٩، والنحاس في ناسخه ص١٢١. قال محققو المسند: «إسناده صحيح على شرط مسلم».]]٦٨٢. (٢/٣٢١)

٦٨٢ علَّق ابنُ كثير (٢/٢١٩) على هذا الأثر فقال: «هذا إسناد صحيح؛ ولِهذا لَمّا بلغ النبي ﷺ -وهو مُخَيِّم بالحُدَيْبِية- أنّ عثمان قد قُتل -وكان قد بعثه في رسالة إلى المشركين-؛ بايع أصحابه -وكانوا ألفًا وأربعمائة- تحت الشجرة على قتال المشركين، فلَمّا بلغه أنّ عثمان لم يُقْتَل كَفَّ عن ذلك، وجَنَح إلى المُسالَمَة والمُصالَحَة، فكان ما كان. وكذلك لَمّا فَرَغ من قتال هَوازن يوم حُنَيْن، وتحصن فَلُّهم بالطائف؛ عدل إليها، فحاصرها، ودخل ذو القعدة وهو محاصرها بالمَنجَنِيق، واسْتَمَرَّ عليها إلى كمال أربعين يومًا، كما ثبت في الصحيحين عن أنس، فلَمّا كَثُر القتلُ في أصحابه انصرف عنها ولم تُفْتَح، ثم كَرَّ راجعًا إلى مكة، واعْتَمَرَ من الجُعُرّانة، حيث قسم غنائم حنين. وكانت عمرته هذه في ذي القعدة أيضًا عام ثمان».

٦١٧١- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- في قوله: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾، وقوله: ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ [الشورى:٤٠]، وقوله: ﴿ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل﴾ [الشورى:٤١]، وقوله: ﴿وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به﴾ [النحل: ١٢٦]، قال: هذا ونحوُه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل، فليس لهم سلطانٌ يَقْهَرُ المشركين، فكان المشركون يَتَعاطَونهم بالشَّتْمِ والأذى، فأمر اللهُ المسلمين مَن يَتَجازى منهم أن يَتَجازى بمثل ما أُوتِي إليه، أو يصبر، أو يعفو، فلَمّا هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة، وأَعَزَّ اللهُ سلطانَه؛ أمَرَ اللهُ المسلمين أن يَنتَهُوا في مظالِمِهم إلى سلطانهم، ولا يَعْدُو بعضُهم على بعض كأهل الجاهلية، فقال: ﴿ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا﴾ [الإسراء:٣٣]. يقول: ينصره السلطانُ حتى يُنْصِفَه من ظالمه، ومَن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاصٍ مُسْرف، قد عَمِل بِحَمِيِّة الجاهلية، ولم يَرْضَ بحكم الله تعالى[[أخرجه ابن جرير ٣/٣١٠، وابن أبي حاتم ١/٣٢٩، والبيهقي في سننه ٨/٦١. وعزاه السيوطي إلى أبي داود في ناسخه، وابن المنذر.]]. (٢/٣٢٠)

٦١٧٢- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه﴾، قال: فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم[[أخرجه ابن جرير ٣/٣١٠.]]٦٨٣. (٢/٣٢١)

٦٨٣ اختُلِف فيمَن نزلت هذه الآية؟ فقال ابن عباس: نزلت هذه الآية وما في معناها بمكة، والإسلام لم يَعِزّ، فلَمّا هاجر الرسول ﷺ، وعزَّ دينُه؛ أُمر المسلمون برفع دينهم إلى حُكّامهم، وأُمِرُوا بقتال الكفار. وقال مجاهد: بل نزلت في المدينة بعد عمرة القضاء، وهي في التدريج في الأمر بالقتال. ورجَّح ابنُ جرير (٣/٣١٠) قولَ مجاهد مُسْتَنِدًا إلى السياق، وزمن النزول، فقال: «لأنّ الآيات قبلها إنّما هي أمر من الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة، وذلك قوله: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم﴾ والآيات بعدها، وقوله: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه﴾ إنّما هو في سياق الآيات التي فيها الأمر بالقتال، والجهاد، والله إنّما فَرَض القتالَ على المؤمنين بعد الهجرة، فمعلوم بذلك أنّ قوله: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ مدنيٌّ لا مكي، إذ كان فرض قتال المشركين لم يكن وجب على المؤمنين بمكة، وأنّ قوله: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ نظيرُ قوله: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم﴾، وأنّ معناه: فمن اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إيّاكم، لأنِّي قد جعلت الحرمات قصاصًا، فمن استَحَلَّ منكم -أيها المؤمنون- من المشركين حُرْمَةً في حَرَمِي؛ فاسْتَحِلُّوا منه مثلَه فيه».

٦١٧٣- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- في قول الله: ﴿فمن اعتدى عليكم﴾ يعني: فمَن قاتلكم من المشركين في الحرم ﴿فاعتدوا عليه﴾ يقول: قاتِلوا في الحرم بمثلِ ما اعْتَدى عليكم[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٣٢٩ (١٧٤١).]]. (ز)

٦١٧٤- عن مقاتل بن حيان -من طريق بُكَيْر بن معروف-، نحو ذلك[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٣٢٩ (عَقِب ١٧٤١).]]. (ز)

٦١٧٥- وعن عطاء بن أبي رباح، نحوه في قوله تعالى: ﴿فمن اعتدى عليكم﴾[[علَّقه ابن أبي حاتم ١/٣٢٩ (عَقِب ١٧٤١).]]. (ز)

٦١٧٦- قال مقاتل بن سليمان: ثم قال سبحانه: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه﴾، وذلك أنّ أصحاب النبي ﷺ أهَلُّوا إلى مكة مُحْرِمين بعمرة، فخافوا ألّا يَفِيَ لهم المشركون بدخول المسجد الحرام، وأن يقاتلوهم عنده؛ فأنزل الله ﷿: ﴿فمن اعتدى عليكم﴾ فقاتلكم في الحرم ﴿فاعتدوا عليه﴾ يقول: فقاتلوهم فيه ﴿بمثل ما اعتدى عليكم﴾ فيه[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٦٩-١٧٠.]]. (ز)

﴿وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ ۝١٩٤﴾ - تفسير

٦١٧٧- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- في قول الله: ﴿واتقوا الله﴾، يعني: المؤمنين يحذرهم، فلا تبدؤوهم بالقتال في الحرم، فإن بدأ المشركون فاعلموا ﴿أن الله مع المتقين﴾ يعني: مُتَّقِي الشركَ في النصرِ لهم، يخبرهم أنّه ناصِرُهم[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٣٣٠ (١٧٤١).]]. (ز)

٦١٧٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿واتقوا الله﴾ يعني: المؤمنين، ولا تبدؤوهم بالقتال في الحرم، فإن بدأ المشركون فقاتلوهم، ﴿واعلموا أن الله﴾ في النصر ﴿مع المتقين﴾ الشِّرْكَ، فخبَّرَهم أنه ناصرهم[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٧٠.]]. (ز)

    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب