الباحث القرآني
﴿وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ﴾ - تفسير
٣٨٤٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- في قوله: ﴿يرفع إبراهيم القواعد﴾، قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك[[أخرجه عبد الرزاق ١/٥٨-٥٩، وابن جرير ٢/٥٥٠، وابن أبي حاتم ١/٢٣١. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١/٦٦١)
٣٨٥٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: القواعد: أساسُ البيت[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٢٣١، ولفظه فيه: الأساس: أساس البيت.]]. (١/٦٥٣)
٣٨٥١- عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾، قال: التي كانت قواعد البيت قبل ذلك[[أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة ١/١١٠ (٦٥).]]. (ز)
٣٨٥٢- قال الكلبي: أساسه[[تفسير الثعلبي ١/٢٧٥.]]. (ز)
٣٨٥٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾، يعني: أساس البيت الحرام الذي كان رُفِع ليالي الطوفان على عهد نوح[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٣٨.]]. (ز)
٣٨٥٤- عن مَعْمَر قال: إنّ سفينة نوحٍ طافت بالبيت سبعًا، حتى إذا أغرق اللهُ قوم نوح رفعه، وبقي أساسه، فبَوَّأَه الله لإبراهيم، فبناه بعد ذلك، وذلك قوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾، واستودع الركنَ أبا قبيس، حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم، فقال: يا إبراهيم، هذا الركن. فجاء، فحفر عنه، فجعله في البيت حين بناه إبراهيم ﵇[[عزاه السيوطي للجندي.]]. (١/٦٧٦)
﴿وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَـٰعِیلُ﴾ - تفسير
٣٨٥٥- عن علي، عن النبي ﷺ، في قوله: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت﴾ الآية، قال: «جاءت سحابة على تَرْبِيع[[ربَّع الشيءَ: صَيَّرَهُ على شكلٍ ذي أربع، وهو التَّرْبِيعُ. لسان العرب (ربع).]] البيت، لها رأس يتكلم: ارتفاعُ البيت على تربيعي. فرفعاه على تَرْبِيعِها»[[أورده الدَّيْلَمي في الفردوس ٤/٤٠٣ (٧١٧١). وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/١٢١٣ (٦٨٥٠) من طريق أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي موقوفًا، قال: نزلت سحابة من السماء على الكعبة، فيها رأس، فنادى الرأس: ابنوا على خيالي. قال: فوضعت الكعبة على تربيع الرأس. ومع روايته موقوفًا فقد يكون له حكم الرفع، لكن في إسناده الحارث، وهو ابن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي، قال ابن حجر في التقريب (١٠٢٩): «كذّبه الشعبي في رأيه، ورُمِي بالرفض، وفي حديثه ضعف». وقد رواه عنه أبو إسحاق السبيعي، وفي روايته عنه مقال، قال شعبة: «لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث». ينظر كل ذلك في ترجمته في: تهذيب الكمال للمزي ٥/٢٤٤.]]. (١/٦٥٩)
٣٨٥٦- عن علي بن أبي طالب -من طريق خالد بن عَرْعَرَة-: أنّ رجلًا قال له: ألا تخبرني عن البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال: لا، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا. ثم حدَّث: أن إبراهيم لَمّا أُمِر ببناء البيت ضاق به ذرعًا، فلم يدرِ كيف يبنيه، فأرسل الله إليه السكينة؛ وهي ريح خَجُوج[[ريح خجوج: شديدة المرور في غير استواء. النهاية ٢/١١.]]، ولها رأسان، فتَطَوَّقَت له على موضع البيت كالحَجَفَة[[الحَجَفَةُ: الترس. النهاية ١/٣٤٥.]]، وأُمِر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إبراهيم، فلما بلغ موضع الحَجَر قال لإسماعيل: اذهب فالتَمِسْ لي حَجَرًا أضعه ههنا. فذهب إسماعيل يطوف في الجبال، فنزل جبريل بالحجر، فوضعه، فجاء إسماعيل، فقال: مِن أين هذا الحَجَر؟ قال: جاء به مَن لم يَتَّكِل على بنائي ولا بنائك. فلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم انهدم، فبنته العمالقة، ثم انهدم، فبنته جُرْهم، ثم انهدم، فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحَجَر تشاحُّوا في وضعه، فقالوا: أولُّ من يخرج من هذا الباب فهو يضعه. فخرج رسول الله ﷺ من قِبَل باب بني شَيْبَة، فأَمَر بثوب، فبُسِط، فأَخَذَ الحَجَر فوضعه في وسطه، وأمر مِن كل فخذ من أفخاذ قريش رجلًا يأخذ بناحية الثوب، فرفعوه، فأخذه رسول الله ﷺ بيده، فوضعه في موضعه[[أخرجه الحاكم ١/٦٢٩ (١٦٨٤)، ٢/٣٢١ (٣١٥٤)، وابن جرير ٣/٥٦١، وابن أبي حاتم ٣/٧١٠ (٣٨٣٩). قال الحاكم ٢/٢٣١: «هذا حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يُخَرِّجاه». وقال الذهبي في التلخيص: «على شرط مسلم». وقال البوصيري في إتحاف الخيرة ٢/٦: «مدار حديث علي بن أبي طالب على خالد بن عَرْعَرَة، وهو مجهول».]]. (١/٦٥٩)
٣٨٥٧- عن عبد الله بن عباس= (ز)
٣٨٥٨- والحسن البصري، نحوه مختصرًا[[تفسير البغوي ٢/٧٠.]]. (ز)
٣٨٥٩- عن علي بن أبي طالب -من طريق بِشْر بن عاصم، عن [أبي محمد] سعيد بن المُسَيّب- قال: أقبل إبراهيم من أرْمِينْيَةَ ومعه السكينة تَدُلُّه على موضع البيت، كما تتبوأ العنكبوتُ بيتها، فحَفَر من تحت السَّكِينَة، فأبدى عن قواعد البيت ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلًا. قلُت: يا أبا محمد، فإن الله يقول: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت﴾؟ قال: كان ذلك بعدُ[[أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٩٠٩٨)، والأزرقي ١/٢٩، وابن جرير ٢/٥٥٥، وابن المنذر ١/٢٩٨، وابن أبي حاتم ١/٢٣٢، والحاكم ٢/٢٦٧. وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر. وعند عبد الرزاق بلفظ: فرَفَعُوا عن أحجار؛ الحجرُ يُطِيقُهُ، أو قال: لا يُطِيقُهُ ثلاثونَ رجلًا.]]. (١/٦٦١)
٣٨٦٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾، قال: قاما يرفعان القواعد من البيت، ويقولان: ﴿ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾. قال: وإسماعيل يحمل الحجارة على رقبته، والشيخ يبني[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٧.]]. (ز)
٣٨٦١- عن سعيد بن جبير أنَّه قال: سَلُوني، يا معشر الشباب، فإنِّي قد أوشكت أن أذهب من بين أظْهُرِكم. فأكثرَ الناس مسألته، فقال له رجل: أصلحك الله، أرأيت المقام؟ أهو كما نتحدث؟ قال: وماذا كنتَ تتحدثُ؟ قال: كنا نقول: إن إبراهيم حين جاء عَرَضت عليه امرأةُ إسماعيلَ النزولَ، فأبى أن ينزل، فجاءت بهذا الحجر. فقال: ليس كذلك. فقال سعيد بن جبير: قال ابن عباس: إنّ أول ما اتخذ النساءُ المناطِق[[المناطق: جمع المِنطق، والنطاق، وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها. النهاية ٥/٧٥.]] من قِبَل أُمِّ إسماعيل، اتخذت مِنطَقًا لِتُعَفِّيَ أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي تُرضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دَوْحَة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جِرابًا فيه تمر، وسِقاء فيه ماء، ثم قَفّى إبراهيمُ مُنطلقًا، فتبعته أمُّ إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟! فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يُضَيِّعنا. ثم رَجَعَتْ، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثَّنِيَّة حيث لا يرونه؛ استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه، قال: ﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون﴾ [إبراهيم:٣٧]. وجَعَلَت أمُّ إسماعيل تُرْضِعُ إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفِد ما في السِّقاء عَطِشَت، وعَطِش ابنُها، وجعلت تنظر إليه يَتَلَوّى -أو قال: يَتَلَبَّط-، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف دِرْعِها، ثم سعت سَعْيَ الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فلذلك سعى الناسُ بينهما». فلَمّا أشرفت على المَرْوَة سمعت صوتًا، فقالت: صهْ. تريد نفسها، ثم تسمَّعت، فسمعت أيضًا، فقالت: قد أسْمَعْتَ إن كان عندك غَواثٌ. فإذا هي بالمَلَك عند موضع زمزم، فبحث بعَقِبه -أو قال: بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تُحَوِّضُه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تَغْرِف من الماء في سِقائها، وهي تفور بعد ما تَغْرِف، قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تَغْرِف من الماء- لكانت زمزمُ عَيْنًا مَعِينًا». فشَرِبَت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لاتخافي الضَّيْعَة؛ فإنّ ههنا بيتًا لله ﷿ يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يُضَيِّع أهلَه. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرّابِية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مَرَّت بهم رُفْقَةٌ من جُرْهُم، أو أهل بيت من جُرْهُم، مقبلين من طريق كَداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرًا عائِفًا[[عائفا: حائمًا عليه ليجد فرصة فيشرب. النهاية ٣/٣٣٠.]]، فقالوا: إنّ هذا الطائر لَيَدُور على الماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء! فأرسلوا جَرِيًّا[[الجريّ: الرسول. النهاية ١/٢٦٤.]] أو جَرِيَّيْن، فإذا هم بالماء، فرجعوا، فأخبروهم بالماء، فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء. فقالوا: أتأذنين لنا أن نَنزِل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حَقَّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فَأَلْفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأُنس». فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنفَسَهم[[أي: صار مرغوبًا فيه. النهاية ٥/٩٥.]]، وأعجبهم حين شَبَّ، فلمّا أدرك زَوَّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تَرِكَتَه، فلم يجد إسماعيل، فسأل زوجته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة. وشكت إليه، قال: إذا جاء زوجُك فاقرئي ﵇، وقولي له: يُغَيِّر عَتَبَة بابه. فلما جاء إسماعيل؛ كأنه آنس شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جَهْد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيِّر عَتَبة بابك. قال: ذاك أبي، وأمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك. فطَلَّقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد ذلك، فلم يجده، فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ فقالت: الماء. فقال: اللهم، بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي ﷺ: «ولم يكن لهم يومئذ حَبٌّ، ولو كان لهم حَبٌّ لَدَعا لهم فيه». قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زُوجُك فاقرئي ﵇، ومُرِيه يُثَبِّت عَتَبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة -وأثنت عليه-، فسألني عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا بخير. قال: أما أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تُثَبِّت عتبة بابِك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، وأمرني أن أُمْسِكَك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيلُ يَبْري نَبْلًا تحت دَوْحَةٍ قَرِيبًا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد، ثم قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك. قال: وتُعِينُنِي؟ قال: وأُعِينُك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتًا، وأشار إلى أكَمَة[[الأكم: أشراف الأرض كالروابي، وقيل: ما اجتمع من الحجارة بمكان واحد. اللسان (أكم).]] مرتفعةٍ على ما حولها، قال: فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾. قال مَعْمَر: وسمعت رجلًا يقول: كان إبراهيم يأتيهم على البُراق. قال مَعْمَر: وسمعت رجلًا يذكر: أنهما حين التقيا بَكَيا حتى أجابَتْهما الطير[[أخرجه البخاري ٤/١٤٢ (٣٣٦٤).]]. (١/٦٥٤)
٣٨٦٢- عن أبي جَهْم ابن حذيفة بن غانم -من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة- قال: أوحى الله ﷿ إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام، فركب إبراهيم البُراق، وجعل إسماعيل أمامه، وهو ابن ستين، وهاجر خلفه، ومعه جبريل ﵇ يَدُلُّه على موضع البيت، حتى قدم به مكة، فأنزل إسماعيلَ وأمَّه إلى جانب البيت، ثم انصرف إبراهيم إلى الشام، ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبنيَ البيت وهو يومئذ ابن مائة سنة، وإسماعيل يومئذ ابن ثلاثين سنة، فبناه معه، وتوفي إسماعيل بعد أبيه، فدُفِن داخل الحِجْر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر، ووَلِي نابِت بن إسماعيل البَيْتَ بعد أبيه مع أخواله جُرْهُم[[أخرجه ابن سعد في الطبقات ١/٥٠، ٥٢.]]. (١/٦٥٨)
٣٨٦٣- عن عُبِيد بن عُمَير الليثي -من طريق عمر بن عبد الله بن عروة- قال: بَلَغَنِي: أنّ إبراهيم وإسماعيل هما رَفَعا قواعد البيت[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٨.]]. (ز)
٣٨٦٤- عن ابن إسحاق، قال: حَدَّثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، وغيره من أهل العلم: أنّ الله لَمّا بَوَّأَ إبراهيم مكان البيت خرج إليه من الشام، وخرج معه بإسماعيل وأمه هاجر، وإسماعيل طفل صغير يرضع، وحُمِلُوا -فيما حَدَّثَنِي- على البراق، ومعه جبريل يَدُلُّه على موضع البيت ومعالم الحرم، فخرج وخرج معه جبريل، فقال: كان لا يَمُرُّ بقرية إلا قال: أبهذه أمرتُ، يا جبريل؟ فيقول جبريل: امْضِهْ! حتى قدم به مكة، وهي إذ ذاك عِضاهُ سَلَمٍ وسَمُرٍ[[العِضاه: الشجر الذي له شوك، والسَلَم والسُمُر ضربان منه؛ يختلفان في حجم الورق وطول الشوك. لسان العرب (عضض) (سلم) (سمر).]]، وبها أناس يُقال لهم: العماليق، خارج مكة وما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدَرَة، فقال إبراهيم لجبريل: أههنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم. فعمد بهما إلى موضع الحجر، فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أمَّ إسماعيل أن تتخذ فيه عريشًا، فقال: ﴿رَبَّنا إنِّي أسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ﴾ إلى قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم:٣٧][[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٤.]]. (ز)
٣٨٦٥- عن إسماعيل السدي -من طريق أسْباط- ﴿وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين﴾، قال: فانطلق إبراهيم حتى أتى مكة، فقام هو وإسماعيل، وأخذا المَعاوِل، لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحًا يقال لها: ريح الخَجُوج، لها جناحان ورأس في صورة حية، فكَنَسَتْ لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، واتَّبَعاها بالمعاوِل يَحْفِران، حتى وضعا الأساس، فذلك حين يقول: ﴿وإذْ بَوَّأْنا لإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ﴾ [الحج:٢٦]. فلَمّا بَنَيا القواعد فَبَلَغا مكان الرُّكْن قال إبراهيم لإسماعيل: يا بُنَيَّ، اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه ههنا. قال: يا أبت، إني كسلان تَعِبٌ. قال: عَلَيَّ بذلك. فانطلق، فطلب له حجرًا، فجاءه بحجر فلم يرضه، فقال: ائتني بحجر أحسن من هذا. فانطلق يطلب له حجرًا، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتة بيضاء مثل الثَّغامَةِ، [فقال]: يا أبت، من جاءك بهذا؟ فقال: مَن جاء به هو أنشط منك! فبنياه[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٨، وابن أبي حاتم ١/٢٣٢.]]٥٠٧. (ز)
٣٨٦٦- عن قتادة بن دِعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت﴾، قال: ذُكِرَ لنا: أنّه بناه من خمسة أجْبُل: من طور سِينا، وطور زَيْتا، ولبنان، والجُودِيّ، وحراء. وذُكِرَ لنا: أنّ قواعده من حراء[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٣٠.]]. (١/٦٩١)
٣٨٦٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾، يعني: أساس البيت الحرام الذي كان رُفِع ليالي الطوفان على عهد نوح، فبناه إبراهيم وإسماعيل على ذلك الأصل، وأعانهم الله ﷿ بسبعة أملاك على البناء: مَلَك إبراهيم، وملك إسماعيل، وملك هاجر، والملك الموكل بالبيت، وملك الشمس، وملك القمر، وملك آخر[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٣٨.]]. (ز)
٣٨٦٨- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة-: ويزعمون -والله أعلم- أنّ مَلَكًا من الملائكة أتى هاجر أم إسماعيل -حين أنزلهما إبراهيم مكة، قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت-، فأشار لها إلى البيت وهو ربوة حمراء مَدَرَةٌ، فقال لها: هذا أول بيت وضع للناس، وهو بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل هما يرفعانه. فالله أعلم[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٤.]]. (ز)
﴿وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَـٰعِیلُ﴾ - آثار في بناء البيت وقواعده قَبْل إبراهيم ﵇
٣٨٦٩- عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله ﷺ قال: «كان موضع البيت في زمن آدم ﵇ شِبْرًا أو أكثر؛ عَلَمًا، فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم، ثم حَجَّ آدم فاستقبلته الملائكة، قالوا: يا آدم، من أين جئت؟ قال: حججتُ البيت. فقالوا: قد حَجَّتْه الملائكة قبلك بألفي عام»[[أخرجه ابن أبي شيبة ٧/٢٦٧ (٣٥٩٥٩)، والبيهقي في السنن الكبرى ٥/١٧٦، من طريق سعيد بن ميسرة، عن أنس به. في إسناده سعيد بن ميسرة، ضعيف ويروي المناكير، تنظر ترجمته في: المغني ١/٢٦٦، وميزان الاعتدال ٣/٢٣٣. وقد ضعّف الذهبي الحديثَ في المهذّب (٨٢١٧) فقال: «سعيد ضعيف».]]. (١/٦٨١)
٣٨٧٠- عن ابن عمرو، قال: قال رسول الله ﷺ: «بعث الله جبريل إلى آدم وحواء، فقال لهما: ابنيا لي بيتًا. فخَطَّ لهما جبريل، فجعل آدم يحفر، وحواء تنقل، حتى أجابه الماء، نُودِي من تحته: حسبك، يا آدم. فلَمّا بنياه أوحى الله إليه أن يطوف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت. ثم تناسخت القرون حتى حجَّه نوح، ثم تناسخت القرون حتى رَفَع إبراهيمُ القواعد منه»[[أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/٤٥، وابن عساكر في تاريخه ٧/٤٢٧. قال البيهقي ٢/٤٤: «تفرد به ابن لهيعة هكذا مرفوعًا». وقال ابن كثير في السيرة ١/٢٧٢: «وهو ضعيف، ووَقْفُه على عبد الله بن عمرو أقوى وأثبت». وقال الألباني في الضعيفة ٣/٢٣١ (١١٠٦): «منكر».]]. (١/٦٧٠)
٣٨٧١- عن أبي هريرة -من طريق نافع مولى آل الزبير، وسعيد المَقْبُرِي- قال: إنّ الكعبة خُلِقت قبل الأرض بألفي سنة، وهي قرار الأرض. قال: إنما كانت خَشَفَةً أوْ حَشَفَةً [[الحشفة: صخرة رخوة حولها سهل من الأرض. ينظر: التاج (حشف)، ويروى بالخاء والحاء. ينظر: النهاية ٢/٣٣-٣٤.]] على الماء، عليها مَلَكان من الملائكة يُسَبِّحان الليل والنهار ألفي سنة، فلَمّا أراد الله أن يخلق الأرض دَحاها منها، فجعلها في وسَط الأرض[[أخرجه ابن المنذر ١/٢٩٤.]]. (٣/٦٧١)
٣٨٧٢- عن عبد الله بن عمرو بن العاص -من طريق مجاهد- قال: خَلَق الله البيتَ قبل الأرض بأَلْفَي سنة، وكان -إذ كان عرشه على الماء- زَبْدةً[[زبدة: من الزبد بالفتح، وهو ما يعلو الماء أو اللبن ونحوهما من الرغوة. ينظر: لسان العرب (زبد).]] بيضاء، وكانت الأرض تحته كأنها حَشَفَةٌ، فدُحيت الأرض من تحته[[أخرجه ابن جرير ٥/٥٩١، وابن المنذر ١/٢٩٤، والبيهقي في الشُّعَب (٣٩٨٣). وعزاه السيوطي إلى الطبراني.]]. (٣/٦٧١)
٣٨٧٣- عن عبد الله بن عمرو بن العاص -من طريق أبي قِلابة- قال: لَمّا أهبط الله آدم من الجنة قال: إني مُهْبِطٌ معك بيتًا يُطاف حوله كما يُطاف حول عرشي، ويُصَلّى عنده كما يُصَلّى عند عرشي. فلَمّا كان زمنُ الطوفان رفعه الله إليه، فكانت الأنبياء يَحُجُّونه ولا يعلمون مكانه، حتى بَوَّأَه الله بعدُ لإبراهيم وأعلمه مكانه، فبناه من خمسة أجبل: حراء، ولبنان، وثَبِيرٍ، وجبل الطور، وجبل الخَمْر؛ وهو جبل ببيت المقدس[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٠، والطبراني -كما في المجمع ٣/٢٨٨-. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١/٦٦٢)
٣٨٧٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق مجاهد- قال: كان البيت من ياقوتة حمراء، ويقولون: من زُمُرُّدَة خضراء[[أخرجه ابن أبي حاتم ٢/٢٢٥.]]. (١/٦٧٣)
٣٨٧٥- عن عبد الله بن عباس، قال: كان البيتُ على أربعة أركان في الماء قبل أن يخلق السموات والأرض، فدُحِيَت الأرض من تحته[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١/٦٦٥)
٣٨٧٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- قال: وُضِع البيت على أركان الماء، على أربعة أركان قبل أن تُخْلَق الدنيا بألفي عام، ثم دُحِيَت الأرض من تحت البيت[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٣، وأبو الشيخ في العَظَمة (٩٠١).]]. (١/٦٦٢)
٣٨٧٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطاء- قال: لَمّا كان العرشُ على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بعث الله تعالى ريحًا هَفّافَةً، فصَفَقَت الريحُ الماء، فأبرزت عن خَشَفَةٍ في موضع البيت كأنها قُبَّة، فدحا الله تعالى الأرض من تحتها، فمادَت ثُمَّ مادَت، فأَوْتَدَها الله بالجبال، فكان أول جبل وضع فيه أبو قُبَيْسٍ؛ فلذلك سُمِّيت: أم القرى[[عزاه السيوطي إلى الأزرقي.]]. (١/٦٦٥)
٣٨٧٨- عن عطاء بن أبي رباح = (ز)
٣٨٧٩- وعمرو بن دينار -من طريق ابن جُرَيْج-، نحو ذلك[[أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٩٠٨٩)، وابن جرير ٢/٥٥٣.]]. (ز)
٣٨٨٠- عن ابن عباس،قال: لَمّا أهبط الله آدمَ إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء، ورجلاه في الأرض، وهو مثل الفُلكِ من رِعْدَته، فطَأْطَأَ اللهُ منه إلى ستين ذراعًا، فقال: يا رب، مالي لا أسمع أصوات الملائكة، ولا حسَّهم؟ قال: خطيئتك، يا آدم، ولكن اذهب فابنِ لي بيتًا، فطُفْ به، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي. فأقبل آدمُ يتَخَطّى، فطُوِيَت له الأرض، وقَبَضَ الله له المَفاوِز، فصارت كلُّ مَفازَةٍ يمر بها خطوة، وقَبَضَ اللهُ ما كان فيها من مَخاض أو بحر، فجعله له خطوة، ولم يَقَع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانًا وبركة، حتى انتهى إلى مكة، فبنى البيت الحرام، وإنّ جبريل ﵇ ضرب بجناحه الأرض، فأبرز عن أُسٍّ ثابت على الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكةُ الصخر، ما يُطِيق الصخرةَ منها ثلاثون رجلًا، وإنَّه بناه من خمسة أجبل؛ من لبنان، وطور زَيتا، وطور سينا، والجودي، وحراء، حتى استوى على وجه الأرض، فكان أول مَن أسس البيت وصلى فيه وطاف آدم ﵇، حتى بعث الله الطوفان، وكان غضبًا ورجسًا، فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم ﵇، ولم يقرب الطوفانُ أرض السند والهند، فدَرَس موضعَ البيت في الطوفان، حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل ﵉، فرفعا قواعده وأَعْلامَه، ثم بَنَتْهُ قريشٌ بعد ذلك، وهو بحذاء البيت المعمور، لو سقط ما سقط إلا عليه[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٦-٧، وأبو الشيخ (١٠٢١)، وابن عساكر ٧/٤٢٠-٤٢١.]]. (١/٦٧٢)
٣٨٨١- عن كعب الأحبار -من طريق سعيد بن المسيب- قال: كان البيت غُثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بأربعين سنة، ومنه دُحِيت الأرض[[أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة ١/٣، وابن جرير ٢/٥٥٥، وابن أبي حاتم ١/٢٣٢. وأخرجه إسحاق البستي في تفسيره ص٣٥٠ من قول سعيد بن المسيب.]]. (١/٦٦٥، ١٠/٤٦٢)
٣٨٨٢- عن عطاء: أنّ عمر بن الخطاب سأل كعبًا، فقال: أخْبِرْني عن هذا البيت، ما كان أمره؟ فقال: إنّ هذا البيت أنزله الله من السماء ياقوتة مُجَوَّفة مع آدم. فقال: يا آدم، إنّ هذا بيتي؛ فطُفْ حوله وصَلِّ حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلي. ونزلت معه الملائكة، فرفعوا قواعده من حجارة، ثم وضع البيت على القواعد، فلَمّا أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى السماء، وبَقِيَت قواعده[[أخرجه الأزرقي ١/١٠، والبيهقي (٣٩٩٠) واللفظ له.]]. (١/٦٨٣)
٣٨٨٣- عن علي بن الحسين -من طريق محمد بن علي بن الحسين-: أنّ رجلًا سأله: ما بَدْءُ هذا الطواف بهذا البيت؟ لِمَ كان؟ وأنّى كان؟ وحيث كان؟ فقال: أمّا بَدْءُ هذا الطواف بهذا البيت فإنّ الله تعالى قال للملائكة: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ [البقرة:٣٠]. فقالت: أيْ رب، أخليفة من غيرنا ممن يُفْسِد فيها، ويَسْفِك الدماء، ويتحاسدون، ويتباغضون، ويتباغون؟ أيْ رب، اجعل ذلك الخليفة مِنّا؛ فنحن لا نُفْسِد فيها، ولا نَسْفِك الدماء، ولا نتباغض، ولا نَتَحاسَد، ولا نَتَباغى، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، ونطيعك ولا نعصيك. قال الله تعالى: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾ [البقرة:٣٠]. قال: فظنت الملائكة أنّ ما قالوا رَدٌّ على ربهم ﷿، وأنّه قد غضب عليهم من قولهم؛ فلاذُوا بالعرش، ورفعوا رؤوسهم، وأشاروا بالأصابع يَتَضَرَّعون ويبكون؛ إشفاقًا لغضبه، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر الله إليهم، فنزلت الرحمة عليهم، فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتًا على أربع أساطين من زَبَرْجَدٍ، وغَشّاهُن بياقوتة حمراء، وسَمّى البيت: الضُراح، ثم قال الله للملائكة: طوفوا بهذا البيت، ودعوا العرش. فطافت الملائكة بالبيت، وتركوا العرش، فصار أهون عليهم، وهو البيت المعمور الذي ذكره الله، يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدًا؛ ثم إنّ الله تعالى بعث ملائكته، فقال: ابنوا لي بيتًا في الأرض بمثاله وقدره. فأمر الله سبحانه مَن في الأرض مِن خلقه أن يطوفوا بهذا البيت، كما تطوف أهلُ السماء بالبيت المَعْمُور[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٤-٥.]]. (١/٦٦٦)
٣٨٨٤- عن عروة بن الزبير -من طريق ابن إسحاق، عَمَّن لا يُتَّهم- قال: بلغني: أنّ البيت وُضِع لآدم ﵇ يطوف به، ويعبد الله عنده، وأنّ نوحًا قد حَجَّه وجاءه وعظّمه قبل الغَرَق، فلمّا أصاب الأرض من الغرق حين أهلك الله قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض من الغرق، فكان ربوة حمراء معروف مكانها، فبعث الله هودًا إلى عاد، فتشاغل بأمر قومه حتى هلَك، ولم يَحُجَّه، ثم بعث الله صالحًا إلى ثمود، فتشاغل حتى هلَك، ولم يَحُجَّه، ثم بَوَّأه الله لإبراهيم ﵇، فحَجَّه، وعُلِّم مناسكه، ودعا إلى زيارته، ثم لم يبعث الله نبيًّا بعد إبراهيم إلا حَجَّه[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٣٨.]]. (١/٦٧٦)
٣٨٨٥- عن أبي قِلابة -من طريق أيوب– قال: قال الله لآدم: إني مُهْبِطٌ معك بيتي يُطاف حوله كما يُطاف حول عرشي، ويُصلّى عنده كما يُصلّى عند عرشي، فلم يزل حتى كان زمن الطوفان، فَرُفِع، حتى بُوِّئَ لإبراهيم مكانه، فبناه من خمسة أجبل: من حراء، وثَبِير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٣٠.]]. (١/٦٧٦)
٣٨٨٦- عن مجاهد بن جبر -من طريق هشام- قال: خلق الله موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئًا من الأرض بألفي سنة، وأركانه في الأرض السابعة[[أخرجه عبد الرزاق (٩٠٩٧)، وابن جرير ٢/٥٥٥ من طريق حميد، وابن أبي حاتم ١/٢٣١ من طريق ليث بلفظ: القواعد في الأرض السابعة، والأزرقي في فضائل مكة ١/٤. وعزاه السيوطي إلى الجندي.]]. (١/٦٦٢)
٣٨٨٧- عن مجاهد بن جبر -من طريق حميد بن قيس- قال: كان موضعُ البيت على الماء قبل أن يخلق الله السماوات والأرض، مثل الزَّبَدَة البيضاء، ومن تحته دُحِيَت الأرض[[أخرجه عبد الله بن وهب في الجامع - تفسير القرآن ٢/٨٢ (١٥٤)، وابن جرير ٢/٥٥٢. وعزا السيوطي ١/٦٦٦ نحو آخره إلى عبد بن حميد.]]. (ز)
٣٨٨٨- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جُرَيْج- قال: بَلَغَنِي: أنّه لَمّا خلق الله السموات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان؛ أحدهما شرقيٌّ، والآخر غربيٌّ، فجعله مستقبل البيت المعمور، فلمّا كان زمن الغرق رُفِع في دِيباجَتَيْن، فهو فيهما إلى يوم القيامة، واستودع اللهُ الركنَ أبا قبيس.= (ز)
٣٨٨٩- قال: وقال ابن عباس: كان ذهَبًا، فرُفع زمان الغرق.= (ز)
٣٨٩٠- قال ابن جُرَيْج: قال جويبر: كان بمكة البيت المعمور، فَرُفِع زمن الغرق، فهو في السماء[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/١٩.]]. (١/٦٧٥)
٣٨٩١- عن عطاء بن أبي رباح -من طريق ابن جُرَيْج- قال: قال آدم: أيْ ربِّ، ما لي لا أسمع أصوات الملائكة؟ قال: لِخَطِيئتك، ولكن اهْبِط إلى الأرض، فابنِ لي بيتًا، ثم احْفُفْ به كما رأيت الملائكة تَحُفُّ ببيتي الذي في السماء، فزَعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل؛ من حراء، ولبنان، وطور زَيتا، وطور سينا، والجُودِيّ، فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعده[[أخرجه عبد الرزاق (٩٠٩٢)، وابن جرير ٢/٥٤٩. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر والجندي.]]٥٠٨. (١/٦٦١)
٣٨٩٢- عن عطاء بن أبي رباح -من طريق هارون بن عنترة- قال: وجَدُوا بمكة حجرًا مكتوبًا فيه: إنِّي أنا الله ذو بَكَّة، بنيته يوم صُغْتُ الشمس والقمر، وحَفَفْتُه بسبعة أملاك حنفاء[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٣.]]. (ز)
٣٨٩٣- عن عطاء بن أبي رباح، قال: لَمّا بنى ابنُ الزبير الكعبةَ أمَر العُمّال أن يَبْلُغُوا في الأرض، فَبَلَغُوا صَخْرًا أمْثال الإبِل الخَلِفِ[[الخلف جمع خلفة وهي: الناقة الحامل. لسان العرب (خلف).]]، قال: زِيدُوا، فاحفروا. فلما زادوا بَلَغُوا هَواءً من نارٍ يَلْقاهم، فقال: ما لكم؟ قالوا: لسنا نستطيع أن نزيد؛ رأينا أمرًا عظيمًا. فقال لهم: ابنوا عليه. قال عطاء: يَرَوْن أنّ ذلك الصخر مما بَنى آدمُ ﵇[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/١١.]]. (١/٦٧٣)
٣٨٩٤- عن وهْب بن مُنَبِّه -من طريق عبد الصمد بن مَعْقِل- قال: لَمّا تاب الله على آدم أمَرَه أن يسير إلى مكة، فطَوى له المَفاوِز والأرض، فصار كل مَفازَة يَمُرُّ بها خَطْوَة، وقَبَضَ له ما كان فيها من مَخاضٍ أو بَحْر، فجعله له خطوة، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانًا وبركة حتى انتهى إلى مكة، وكان قبل ذلك قد اشْتَدَّ بكاؤُه وحزنه لِما كان به من عِظَم المصيبة، حتى إن كانت الملائكةُ لَتَبْكِي لِبُكائه، وتحزَنُ لحزنه، فعَزّاه الله بخيمة من خيام الجنة، وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، فيها ثلاثةُ قناديل من ذهب، فيها نور يَلْتَهِب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الرُّكْن، وهو يومئذٍ ياقوتةٌ بيضاء من رَبَضِ الجنة، وكان كُرْسِيًّا لآدم يجلس عليه، فلما صار آدم بمكة حرسه الله، وحرس له تلك الخيمة بالملائكة، كانوا يحرسونها، ويَذُودُون عنها سكان الأرض، وساكنها يومئذ الجن والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة؛ لأنّه مَن نَظَر إلى شيء من الجنة وجَبَت له، والأرض يومئذ طاهرة نَقِيٌّة طيبة لم تُنَجَّس، ولم يسفك فيها الدم، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء، يُسَبِّحون الليل والنهار لا يفترون، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفًّا واحدًا مستديرين بالحرم كله، الحِلُّ من خلفهم، والحرم كله من أمامهم، ولا يجوزهم جني ولا شيطان، ومن أجل مقام الملائكة حُرِّم الحرم حتى اليوم، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة، وحرم الله على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة، فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قُبِضَت، وإنّ آدم إذا أراد لقاءها ليلة ليُلِمَّ بها للولد خَرَج من الحرم كله حتى يلقاها، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم، ورفعها إليه، وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتًا بالطين والحجارة، فلم يزل معمورًا يعمرونه ومَن بعدهم، حتى كان زمن نوح، فنسَفه الغرق، وخفِي مكانه، فلمّا بعث الله إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلم يزل يحفِر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلَمّا وصَل إليها ظَلَّل اللهُ له مكان البيت بغَمامة، فكانت حِفاف البيت[[حفاف البيت: أي: مُحْدِقَة به، وحفافا الجبل: جانباه. النهاية ١/٤٠٨.]] الأول، ثم لم تزل راكدة على حِفافِه تُظِلُّ إبراهيم، وتَهْدِيه مكان القواعد، حتى رفع القواعد قامةً، ثم انكشفت الغَمامة، فذلك قوله ﷿: ﴿وإذ بَوأنا لإبراهيم مكان البيت﴾ [الحج:٢٦] للغَمامة التي ركدت على الحِفافِ لتَهْدِيَه مكان القواعد، فلم يزل يحمد الله مُذْ رفعه الله معمورًا. قال وهْب بن مُنَبِّه: وقرأت في كتاب من كُتُبِ الأُوَلِ ذُكِرَ فيه أمرُ الكعبةِ، فوجِد فيه: أن ليس من مَلَك بعثه الله إلى الأرض إلا أمَرَه بزيارة البيت، فيَنقَضُّ من عند العرش مُحْرِمًا مُلَبِّيًا حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعًا بالبيت، ويصلي في جوفه ركعتين، ثم يصعد[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٧-٨، وابن المنذر ١/٢٩٥-٢٩٧.]]. (١/٦٦٨)
٣٨٩٥- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: ذُكِر لنا: أنّ الحرم حرمٌ بحياله إلى العرش. وذُكِر لنا: أنّ البيت هبط مع آدم حين هبط، قال الله له: أُهْبِطُ معك بيتي، يُطاف حوله كما يُطاف حول عرشي. فطاف حوله آدم ومَن كان بعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمان الطوفان -حين أغرق الله قوم نوح- رفعه وطَهَّرَه، فلم تُصِبْه عقوبة أهل الأرض، فتتبع منه إبراهيم أثرًا، فبناه على أساس قديم كان قبله[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٣٨.]]. (١/٦٦٣)
٣٨٩٦- عن أبان [بن أبي عياش] -من طريق مَعْمَر-: أنّ البيت أُهْبِط ياقوتة واحدة، أو دُرَّة واحدة، حتى إذا أغرق اللهُ قومَ نوح رفعه، وبقي أساسه، فبوأه الله لإبراهيم، فبناه بعد ذلك[[أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٩٠٩٦)، وابن جرير ٢/٥٥٢، والأزرقي في فضائل مكة ١/١٠ مختصرًا، وأورده السيوطي من روايته.]]٥٠٩. (١/٦٧٣)
﴿وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَـٰعِیلُ﴾ - آثار في بناء إبراهيم الكعبة
٣٨٩٧- عن عائشة، أنّ رسول الله ﷺ قال: «ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة اقْتَصَرُوا عن قواعد إبراهيم؟». فقلت: يا رسول الله، ألا تَرُدُّها على قواعد إبراهيم؟ قال: «لولا حِدْثان قومك بالكفر». فقال ابن عمر: ما أرى رسول الله ﷺ ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلّا أن البيت لم يُتَمَّم على قواعد إبراهيم[[أخرجه البخاري ٢/١٦٤ (١٥٨٣)، ٤/١٤٦ (٣٣٦٨)، ٦/٢٠ (٤٤٨٤)، ومسلم ٢/٩٦٩ (١٣٣٣)، ٢/٩٧٢ (١٣٣٣).]]. (١/٧٠٧)
٣٨٩٨- عن علي بن أبي طالب -من طريق سعيد بن المسيب- قال: أقبل إبراهيمُ والمَلَكُ والسكينةُ والصُّرَدُ[[الصرد: طائر ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود. النهاية ٣/٢١.]] دليلًا حتى تَبَوَّأ البيتَ كما تَبَوَّأت العنكبوتُ بيتها، فحفر ما برز عن أُسِّها أمثال خَلِفِ الإبل، لا يُحَرِّك الصخرةَ إلا ثلاثون رجلًا، ثم قال الله لإبراهيم: قُمْ، فابنِ لي بيتًا. قال: يا رب، وأين؟ قال: سَنُرِيك. فبعث الله سحابة فيها رَأْسٌ يُكَلِّم إبراهيم، فقال: يا إبراهيم، إن ربك يأمرك أن تَخُطَّ قَدْرَ هذه السحابة. فجعل ينظر إليها، ويأخذ قدرها، فقال له الرأس: أقَدْ فَعَلْتَ؟ قال: نعم. قال: فارتفعت السحابة، فأُبرز عن أُسٍّ ثابِت من الأرض، فبناه إبراهيم ﵇[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٢٧.]]. (١/٦٩١)
٣٨٩٩- قال عبد الله بن عباس: إنما بُنِي البيت من خمسة أجبل: طور سيناء، وطور زَيتا، ولبنان وهو جبل بالشام، والجُودِيّ وهو جبل بالجزيرة، وبَنَيا قواعدَه من حراء وهو جبل بمكة، فلَمّا انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل: ائْتِنِي بحجر حسن يكون للناس عَلَمًا. فأتاه بحجر، فقال: ائْتِنِي بأحسن من هذا. فمضى إسماعيلُ يطلبه، فصاح أبو قُبَيْس: يا إبراهيم، إنّ لك عندي ودِيعة فخُذْها. فأخذ الحجر الأسود، فوضعه مكانه[[تفسير البغوي ١/١٥٠.]]. (ز)
٣٩٠٠- عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت﴾، قال: وضع الله البيتَ مَعَ آدم حين أهْبَطَ اللهُ آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تَهابُه، فنقص إلى ستين ذراعًا، فحَزِن آدم؛ إذ فقد أصواتَ الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله، فقال الله: يا آدم، إنِّي قد أهبطتُ لك بيتًا يُطاف به كما يُطاف حول عرشي، ويُصَلّى عنده كما يُصَلّى عند عرشي، فاخرج إليه. فخرج إليه آدم، ومد له في خطوه، فكان بين كل خطوتين مَفازَة، فلم تزل تلك المَفاوِزُ بعدُ على ذلك، وأتى آدم البيت فطاف به، ومَن بعده من الأنبياء.= (ز)
٣٩٠١- قال معمر: وأخبرني أبان: أنّ البيت أُهْبِط ياقوتة واحدة، أو دُرَّة واحدة.= (ز)
٣٩٠٢- قال معمر: وبلغني: أنّ سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، حتى إذا أغرق الله قوم نوح فُقِدَ[[كذا في مطبوعة الدر المنثور، وفي مطبوعة تفسير عبد الرزاق: رَفَعَه اللهُ. بدل: فُقِدَ.]]، وبَقِيَ أساسُه، فبَوَّأَه الله لإبراهيم، فبناه بعد ذلك، فذلك قول الله: ﴿وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت﴾.= (ز)
٣٩٠٣- قال معمر: قال ابن جُرَيْج: قال ناس: أرسل الله سبحانه سحابة فيها رأس، فقال الرأس: يا إبراهيم، إنّ ربك يأمرك أن تأخذ قدْر هذه السحابة. فجعل ينظر إليها، ويخط قدْرها، قال الرأس: قد فَعَلْتَ؟ قال: نعم. ثم ارْتَفَعَتْ، فحفر، فأَبْرَزَ عن أساسٍ ثابت في الأرض.= (ز)
٣٩٠٤- قال ابن جُرَيج: قال مجاهد: أقبل الملَك والصُّرَدُ والسَّكِينة مع إبراهيم من الشام، فقالت السَّكِينة: يا إبراهيم، رَبِّضْ عَلَيَّ البيتَ. قال: فلذلك لا يطوف البيتَ أعرابيٌّ ولا مَلِكٌ من هذه الملوك إلا رأيت عليه السكينة والوقار.= (ز)
٣٩٠٥- قال ابن جريج: وقال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب: وكان الله استودع الركن أبا قُبيس، فلما بنى إبراهيم ناداه أبو قبيس، فقال: يا إبراهيم، هذا الركن فِيَّ، فَخُذْهُ. فاحتَفَر عنه، فوضعه، فلما فرغ إبراهيم من بنائه قال: قد فعلتُ، يا ربِّ، فأَرِنا مناسكنا، أبرِزْها لنا، وعَلِّمْناها. فبعث الله جبريل، فحَجَّ به، حتى إذا رأى عرفة قال: قد عرفتُ. وكان أتاها قبل ذلك مرة، قال: فلذلك سُمِّيَت عرفة، حتى إذا كان يوم النحر عرض له الشيطان، فقال: احْصِبْ. فحَصَبَه بسبع حَصَيات، ثم اليوم الثاني والثالث، فَسَدَّ ما بين الجبلين -يعني: إبليس-، فلذلك كان رميُ الجمار، قال: اعْلُ على ثَبِير. فعَلاه، فنادى: يا عباد الله، أجيبوا الله، يا عباد الله، أطيعوا الله. فسَمِع دَعْوَتَه مَن بين الأبحر السبع مِمَّن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، فهي التي أعطى الله إبراهيم في المناسك قوله: لبيك اللهم لبيك. ولم يزل على وجه الدهر في الأرض سبعة مسلمون فصاعدًا، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها[[أخرجه عبد الرزاق (٩٠٩٤-٩٠٩٦، ٩٠٩٩)، وابن جرير ٢/٥٥١-٥٥٢، وابن أبي حاتم -كما في فتح الباري ٦/٤٠٩- مختصرًا. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٠/٤٦١-٤٦٢)
٣٩٠٦- عن إسماعيل السُّدِّي -من طريق أسباط- قال: لَمّا بَنَيا القواعد فبلغ مكان الركن قال إبراهيم لإسماعيل: اطلب لي حجرًا حسنًا أضعْه ههنا. قال: يا أبت، إني كسلان لَغِبٌ[[اللُّغوب: التعب والإعياء. لسان العرب (لغب).]]. قال: عَلَيَّ بذلك. فانطلق يطلب له حجرًا، فأتاه بحجر، فلم يَرْضَه، فقال: ائْتِنِي بحجر أحسن من هذا. فانطلق يطلب له حجرًا، فجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثَّغامَةِ، وكان آدمُ هبط به من الجنة، فاسْوَدَّ من خطايا الناس، فجاءه إسماعيل بحجر، فوجد عنده الركن، فقال: يا أبَتِ، مَن جاءك بهذا؟ قال: جاءني به مَن هو أنشَطُ منك. فبَنَيا، وهما يدعوان بالكلمات التي ابتلى بها إبراهيمَ ربُّه، فقال: ﴿ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾. فلما فرغا من البنيان أمره الله أن ينادي، فقال: أذِّن في الناس بالحج[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٧، ١٦/٥١٢، وابن أبي حاتم ١/٢٣٢-٢٣٣، ٨/٢٤٨٦، والبيهقي في الدلائل ٢/٥٣ بنحوه.]]. (١/٦٦٤، ١٠/٤٦٢)
٣٩٠٧- عن عِلْباء بن أحْمَر -من طريق عبد المؤمن بن خالد-: أنّ ذا القرنين قَدِم مكة، فوجد إبراهيمَ وإسماعيلَ يبنيان قواعد البيت من خمسة أجْبُل، فقال: ما لَكُما ولِأَرْضِي؟! فقالا: نحن عبدان مأموران، أُمِرْنا ببناء هذه الكعبة. قال: فهاتا بالبيِّنة على ما تَدَّعِيان. فقامت خمسة أكْبُش، فقُلْنَ: نحن نشهد أنّ إسماعيل وإبراهيم عبدان مأموران، أُمِرا ببناء هذه الكعبة. فقال: قد رَضِيتُ وسَلَّمْتُ. ثم مضى[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٢٣١.]]٥١٠. (١/٦٦٢)
٣٩٠٨- عن حَوْشَب بن عَقِيل، قال: سألتُ محمد بن عَبّاد بن جعفر: متى كان البيت؟ قال: خُلِقَت الأشهر له. قلتُ: كم كان طول بناء إبراهيم؟ قال: ثمانية عشر ذراعًا. قلتُ: كم هو اليوم؟ قال: ستة وعشرون ذراعًا. قلتُ: هل بقي مِن حجارة بناء إبراهيم شيء؟ قال: حُشِي به البيت إلّا حجرين مما يَلِي الحجر[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٠/٤٦٣)
٣٩٠٩- قال محمد بن السائب الكلبي: بعث الله سحابةً بقدر البيت، فقامت بحِيال البيت، وفيها رأسٌ يتكلم: يا إبراهيم، ابنِ على قَدْرِي. فبنى عليه[[تفسير البغوي ٥/٣٧٨.]]. (ز)
٣٩١٠- عن محمد بن إسحاق -من طريق عثمان بن ساج- قال: لَمّا أُمِر إبراهيمُ خليلُ الله تعالى أن يبنيَ البيت الحرام أقبل من أرْمِينِيَةَ على البُراق، معه السكينة، لها وجه يتكلم، وهي بعدُ ريح هَفّافَةٌ، ومعه مَلَكٌ يدلُّه على موضع البيت، حتى انتهى إلى مكة، وبها إسماعيل، وهو يومئذ ابن عشرين سنة، وقد تُوُفِّيَت أمه قبل ذلك، ودُفِنت في موضع الحِجْر، فقال: يا إسماعيل، إنّ الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتًا. فقال له إسماعيل: وأين موضعه؟ قال: فأشار له الملَكُ إلى موضع البيت، قال: فقاما يحفران عن القواعد، ليس معهما غيرهما، فبلغ إبراهيم الأساسَ؛ أساسَ آدم الأول، فحفر عن رَبَضِ في البيت، فوجد حِجارةً عِظامًا، ما يُطِيق الحجر منها ثلاثون رجلًا، ثم بنى على أساس آدم الأول، وتَطَوَّقت السكينةُ كأنها حيَّة على الأساس الأول، وقالت: يا إبراهيم، ابنِ عَلَيَّ. فبنى عليها، فلذلك لا يطوف بالبيت أعرابيٌّ نافِر ولا جَبّار إلا رأيت عليه السكينة. فبنى البيت، وجعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعًا، من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعًا، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدًا وثلاثين ذراعًا، وجعل عرض شِقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعًا. قال: فلذلك سُمِّيَت: الكعبة؛ لأنها على خِلْقَة الكَعْب. قال: وكذلك بنيان أساس آدم، وجعل بابها بالأرض غير مبَوَّب، حتى كان تُبَّع بن أسعد الحِمْيَرِيّ، وهو الذي جعل لها غُلْقًا فارسيًّا، وكساها كِسْوةً تامة، ونحر عندها، وجعل إبراهيم ﵇ الحِجْرَ إلى جنب البيت عريشًا من أراك، تقتحمه العَنْز، فكان زَرْبًا لغنم إسماعيل، وحفر إبراهيم جُبًّا في بطن البيت على يمين من دخله، يكون خزانة للبيت، يُلقى فيه ما يُهدى للكعبة، وكان الله استودع الركن أبا قبيس حين أغرق الله الأرض زمن نوح، وقال: إذا رأيتَ خليلي يبني بيتي فأخرجه له. فجاء به جبريل فوضعه في مكانه، وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ نورًا من شِدَّة بياضه، وكان نورُه يُضِيء إلى منتهى أنصاب الحرم من كل ناحية، قال: وإنما شِدَّة سواده لأنّه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإسلام[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٣١-٣٢.]]. (١/٧٠٦)
٣٩١١- عن عبد الملك ابن جريج -من طريق سعيد بن سالم- قال: كان ابنُ الزبير بنى الكعبة من الذَّرْعِ على ما بناها إبراهيم ﵇، قال: وهي مُكَعَّبَة على خِلْقَة الكَعْبِ؛ ولذلك سُمِّيَت: الكعبة. قال: ولم يكن إبراهيم سَقَفَ الكعبةَ، ولا بناها بمَدَرٍ[[بمدر: بطين. لسان العرب ٥/١٦٢.]]؛ وإنّما رَضَمَها رَضْمًا[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٣٢.]]٥١١. (١/٧٠٨)
٣٩١٢- عن عثمان بن ساج، قال: بلَغَنا -والله أعلم-: أنّ إبراهيم خليل الله عُرِجَ به إلى السماء، فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها، فاختار موضع الكعبة، فقالت له الملائكة: يا خليل الله، اخْتَرْتَ حرم الله في الأرض. فبناه من حجارةِ سبعة أجْبُل، ويقولون: خمسة. فكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم ﵇ من تلك الجبال[[أخرجه الأزرقي في فضائل مكة ١/٢١. هذا وقد حشد السيوطي ١/٦٦٤-٧٠٩ آثارًا كثيرة حول فضائل البيت، والنظر إلى الكعبة والطواف حولها، كذلك فضائل الحجر الأسود، وآثارًا فيمن حج ومات بالحرم من الأنبياء، وغير ذلك.]]. (١/٦٩٠)
﴿رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ١٢٧﴾ - قراءات
٣٩١٣- عن الأعمش -من طريق حسين الجُعْفِيّ- أنّه قرأ: (وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ وإسْماعِيلُ يَقُولانِ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا)[[أخرجه ابن أبي داود في المصاحف ص٥٧. وهي قراءة شاذة، تروى أيضًا عن ابن مسعود. انظر: مختصر ابن خالويه ص١٧، والمحتسب ١/١٠٨.]]٥١٢. (١/٧٠٩)
﴿رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ١٢٧﴾ - تفسير الآية
٣٩١٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- ﴿تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾، يقول: تَقَبَّلْ مِنّا إنك سميع الدعاء[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٦٥.]]. (ز)
٣٩١٥- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- في قول الله: ﴿سميع عليم﴾، يعني: عالِمٌ بها[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٢٣٤.]]. (ز)
٣٩١٦- عن الحسن البصري -من طريق عبّاد بن منصور-: وكان إسماعيل يقول وهما يبنيانه: ﴿ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾. فتقبل منهما[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٢٣٣.]]. (ز)
٣٩١٧- عن إسماعيل السُّدِّي -من طريق أسباط-: بَنَيا وهُما يَدْعُوان الكلماتِ التي ابْتَلى بها إبراهيمَ ربُّه، قال: ﴿ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾، ﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك﴾، ﴿ربنا وابعث فيهم رسولا منهم﴾[[أخرجه ابن جرير ٢/٥٥٧، وابن أبي حاتم ١/٢٣٢.]]. (ز)
٣٩١٨- قال مقاتل بن سليمان: فلمّا فرغا من بناء البيت قالا: ﴿ربنا تقبل منا﴾ يعني: بناء هذا البيت الحرام؛ ﴿إنك أنت السميع العليم﴾ لدعائهما، ربنا تقبل منا[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٣٨.]]. (ز)
٣٩١٩- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: ﴿السميع﴾، أي: سميع بما يقولون[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٢٣٤.]]. (ز)
٣٩٢٠- عن وهيب بن الورد -من طريق محمد بن يزيد بن خنيس- أنّه قرأ: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا﴾. ثم بكى، وقال: يا خليل الرحمن، ترفع قوائمَ بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يقبل منك[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٢٣٣.]]. (ز)
٣٩٢١- عن سفيان [بن عيينة] -من طريق سعيد بن منصور- أنّه تلا هذه الآية: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا﴾. فقال: سَأَلا القَبُول، وتَخَوَّفا أن يكون منه شيء لا يُتَقَبَّل منهما[[أخرجه سعيد بن منصور (ت: سعد آل حميد) ٢/٦١٥ (٢١٩).]]. (ز)
﴿رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ١٢٧﴾ - آثار متعلقة بالآية
٣٩٢٢- عن ابن عباس، قال: إنّ النبي ﷺ إذا أفطر قال: «اللهُمَّ، لك صُمْنا، وعلى رزقك أفْطَرْنا، فتَقَبَّلْ مِنّا؛ إنّك أنت السميع العليم»[[أخرجه الطبراني في الكبير ١٢/١٤٦ (١٢٧٢٠)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ١/٤٣٠ (٤٨٠). قال الهيثمي في المجمع ٣/١٥٦ (٤٨٩٣): «وفيه عبد الملك بن هارون، وهو ضعيف». وقال الألباني في الإرواء ٤/٣٦ (٩١٩): «ضعيف».]]. (١/٧٠٩)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.