الباحث القرآني
﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِی ٱلۡقَرۡنَیۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا ٨٣﴾ - نزول الآية
٤٥٥٩٩- عن إسماعيل السدي، قال: قالت اليهود للنبي ﷺ: يا محمد، إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين، أنّك سمعت ذِكرَهم مِنّا، فأخبِرنا عن نبيٍّ لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد. قال: «ومن هو؟» قالوا: ذو القرنين. قال: «ما بلغني عنه شيء». فخرجوا فرِحين قد غلبوا في أنفسهم، فلم يبلغوا باب البيت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٧/٢٣٨١ (١٢٩٣٥) مرسلًا.]]. (٩/٦٢٩)
٤٥٦٠٠- عن عمر مولى غفرة، قال: دخل بعضُ أهل الكتاب على رسول الله ﷺ، فسألوه، فقالوا: يا أبا القاسم، كيف تقول في رجلٍ كان يَسِيح في الأرض؟ قال: «لا علم لي به». فبينما هم على ذلك إذ سمعوا نَقِيضًا[[النَّقِيضُ: الصوت. النهاية (نقض).]] في السقف، ووجد رسول الله ﷺ غَمَّةَ الوحي، ثم سُرِّي عنه، فتلا: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين﴾ الآية. ذكر السبب، قالوا: أتاك خبره، يا أبا القاسم، حسبُك[[أخرجه ابن أبي حاتم ٧/٢٣٨٢ (١٢٩٣٦) مرسلًا.]]. (٩/٦٢٩)
٤٥٦٠١- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين﴾، قال: سألتِ اليهودُ نبيَّ الله ﷺ عن ذي القرنين؛ فأنزل الله: ﴿قل سأتلو عليكم منه ذكرا﴾[[أخرجه يحيى بن سلام ١/٢٠١ مرسلًا.]]. (ز)
﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِی ٱلۡقَرۡنَیۡنِۖ﴾ - تفسير
٤٥٦٠٢- عن سالم بن أبي الجعد، قال: سُئِل عليُّ بن أبي طالب عن ذي القرنين: أنبيٌّ هو؟ فقال: سمعتُ نبيَّكم ﷺ يقول: «هو عبدٌ ناصَح اللهَ، فنَصَحَه»[[أخرجه أبو بكر ابن الحافظ ابن مردويه في جزء من أحاديث ابن حيان ص١٥٣ (٧٥) بنحوه. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه، كلاهما من طريق سالم بن أبي الجعد، عن علي به. إسناده ضعيف لانقطاعه؛ سالم بن أبي الجعد لم يسمع عليًّا، قال العلائي في جامع التحصيل ص١٧٩: «مشهور كثير الإرسال عن كبار الصحابة؛ كعمر، وعلي، وعائشة، وابن مسعود، وغيرهم ﵃ ... وقال أبو زرعة: سالم بن أبي الجعد عن عمر، وعثمان، وعلي مرسلٌ».]]. (٩/٦٣٠)
٤٥٦٠٣- عن خالد بن معدان الكلاعي -وكان خالد رجلًا قد أدرك الناس-: أنّ رسول الله ﷺ سُئِل عن ذي القرنين، فقال: «مَلَكٌ مَسَح الأرضَ مِن تحتها بالأسباب». قال خالد: وسمِع عمرُ بنُ الخطاب رجلًا يقول: يا ذا القرنين. فقال: اللهم، غُفْرًا، أما رضيتم أن تُسَمُّوا بأسماء الأنبياء حتى تُسَمُّوا بأسماء الملائكة؟ فإن كان رسول الله ﷺ قال ذلك فالحقُّ ما قال، والباطل ما خالفه[[أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص٦٠، وأبو الشيخ في العظمة ٤/١٤٨٠-١٤٨١ واللفظ له، وابن جرير ١٥/٣٩٠.]]. (ز) (٩/٦٣١)
٤٥٦٠٤- عن الأحوص بن حكيم، عن أبيه، أنّ النبي ﷺ سُئِل عن ذي القرنين. فقال: «هو مَلِك مَسَح الأرض بالأسباب»[[أخرجه ابن أبي حاتم ٧/٢٣٨٢ (١٢٩٣٨) بلفظ: «هو ملِك مَسَح الأَرض بالإحسان»، من طريق الأحوص بن حكيم، عن أبيه به. إسناده ضعيف؛ فيه الأحوص بن حكيم بن عمير العنسي، قال عنه ابن حجر في التقريب (٢٩٠): «ضعيف الحفظ». وأبوه حكيم بن عمير، تابعيٌّ لم يُدرِك النبي ﷺ؛ فهو مرسلٌ أيضًا.]]. (٩/٦٣١)
٤٥٦٠٥- عن جبير بن نفير: أنّ أحبارًا مِن اليهود قالوا للنبي ﷺ: حدِّثنا عن ذي القرنين إن كنت نبيًّا. فقال رسول الله ﷺ: «هو ملِك مَسَح الأرض بالأسباب»[[عزاه السيوطي إلى الشيرازي في الألقاب.]]. (٩/٦٣٢)
٤٥٦٠٦- عن عمر بن الخطاب، أنّه سمِع رجلًا يُنادي بمنى: يا ذا القرنين. فقال له عمر: ها أنتم قد سميتُم بأسماء الأنبياء، فما بالكم وأسماء الملائكة![[أخرجه ابن عبد الحكم ص٣٩، وابن الأنباري في كتاب الأضداد ص٣٥٣. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.]]. (٩/٦٣٢)
٤٥٦٠٧- عن أبي الطُّفيل، أن ابن الكَوّاء سأل علي بن أبي طالب عن ذي القرنين: أنبيًا كان أم مَلَكًا؟ قال: لم يكن نبيًّا ولا ملكًا، ولكن كان عبدًا صالحًا، أحب الله فأحبه، ونصح لله فنصحه، بعثه الله إلى قومه، فضربوه على قرنه فمات، ثم أحياه الله لجهادهم، ثم بعثه إلى قومه، فضربوه على قرنه الآخر فمات، فأحياه الله لجهادهم، فلذلك سمي ذا القرنين، وإن فيكم مثله[[أخرجه يحيى بن سلام ١/٢٠٧، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص٤٠، وابن الأنباري في الأضداد ص٣٥٤، وابن أبي عاصم في السنة (١٣١٨)، وابن جرير ١٥/٣٧٠. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه.]]٤٠٧٨. (٩/٦٣٠)
٤٥٦٠٨- عن حبيب بن خماش الأسدي قال: أتى رجل فسأل عليًّا وأنا عنده عن ذي القرنين؟ فقال: هو عبد صالح، ناصِح لله، فأطاع الله؛ فسَخَّر له السحاب، فحمله عليه، ومَدَّ له في الأسباب، وبسط له في النور. ثم قال للرجل: أيسُرُّك أن أزيدك؟ فسكت الرجل، وجلس[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٤١٠.]]. (ز)
٤٥٦٠٩- عن أبي الورقاء، قال: قلتُ لعلي بن أبي طالب: ذو القرنين، ما كان قرناه؟ قال: لعلَّك تحسب أنّ قرنيه ذَهَبٌ أو فِضَّة، كان نبيًّا، فبعثه الله إلى أناس، فدعاهم إلى الله تعالى، فقام رجلٌ، فضرب قرنه الأيسَر، فمات، ثم بعثه الله، فأحياه، ثم بعثه إلى ناس، فقام رجل، فضرب قرنه الأيمن، فمات، فسمّاه اللهُ: ذا القرنين[[أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٩٦٩).]]. (٩/٦٣٢)
٤٥٦١٠- عن علي بن أبي طالب -من طُرُق- أنّه سُئِل عن ذي القرنين. فقال: كان عبدًا أحبَّ اللهَ فأحبَّه، وناصح الله فناصحه، فبعثه إلى قومٍ يدعوهم إلى الله، فدعاهم إلى الله وإلى الإسلام، فضربوه على قرنه الأيمن، فمات، فأمسكه اللهُ ما شاء، ثم بعثه، فأرسله إلى أُمَّة أخرى يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، فضربوه على قرنه الأيسر، فمات، فأمسكه الله ما شاء، ثم بعثه، فسخَّر له السحاب، وخيَّره فيه، فاختار صعبَه على ذَلوله، وصعبَه الذي لا يُمْطِر، وبسط له النور، ومَدَّ له الأسباب، وجعل الليل والنهار عليه سواء، فبذلك بلغ مشارق الأرض ومغاربها[[عزاه السيوطي إلى ابن إسحاق، والفريابي، وابن أبي الدنيا في كتاب مَن عاش بعد الموت، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٥٦)
٤٥٦١١- عن معاوية بن أبي سفيان، قال: مَلَكَ الأرضَ أربعةٌ: سليمان، وذو القرنين، ورجل من أهل حلوان، ورجل آخر. فقيل له: الخضِر؟ قال: لا[[أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/٥٨٩.]]. (٩/٦٥٨)
٤٥٦١٢- عن عبد الله بن عمرو، قال: ذو القرنين نبيٌّ[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.]]٤٠٧٩. (٩/٦٣١)
٤٥٦١٣- عن عبد الله بن عباس، قال: ذو القرنين: عبد الله بن الضحاك بن معد[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٩/٦٣١)
٤٥٦١٤- عن جبير بن نُفَير: أنّ ذا القرنين ملَك مِن الملائكة، أهبطه الله إلى الأرض، وآتاه من كل شيء سببًا[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٣٢)
٤٥٦١٥- عن عبيد بن عمير: أنّ ذا القرنين حجَّ ماشيًا، فسمع به إبراهيم، فتَلَقّاه[[أخرجه أبو الشيخ (٩٨٣). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٩/٦٣٩)
٤٥٦١٦- عن أبي العالية الرياحي، قال: إنّما سُمِّي: ذو القرنين؛ لأنه قرن ما بين مطلع الشمس ومغربها[[أخرجه أبو الشيخ (٩٧٠). وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٩/٦٣٨)
٤٥٦١٧- عن مجاهد بن جبر، قال: إنّ ذا القرنين مَلَك الأرضَ كلها، إلا بلقيس صاحبة مأرب، فإنّ ذا القرنين كان يلبس ثياب المساكين، ثم يدخل المدائن، فينظر مِن عورتها قبل أن يقتل أهلَها، فأُخْبِرَتْ بذلك بلقيس، فبعثتْ رسولًا ينظر منه، فيُصَوِّر لها صورتَه في ملكه حين يقعد، وصورته في ثياب المساكين، ثم جعلت كل يوم تطعم المساكين وتجمعهم، فجاءها رسولها في صورته، فجعلت إحدى صورتيه تليها، والأخرى على باب الأسطوانة، فكانت تطعم المساكين كل يوم، فإذا فرغوا عرضتهم واحدًا واحدًا، فيخرجون، حتى جاء ذو القرنين في ثياب المساكين، فدخل مدينتها، ثم جلس مع المساكين إلى طعامها، فقرَّبت إليهم الطعام، فلما فرغوا أخرجتهم واحدًا واحدًا، وهي تنظر إلى صورته في ثياب المساكين، حتى مرَّ ذو القرنين، فنظرت إلى صورته، فقالت: أجلِسوا هذا، وأخرِجوا مَن بقي مِن المساكين. فقال لها: لِمَ أجلستيني، وإنما أنا مسكين؟ قالت: لا، أنت ذو القرنين، هذه صورتك في ثياب المساكين، واللهِ، لا تُفارقني حتى تكتب لي أمانًا بمُلكي، أو أضرِب عنقَك. فلما رأى ذلك كتب لها أمانًا، فلم ينجُ أحدٌ منه غيرها[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وابن عساكر.]]. (٩/٦٥٨)
٤٥٦١٨- عن الحسن البصري، قال: كان ذو القرنين مَلِكًا، وكان رجلًا صالِحًا[[أخرجه ابن عبد الحكم ص٣٩.]]. (٩/٦٣٧)
٤٥٦١٩- عن الحسن البصري -من طريق قتادة- قال: كان ذو القرنين مَلَك بعد نُمْرُود، وكان من معه أنّه[[كذا في المصدر.]] كان رجلًا مسلمًا صالحًا، أتى المشرق والمغرب، مدَّ الله ﷿ له في الأجل، وبصره حتى قهر البلاد، واحتوى على الأموال، وفتح المدائن، وقتل الرجال، وجال في البلاد والقلاع، فصار حتى أتى المشرق والمغرب؛ فلذلك قول الله ﷿: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين﴾[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٧/٣٢٩.]]. (ز)
٤٥٦٢٠- عن وهب بن منبه -من طريق عبد الصمد بن معقل- أنّه سُئِل عن ذي القرنين. فقال: لم يُوحَ إليه، وكان ملكًا. قيل: فلِم سُمِّي: ذا القرنين؟ فقال: اختلف فيه أهل الكتاب. فقال بعضهم: ملك الروم وفارس. وقال بعضهم: إنّه كان في رأسه شبه القرنين[[أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٩٦٢)، وابن جرير ١٥/٣٧١. وعزاه السيوطي إلى أحمد في الزهد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٣٧)
٤٥٦٢١- عن وهب بن منبه، قال: مَلَك ذو القرنين ثنتي عشرة سنة[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٥٩)
٤٥٦٢٢- عن عبيد بن تِعْلى[[قال محققو الدر: وفي نسخة: يعلى. وينظر: تهذيب الكمال ١٩/١٩٠.]]، قال: إنما سمي: ذا القرنين؛ لأنه كان له قرنان صغيران، تُواريهما العِمامة[[أخرجه ابن عبد الحكم ص٤٠. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، والشيرازي في الألقاب.]]. (٩/٦٣٧)
٤٥٦٢٣- عن قتادة بن دعامة، قال: الإسكندر هو ذو القرنين[[أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص٣٧.]]٤٠٨٠. (٩/٦٣٨)
٤٥٦٢٤- عن قتادة بن دعامة، قال: إنما سمي: ذا القرنين؛ لأنه كان له عَقِيصَتان[[العَقِيصَة: الشعر المعْقُوص، وهو نحو من المضْفُور. وأصل العَقْص: اللَّيُّ، وإدخال أطراف الشعر في أصوله. النهاية (عقص).]][[عزاه السيوطي إلى الشيرازي في الألقاب.]]٤٠٨١. (٩/٦٣٩)
٤٥٦٢٥- عن قتادة بن دعامة: أنّ ذا القرنين كان من سُوّاس الروم، يَسُوسُ أمورهم، فخُيِّر بين ذِلالِ[[ذُلُلَ السَّحاب: هو الذي لا رعد فيه ولا برق، وهو جمع ذَلُولٍ، من الذِّلِّ -بالكسر-: ضد الصَّعْب. النهاية (ذلل).]] السحاب وصِعابِها، فاختار ذِلالَها، فكان يركب عليها[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٣٩)
٤٥٦٢٦- عن محمد ابن شهاب الزهري، قال: إنما سُمِّي: ذا القرنين؛ أنه بلغ قرن الشمس من مغربها، وقرن الشمس من مطلعها[[أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص٤٠.]]. (٩/٦٣٨)
٤٥٦٢٧- عن يونس بن عبيد، قال: إنّما سُمِّي: ذا القرنين؛ لأنه كان له غديرتان من رأسه مِن شعَر يطأ فيهما[[أخرجه ابن عبد الحكم ص٤٠ عن يونس بن عبيد، عن الحسن.]]. (٩/٦٣٨)
٤٥٦٢٨- عن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر، قال: إنما سمي ذو القرنين: ذا القرنين؛ لشجتين شُجَّهُما على قرنَيه في الله، وكان أسود[[أخرجه أبو الشيخ (٩٧١).]]. (٩/٦٣٣)
٤٥٦٢٩- عن بكر بن مُضَر: أنّ هشام بن عبد الملك سأل عن ذي القرنين: أكان نبيًّا؟ فقال: لا، ولكنه إنما أُعْطِي ما أُعطِي بأربع خصال كُنَّ فيه: كان إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا حدث صدق، ولا يجمع اليوم لغد[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٣٨)
٤٥٦٣٠- عن محمد بن إسحاق، عمَّن يسوق أحاديث الأعاجم مِن أهل الكتاب مِمَّن قد أسلم في ما توارثوا من علمه: أنّ ذا القرنين كان رجلًا صالحًا مِن أهل مصر، اسمه: مَرْزَبي ابن مَرْذَبَة اليوناني، من ولد يونن بن يافث بن نوح[[أخرجه أبو الشيخ (٩٨٤). وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٣٩)
٤٥٦٣١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين﴾، يعني: الإسكندر قيصر، ويسمى: الملك القابض على قاف -وهو جبلٌ مُحِيط بالعالم- ذو القرنين، وإنما سمي: ذو القرنين؛ لأنهُ أتى قرني الشمس المشرق والمغرب[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥٩٩.]]٤٠٨٢. (ز)
٤٥٦٣٢- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: كان نذيرٌ واحدٌ بلغ ما بين المشرق والمغرب، ذو القرنين بلغ السدين، وكان نذيرًا، ولم أسمع بحقٍّ أنه كان نبيًّا[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (٩/٦٣٢)
﴿قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا ٨٣﴾ - تفسير
٤٥٦٣٣- عن الحسن البصري -من طريق قتادة- في قوله: ﴿قل سأتلوا عليكم منه ذكرا﴾، يعني: خَبَرًا[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٧/٣٢٩.]]. (ز)
٤٥٦٣٤- تفسير إسماعيل السدي: ﴿قل سأتلو عليكم منه ذكرا﴾، يعني: خبرًا[[علَّقه يحيى بن سلام ١/٢٠١.]]. (ز)
٤٥٦٣٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿قُل سأتلو عليكم منهُ﴾ يا أهل مكة ﴿ذكرا﴾ يعني: عِلْمًا[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥٩٩.]]. (ز)
﴿قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا ٨٣﴾ - آثار متعلقة بالآية
٤٥٦٣٦- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما أدري أتُبَّعٌ كان لعينًا أم لا؟ وما أدري أذو القرنين كان نبيًّا أم لا؟ وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؟»[[أخرجه الحاكم ٢/١٧ (٢١٧٤)، ٢/٤٨٨ (٣٦٨٢)، وابن أبي حاتم ٧/٢٣٨٢ (١٢٩٣٧)، ١٠/٣٢٨٩ (١٨٥٥٣). قال البخاري في التاريخ الكبير ١/١٥٣ (٤٥٥): «ولا يثبت هذا عن النبي ﷺ». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين، ولم يخرجاه». وأورده الألباني في الصحيحة ٥/٢٥١- ٢٥٢ (٢٢١٧).]]. (٩/٦٣٠)
٤٥٦٣٧- عن عقبة بن عامر الجهني، قال: كنت أخدم رسول الله ﷺ، فخرجت ذات يوم، فإذا أنا برجال مِن أهل الكتاب بالباب مَعَهم مصاحف، فقالوا: مَن يستأذن لنا على النَّبي؟ فدخلت على النَّبي ﷺ، فأخبرتُه، فقال: «ما لي ولهم، سألوني عمّا لا أدري؟ إنما أنا عبد لا أعلم إلا ما أعلمني ربي ﷿». ثم قال: «ابغِني وضوءًا». فأتيتُه بوضوء، فتوضَّأ ثُمَّ صلّى ركعتين، ثم انصرف، فقال لي وأنا أرى السرور والبِشْرَ في وجهه: «أدخِلِ القومَ عَلَيَّ، ومَن كان مِن أصحابي فأدخله أيضًا عَلَيَّ». فأذنت لهم، فدخلوا، فقال: «إن شئتم أخبرتكم عما جئتم تسألوني عنه مِن قبل أن تَكَلَّموا، وإن شئتم فتَكَلَّموا قبل أن أقول». قالوا: بل أخبِرنا. قال: «جئتم تسألوني عن ذي القرنين، إنّ أوَّل أمره أنه كان غلامًا من الروم، أُعْطِي مُلكًا، فسار حتى أتى ساحل أرض مصر، فابتنى مدينة يقال لها: إسكندرية، فلما فرغ مِن شأنها بعث الله ﷿ إليه ملَكًا، فعرج به، فاستعلى بين السماء، ثم قال له: انظر ما تحتك. فقال: أرى مدينتي، وأرى مدائن معها. ثم عرج به، فقال: انظر. فقال: قد اختلطت مع المدائن فلا أعرفها. ثم زاد، فقال: انظر. قال: أرى مدينتي وحدها، ولا أرى غيرها. قال له الملك: إنما تلك الأرض كلها، والذي ترى يحيط بها هو البحر، وإنما أراد ربُّك أن يريك الأرض، وقد جعل لك سلطانًا فيها، فسِرْ في الأرض، فعلِّم الجاهل، وثبِّت العالم. فسار حتى بلغ مغرب الشمس، ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس، ثم أتى السدين، وهما جبلان ليِّنان يَزْلُقُ عنهما كل شيء، فبنى السد، ثم أجاز يأجوج ومأجوج، فوجد قومًا وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج، ثم قَطَعَهم فوجد أُمَّة قصارًا يقاتلون القوم الذين وجوههم وجوه الكلاب، ووجد أمة من الغَرانيقِ[[الغُرْنُوق: طائر أبيض. وقيل: هو طائر أسود من طير الماء طويل العنق. لسان العرب (غرنق).]] يقاتلون القوم القِصار، ثم مضى، فوجد أمة مِن الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة، ثم أفضى إلى البحر المُديرِ بالأرض». فقالوا: نشهد أن أمره هكذا كما ذكرت، وإنّا نجده هكذا في كتابنا[[أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة ٤/١٤٦٨-١٤٦٩، والبيهقي في دلائل النبوة ٦/٢٩٥- ٢٩٦، ويحيى بن سلام ١/٢٠٦، وابن جرير ١٥/٣٦٨. قال ابن عطية في تفسيره ٥/٦٥٢: «وهو حديث واهي السند، فيه عن شيخين مِن تجيب». وقال ابن كثير في تفسيره ٩/١٨٢: «وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنّه مِن أخبار بني إسرائيل». وقال ابن حجر في الفتح ٦/٣٨٥ بعد أن عزاه لابن أبي حاتم: «وفي إسناده ضعف». وقال الألباني في الضعيفة ٣/٣٤٣ (١١٩٨): «ضعيف جدًّا».]]. (٩/٦٣٤-٦٣٦)
٤٥٦٣٨- عن مجاهد بن جبر -من طريق حصين بن عبد الرحمن- قال: لم يملك الأرضَ كلها إلا أربعة؛ مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين، والكافران: نُمْروذ بن كَوش، وبُخْتَنَصَّر[[تفسير مجاهد ص٤٥٠.]]. (ز)
٤٥٦٣٩- عن عكرمة مولى ابن عباس: أنّ ذا القرنين لما بلغ الجبل الذي يقال له: قاف؛ ناداه ملَك من الجبل: أيها الخاطئ ابن الخاطئ، جئت حيث لم يجئ أحد قبلك، ولا يجيء أحد بعدك. فأجابه ذو القرنين: وأين أنا؟ قال له الملك: أنت في الأرض السابعة. فقال له ذو القرنين: ما ينجيني؟ قال: ينجيك اليقين. فقال ذو القرنين: اللهم، ارزقني يقينًا. فأنجاه الله. قال له الملَك: إنك ستأتي إلى قوم لتبني لهم سدًّا، فإذا أنت بنيته وفرغت منه فلا تُحَدِّث نفسك أنك بنيته بحول منك أو قوة، فيسلط الله على بنيانك أضعف خلقه فيهدمه. ثم قال له ذو القرنين: ما هذا الجبل؟ فقال له: قاف. وهو أخضر، والسماء بيضاء، وإنما خضرتها من هذا الجبل، وهذا الجبل أمُّ الجبال كلها، والجبال كلها من عروقه، فإذا أراد الله أن يزلزل قريةً حرَّك مِنه عِرْقًا. ثم إنّ الملَك ناوله عُنقودًا من عنب، وقال له: حَبَّة ترويك، وحَبَّة تُشْبِعك، وكلما أخذت منه حَبَّةً عادت مكانها حَبَّةٌ. ثم خرج من عنده، فجاء البنيان الذي أراد الله، فقالوا له: ﴿يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض﴾ إلى قوله: ﴿أجعل بينكم وبينهم ردما﴾. قال عكرمة: هم منسك، وناسك، وتاويل، وراحيل. وقال أبو سعيد: هم خمسة وعشرون قبيلة مِن وراء يأجوج ومأجوج[[عزاه السيوطي إلى عَبد بن حُمَيد، وابن المنذر.]]. (٩/٦٥٧)
٤٥٦٤٠- عن سليمان الأشج صاحب كعب الأحبار: أنّ ذا القرنين كان رجلًا طوّافًا صالحًا، فلما وقف على جبل آدم الذي هبط عليه ونظر إلى أثره هاله، فقال له الخضِر -وكان صاحب لوائه الأكبر-: ما لَكَ أيها الملِك؟ قال: هذا أثَرُ الآدميين، أرى موضع الكفين والقدمين وهذه القرحة، وأرى هذه الأشجار حوله قائمة يابسة يسيل منها ماء أحمر، إنّ لها لَشأنًا. فقال له الخضِر -وكان قد أعطي العلوم والفهم-: أيها الملك، ألا ترى الورقة المُعَلَّقة مِن النخلة الكبيرة؟ قال: بلى. قال: فهي تخبرك بشأن هذا الموضع. وكان الخضِر يقرأ كل كتاب، فقال: أيها الملك، أرى كتابًا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ مِن آدم أبي البشر، أُوصيكم ذريتي وبناتي أن تحذروا عدُوِّي وعدُوَّكم إبليس، الذي كان يُلِينُ كلامه، وفُجورُ أمنيته، أنزلني من الفردوس إلى تربة الدنيا، فأُلْقِيت على موضعي هذا لا يُلْتَفَتُ إلَيَّ مائتي سنة بخطيئة واحدة، حتى رست في الأرض، وهذا أثري، وهذه الأشجار من دموع عيني، فعَلَيَّ في هذه التربة أُنزِلت التوبة، فتوبوا من قبل أن تندموا، وبادروا من قبل أن يُبادر بكم، وقدِّموا من قبل أن يقدم بكم. فنزل ذو القرنين، فمسح موضع جلوس آدم، فإذا هو ثمانون ومائة ميل، ثم أحصى الأشجار، فإذا هي تسعمائة شجرة، كلها من دموع آدم نبتت، فلما قتل قابيل هابيل تحولت يابسة، وهي تبكي دمًا أحمر، فقال ذو القرنين للخضِر: ارجع بنا، فلا طلبت الدنيا بعدها[[أخرجه ابن عساكر ١٧/٣٥٥-٣٥٦.]]. (٩/٦٣٦)
٤٥٦٤١- عن وهب بن منبه: أنّ ذا القرنين أوَّل مَن لبس العمامة، وذاك أنّه كان في رأسه قرنان كالظلفين متحركان، فلبس العمامة مِن أجل ذلك، وأنه دخل الحمّام، ودخل كاتبه معه، فوضع ذو القرنين العمامة، فقال لكاتبه: هذا أمر لم يطَّلع عليه خلقٌ غيرك، فإن سمعت به مِن أحد قتلتك. فخرج الكاتب مِن الحمام، فأخذه كهيئة الموت، فأتى الصحراء، فوضع فمَه بالأرض، ثم نادى: ألا إنّ للملك قرنين، ألا إنّ للملك قرنين. فأنبت الله مِن كلمته قصبتين، فمرَّ بهما راعٍ، فأعجب بهما، فقطعهما، واتخذهما مزمارًا، فكان إذا زمر خرج من القصبتين: ألا إنّ للملك قرنين. فانتشر ذلك في المدينة، فأرسل ذو القرنين إلى الكاتب، فقال: لَتَصْدُقَنِّي وإلا قتلتُك. فقصَّ عليه الكاتب القصة، فقال ذو القرنين: هذا أمرٌ أراد الله أن يبديه. فوضع العمامة عن رأسه[[أخرجه أبو الشيخ (٩٧٦).]]٤٠٨٣. (٩/٦٣٣)
٤٥٦٤٢- عن وهب بن منبه -وكان له علم بالأحاديث الأولى- أنه كان يقول: كان ذو القرنين رجلًا من الروم، ابن عجوز مِن عجائزهم، ليس لها ولد غيره، وكان اسمه: الإسكندريس، وإنما سمي: ذا القرنين؛ أن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، فلما بلغ -وكان عبدًا صالحًا- قال الله له: يا ذا القرنين، إنِّي باعثك إلى أُمَم الأرض، منهم أمتان بينهما طول الأرض كلها، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلها، وأمم في وسط الأرض، منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج، فأما اللتان بينهما طول الأرض فأُمَّة عند مغرب الشمس يُقال لها: ناسك، وأما الأخرى فعند مطلعها يقال لها: منسك، وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأُمَّة في قُطْر الأرض الأيمن يُقال لها: هاويل، وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر فأُمَّة يقال لها: تاويل. فلما قال الله له ذلك قال له ذو القرنين: يا إلهي، أنت قد ندبتني لأمر عظيم، لا يَقْدُرُ قَدْرَه إلا أنت، فأخبِرني عن هذه الأمم التي تبعثني إليها بأيِّ قوة أكابرهم؟ وبأي جمع أكاثرهم؟ وبأي حيلة أكايدهم؟ وبأي صبر أقاسيهم؟ وبأي لسان أناطقهم؟ وكيف لي بأن أفقه لغاتهم؟ وبأي سمع أعِي قولهم؟ وبأيِّ بصر أنفذهم؟ وبأي حجة أخاصمهم؟ وبأي قلب أعقل عنهم؟ وبأي حكمة أُدَبِّر أمرهم؟ وبأي قسط أعدل بينهم؟ وبأي حلم أصابرهم؟ وبأي معرفة أفصل بينهم؟ وبأي علم أتقن أمرهم؟ وبأي يد أسطو عليهم؟ وبأي رِجل أطؤهم؟ وبأي طاقة أخْصِمُهم؟ وبأيِّ جند أقاتلهم؟ وبأي رفق أستألفهم؟ فإنّه ليس عندي -يا إلهي- شيءٌ مما ذكرت يقرن لهم، ولا يقوى عليهم، ولا يُطِيقهم، وأنت الربُّ الرحيم الذي لا تُكَلِّف نفسًا إلا وسعها، ولا تُحَمِّلها إلا طاقتها، ولا تُعْنِتُها، ولا تَفْدَحُها[[تُثْقِل عليها. النهاية (فدح).]]، بل ترأفها وترحمها. فقال له الله ﷿: إنِّي سأُطَوِّقك ما حَمَّلْتُك، أشرح لك صدرك فيَتَّسِعُ لكل شيء، وأشرح لك فهمك فتفقه كل شيء، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء، وأفتح لك سمعك فتعي كل شيء، وأمد لك بصرك فتنفذ كل شيء، وأُدَبِّر لك أمرك فتتقن كل شيء، وأحصي لك فلا يفوتك شيء، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء، وأشد لك ظهرك فلا يَهُدُّك شيء، وأشد لك رُكْنَك فلا يغلِبك شيء، وأشدُّ لك قلبك فلا يَرُوعُك شيء، وأشد لك عقلك فلا يهولك شيء، وأبسط لك يديك فيسطوان فوقَ كلِّ شيء، وأشد لك وطْأَتَك فتَهُدُّ كل شيء، وأُلْبِسُك الهَيْبَة فلا يَرُومُك شيء، وأُسَخِّر لك النور والظُّلْمَة فأجعلهما جندًا من جنودك؛ يهديك النور مِن أمامك، وتحوطك الظُّلْمَة من ورائك. فلمّا قيل له ذلك انطَلَق يَؤُمُّ الأُمَّة التي عند مغرب الشمس، فلمّا بلغهم وجد جمعًا وعددًا لا يحصيه إلا الله، وقُوَّة وبأسًا لا يطيقه إلا الله، وألسنة مختلفة، وأمورًا مشتبهة، وأهواء مُتَشَتِّتة، وقلوبًا مُتَفَرِّقة، فلمّا رأى ذلك كابرهم بالظلمة، فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها، فأحاطت بهم مِن كل مكان، وحاشتهم حتى جمعتهم في مكان واحد، ثم دخل عليهم بالنور، فدعاهم إلى الله وعبادته، فمنهم مَن آمن له، ومنهم مَن صَدَّ عنه، فعمد إلى الذين تَوَلَّوا عنه، فأدخل عليهم الظُّلمة، فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت في بيوتهم ودُورهم، وغَشِيَتْهم مِن فوقهم ومِن تحتهم ومِن كلِّ جانبٍ منهم، فماجوا فيها، وتَحَيَّروا، فلمّا أشفقوا أن يهلكوا فيها عجُّوا إليه بصوتٍ واحد، فكشفها عنهم، وأخذهم عُنْوَة، فدخلوا في دعوته، فجَنَّدَ مِن أهل المغرب أممًا عظيمة، فجعلهم جندًا واحدًا، ثم انطلق بهم يقودهم، والظلمة تسوقهم من خلفهم، وتحوشهم من حولهم، والنور أمامه يقوده ويدُلُّه، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى، وهو يريد الأُمَّة التي في قُطر الأرض الأيمن التي يُقال لها: هاويل. وسخَّر الله له يده وقلبه ورأيه وعقله ونظره وائتِماره، فلا يخطئ إذا ائتمر، وإذا عمل عملًا أتقنه، فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه، فإذا انتهى إلى بحر أو مَخاضة بنى سُفُنًا مِن ألواح صغار أمثال النِّعالِ، فنظَمها في ساعة واحدة، ثم حمل فيها جميع مَن معه مِن تلك الأمم وتلك الجنود، فإذا قطع الأنهار والبحار فَتَقها، ثم دفع إلى كل إنسان لوحًا فلا يَكْرِثُه حملُه[[لا يشق عليه حمله. النهاية (كرث).]]، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل، فعمل فيهم كعمله في ناسك، فلما فرغ منهم مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى، حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس، فعمل فيها، وجَنَّد منها جنودًا كفعله في الأُمَّتين اللتين قبلها، ثم كرَّ مُقبِلًا في ناحية الأرض اليسرى وهو يريد تاويل، وهي الأُمَّة التي بحيال هاويل، وهما متقابلتان، بينهما عَرْضُ الأرضِ كله، فلما بلغها عمل فيها، وجنَّد منها كفعله فيما قبلها، فلمّا فرغ منها عَطَف منها إلى الأمم التي في وسط الأرض، من الجن وسائر الناس ويأجوج ومأجوج. فلما كان في بعض الطريق مِمّا يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق قالت له أُمَّةٌ من الإنس صالحة: يا ذا القرنين، إنّ بين هذين الجبلين خَلْقًا مِن خلق الله كثيرًا، فيهم مشابهة مِن الإنس، وهم أشباه البهائم، وهم يأكلون العشب، ويفترسون الدواب والوحش كما يفترسها السباع، ويأكلون خشاش الأرض كلها مِن الحيّات والعقارب، وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض، وليس لله خلقٌ يَنْمى نماءَهم في العام الواحد، ولا يزداد كزيادتهم، ولا يكثر ككثرتهم، فإن كانت لهم مدة على ما يرى من نمائهم وزيادتهم فلا شك أنهم سيملؤون الأرض، ويُجْلُون أهلَها، ويظهرون عليها، فيُفْسِدون فيها، وليست تَمُرُّ بنا سنةٌ منذ جاورناهم إلا ونحن نتوقعهم، وننتظر أن يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين، ﴿فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا. قال: ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما﴾، اغدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أرتاد بلادهم، وأعلم علمهم، وأقيس ما بين جبليهم. ثم انطلق يؤمهم حتى دفع إليهم، وتَوَسَّط بلادهم، فإذا هم على مقدار واحد؛ أنثاهم وذكرهم، يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع مِنّا، لهم مخاليب في مواضع الأظفار مِن أيدينا، ولهم أنياب وأضراس كأضراس السباع وأنيابها، وأحناك كأحناك الإبل قُوَّة، يُسْمَع لها حركة إذا أكل كحركة الجرَّة من الإبل، أو كقضم البغل المُسِنّ، أو الفرس القوي، وهم هلب، عليهم من الشعَر في أجسادهم ما يُوارِيهم، وما يَتَّقون به مِن الحرِّ والبرد إذا أصابهم، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان، إحداهما وبِرَةٌ ظهرها وبطنها، والأخرى زَغِبَةٌ[[زغبة: من الزغب، وهو صغار الشعر والريش ولينه. تاج العروس (زغب).]] ظهرها وبطنها، تَسَعانِه إذا لبسهما، يلبس إحداهما، ويفترش الأخرى، ويَتَصَيَّف في إحداهما، ويشتو في الأخرى، وليس منهم ذكرٌ ولا أنثى إلا وقد عرف أجلَه الذي يموت فيه وينقطع عمره، وذلك أنّه لا يموت مَيِّتٌ مِن ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد، ولا تموت الأنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد، فإذا كان ذلك أيقن بالموت، وتَهَيَّأ له، وهم يُرزقون التِّنِّينَ[[التنين: ضرب من الحيات من أعظمها كأكبر ما يكون منها. لسان العرب (تنن).]] في زمان الربيع، ويستمطرونه إذا تَحَيَّنوه كما يستمطر الغيث لحينه، فيقذفون منه كل سنة بواحد، فيأكلونه عامَهم كله إلى مثلها مِن قابل، فيغنيهم على كثرتهم ونمائهم، فإذا أمطروا أخصبوا، وعاشوا وسمنوا، ورُئِي أثرُه عليهم، فَدَرَّتْ عليهم الإناث، وشَبِقَت منهم الذكور، وإذا أخطأهم هزلوا وأجدبوا، وجَفَرت[[جفر الرجل: إذا انقطع عن الجماع. لسان العرب (جفر).]] منهم الذكور، وأحالَتِ[[أحالت الإناث: إذا لم تحمل. لسان العرب (حول).]] الإناث، وتبيَّن أثر ذلك عليهم، وهم يتداعون تداعي الحمام، ويعوون عَوِيَّ الذئاب، ويَتَسافَدون حيثما التقوا تَسافُد البهائم. ثم لَمّا عاين ذلك منهم ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصَّدَفَين، فقاس ما بينهما وهو في منقطع أرض الترك مما يلي الشمس، فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ، فلما أنشأ في عمله حفر له أُسًّا حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخًا، وجعل حشوه الصخور، وطينه النحاس، يذاب ثم يُصَبُّ عليه، فصار كأنه عِرق مِن جبل تحت الأرض، ثم عَلاه وشَرَّفَه بزُبَرِ الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عِرْقًا مِن نحاس أصفر، فصار كأنه بُرْدٌ مُحَبَّرٌ مِن صُفْرةِ النحاس وحُمرته وسواد الحديد، فلمّا فرغ منه وأحكمه انطلق عامِدًا إلى جماعة الإنس والجن، فبينما هو يسير إذ رفع إلى أمة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون، فوجد أُمَّة مقسطة يقتسمون بالسوية، ويحكمون بالعدل، ويتآسون، ويتراحمون، حالهم واحدة، وكلمتهم واحدة، وأخلاقهم مشتبهة، وطريقتهم مستقيمة، وقلوبهم مُؤْتَلِفة، وسيرتهم مستوية، وقبورهم بأبواب بيوتهم، وليس على بيوتهم أبواب، وليس عليهم أمراء، وليس بينهم قضاة، وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف، ولا يتفاوتون، ولا يتفاضلون، ولا يتنازعون، ولا يَسْتَبُّون، ولا يقتتلون، ولا يقحطون، ولا يُجْرَدون[[جردت الأرض: إذا أكل الجراد نبتها. تاج العروس (جرد).]]، ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس، وهم أطول الناس أعمارًا، وليس فيهم مسكين ولا فقير، ولا فظٌّ ولا غليظ. فلمّا رأى ذلك ذو القرنين مِن أمرهم أعجب منهم، وقال لهم: أخبِروني -أيها القوم- خبرَكم، فإني قد أحصيت الأرض كلها، برها وبحرها، وشرقها وغربها، ونورها وظلمتها، فلم أجد فيها أحدًا مثلكم، فأخبِروني خبركم. قالوا: نعم، فسَلْنا عما تريد. قال: أخبِروني ما بالُ قبوركم على أبواب بيوتكم؟ قالوا: عمدًا فعلنا ذلك، لِئَلّا ننسى الموت، ولا يخرج ذِكْرُه مِن قلوبنا. قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا: ليس فينا مُتَّهم، وليس فينا إلا أمين مُؤْتَمَن. قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا: لا نَتَظالَم. قال: فما بالكم ليس بينكم حُكّام؟ قالوا: لا نختصم. قال: فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟ قالوا: لا نتكاثر. قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا: لا نتكابر. قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا: لا نتنافس. قال: فما بالكم ولا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا مُتواصِلون مُتراحِمون. قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: مِن قِبَل أُلْفَة قلوبِنا، وصلاح ذاتِ بيننا. قال: فما بالكم لا تَسْتَبُّون ولا تقتتلون؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا غلبنا طبائعَنا بالعزم، وسُسْنا أنفسنا بالحِلم. قال: فما بال كلمتكم واحدة، وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا لا نتكاذب، ولا نتخادع، فلا يغتاب بعضُنا بعضًا. قال: فأخبِروني مِن أين تشابهت قلوبكم، واعتدلت سيرتكم؟ قالوا: صحَّت صدورُنا، فنزع الله بذلك الغِلَّ والحسد من قلوبنا. قال: فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا نقسم بالسَّوِيَّة. قال: فما بالكم ليس فيكم فظٌّ ولا غليظ؟ قالوا: مِن قِبَل الذل والتواضع. قال: فما بالكم جعلتم أطول الناس أعمارًا؟ قالوا: مِن قِبَل أنا نتعاطى الحق، ونحكم بالعدل. قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: لا نغفل عن الاستغفار. قال: فما بالكم لا تُجْرَدون؟ قالوا: من قِبَلِ أنّا وطَّنّا أنفسنا للبلاء منذ كُنّا، وأحببناه وحرصنا عليه؛ فعُرِّينا منه. قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفاتُ كما تصيب الناس؟ قالوا: لا نتوكل على غير الله، ولا نعمل بأنواء النجوم. قال: حدِّثوني، أهكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟ قالوا: نعم، وجدنا آباءنا يرحمون مساكينهم، ويواسون فقراءهم، ويعفون عمَّن ظلمهم، ويُحْسِنون إلى مَن أساء إليهم، ويحلمون عمَّن جهل عليهم، ويستغفرون لِمَن سبَّهم، ويَصِلون أرحامهم، ويَرُدُّون أماناتهم، ويحفظون وقتهم لصلاتهم، ويُوفُون بعهودهم، ويَصْدُقون في مواعيدهم، ولا يرغبون عن أكفائهم، ولا يستنكفون عن أقاربهم، فأصلح الله بذلك أمرَهم، وحفظهم به ما كانوا أحياء، وكان حقًّا عليه أن يخلفهم في تَرِكَتِهم. فقال لهم ذو القرنين: لو كنت مقيمًا لأقمت فيكم، ولكني لم أؤمر بالإقامة[[أخرجه أبو الشيخ (٩٧٢). وعزاه السيوطي إلى ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والشيرازي في الألقاب.]]٤٠٨٤. (٩/٦٤٠-٦٥٠)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.