قوله تعالى: ﴿وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ﴾ إلى آخرها.
أقسم الله جل ذكره بالضحى، وهو النهار كله عند الفراء.
وعند غيره: هو أول (النهار)، قال قتادة: الضحى: "ساعة من ساعات النهار"، والمعنى: ورب الضحى، وخالق الضحى، ونحوه.
* * *
وقوله: ﴿إِذَا سَجَىٰ﴾ قال ابن عباس: ﴿سَجَىٰ﴾: أقبل. وعنه أيضاً: "سجى": ذهب.
وقال مجاهد: ﴿سَجَىٰ﴾ استوى. وقال قتادة: ﴿سَجَىٰ﴾: "سكن بالخلق".
وقال الضحاك: ﴿سَجَىٰ﴾: استقر وسكن. وهو قول ابن زيد.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ﴾.
هذا جواب القسم، أي: ما تركك ربك يا محمد وما أبغضك.
فالمفعول من "قلى" محذوف.
وروي أن الوحي أبطأ على النبي ﷺ فقالت قريش: قد ودع محمداً ربه وقلاه، فأنزل الله جل ذكره: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ﴾.
وروى هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: أبطأ جبريل عن النبي ﷺ، فقالت له خديجة: أحسب ربك قد [قلاك]، فأنزل الله: ﴿وَٱلضُّحَىٰ﴾ إلى آخرها.
وقال ابن عباس: أري النبي ﷺ ما هو مفتوح على أمته، فسر بذلك، فأنزل الله ﴿وَٱلضُّحَىٰ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾ (قال) فأعطاه الله ألف قصر في الجنة، ترابها المسك في كل قصر ما ينبغي (له) من الأزواج والخدم.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ﴾ أي: ولنعيم الآخرة خير لك من نكد (الدنيا).
(ثم) قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾ أي: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه حتى ترضى.
قال ابن عباس: عرض على النبي ﷺ ما هو مفتوح على أمته من بعده، فسر بذلك، فانزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾، قال: فأعطاه (الله) ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك، وفيها ما يصلحها.
وعن ابن عباس أنه قال: ما رضي محمد ﷺ أن يدخل أحد من أهل بيته النار.
وروى جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ دخل على بنته فاطمة وعليها كساء (من [جلة]) الإبل وهي تطحن بيدها، فلما رآها دمعت عيناه، وقال: يا فاطمة، تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة، فأنزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾
[وروي عن بعض أن النبي ﷺ [قال]: ليس في القرآن أرجى من قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾]، ولا يرضى رسول الله ﷺ أن يدخل أحد من أمته النار
هذا معنى قوله المروي عنه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ﴾.
أي: كنت يا محمد يتيماً في حجر عمك أبي طالب فجعل الله لك مأوى تأوي إليه، ومنزلاً تنزله.
وقيل: كنت يتيما فآواك إلى عمك أبي طالب.
* * *
﴿وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ﴾.
أي: ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم فهداك (للذي أنت عليه. وقيل: وجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها. وقال الفراء: معناه ووجدك في قوم ضلال فهداك) للإيمان.
وقيل: ضالاً عن الشريعة.
وقيل: ضالاً، أي: منسوباً إلى الضلالة. وقيل: معنى فهدى: فبين أمرك بالبراهين.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ﴾.
أي: فقيراً فأغناك، يقال: عال يعيل عيلة: إذا افتقر، وأعال يعيل: إذا كثر عياله.
وفي مصحف عبد الله: "ووجدك عديماً فأغنى".
وهذه كلها نعم من الله على النبي ﷺ يذكره بها وينبهه على شكرها ويعددها عليه ليذكرها.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ﴾.
أي: لا تظلمه فتذهب بحقه استضعافاً منك له.
قال قتادة: ﴿فَلاَ تَقْهَرْ﴾: فلا تظلم. وفي مصحف عبد الله: "فلا تكهر". وقال الأخفش: هما لغتان بمعنى، وقال غيره: معنى [تكهر]: لا تشدد عليه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ﴾.
أي: وأما من سألك من ذوي الحاجة فلا تنهره، (ولكن أعطه، أو رده رداً جميلاً. قال مجاهد: "فلا تنهر": فلا تغضبه.
[قال الحسن: ليس سائل الطعام والشراب، ولكنه سائل العلم إذا أتاك، فأنزل الله كيف، ليفهم عنك وتفهم عنه].
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
قال مجاهد: بنعمة ربك فحدث، أي: بالنبوة التي أعطاكها، فاذكره.
قال [أبو نضرة]: "كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها".
وفي الحديث: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
فالمعنى: وأما بنعمة ربك يا محمد فحدث الناس بها وأظهرها وأحمد الله عليها، فإن ذلك من الشكر، وهو لفظ خاص للنبي ﷺ، (عام) في جميع أمته.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلضُّحَىٰ","وَٱلَّیۡلِ إِذَا سَجَىٰ","مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ","وَلَلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ","وَلَسَوۡفَ یُعۡطِیكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰۤ","أَلَمۡ یَجِدۡكَ یَتِیمࣰا فَـَٔاوَىٰ","وَوَجَدَكَ ضَاۤلࣰّا فَهَدَىٰ","وَوَجَدَكَ عَاۤىِٕلࣰا فَأَغۡنَىٰ","فَأَمَّا ٱلۡیَتِیمَ فَلَا تَقۡهَرۡ","وَأَمَّا ٱلسَّاۤىِٕلَ فَلَا تَنۡهَرۡ","وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ"],"ayah":"وَوَجَدَكَ عَاۤىِٕلࣰا فَأَغۡنَىٰ"}