الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ إلى آخر السورة.
أي: وإلا الذين [يحفظون] فروجهم فلا يطئون إلا أزواجهم أو مملوكاتهم فلا لوم عليهم في ذلك.
* * *
- ثم قال تعالى: ﴿فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ﴾
أي: فمن التمس لفرجه منكحاً سوى زوجته ومملوكته فهو متعد إلى ما حرم الله عليه، ملوم على فعله.
* * *
- ثم قال ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾.
أي: وإلا الذين يحافظون على أداء أماناتهم من فروضهم - التي ألزمهم الله إياها - وأَمَاناتِ عباده التي ائتمنوهم عليها، والوفاء بعهودهم التي أخذها الله عليهم، وعهود عباده عندهم.
* * *
- ثم قال ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ﴾.
أي: وإلا الذين هم لا يكتمون ما أشهدوا عليه، ولكن يؤدونه حيث يلزمهم أداؤه غير مبدلين ولا مغيرين.
* * *
- ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾.
أي: وإلا الذين يحافظون على أداء صلواتهم بفروضها في أوقاتها، بحدودها لا يضيعون شيئاً من ذلك ثم أخبر عن مصير هؤلاء الذين تقدمت صفتهم في الاستثناء من الإنسان الهلوع فقال:
* * *
﴿أُوْلَـٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾.
أي: الذين تقدمت صفتهم - من قوله: "إِلاَّ المُصَلِّينَ" - في بساتين يكرمهم الله بكرامته.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾.
أي: فما شأن الذين كفروا نحوك عامدين: قال قتادة: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ "عامدين". وقال ابن زيد: المهطع "الذي [لا يطرف"]. وقال الحسن: ﴿مُهْطِعِينَ﴾: "منطلقين". وقال أبو عبيدة: مسرعين. فالمعنى: فما شأن الذين كفروا مسرعين بالتكذيب لك. وقيل: بالاستماع منك، لِيَعِيبُوكَ.
* * *
- ثم قال ﴿عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ﴾.
روي عن ابن عباس (أنه قال): [العزون]: العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين عن محمد يستهزئون به. وقال مجاهد (عزين: مجالس مجالس). قال قتادة: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ عامدين، ﴿عِزِينَ﴾ فرق حول رسول الله لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه. وقال الضحاك: عزين: (حلقاً) وفرقاً. قال ابن زيد: عزين: مجالس.
* * *
ومعنى ﴿عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ﴾ أي: عن يمينك وشمالك جماعات متفرقة في أديانهم مخالفين للإسلام. وقال الطبري: ﴿عِزِينَ﴾ متفرقين حلقاً حلقاً ومجالس مجالس، [جماعة جماعة] متفرقين عنك وعن كتاب الله.
* * *
- ثم قال ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ﴾
[أي]: أيطمع كل إنسان منهم أن ينجو من عذاب الله فيدخل الجنة التي ينعم مَن دخلها؟! لا يكون ذلك.
* * *
- ثم قال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ﴾.
أي: مِن مَني حقير لا يستوجب (به) دخول الجنة، إنما يستوجب دخولها بالطاعة لله. قال قتادة: ﴿مِّمَّا يَعْلَمُونَ﴾ من مني قذر، فَاتَّقِ الله يا ابن آدم.
وقيل: هو إشارة إلى إعلامهم أنهم كسائر الخلق ليس لهم فضل بأن يؤتى كل أحد منهم ما يريد من دخول الله، بل حكم جميع الخلق ألا يدخل أحد الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح، وأنتم أيها المخاطبون مثل جميع الخلق خلقتم من نطفة.
* * *
- ثم قال تعالى ﴿فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ﴾.
"لا" زائدة، والتقدير: [أقسم برب: مشارق الشمس] وهي ثلاثمائة وستون، وبرب مغاربها، وهي ثلاثمائة وستون.
* * *
- ﴿إِنَّا لَقَٰدِرُونَ﴾.
على أن نخلق خيراً من هؤلاء المشركين ونهلكهم.
- ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾:
أي ما يفوتنا أحد نريد هلاكه ولا أمر نريد إتمامه.
قال ابن عباس: "(إن) الشمس تطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كُوَّة، تطلع كل يوم في كوة لا ترجع إلى تلك الكوة إلى ذلك اليوم من العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، [تقول]: يا رب، لا تطلعني على عبادك، فإني أراهم يعصونك ويعملون بمعاصيك". وعن ابن عباس أيضاً في قوله: ﴿فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ﴾ أنه قال: "هو مطلع الشمس ومغربها ومطلع القمر ومغربه".
* * *
- ثم قال تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ (يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ) حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ﴾.
هذا تهدد ووعيد لكفار قريش ومن كان على دينهم. أي: دع يا محمد هؤلاء المشركين - المهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين - يخوضوا في [باطلهم] ويلعبوا في هذه الدنيا حتى يلاقوا يوم القيامة الذي وعدوا به.
ثم بَيَّنَ [يومهم] الذي يوعدون فقال: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً...﴾، فهو يوم بدلٌ من "يوم" الأول. فالمعنى [فَذَرْهُمْ] يا محمد حتى يلاقوا يوم يخرجون من القبور مسرعين إلى الداعي.
* * *
- ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾.
أي: كأنهم إلى عَلَم قد نصب لهم يستبقون، [و "نَصْب" مصدر: نَصَبْتُ الشيء] نَصْباً فتأويله كأنهم إلى صنم منصوب (لهم) يسرعون ذليلين. وروي عن عاصم أنه [قرأ: ﴿نُصُبٍ﴾] بضم النون والصاد، جعله [واحداً لأنصاب]، وَهي آلهتهم التي كانوا يعبدون، كطُنُب وأطناب. وقيل: هو جمع نَصْبٍ، والنَّصْبُ: الصنم الذي ينصب لهم فيكون كرَهْن ورُهُن، وهو قول أبي عبيدة. وقيل: هو جمع نصاب، والنصاب الحجر أو الضم ينصب فيذبح عنده. وقرأ قتادة: ﴿نُصُبٍ﴾ بضم النون وإسكان الصاد فهو مخفف من "نُصُب".
وقد قيل: إن نَصْباً ونُصْباً ثلاث لغات بمعنىً، كما يقال عَمْرٌو وعُمْرٌو وعُمُرٌو. فأما قوله تعالى ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] فهو جمع نصاب عند كل العلماء، وهو الذي ينصب ليذبحوا لآلهتهم عنده وقد مضى ذكره. قال: أبو العالية ﴿إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ أي: كأنهم إلى غايات يستبقون. وقال ابن عباس: إلى غايات يسعون. وقال الضحاك: إلى ("علم ينطلقون"). وقال ابن زيد: [﴿إِلَىٰ نُصُبٍ﴾]: النَّصْبُ حجارة طوال يعبدونها يسمونها نَصْباً، قال: و ﴿يُوفِضُونَ﴾: يسرعون إليه.
وقال الحسن: ﴿(كَأَنَّهُمْ) إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ أي: يبْتَدِرون نصبهم أيهم يسْتلمه أول، قال: وذلك إذا طلعت الشمس لا يلوي أولهم على آخرهم.
* * *
- وقوله: ﴿خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ﴾
أي: خاضعة ذليلة لما نزل بهم من الخزي والهوان.
* * *
- ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾
أي: تغشاهم ذلة. والعامل في "خاشعةً" "يخرجون" أو "ترهقهم"،
* * *
- ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ (ٱلَّذِي) كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾.
أي: هذا اليوم الذي تقدمت صفته هو اليوم الذي كانوا يوعدون به في الدنيا فلا يصدقون به.
{"ayahs_start":29,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ","إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ","فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰعُونَ","وَٱلَّذِینَ هُم بِشَهَـٰدَ ٰتِهِمۡ قَاۤىِٕمُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی جَنَّـٰتࣲ مُّكۡرَمُونَ","فَمَالِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ قِبَلَكَ مُهۡطِعِینَ","عَنِ ٱلۡیَمِینِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِینَ","أَیَطۡمَعُ كُلُّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ أَن یُدۡخَلَ جَنَّةَ نَعِیمࣲ","كَلَّاۤۖ إِنَّا خَلَقۡنَـٰهُم مِّمَّا یَعۡلَمُونَ","فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَـٰرِقِ وَٱلۡمَغَـٰرِبِ إِنَّا لَقَـٰدِرُونَ","عَلَىٰۤ أَن نُّبَدِّلَ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِینَ","فَذَرۡهُمۡ یَخُوضُوا۟ وَیَلۡعَبُوا۟ حَتَّىٰ یُلَـٰقُوا۟ یَوۡمَهُمُ ٱلَّذِی یُوعَدُونَ","یَوۡمَ یَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعࣰا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبࣲ یُوفِضُونَ","خَـٰشِعَةً أَبۡصَـٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةࣱۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمُ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یُوعَدُونَ"],"ayah":"فَمَالِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ قِبَلَكَ مُهۡطِعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق