الباحث القرآني
قوله: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ﴾ إلى: ﴿يَشْعُرُونَ﴾.
هذه الآية تحذير لقريش، ومن كفر بالنبي (ﷺ)، وإعلام من الله لنبيه (ﷺ)، سُنَّتَهُ فيمن خَلاَ من الأمم الكافرة.
و ﴿بِٱلْبَأْسَآءِ﴾. البؤس وضيق العيش.
﴿ٱلضَّرَّآءِ﴾، الضر.
﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾، أي: فعل ذلك بهم، ليتضرعوا إلى الله (عز وجل) ويخشعوا، وينيبوا عن الكفر.
قال السدي، ﴿بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ﴾: الفقر والجوع.
وقال ابن مسعود: ﴿بِٱلْبَأْسَآءِ﴾، الفقر، و ﴿وَٱلضَّرَّآءِ﴾، المرض.
وقيل: ﴿بِٱلْبَأْسَآءِ﴾، المصائب في المال، و ﴿وَٱلضَّرَّآءِ﴾، المصائب في البدن.
* * *
وقوله: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ [حَتَّىٰ عَفَوْاْ]﴾.
سمي [الضرر والفقر سيئة، لأنه يسوء صاحبه.
و ﴿ٱلْحَسَنَةَ﴾: الرخاء والصحة. سمي] ذلك حسنة، لأنها تحسن عند من حلت به، فبدل الله (عز وجل) لهم مكان الضرر والفقر، الرخاء والصحة، ﴿حَتَّىٰ عَفَوْاْ﴾ أي: تضاعف أعدادهم بالتناسل، وهو من الأضداد، يقال: "عفا": كثر، و "عفا": درس.
ومن الكثرة قوله عليه السلام: "أَخْفُوا الشَّوَارِبَ واعْفُوا اللِّحَى"، أي: وفروا [اللحى] حتى يكثر شعرها.
فمعنى ﴿عَفَوْاْ﴾ على هذا، أي: كثروا.
قال ابن زيد: معناه، بدلنا مكان ما كَرِهُوا ما أحَبُّوا.
وعن مجاهد: ﴿عَفَوْاْ﴾، كثرت أموالهم وأولادهم.
وقال قتادة: ﴿عَفَوْاْ﴾، سُرُّوا.
أي: سُرُّوا بكثرتهم، وذلك استدراج منه لهم؛ لأنه أخذهم بالشدة ليتعظوا فلم يفعلوا. ثم أخذهم بالرخاء لعلهم يشكرون، استدراجاً لهم، فـ: ﴿قَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ﴾، وهو الضيق في المعاش، ﴿وَٱلسَّرَّآءُ﴾: السرور والسعة، فنحن مثلهم، يصيبنا مثل ما أصابهم، ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾، أي: أخذناهم بالهلاك فجأة على غرة، ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾، أي: لا يدرون بذلك.
وقد كرر الله، عز وجل، قصص الأنبياء وأممها، في سور كثيرة بألفاظ مختلفة، ومعان متقاربة. ونحن نذكر علة تكرار ذلك في القرآن، بما حضرنا من أقوال العلماء، إن شاء الله.
ذكر العلة
في تكرار الأنبياء والقصص
في القرآن
علة ذلك أن القرآن نزل شيئاً بعد شيء نُجُوماً، في ثلاث وعشرين سنة، فكانت العرب ترد على النبي ﷺ، من كل أُفُق فيقرئهم المسلمون السورة من القرآن، فيذهبون بها إلى قومهم.
وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة، بالسور المختلفة، فيبلغ إلى هؤلاء من القصص ما لم يبلغ إلى هؤلاء، فثنى الله القصص وكررها ليكون يبلغ إلى هؤلاء ما يبلغ إلى هؤلاء إشهاراً منه لهذه القصص ليتعظ بها من بلغته، ويعلم أنها دلالة على نبوة من أتى بها، ويعيها كل قلب، ويزداد الحاضرون السامعون لتكرارها تَفَهُّماً.
ولو نزل القرآن جملة واحدة لسبق حدوث الأسباب التي أنزله الله (عز وجل) بها، ولثقلت جملة الفرائض على المسلمين، وعلى من أراد الدخول في الدين ولفسد معنى النَّسْخ، فإنما نزل فَرْضاً بَعْدَ فَرْضٍ، تدريجياً للعباد وتيسيراً عليهم إلى أن يكمل دين الله (عز وجل). كل ذلك تثبيتاً لهم على الإسلام، قال الله: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [الفرقان: ٣٢]، وهذا جوابهم إذ قالوا: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: ٣٢]، فإنما نزل متفرقاً ليثبتهم على الإسلام، إذ لو نزلت الفرائض مرة واحدة، لكان ذلك داعية إلى النقار والصعوبة عليهم.
فإن قيل: هلا كررت الفرائض كما كررت القصص؟
قيل: إن الفرائض كان رسول الله (ﷺ) يبعث بها إلى كل قوم ليعلمهم بها فرض الله عليهم، من الصلاة والزكاة، فكل المؤمنين يصل إليه ذلك ببعث رسول الله (عليه السلام) إذ ذلك وجب عليه، وهو من تمام التبليغ.
والقصص ليست كذلك، إنما نزلت على طريق الاعتبار، فليس يقتص بها كل من آمن، فكررت لتشتهر عند المؤمنين.
فإن قيل: فلم كرر ﴿فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: ١٣، ٧٧]، و: ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: ١٦، ١٨، ٢١، ٣٠]، و﴿قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون: ١] وشبهه؟
فالجواب أن مذهب العرب: التكرار للتوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم: الاختصار للتخفيف، فيقولون: "عجل عجل"، و "الزم الزم"، فيكررون للتأكيد، ويقولون: "الهلال والله"، [أي: هذا الهلال]، فيختصرون للتخفيف.
وربما استوحشوا من الإعادة فغيروا اللفظة الثانية فيقولون: (هو) "عَطْشان نَطْشان"، و "حَسَنٌ بَسَنٌ"، و "شَيْطَان [لَيْطان]"، أبدلوا الثاني وغيروه لئلا يعيدوه بلفظه إذ لم يكن (لهم) بد من التأكيد.
وأما التكرير في ﴿قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ﴾، فإن المشركين قالوا للنبي (ﷺ): اعبد بعض آلهتنا، ونؤمن بإلهك، فأنزل الله (عز وجل): ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ [الكافرون: ٢-٣] ثم أقاموا مرة وقالوا (له): اعبد آلهتنا وقتاً من الزمان، ونعبد إلهك مثله، فأنزل الله (عز وجل): ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ [الكافرون: ٤-٥].
ومن العلة في التكرار ﴿فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، أن الله تبارك وتعالى، عَدَّدَ في "الرحمن" آلاءه ونعمه، ونبههم على ما أعد للمؤمنين من نعمه، فأتبع كل نعمة ذكرها الاستفهام بمعنى: التوبيخ، والسؤال لهم بأي نعمة يكذبون، لتكون فاصلة بين [كل نعمة] ذكرها وبين ما بعدها من نعمة أخرى، ليفهموا كل نعمة على انفصالها. وهذا كقول العرب للرجل: ألم أطعمك وأنت جائع؟ أفتنكر هذا؟ [ألم أكسك وأنت عريان؟ أفتنكر هذا؟، ألم أغنك وأنت فقير؟ أفتنكر هذا؟] وشبهه.
ومثل: هذا تكراره: ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٥، ١٧، ٢٢، ٣٢، ٤٠، ٥١] في سورة: "اقتربت"؛ لأنه يذكر لهم آياته، وعِبَر ما يعتبرون به، ثم نبههم على الاعتبار والادكار بذلك، فإذا ذكر آية وعِبَراً نبههم على الاعتبار بها، وكرر ذلك عليهم، ليكون أَفْهَم لهم.
وقد يأتي تكرار المعنى بلفظين مختلفين، وذلك للاتساع في المعنى واللفظ، نحو قولك: "آمرك بالوفاء، وأنهاك عن الغدر"، والأمر بالوفاء هو النهي عن الغدر. ومثله: "آمرك بالتواصل، وأنهاك عن التقاطع".
وكقوله: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨]، والنخل والرمان من الفاكهة، فَأُفْرِدَا عن الجملة، لفضلهما.
ومثله قوله: ﴿حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ﴾ [البقرة: ٢٣٨]، وهي منها، فأفردها بالذكر ترغيباً فيها، كما تقول العرب: "إيتني كل يوم (ويوم) الجمعة.
ومنه قوله: ﴿لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم﴾ [الزخرف: ٨٠]، والنجوى هو السر.
وقد يكون "السر": ما أسروا في أنفسهم، و "النجوى": ما تَسَارَرُوا به سِرّاً، وهذا كما قال ذو الرُّمة:
؎ لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لعَسُ ∗∗∗ وَفِي اللِّثاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَب
واللَّعَسُ: حُوَّة.
وقريب من هذا: الزيادة للتأكيد، كقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]؛ لأن الرجل قد يقول بالمجاز: كتاباً ورسالة، وعلى لسان غيره.
ومنه قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٧٩]؛ لأن الرجل قد يضاف إليه الكتاب، والكاتب غيره. يقول الأمي: كتبت إليك، وإنما كُتِبَ له، وكتب الأمير كتاباً، وإنما أمر بِكِتْبَتَهِ، فَبَيَّنَ بقوله: ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾، أنهم بأنفسهم كتبوه على الحقيقة.
وقد قال ابن عباس في قوله: ﴿تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ﴾ [البقرة: ٢٤٨]، وإنما أُمِرَتْ بحمله، كقولك: "حملت إلى بلد كذا بُرّاً وقمحاً"، وإنما [تريد] أمرت بحمله.
وقال تعالى: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٩٣]، فذكر اليمين؛ لأن فيها القوة وشدة البطش، فأخبر بذلك عن شدة الضرب.
ومثله: ﴿وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨]، فأكد بذلك، كما تقول: رَأْيُ عَيْنِي وسَمْعُ أُذُنِي].
ومنه قوله: ﴿وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]، وهذا مثل قولهم: نفسي التي بَيْنَ جَنَبيّ.
ومثله قوله تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦].
{"ayahs_start":94,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّبِیٍّ إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَضَّرَّعُونَ","ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّیِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا۟ وَّقَالُوا۟ قَدۡ مَسَّ ءَابَاۤءَنَا ٱلضَّرَّاۤءُ وَٱلسَّرَّاۤءُ فَأَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ"],"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّبِیٍّ إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَضَّرَّعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











