الباحث القرآني
قوله: ﴿إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ﴾، إلى قوله: ﴿عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ﴾.
قرأ الجَحْدَري: "إِنَّ وَلِيَّ اللهِ"، بياء مفتوحة شديدة، وخفض الاسم. يعني به جبريل، عليه السلام.
ومعنى الآية على قراءة الجماعة: قل، يا محمد، لعبدة الأوثان، ﴿إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ﴾، أي: (إنَّ) نصيري عليكم، ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ﴾ عَلَيَّ بِالحَقَّ، ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ﴾، أي: يَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ فِيهِ.
* * *
ثم قال: ﴿وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾.
[أي: وقل لهم بعد إخبارك أن الله، تعالى، ينصرك: والذين تدعون من دون الله، لا يستطيعون نصركم] كما نصرني الله، ولا يستطيعون نصر أنفسهم. فأي هذين أولى بالعبادة؟ من نَصَرَ نَفْسَهُ، وَنَصَرَ مَنْ عَبَدَهُ، أو من لا يستطيع نصر نفسه ولا نصر من عبده؟
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ﴾.
أي: وإن تدعوا، أيُّها المشركون، آلهتكم ﴿إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ﴾ دعاءكم.
﴿وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾، يعني: آلهتكم، ﴿وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾، يعني: الآلهة.
﴿وَتَرَٰهُمْ﴾ في هذا بمعنى: الظن والحِسْبَان، لا من النَّظَر. وقد تَأوَّلهُ بمعنى: "النَّظَرِ" المُعْتَزِلَةُ، وغَلِطُوا فيه.
وقال السدي: يعني بذلك المشركين، لا يسمعون الهدى،
﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ ما تدعوهم إليه.
وقيل معنى: ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ هنا: يُوَاجِهُونَك ولا يَرَوْنَكَ.
وحكى الكسائي: "الحَائِطُ يَنْظُرَ إِلَيْكَ". أي: يواجهك، إذا كان قريباً منك.
وحكى: "دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلاَنَ"، أي تواجه وتحاذي وتقابل.
ودَلَّ قوله ﴿وَتَرَٰهُمْ﴾ على أن المراد المُشْرِكُونَ، إذ لو كان للآلهة لقال: "وتراها".
وقيل: هي للآلهة؛ لأنها مثل بني آدم في صورها التي مَثَّلُوها؛ ولأنهم يعظمونها ويخاطبونها بمخاطبة من يعقل، فَخُوطِبُوا هُمْ كَذَلِكَ. فمن جعله للمشركين، كان "ترى" على بابه، من رؤية العين.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ﴾.
قال بعض أهل المعاني: في هذه الآية بيان قول النبي، ﷺ: "أُوتيتُ جَوَامِعَ الكَلاَمِ
فهذه الآية قد جمعت معاني كثيرة، وفوائد عظيمة، وجمعت كل خُلُقٍ حسن؛ لأن في "أخذ العفو": صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين.
وفي "الأمر بالمعروف": تقوى الله (عز وجل)، وطاعته، (جلت عظمته)، وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطرف عن الحُرُمات.
وسُمِّيَ ذلك وَنَحْوَهُ "عُرْفاً"؛ لأن كل نفس تعرفه وتركن إليه.
وفي "الإعراض عن الجاهلين": الصبر، والحلم، وتنزيه النفس عن مخالطة السفيه، ومنازعة اللَّجُوج، وغير ذلك من الأفعال المَرْضَيَّةِ.
وقال أهل التفسير في قوله ﴿خُذِ ٱلْعَفْوَ﴾، أي: خذ فضل أموالهم، وهو حق في المال نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ. وهو قول: ابن عباس، والسدي، وغيرهما.
وقيل: هو الزكاة. وهو قول مجاهد.
وقيل: هو أمْرٌ بالاحتمال وترك الغِلْظة، ثم نسخ بالأمر بالغلظة والأمر بالقتال. وهو قول ابن زيد.
وقال القاسم، وسالم: هو حق في المال سوى الزكاة.
وقال عبد الله، وعروة بن الزبير: روى هشام بن عروة عن أبيه ﴿خُذِ ٱلْعَفْوَ﴾، أي: من أخلاق الناس، أي: السَّهْلَ مِنْهَا.
* * *
﴿وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ﴾.
قال عروة، والسدي: "العُرْفُ": المعروف.
وفي الحديث معنى الآية: "أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ
قال سفيان بن عيينة: بلغني أن جبريل، عليه السلام، نزل على النبي (ﷺ)، فقال: يا محمد، جئتك بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ في الدنيا والآخرة ﴿خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ﴾، وهو يا محمد أن تصل من قطعك، وأن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك.
وروى ابن عيينة عن الشعبي أنه قال: إن جبريل، عليه السلام، (لما) نزل بهذه الآية على النبي عليه السلام، قال له النبي (عليه السلام)،: ما هذا يا جبريل؟ قال جبريل: لا أدري حتى أسأل العَالمِ، فذهب فمكث شيئاً، ثم رجع فقال: إن الله (عز وجل)، يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك
وقوله: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ﴾.
قال ابن زيد: هذا منسُوخٌ بالقتل.
وقيل: هي مُحْكَمةٌ، إنما أُمر بالاحتمال واللِّين. وذكر سفيان بن عيينة أن جبريل، (عليه السلام)، فسر هذا للنبي (ﷺ)، فقال: يا محمد، إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
قال قتادة: هذه أخلاق أمر الله، (عز وجل)، نبيه، (عليه السلام) (بها) وَدَلَّهُ عليها.
ورُويَ: أن جبريل، عليه السلام، نزل على النبي ﷺ، فقال يا محمد، أتيتك بمكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة ﴿خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ﴾، وذلك يا محمد، أن تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتَحْلُمَ عمن هو دونك.
ورُوِيَ أن "العُرْفَ"، قول: لا إله إلا الله، أُمِر النبي ﷺ، أن يأمر الناس بقولها.
{"ayahs_start":196,"ayahs":["إِنَّ وَلِـِّۧیَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی نَزَّلَ ٱلۡكِتَـٰبَۖ وَهُوَ یَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِینَ","وَٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا یَسۡتَطِیعُونَ نَصۡرَكُمۡ وَلَاۤ أَنفُسَهُمۡ یَنصُرُونَ","وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا یَسۡمَعُوا۟ۖ وَتَرَىٰهُمۡ یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ وَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ","خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَـٰهِلِینَ"],"ayah":"خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَـٰهِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق