الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ﴾ إلى قوله: ﴿لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾، أي: فإلى ذلك الدين يا محمد فادع الناس واستقم.
فاللام في "فلذلك" بمعنى "إلى" كما قال: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥]، أي: إليها.
﴿وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ﴾ أي: واستقم يا محمد على العمل بذلك الدين، واثبُت عليه كما أمرك ربك.
(وقيل: "ذلك" بمعنى: هذا. والتقدير: فلهذا القرآن فادع الناس يا محمد واستقم على العمل به كما أمرك ربك.
وقيل: اللام) على بابها، والمعنى: ومن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع إلى عبادة الله واستقم على (ما أمرك) ربك.
وفي الكلام تقديم وتأخير. والتقدير فيه: كَبُرَ على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع، أي فإلى ذلك (الدين فادع) عباد الله واستقم كما أمرت.
* * *
ثم قال: ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ﴾، أي: ولا تتبع أهواء المشركين في الحق الذي شرعه الله لكم من الدين.
﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ﴾ أي: وقل يا محمد صَدَّقْتُ بما أنزل الله من كتاب، كائنا ذلك الكتاب ما كان لا أُكَذِّبُ بشيء منه، كما كذبتم أيها المشركون ببعضه، وصدقتم ببعضه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾، أي: وأن أسير فيكم أجمعين بالحق الذي بعثني (الله به).
قال قتادة: "أُمِرَ رسول الله ﷺ أن يعدل، فعدل، حتى مات ﷺ. والعدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ المظلوم من الظالم، والضعيف من الشديد" وروي عن النبي ﷺ أنه قال: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَنْجَيْنَهُ: الْقَصْدُ فِي الْفَاقَةِ وَالْغِنَى، والْعَدْلُ فِي الْرِّضَى وَالْغَضَبِ، وَالخَشْيَةُ فِي الْسِّرِّ وَالْعَلاَنِيّةِ.
وَثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَهْلَكْتُهُ: شُحٌّ مَطَاعٌ، وَهَوَى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ.
وَأَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيهُنَّ فَقَدْ أُعْطِي خَيْرَ الْدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَبَدَنٌ صَابِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُوَافِقَةٌ
ثم قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾، أي: مَالِكُنَا ومَالِكُكُم. وهذا كله خطاب لجميع الأحزاب من أهل الكتابين.
﴿لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾، أي: لنا ثواب ما اكتسبنا من الأعمال، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها.
﴿لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾، أي: "لا خصومة": قاله مجاهد وابن زيد. وقيل: (المعنى: لا خصومة بيننا) لأن الحق قد تَبَيَّنَ لَكُمْ صوابه. فاحتجاجكم إنما هو عناد في أمر قد تبين لكم صوابه (فاحتجاجكم إنما هو فيما قد علمنا أنكم) تعلمونه وتنكرونه بعد علمكم بصحته.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ﴾، أي: يجمع بيننا في موقف يوم القيامة فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه، وإليه مصيرنا أجمعين.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ﴾، أي: والذين يخاصمون في دين الله عز وجل الذي بعث به محمداً ﷺ، من بعد ما استجيب له الناس ودخلوا فيه.
﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي: خصومتهم باطلة ذاهبة عند ربهم.
﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ من ربهم.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في الآخرة، وهو عذاب النار.
وقيل المعنى: والذين يخاصمون الناس في دين الله، من بعد ما استجيب للنبي. فتكون "الهاء" للنبي ﷺ في هذا القول. وهي لله عز وجل في القول الأول.
ومعنى: استجيب له - في هذا القول - استجيب دعاؤه، لأنه دعا على أهل بدر فاستجيب له، ودعا على أهل مكة ومضر. بالقحط فاستجيب له، ودعا للمستضعفين أن ينجيهم الله من قريش فاستجيب له في أشباه لهذا.
وقال مجاهد: هم قوم من الكفار خاصموا المؤمنين في وحدانية الله سبحانه من بعدما استجيب له المؤمنون.
وذكر الطبري أن هذه الآية "نزلت في قوم من اليهود خاصموا أصحاب النبي ﷺ في دينهم وطعموا أن يصدوهم عنه إلى الكفر"، وهو قول ابن عباس.
وقال قتادة: نزلت في اليهود والنصارى، قالوا: ديننا قبل دينكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم.
* * *
ثم قال: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ﴾، أي: الله الذي أنزل هذا الكتاب - يعني: القرآن - بالحق وأنزل الميزان.
قال مجاهد وقتادة: الميزان: العدل، ليقضي بين الناس بالإنصاف بحكم الله.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾، أي: وأي شيء يعلمك يا محمد لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب.
وفي الكلام معنى التهديد والتخويف لمن أنزل عليه القرآن - وهو النبي ﷺ وأمته.
وذكر "قريب" و "الساعة" مؤنثة على طريق النسب.
وقيل: ذكر ليفرق بينه إذا كان من المسافة والزمان، وبينه إذا كان من النسب والقرابة.
وقال الزجاج: "هو تأنيث ليس بحقيقي فحمل على المعنى. والتقدير لعل البعث قريب".
وقيل التقدير لعمل مجيء الساعة قريب، ثم حُذف مثل ﴿وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢].
* * *
ثم قال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ أي: يستعجلك بمجيئها يا محمد الذين لا يؤمنون بها ينكرون مجيئها، يظنون أنها غير جائية، وذلك قولهم: ﴿مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الملك: ٢٥].
فهم يسألون عن حدوث كونها على جهة التكذيب لمجيئها.
والذين آمنوا بها، وعلموا أنها ستأتي مشفقون منها، أي: وجلون خائفون من مجيئها لصحة وقوع ذلك عندهم وكونه، لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها.
﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ﴾، أي: ويوقنون أن مجيئها حق يقين. ثم قال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ﴾، أي: يجادلون الناس فيها أنها لا تقوم.
﴿لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾، أي: لفي جور عن الصواب، بعيد عن الحق، لأنهم كفروا معاندة ودفعاً للحق.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["فَلِذَ ٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبࣲۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ","وَٱلَّذِینَ یُحَاۤجُّونَ فِی ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِیبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَیۡهِمۡ غَضَبࣱ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدٌ","ٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِیزَانَۗ وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِیبࣱ","یَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَیَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَاۤ إِنَّ ٱلَّذِینَ یُمَارُونَ فِی ٱلسَّاعَةِ لَفِی ضَلَـٰلِۭ بَعِیدٍ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ یُحَاۤجُّونَ فِی ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِیبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَیۡهِمۡ غَضَبࣱ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق