قوله: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ..﴾.
نهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين والمنافقين أولياء في هذه الآية. والبطانة: الدخيلة الذين يطلعهم الرجل على سره لأنهم كانوا لا يبقون غاية في التلبيس على المؤمنين، فأمر الله المؤمنين ألا يداخلوهم.
وقيل: البطانة: الأصدقاء، وقيل: للأخلاء، والمعنى في ذلك متقارب ومعنى ﴿مِّن دُونِكُمْ﴾ أي: من دون أهل دينكم كما قال: ﴿فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ﴾ أي: على أهل دينكم
﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ أي: لا يقصرون في السوء والشتات بينكم، وهي البطانة المنهي عنها. ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ﴾ أي: يتمنون لكم العنت والشر في أنفسكم ودينكم.
وقيل: "ودوا عَنَتَكم، أي: ما شق عليكم، وما نزل بكم من مكروه وضر. وأصل هذا أن يقال: أكمة عنوت: إذا كانت طويلة شاقة.
ويقال: عنت العظم: إذا انكسر بعد جبر، ومنه قوله ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ [مِنْكُمْ]﴾ [النساء: ٢٥] أي: المشقة.
ونزلت هذه الآية في قوم من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من اليهود وأهل النفاق منهم، ويصافونهم المودة قال ذلك ابن عباس. فنهاهم الله أن يصادقوهم دون المؤمنين وأن يستهجوهم في شيء من أمر دينهم فإنهم لا يقصرون في الخبال والشر لهم.
وأكثر أهل التفسير على أنها نزلت في النهي عن مصافاة اليهود والمنافقين ومخالطتهم ومصادقتهم وإنشاء الشر إليهم وأخبرهم أنهم يودون كفرهم وإضلالهم وما ينزل بهم من شر.
* * *
وقوله: ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ﴾ هو خبر مستأنف وليس بحال من البطانة.
وقد قيل: إن ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ﴾ صفة ثانية للبطانة والصفة الأولى ﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾.
﴿قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي: ظهرت بألسنتهم وهو إقامتهم على الكفر، أو النفاق، والذي تخفيه صدورهم من البغضاء والعداوة لكم مما بدا لكم بألسنتهم ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ﴾ أي: العبارات من أمر هؤلاء ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ عن الله آياته ومواعظه.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةࣰ مِّن دُونِكُمۡ لَا یَأۡلُونَكُمۡ خَبَالࣰا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَاۤءُ مِنۡ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِی صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ"}